أرقام مخيفة وخسائر بالمليارات.. كيف سيتجاوز العرب جائحة كورونا؟

طارق الشال | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

تلاحق الخسائر الاقتصادية الوطن العربي نتيجة تفشي فيروس كورونا واتجاه معظم دول العالم إلى تجميد جميع الأنشطة الاقتصادية، مما أدى إلى تراجع معدلات النمو عالميا وفي مقدمتها الاقتصادات الكبرى.

وجاءت خسائر الدول العربية عموما مدفوعة بانهيار أسعار النفط والبورصات وتراجع القطاعات الخدمية مثل السياحة.

ويعتبر النفط موردا رئيسا في عدد من الدول العربية، حيث يمثل ما يزيد عن 90 ٪ من دخول بعض اقتصادات تلك الدول التي يغلب عليها أنها ريعية وتفتقد إلى الهيكلة الاقتصادية والإنتاج الحقيقي.

ونشرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في 19 مارس/آذار ٢٠٢٠، تقريرا حول التكلفة الاقتصادية التي ستتكبدها المنطقة العربية، وتوقعت فيه أن تسجل في عام 2020 خسائر في إجمالي الناتج المحلي لا تقل عن 42 مليار دولار.

صعوبات التعافي

وأشارت إلى أنه مع اتساع رقعة هذا الوباء في دول الاتحاد الأوروبي وأميركا وغيرها من الاقتصادات الكبرى من المتوقع أن تتفاقم تلك الخسائر في المنطقة العربية.

وأضاف التقرير أنه في الفترة الممتدة بين ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٩ ومنتصف مارس/آذار 2020، تكبدت الشركات في المنطقة العربية خسائر فادحة في رأس المال السوقي بلغت قيمتها 420 مليار دولار، موضحا أن خسائر ثروة تلك الشركات تعادل نسبة 8 ٪ من إجمالي ثروة المنطقة.

يرى الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات، رشيد أوراز، أن اقتصادات الوطن العربي تختلف عن بعضها البعض فمنها نفطي والآخر غير نفطي ومن هي ذات دخل متوسط أو دخل شديد الفقر، ولكن كل تلك الاقتصادات ستتأثر نتيجة توقف النشاط الاقتصادي وحركة البورصات.

وأضاف أوراز، في حديث مع "الاستقلال"، أن تأثير الأزمة سيكون كبيرا لكن هناك قطاعات ستتأثر بشكل أكبر من الأخرى وفقا لطبيعتها، إلا أن الدول النفطية ستكون لديها موارد لدعم اقتصاداتها فيما بعد لكن بقية البلدان العربية ستكون في حاجة إلى دعم خارجي ومساندة مثل سوريا واليمن وموريتانيا والمغرب.

وأكد على أن تلك الأزمة التي نعاصرها ستستمر لوقت طويل نسبيا وأننا ما زلنا في البدايات، مشيرا إلى أن البلدان التي يشكل قطاع الخدمات مثل السياحة جزءا من دخلها ستتأثر بشكل كبير مثل مصر وتونس والمغرب وستحتاج وقتا كبيرا لاسترجاع عافية هذا القطاع.

ولفت إلى أن تراجع الموارد سيؤثر على القطاعات الاجتماعية وتمويلها مثل قطاع التعليم والصحة والبنية التحتية، نتيجة أن الدول لن يكون لديها موازنات كافية لتمويل تلك المشروعات. وتوقع أوراز أن دول المنطقة العربية ستعرف أزمات كبيرة جدا في موازنتها المالية نتيجة قلة الموارد.

بالإضافة إلى أن دول المنطقة ستشهد موجات مرتفعة من التضخم والبطالة، وبخاصة في ظل ما تشهده الاقتصادات العالمية الكبرى من خسائر، وفق تقديره.

أزمة النفط

وأشار التقرير الأممي لـ"الإسكوا"، أن انخفاض أسعار النفط ازداد حدة عقب الأزمة بين السعودية وروسيا، مما أدى إلى خسارة المنطقة إيرادات نفطية قيمتها الصافية 11 مليار دولار تقريبا وذلك من فترة من يناير/كانون الثاني إلى منتصف مارس/آذار 2020.

وأكد على أنه "إذا بقيت أسعار النفط علـى حالهـا، فستخسـر المنطقة 550 مليون دولار كل يوم"، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن هذه الأسعار تعود بالأرباح على الدول المستوردة للنفط إلا أن هذه المكاسب ضئيلة مقارنة بخسائر الدول المصدرة.

وطالب الباحث المغربي، الحكومات العربية بضرورة محاصرة هذا المرض من خلال وقف كل النشاط البشري، مؤكدا على أنه كلما كان التدخل سريعا لحصار هذا الوباء الذي ينتشر يوما بعد يوم ستكون القدرة على استعادة نشاط الاقتصادات نسبيا أسرع من الدول التي تتهاون في التعامل مع هذا الوباء.

وأوضح أوراز، أن قدرة البلدان العربية على التعافي سريعا عقب انتهاء تلك الأزمة ضعيفة، مضيفا بأنه يمكنها التخفيف من وطأة الأزمة من خلال بعض التدابير لكن من الصعب أن تتعافي بسهولة.

وأشار إلى أن تلك البلدان تمتلك موارد محدودة وقطاعات بدائية مثل استخراج النفط وبعض المعادن والقطاعات غير المهيكلة وقطاع الخدمات وغيرها من القطاعات التي تفتقد للصناعة أو الإنتاج الحقيقي.

من جانبة يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند، مصطفى شاهين، أن أبرز ما تسببت به كورونا هو تراجع أسعار النفط وبالتالي انهيار الإيرادات النفطية بالسعودية وكل دول الخليج على سبيل المثال، مما سيؤدي إلى انخفاض إيرادات الموازنات العامة وحدوث عجوزات تؤدي إلى تقشف تلك الدول في نفقاتها وحدوث كساد بها.

وأضاف شاهين، في حديثه مع "الاستقلال"، أنه إذا استمرت الأزمة لفترة طويلة سيؤدي ذلك إلى سحب أغلب الدول الخليجية احتياطياتها النقدية المتاحة في الخارج، وبالتالي ستنخفض نفقاتها العامة أو مشروعاتها التي تستثمر فيها حتى تستطيع أن تعدل ميزانيتها العامة.

ولكن الدول المستوردة للنفط مثل مصر يمكنها الاستفادة من الوضع الحالي للأسعار وبالتالي يمكنها تحقيق فائض وتوقيع عقود آجلة وخفض أسعار الوقود محليا ولكنها لم تفعل حتى الآن.

وتوقع التقرير الأممي لـ"الإسكوا"، أن تخسر المنطقة العربية أكثر من 1.7 مليون وظيفة في عام 2020، مع ارتفاع معدل البطالة بمقدار 1.2 نقطة مئوية.

وأكد على أن فرص العمل ستتأثر في جميع القطاعات، وأن قطاع الخدمات، وهو المصدر الرئيسي لفرص العمل في المنطقة العربية، سيكون أكثر القطاعات تعرّضا لآثار "التباعد الاجتماعي"، حيث تشير التقديرات إلى انخفاض نشاط هذا القطاع بمعدل النصف.

البورصات العربية

وقال الخبير الاقتصادي، علي حسين العنزي: إن جميع الاقتصادات ستخسر بما فيها الاقتصادات الكبرى الأكثر تنوعا والأفضل هيكلية، وبالتالي من المؤكد تأثر المنطقة العربية.

وأكد العنزي أن وكالات التصنيف العالمي والمؤسسات الاقتصادية الكبرى تقدر تراجع النمو الاقتصادي العالمي بنحو 10 ٪، وبالتالي في ظل اقتصاد المنطقة العربية التي تملك أدوات نمو هشه ومحدودة أيضا فإن الوضع الاقتصادي سيكون سيئا مع تباين حدة هذا الأمر على اقتصادات المنطقة.

ويرى العنزي، في حديثه مع "الاستقلال"، أن البورصات العربية لحقت بها خسائر كبيرة، وأكبر المتضررين هي بورصة دبي التي وصل حجم خسائرها إلى 35 في المائة وبورصة الكويت التي خسرت 30 في المائة، بينما بورصة مسقط تعد هي الأقل خسارة في بورصات الخليج بنسبة 10 في المائة نظرا لأنها الأقل سيولة.

ومنذ بداية إعلان حالات الإصابة الأولى بفيروس كورونا في تلك البلاد تراجعت بورصة مصر بنسبة 17.76 في المائة، بينما علقت بورصة عمان نشاطها بعد أن شهدت تراجعا بنحو 4.48 في المائة.

وأعلن رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي عن تخصيص 20 مليار جنيه من البنك المركزي لدعم البورصة المصرية، كما أعلن حاكم دبي محمد بن راشد عن دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وضمان تنفيذ المشاريع الحكومية الكبيرة في مجال البنية التحتية.

وأكد الخبير الاقتصادي، على أنه لا يمكن تدارك تلك الخسائر لارتباطها بالحالة النفسية للمتداولين بالإضافة إلى التخلي عن المراكز المالية لتلقف مراكز مالية أقل.

وأشار إلى أن الأسهم والأسواق المالية يتم شراؤها لمستقبلها. لذلك لا يمكن تدارك تلك الخسائر، فهناك دول خليجية قدمت حزما لإنقاذ الوضع الاقتصادي ولم تفلح تلك المحاولات في خفض حالة الذعر بين المستثمرين.

وأوضح العنزي، أن كل بورصة تتضمن لائحة وإجراءات في مثل هذه الحالات من الانزلاقات الحادة، فهناك بورصات تغلق بعد خسائر 5 في المائة و هناك من يغلق بعد خسائر 10 في المائة كل وفق نظمه الخاصة من أجل تخفيف حالة الذعر بين المتداولين.

ولكن لن تستطيع تلك البورصات كبح تلك الخسائر في ظل تراجع اقتصادي عالمي بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط. ويؤكد العنزي على أنه ليس هناك عصا سحرية لوقف الخسائر في مثل هذه الحالات الخاصة.

وتابع: "لا تستطيع أن تتحكم في سلوك المتعاملين حتى لو أوقفت البورصة ليوم أو يومين أو ثلاثة تجد أنه في اليوم الرابع عندما تعمل تلك البورصات سوف تختزل كل السلبية التي مضت في هذه الأيام لتخسرها في يوم واحد".

فعلى سبيل المثال أوقفت الكويت بورصتها في نهاية شهر فبراير/شباط ٢٠٢٠، نتيجة لعطلة العيد الوطني وعيد التحرير خمسة أيام، وكانت الأسواق في ذلك الحين تتساقط ما بين 5 إلى 4 إلى 3 في المائة كل يوم.

خلال تلك الفترة كانت البورصة الكويتية خارج هذه الحسبة ولكن عند عودتها في 1 مارس/آذار، خسرت البورصة الكويتية 10 ٪ وجرى وقف التداول، أي أنها خسرت في يوم واحد كل ما خسرته البورصات الأخرى في أيام".

وأشار العنزي، إلى أن كل بورصة في تلك الدول مرتبطة بالبيئة التشكيلية للاقتصاد الكلي للدولة، فهناك دول عربية لديها وفرة مالية وتستطيع التعافي في أقصر وقت.

بينما هناك بورصات عربية تعاني من ديون ولكي تتعافى من تلك الأزمة تحتاج إلى مزيد من الوقت قد يصل إلى أكثر من سنتين، وبخاصة في ظل الحالة السلبية للاقتصاد الكلي بالإضافة إلى تراجع في النمو الإجمالي المحلي.

واجب الحكومات 

طالب التقرير الأممي لـ"الإسكوا"، الحكومات العربية باتخاذ تدابير متسقة ومتجانسة على المستوى الاقتصادي الجزئي والكلي.

وأكد على ضرورة تعزيز البنوك المركزية مستويات السيولة، والتخفيف من الضغوط المالية الرئيسية، ودعم الشركات من خلال الإعفاءات الضريبية ودعم الأجور وتمديد آجال سداد الديون ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.

كما طالب بأن تتضمن السياسات المالية للحكومات النهوض بنظم الحماية الاجتماعية من خلال تعزيز خطط الحماية لصالح الفقراء وإنشاء صناديق تعويضات البطالة وتمديد آجال سداد القروض الفردية وضريبة الدخل والرسوم الحكومية.

هذا بالإضافة إلى تحفيز الطلب وخلق فرص العمل من خلال زيادة الإنفاق الحكومي والمشتريات الحكومية، لا سيما على برامج الرعاية الصحية وأنظمة الاستجابة للطوارئ.

وأوصى التقرير المؤسسات المالية الإنمائية الإقليمية، وكذلك المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، بضرورة النظر في وضع آليات لتأجيل سداد الديون وخفض الدين.

كما أوصى الشركات بالنظر في إمكانية مقايضة الديون والعمل بأدوات أخرى لخفضها، وزيادة ما تقدمه من منح ودعم فني للبلدان المعرضة للمخاطر، بما في ذلك الدول الأقل نموا، التي تواجه ضغوطا مالية.

وأكد أستاذ الاقتصاد مصطفى شاهين، أن الحكومات العربية هي التي تتخذ قرارات لتدمير نفسها، فالسعودية مثلا هي من قادت قرار خفض أسعار النفط وزادت حجم إنتاجها إلى 13 مليون برميل يوميا حتى تعاقب روسيا إلا أن هناك خسائر بين الطرفين السعودي و الروسي، مضيفا بأن من الأولى أن تتوقف المملكة عن ذلك حتى تستطيع أن تتفادى الخسائر.