يواجهون أزماتهم بالسخرية.. ما الذي أوصل المصريين إلى هذه المرحلة؟

12

طباعة

مشاركة

مع كل أزمة تحل عليهم، لا يجد المصريون طريقة أنجع من "السخرية" عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عنها، حتى عرف عنهم أنهم "أهل نكتة" و"أصحاب الدم الخفيف" بين باقي الشعوب العربية.

آخر هذه الأزمات "فيروس كورونا"، الذي سارعت الدول مع انتشاره لاتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية لحماية مواطنيها وأيضا الإعلان عن عدد الإصابات بشكل يومي.

في حين يتعامل النظام المصري كأنه غير معني بما يجري في العالم، إلى أن بدأت تسجل حالات مصابة بالفيروس خارج مصر قادمة منها. 

وفي تقرير له أكد موقع "ميدل إيست آي" البريطاني على أن "فيروس كورونا المستجد ينتشر في مصر، سواء أنكرت السلطات ذلك أم لا".

وفي حين واجهت الحكومات حقيقة تفشي فيروس كورونا، تمثل ردّ فعل مصر في إرسال وزيرة الصحة هالة زايد إلى الصين تضامنا مع شعبها.

سفر الوزيرة هالة زيد إلى الصين وإعلان أن الغرض من الزيارة هو فك العزلة عن القوة الاقتصادية رقم 2 في العالم كان مادة دسمة للسخرية. 

المواجهة بالسخرية

يعتبر البروفيسور كيربي فاريل، حسب مقال له على مجلة "بسيكولوجي توداي"، أن السخرية طريقة آمنة للتفكير في الموضوعات الخطيرة، وأنها تتيح الاعتراف بالسلوك وانتقاده والتسامح معه أيضا. 

السخرية التي تحدث عنها فاريل هي إحدى طرق التعبير عن الاستنكار، الذي يمكن أن تكون التعبير عنه إما بطريقة صحية أو أخرى سامة، وبمعنى آخر، بحسب الكاتب، يمكن تأليف النكت والضحك عليها أو الاستسلام لضغوط النقد.

الطريقة الأولى هي التي اختار المصريون اتباعها، حتى باتوا يعرفون بين باقي الشعوب العربية بأنهم خفيفو الظل. وقد لا تعبر النكتة دائما عن الرفاهية والرضا بل على العكس، غالبا ما تعبر عن القهر وقلة الحيلة. 

وعندما لا يجد المواطن ما يقاوم به الواقع على الأرض فإنه يرمي نفسه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي للسخرية منه، جاعلا منها وسيلة للتخفيف عنه وتعبيرا عن ما يجول في خلده. 

ظهرت هذه المهارة لدى المصريين في الدراما ثم تطورت مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وتميزت بعد الثورات وتحديدا خلال الانقلاب العسكري والتضييق على حريات الرأي والتعبير والانتهاكات الحقوقية التي يعيشها الشارع المصري. 

وحظيت تحركات وزيرة الصحة كلها باهتمام كبير من طرف مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، خلال هذه الفترة، حيث لم تخل من التعليقات المصرية الطريفة. 

وفي حين حذر المتخصصون عبر العالم من تناول أي مضادات حيوية بعد أن أثبتت أنها تهيج الفيروس وأن لها آثارا جانبية لحامله قد تعقد حالة المريض أكثر، قالت الدكتورة المصرية: إن المصاب لا يحتاج لزيارة مستشفى بل إن بإمكانه التغلب على الوباء باستخدام مضاد حيوي. 

وقد قدر العلماء الكنديون باستخدام بيانات المسافرين والرحلات الجوية ومعدلات الإصابة، أن تفشي المرض في مصر قد بلغ حوالي 19310 حالة. 

ورجحت المصادر نفسها أن لدى مصر عبئا كبيرا من حالات فيروس كورونا التي لم يجر الإبلاغ عنها، ومن المحتمل أن تساعد زيادة القدرة السريرية للصحة العامة في تحديد الحالات وعلاجها. 

"إعصار مين؟"

في التاسع من مارس/ آذار 2020، أعلنت الهيئة المصرية للأرصاد، عن حالة عدم استقرار الطقس ستشهدها البلاد.

وفيما صرحت بعض المصادر أن الأمر يتعلق بإعصار مشابه لإعصار "ميديكين" الذي جرى التحذير منه قبل شهرين، رجح مدير مركز التنبؤات بالهيئة حدوث شبه إعصار أو ما يعرف بـ"المنخفض المداري". إلا أن البلاد كانت في حالة تأهب وأُعلن عن عطلة رسمية لمدة 3 أيام. 

الخبر استقبله المصريون بالتنكيت على السوشيال ميديا، فظهرت صور وفيديوهات لما قبل الإعصار الذي خلف خسائر مادية كبيرة وبعده. 

انتشرت مقاطع فيديو لمصريين في مجموعة من المحافظات وهم يرقصون وسط الوحل ويسبحون مستمتعين بالأضرار التي خلفتها التساقطات الشديدة في الشوارع. 

وتوقعت إدارة الطيران والفضاء الأميركية "ناسا" حدوث الإعصار منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ووصفته بالمداري "النادر" الذي يضرب الجزء الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. 

وفي رد على بيان ناسا دشن المصريون وسما على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "إعصار مين احنا المصريين" نشروا عليه أغرب الصور ومقاطع الفيديو التي صوروها من الشوارع خلال الإعصار. 

ولم يجد المصريون سوى السخرية لمواجهة ما كشف عنه الإعصار من ادعاءات لرئيس النظام عبدالفتاح السيسي عندما صرح أنه أنفق 4 تريليونات جنيه على البنية التحتية في مصر.

أضحوكة الشعوب

ما يقرب من 60 ألفا هو عدد المعتقلين السياسيين في سجون النظام المصري، هؤلاء لم يدخلوا في قضايا قتل أو سلاح أو خيانة دولة، بل لفق لهم تهم بسبب معارضتهم للجنرال السيسي الذي قاد الانقلاب على الرئيس المصري المنتخب الراحل محمد مرسي. 

زج السيسي بعدد كبير من معارضيه أو حتى المختلفين معه داخل السجون التي تتحدث المنظمات الدولية لحقوق الإنسان باستمرار عن سوء أوضاعها وعن التعذيب الذي يتلقاه هؤلاء داخلها. 

الأخبار المسربة من خلف الأسوار كفيلة بأن تجعل من في الخارج يحتفظون بآرائهم إن كانت ضد التيار. وانغلاق المجال العام تحت حكم السيسي يجعل من مواقع التواصل الاجتماعي مسرحا لطرح هذه الآراء. 

مع ذلك يحظى بحصة الأسد من السخرية ولا يتعلق الأمر بالمصريين فقط، بل تساهم كل شعوب الوطن العربي في ذلك، ولا تضيع الفرصة للتنكيت على رئيس النظام. 

تحولت خرجات السيسي وسياساته إلى مادة أساسية في حلقات منتجي المحتوى على موقع "يوتيوب"، وأصبحت هذه الحلقات - التي يتخذها أبرز اليوتيوبرز المصريين سلاحا للمعارضة من الخارج - تحظى بمشاهدات عالية. 

وهو ما يفسره علماء الاتصال السياسي بأن البرامج الساخرة من أبرز أساليب الوصول إلى الجمهور وأسرعها. 

 سلاح ذو حدين

"لا شيء مثير للضحك والسخرية أفضل من البؤس" المقولة للمسرحي والروائي والشاعر، الحاصل على نوبل، صامويل بيكيت، وسخرية المصريين تفصح عن مدى بؤسهم وخيبتهم بعد ثورة 25 يناير ٢٠١١. 

الأمر أكده الكاتب والصحفي سليم عزوز، في مرور له على برنامج "حديث الثورة" على قناة الجزيرة، عندما قال: "منسوب السخرية الراهن أعلى من المستوى الطبيعي في كل تاريخ مصر".

واعتبر أن السيسي هو من يساعد على كسر هيبته، حيث النكتة هي في الأصل لمسخرة الواقع، والحال أن الواقع مع الرئيس الحالي "مسخرة" بحد ذاته.

أما أستاذة الإعلام في جامعة ميريلاند، سحر خميس، فقد ذهبت إلى اعتبار السخرية سلاح ذو حدين يمكن أن يستخدمه الشعب لكسر هيبة المسؤول، ويمكن أن يستخدمه النظام للتنفيس حتى لا يحدث انفجار.

وذكرت بأن فترات سياسية متعاقبة في مصر شهدت سماحا بهامش تعبير مضافا إليه وجود أحزاب معارضة مستأنسة، حتى لا يتحول الأمر إلى غضب ثوري.