إدلب.. عائلات سورية تعيش بالسجن طواعية بدلا من النزوح

12

طباعة

مشاركة

في المنطقة الأخيرة التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة السورية، تستضيف مدينة إدلب ما يقرب من 3.5 مليون نازح، تضاعفوا مؤخرا في غضون بضعة أشهر، بسبب القصف المستمر من قبل نظام الأسد على مناطق خفض التصعيد المحيطة.

وفر المئات من النازحين من بعض المناطق في إدلب أو ما حولها بعد سيطرة قوات النظام أو قصفه على مناطق محيطة في شمال غرب سوريا، حتى أجبر الناس على السكن في سجن المدينة المركزي وسط ظروف إنسانية صعبة.

قصص حية

تقول صحيفة "لوريان لو جور" الناطقة بالفرنسية: "عند مدخل سجن إدلب السابق، افترش رجل، ذو وجه أنهكه تعب الشمس والحرب، ملاية سرير على الأرض وبدأ في النداء للعثور على زبائن". 

لا يوجد على الملاية سوى إبريق شاي معدني، وبعض الكتب والأحذية، إضافة للعب أطفال معظمها تالف أو مكسور، لكن هذا كل ما تبقى لعبد الرحمن، الذي يعيش هناك مع 84 عائلة أخرى، في محاولة لإطعام أسرته.

ويشرح هذا الرجل للصحيفة الوضع داخل السجن قائلا: "نقسم كل زنزانة من الخمسة عشر الموجودة، إلى ثلاث أماكن، وأحيانا خمسة، من خلال الملايات أو الصناديق أو الحقائب لإنشاء أقسام، وإعطاء الجميع القليل من الخصوصية".

ويضيف وهو ينظف معطفه الأخضر من الغبار ناظرا حوله: "أعطتني العائلات الأشياء التي لم تعد تريدها، لأصلحها وأعيدها للحياة مرة أخرى، ثم نشتري ببيعها شيئا لإطعام الجميع بالأرباح الضئيلة التي نجنيها".

فمنذ اندلاع الحرب عام 2011، تضاعف سعر المنتجات الأساسية بمقدار 20 مرة، ويوضح عبد الرحمن "سعر الخبز ثابت، نشتري الزيت والأرز عندما نتمكن، ندبر أمورنا بقدر الاستطاعة، لقد تلقينا بضعة صناديق من المساعدات الإنسانية، لكنها لم تكن كافية، وقبل كل شيء، حدث هذا منذ وقت طويل".

وخلال حديثه مع مراسل الصحيفة، تركض فتاة صغيرة وتخفي وجهها وتقترب من جدها، ثم تعود إلى الفراش وهي تضحك بصوت عال، فيعلق الرجل قائلا: "إنها رانيا، حفيدتي، توفي والداها في تفجير انتحاري، ومنذ ذلك الحين أنا أهتم بها قدر الإمكان".

متنزه السجن

وتشير الصحيفة إلى أنه في قلب السجن المركزي بإدلب، أصبح متنزه السجناء ذو الأربعة جدران العالية، ساحة للأطفال النازحين، حيث يكون لضحكاتهم صدى. وفي الفناء أيضا، تواصل "لوريان لو جور": "ملابس من جميع الأحجام والألوان معلقة على الحبال الطويلة لتجفف في الشمس".

وأوضحت أنه في الطابق الأول، جرى وضع دروع الحراس السابقين الذين كانوا يحرسون السجن مقابل بعضها البعض كجدار لحماية الأطفال الذين يقفون بالقرب من الحافة.

وبدون مدارس أو مراكز تعليمية قريبة، يخاف الآباء خروج فلذات أكبادهم من هذا المبنى، خاصة أن النظام استهدف المدارس بطائراته في السابق. وقالت ليلى، وهي تجلس على حافة زنزانتها: "لا أريد أن يتركني أطفالي، أشعر بالقلق عندما لا أراهم أمامي".

فوفقا لمنظمة يونيسف، فإنه منذ عام 2014، جرى استهداف 478 مدرسة خلال هجمات النظام أو حليفته روسيا، كما تقدر الأمم المتحدة أن 2.8 مليون طفل حرموا الدراسة، وأن 180 ألف معلم أجبروا على الفرار.

ووسط شمس الشتاء الخافتة والجدران الحجرية البيضاء السميكة والعالية جدا تشير ليلى إلى النساء الأخريات الجالسات على الكراسي تحت شجرة، وتقول: "لم نكن نعرف بعضنا البعض قبل الوصول إلى هنا، والآن أصبحنا عائلة كبيرة".

وتوضح أنه على مدار تسع سنوات من الحرب، أصبح هذا السجن منزلها السادس، بينما أفقدتها أعمال العنف في سوريا معظم الأقارب.

ذكريات متنقلة

وفي نهاية سلسلة من الممرات والبوابات العالية، تأخذنا خديجة، أقدم سكان المكان، إلى ملجأ، فهي في الأصل من معرة النعمان، بلدة جنوب إدلب دمرها قصف النظام وحليفه الروسي في فبراير/ شباط ٢٠٢٠، واضطرت إلى الفرار من منزلها. 

المرأة السبعينية أوضحت أنها لم تعد تخشى الموت وتقول: "ما يحزنني هو أنني لم أعد في منزلي، حيث عشت بمعرة النعمان طوال حياتي، والآن سأموت في مكان غريب، لذا حاولت إنشاء منزلي على أي حال"، عارضة الأشياء التي تمكنت من الاحتفاظ بها والتي وضعتها بعناية في هذا الملجأ الصغير. 

هذه الأشياء، تقول الصحيفة: عبارة عن بعض الصور ووسادة مطرزة وقليل من الأطباق، وعلى أحد جدران الزنزانة القديمة، التي لا تزال رطبة أكثر من أي وقت مضى، عبارات تركها المعتقلون السابقون عندما كان نظام بشار الأسد يسيطر على هذا السجن.

وتضيف "لوريان لوجور": في غرفة مؤقتة مجاورة، تلعب فتاتان صغيرتان على الجانب الآخر من الستارة البلاستيكية المعلقة من السقف. تستمع لهم خديجة وتكرر:  لا أعرف أين أقاربي، فر الجميع عندما ضربت العاصفة المدينة. آمل أن يكونوا بخير وأمان في مكان ما".

ويعاني قرابة 20 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية بسوريا، كما أن ثلث الأمهات الحوامل أو المرضعات مصابات بفقر الدم، ولا يحصل ثلثا الأطفال ذوو الإعاقة على خدمات ملائمة.

وفي نهاية ممر في الطرف الآخر من المبنى، يتشارك أحمد وعائلته زنزانة مع عائلة شقيقه وابن عمه، حيث لا زخرفة أو ذكريات. وتنوه الصحيفة إلى أن أحمد من مدينة حمص، كان يدير متجر أثاث قبل الثورة، ثم انضم إلى الجيش السوري الحر الذي حمى المظاهرات المبكرة.

وعندما سقطت منطقته، باب عمرو، في أيدي النظام، بدأ النزوح الكبير، نزوح يبدو أنه بلا نهاية، ستة عشر منزلا في ثماني سنوات فقط.