حكومة حمدوك على المحك.. لماذا يطالب السودانيون برحيلها؟
في 31 أغسطس/ آب 2019، بدأ السودان فترة انتقالية تستمر 39 شهرا، يتقاسم خلالها، الجيش وتحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، قائد الاحتجاجات الشعبية، مقاليد السلطة، وتنتهي بإجراء انتخابات.
هذا السيناريو المرسوم على وقع الثورة السودانية، يواجه اليوم عقبات جمة، أولها حكومة الخرطوم ذاتها، ورئيس وزرائها عبدالله حمدوك، الذي بدأ يجني ثمار إخفاقات عدة في إدارة المرحلة الانتقالية، ومواجهة مظاهرات مستمرة على وقع أزمات اقتصادية وسياسية.
منذ تسلم حمدوك المحسوب على تيار اليسار والفكر الشيوعي، رئاسة الحكومة في السودان، وقراراته وسياساته محل جدل، فالبعض يراها محاولة لإحداث تغيير كامل في بنية المجتمع وتركيبته بما لا يتناسب مع طبيعة المرحلة الانتقالية.
استعجال حمدوك في اجتثاث الإسلاميين من مناصب الدولة، ساهم في زيادة الاحتقان، والشرخ المجتمعي، والوصول إلى مرحلة اللاعودة بين الأطراف المتصارعة، وفق مراقبين.
مسيرات لا تتوقف
مطلع أبريل/ نيسان 2020، انطلقت مسيرات احتجاجية في العاصمة الخرطوم، للمطالبة برحيل حمدوك، حيث أشعل المتظاهرون إطارات السيارات أمام مقر مجلس الوزراء، ورددوا هتافات منددة بـ"حمدوك"، واتهموه بضعف الأداء، والفشل أمام الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
ويمر السودان بأزمة طاحنة في الخبز والوقود والاحتياجات الأساسية، تجلت في اصطفاف عدد كبير من المواطنين أمام المخابز، ومحطات الوقود بسبب عدم توفرها.
ومنذ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2019، انطلقت مسيرات "الزحف الأخضر" في شوارع وميادين الخرطوم، استجابة لدعوات تصحيح مسار الثورة وتحقيق شعاراتها.
وتضامنت أحزاب إسلامية متعددة مع دعوات المشاركة في "الزحف الأخضر"، وتنوعت الأسباب التي أوردتها تلك الأحزاب لمشاركتها في المظاهرات، أبرزها الاعتراض على سياسات الحكومة الانتقالية برئاسة حمدوك، صاحب التوجه اليساري، قائلين: إنه "انصرف إلى صراعات حزبية ضيقة، وتنفيذ أجندة سياسية معادية للهوية الإسلامية السودانية فضلا عن ممارسة حكومته للعزل السياسي وسياسة الإقصاء".
جملة إخفاقات
الإخفاقات المتتالية للحكومة السودانية، وعجزها عن حل الأزمات الاقتصادية، دفع حمدوك، في 3 أبريل/ نيسان 2020، لإطلاق حملة رفعت شعار "القومة (التبرع) للسودان" لدعم الموازنة العامة واحتياجات البلاد في ظل الأزمة الاقتصادية وتحديات مواجهة جائحة كورونا.
وقال حمدوك: "الحكومة الانتقالية واجهت عقبات كثيرة منذ توليها السلطة في البلاد، على رأسها الأزمة الاقتصادية التي جاءت نتيجة إرث كالح للفساد والإهدار والتبديد لموارد الدولة، والعزلة الاقتصادية لعقود طويلة نتيجة لسياسات النظام السابق".
نشطاء قابلوا حملة حمدوك، برفض شديد مؤكدين أنها لن تنجح في إنقاذ السودان، بل ستؤجل سقوط الحكومة المتعثرة.
الرفض الشعبي لحمدوك وحكومته لا يتمثل في الإسلاميين ورجال النظام السابق فقط، بل امتد إلى الجماهير التي تعاني من سعار الأزمة الاقتصادية، بل امتد أيضا إلى حلفائه.
أنصار تحالف "الحرية والتغيير"، خرجوا في موكب وصل إلى مقر مجلس الوزراء في الخرطوم، يوم 2 أبريل/ نيسان 2020، بهدف الضغط على حمدوك، لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية، وتعيين ولاة مدنيين في الولايات، وتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، وإنشاء المفوضيات المستقلة التي حددتها الوثيقة الدستورية، مع المطالبة كذلك بولاية وزارة المالية على المال العام، وحسم موضوع تبعية بنك السودان لمجلس الوزراء.
جاء خروج المظاهرات استجابة لدعوة من "قوى الحرية والتغيير"، التي ترفض بقاء العسكريين في مناصب الولاة، ما يسبب غضبا شعبيا كبيرا، وعدم شعور المواطنين بوجود تغيير ثوري على المستوى الولائي والمحلي.
أنصار حمدوك يبررون رفضه الإطاحة بالولاة العسكريين، برغبته في عدم الاصطدام بالمجلس العسكري الذي يشاركه الحكم، فيعجل بفشل المرحلة الانتقالية، ويوحد الأعداء ضده، خاصة وأنه يخوض حربا ضروسا ضد الإسلاميين.
اجتثاث الإسلاميين
لم يتوان حمدوك عن سياسة الإقصاء منذ توليه الحكومة، والتي تخطت رجال النظام السابق، إلى كافة المعارضين، وتحديدا أصحاب الهوية الإسلامية.
في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2019، قال حمدوك في الذكرى الأولى للثورة السودانية: "نعتزم تكوين جيش مهني بعقيدة جديدة، النظام البائد حوّل الدولة السودانية لضيعة لفئة قليلة نشرت الفساد بالبلاد، لذلك جاء قانون تفكيك النظام وإزالته ولن نتهاون في اتخاذ القرارات الحاسمة".
أخطر ما ارتكز عليه قانون التفكيك، تحت مظلة حل البنية الأساسية لرجال النظام السابق داخل المؤسسات الحكومية والأمنية، هو الإقصاء الكامل للإسلاميين، وإحلال عناصر أقرب لنظام الحكم الحالي من حيث التوجه والأيدولوجية (اليسار).
وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وبموجب قرار أطلق عليه "إزالة التمكين"، ومقصده رفع يد من يشتبه في ولائه للنظام السابق من المسؤوليات داخل الدولة، وبناء عليه "استلمت قوة من الشرطة السودانية، مقرات الاتحادات والنقابات المهنية بالبلاد"، في الوقت الذي قرر فيه بنك السودان المركزي، استنادا إلى القرار الحكومي، "حجز وتجميد أرصدة التنظيمات النقابية والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل".
كما منعت قوات الأمن، الموظفين والعاملين في الاتحاد العام للصحفيين، واتحاد المحامين، والمهندسين، والمعلمين، ونقابات العمال، من الدخول إلى مكاتبهم لمزاولة أعمالهم، إنفاذا لقرار "إزالة التمكين".
جاءت مطالبة "تجمع المهنيين"، اليساري التوجه، وأبرز مكونات قوى "إعلان الحرية والتغيير"، بحل الاتحادات والمنظمات والجمعيات الخيرية الإسلامية، والحجز على حساباتها المصرفية والأصول والممتلكات، كنقطة حاسمة في الصراع الدائر بين الحكومة والإسلاميين.
وفي 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أصدرت مفوضية العون الإنساني بالسودان التابعة للحكومة، قرارها بإلغاء تسجيل 24 منظمة، من المنظمات الأهلية والشبابية والنقابية، وجمدت أرصدتها وحساباتها داخل البلاد وخارجها، وهو ما اعتبر إقصاء للإسلاميين وتحييد دورهم في المفوضية، والعمل الطوعي الإنساني بشكل عام.
فشل وتعثر
قيادي بحزب المؤتمر الوطني السوداني، قال لـ"الاستقلال"، متحفظا على ذكر اسمه: "حكومة حمدوك إلى زوال من جميع الأوجه والأصعدة، بداية من الأداء الفاشل المتعثر في توفير الاحتياجات الأساسية للشعب السوداني، وصولا إلى الاصطدام بالمكونات الأساسية للأمة، من حيث الهوية الإسلامية، والتماسك المجتمعي، فهي عملت على ضرب الهوية، والإخلال بتماسك المجتمع، وإقصاء قطاعات ضخمة منه، تمثل أكبر الشرائح، وأكثرها تأثيرا".
وأضاف: "السودان لا يتحمل في هذه المرحلة الأخطاء، وقلة الخبرة، والتآمر، فالأوضاع كان يمكن أن تسير إلى منحى أفضل من ذلك، باجتماع الفرقاء، وبداية مرحلة جديدة، قائمة على التفاهم والمشاركة، ولكن أصحاب الأجندات فضلوا المراهنة على الوطن من أجل تنفيذ مخططاتهم".
وأردف: "اليساريون يعلمون جيدا أن شعبيتهم في الشارع منعدمة، ووجود انتخابات نزيهة، لن تأتي بهم إلى مقاعد السلطة، من أجل ذلك يسعون إلى تمكين أنفسهم بطرق ملتوية، وبالقوة، وهو ما سيؤدي إلى الاصطدام لا محالة، مع ازدياد حالة الفشل القائمة التي يلمسها كل مواطن سوداني".
واختتم عضو حزب المؤتمر الوطني حديثه: "بات سيناريو استمرار حكومة حمدوك بهذه الطريقة لفترة طويلة هو الأخطر على السودان، ولا بد من الوصول إلى حلول حاسمة، لتمر هذه المحنة بسلام".