صراع ترامب مع أجهزة استخباراته.. من ينتصر في نهاية المطاف؟
_1.jpg)
منذ تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وهو يخوض صراعا مع وكالات الاستخبارات الأميركية، تطور ذلك الصراع ليصل إلى شكل أزمة عميقة تتزايد يوما بعد يوم، وتلقي بظلالها على طبيعة التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.
على مدى عقود، مثلت أجهزة الاستخبارات الأميركية أساسا مهما للدولة، وتمتعت بنفوذ كبير في الولايات المتحدة، حيث أنها كانت المسؤولة عن إمداد إدارة البيت الأبيض بكافة المعلومات والبيانات التي يحتاجها لمعرفة أي موضوع ومعرفة أبعاده، وبالتالي استخدام تلك القرارات في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الداخلية أو الخارجية.
غير أن تلك الصلاحيات الواسعة للاستخبارات لم تدم في عهد ترامب، فسرعان ما قام بتقويضها، وتجاهل بياناتها، الأمر الذي تسبب بأزمة مع تلك الأجهزة، أدى في نهاية المطاف إلى اتخاذ ترامب خطوات بإقالة عدد من المسؤولين في أجهزة الاستخبارات.
دراسة أجراها معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، تقول: إن "أزمة عميقة حدثت بين الرئيس الأميركي وأجهزة استخباراته، وأن سبب تلك الأزمة أن لدى ترامب مفهوما مقلقا تجاه أداء أجهزة الاستخبارات، حيث يرى بأنها إحدى أدوات الدولة العميقة، التي تسعى لفرض مواقف سياسية معينة والتحكم بالمشهد السياسي داخل الولايات المتحدة وخارجها".
يعتقد ترامب أن تلك الأجهزة تسعى لتضليله، والعمل على إفشاله كرئيس للولايات المتحدة، وفي الوقت الذي تقول تلك الأجهزة أن ترامب يتجاهل توصياتها، يعتقد ترامب أن تلك الأجهزة تملي عليه طريقا واحدا للتعامل مع القضايا المطروحة للرئيس.
في المقابل ترى تلك الأجهزة أن ترامب لا يتعامل بشكل مهني مع تلك الأجهزة، حيث يتعمد تجاهل تقاريرها وتوصياتها، في مسعى منه لتقويض دورها في المشاركة في تقديرات الإدارة الأميركية، وهو الأمر الذي تسبب بتبادل الهجوم بين الرئيس ترامب، وتلك الأجهزة.
إعادة هيكلة
حسب سبوتنيك الروسية، فإن "16 وكالة استخباراتية، تسمى المجمع الاستخباراتي، وتتراوح بين وكالات المخابرات الأميركية، والمخابرات العسكرية، ومكتب التحقيق الفيدرالي، وتعمل كل منها بطريقة منفصلة.
وتعد وكالة الاستخبارات الوطنية الجهة الرئيسية التي تتولى عملية التنسيق بين تلك الأجهزة، وهي وكالة تم استحداثها بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، لجمع المعلومات والبيانات التي تدلي بها تلك الوكالات، ولتوزيع المهام وتنسيق الجهود.
نشأت تلك الأزمة منذ تولي ترامب الرئاسة، حيث قام ترامب بمحاولة إعادة هيكلة أجهزة المخابرات، فأجرى حزمة إقالات وتعيينات جديدة، بدأها في مايو/آيار 2017، بإقالة رئيس مكتب المباحث الفيدرالية جيمس كومي.
وفي أغسطس/آب 2018 ألغى ترامب التصنيف الأمني لرئيس وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان بعد أن انتقده الأخير، ونشر ترامب إثر ذلك تغريدة على تويتر وصف فيها أفراد أجهزة الاستخبارات بأنهم "ساذجون وجامدون" ودعاهم إلى العودة إلى المدرسة.
سلوك "نازي"
تلك الإجراءات أتت بعد أن وصف ترامب أداء الاستخبارات الأميركية بأنها تشبه سلوك ألمانيا النازية، وذلك عقب التحقيقات التي أجرتها أجهزة المخابرات عن التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة التي فاز فيها ترامب، وادعى ترامب خلال الحديث عن تلك التحقيقات أن أجهزة الاستخبارات تراقبه بشكل غير قانوني.
تطور ذلك الصراع ووصل إلى حد دعوة ترامب للقبض على رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب، آدم شيف، بتهمة الخيانة، وذلك عقب فتح تحقيق رسمي في تصرفات ترامب من أجل عزله.
وقال ترامب في تغريدة: "النائب شيف اختلق كلاما خطيرا ونسبه لي زورا في مكالمتي مع الرئيس الأوكراني، وقرأه في الكونغرس على مسامع النواب والشعب الأميركي. لا علاقة لي بذلك الكلام مطلقا. أوقفوه بتهمة الخيانة العظمى".
وهاجم ترامب في سلسلة تغريدات الديمقراطيين والشخص الذي رفع شكوى سرية ضده وطالب بمواجهته. وجاءت تغريدات ترامب بعدما أعلنت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، فتح تحقيق رسمي في تصرفات ترامب من أجل عزله. ويتركز التحقيق على مكالمة أجراها ترامب يوم 25 يوليو/ تموز 2019، مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.
آدم شيف رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب الأميركي، تقدم ببلاغ سري ضد ترامب، في 12 أغسطس/ آب 2019، يتهمه بالضغط على الرئيس الأوكراني من أجل فتح تحقيق في نشاطات ابن منافسه المحتمل في الانتخابات الرئاسية جو بايدن.
وانتقد شيف مكالمة ترامب مع الرئيس الأوكراني وقال: إن ترامب تحدث كأنه "زعيم مافيا" إلى رئيس دولة أجنبية "بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة العسكرية".
ذلك الصراع، حسب دراسة معهد الأمن القومي في تل أبيب، ما هو إلا جزء من صراع أوسع يخوضه ترامب ضد أجهزة اعتبرت طوال سنوات مسؤولة عن بعض القضايا والسياسات الخارجية، من بينها جهاز القضاء ووسائل الإعلام.
رقابة وتنصت
كانت الرقابة والتنصت على المكالمات إحدى الأدوات التي استخدمتها أجهزة الاستخبارات الأميركية في معرفة تفاصيل اتصالاته وحواراته مع زعماء لطالما رغب بعدم إشراك أحد بالاطلاع عليها، وكشفت تلك المراقبة أن وعدا مشبوها قطعه ترامب لأحد الزعماء.
ووفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، فإن "وعدا غير عادي" قطعه ترامب لزعيم أجنبي "لم تسمه" تسببت بحصول توتر بين الاستخبارات والكونجرس.
ونقلت الصحيفة أن مسؤولين أميركيين مطلعين أفادوا بأن الوعد الذي قدمه ترامب أثناء الاتصال كان مقلقا، لدرجة دفعت مسؤولا استخباراتيا مطلعا على تفاصيل الاتصال، لتقديم شكوى إلى المفتش العام في الاستخبارات الأميركية مايكل اتكينسون.
كان المفتش العام قد أفاد بأن الشكوى تحمل مصداقية، وتصنف كمسألة ذات أهمية عاجلة، يتطلب إبلاغ اللجان المختصة بالكونجرس بها، إلا أن القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية جوزيف ماغواير رفض إطلاع المشرعين، الأمر الذي تسبب باندلاع جدل قضائي وسياسي، ووجه الاتهامات لماغوايز بأنه يريد حماية ترامب والتستر عليه.
بدوره، وصف ترامب الخبر بأنه "مفبرك "، وغرد على تويتر، بأنه يعلم أن عناصر من وكالات أميركية مختلفة يستمعون بشكل طبيعي إلى محادثاته مع الزعماء، وتساءل: هل هناك أحمق يصدق أنني يمكن أن أقطع وعدا لقائد أجنبي في مكالمة يستمع لها كثيرون؟.
ملفات الصراع
تلك الأزمة ألقت بظلالها على طبيعة تناول الولايات المتحدة الأميركية لعدد من الملفات الهامة، من بينها ملفات إيران النووي، وخطر كوريا الشمالية، وروسيا.
في الملف الإيراني، أعدت أجهزة المخابرات الأميركية تقريرا قالت فيه: إن إيران لا تصنع أسلحة نووية، لكن طموحاتها في المنطقة وتعزيز قدراتها العسكرية قد تهدد مصالح الولايات المتحدة مستقبلا، الأمر الذي دفع ترامب لشن هجوم على الأجهزة التي أعدت ذلك التقرير ووصفها بأنها "ساذجة"، وأن المسؤولين الاستخباراتيين مخطئون في تقديرهم للخطر النووي الإيراني.
وأضاف ترامب أن إيران، علاوة على الخطر الذي تشكله، فإنها تعد مصدرا للنزاع في الشرق الأوسط، وقال: إن طهران هي السبب في كل مشاكل الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي دفع ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات اقتصادية عليها.
وشكل الملف الكوري الشمالي انقساما بين إدارة البيت الأبيض وأجهزة المخابرات الأميركية، حيث قدمت تقييما للخطر الذي تشكله كوريا الشمالية، وقال: إنها لن تتخلى عن أسلحتها وعن قدرتها في إنتاج أسلحة جديدة، وهو الأمر الذي دفع ترامب لرفض ذلك التقييم وشن هجوم على معدي ذلك التقرير.
وقاد ترامب حملة دبلوماسية لتحسين العلاقات مع كوريا الشمالية، والتقى زعيمها، كيم جونغ أون في سنغافورة بهدف بحث نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، وغرد ترامب قائلا: "الزمن وحده سيكشف ما الذي يحدث مع كوريا الشمالية، ولكن في نهاية فترة الإدارة السابقة كانت العلاقات متوترة، والكثير من الأمور السيئة كانت ستحدث".
الملف الروسي كان هو الآخر، ومع أنه لم يأخذ بعدا إستراتيجيا، إلا أنه كان أحد أهم أسباب تعمق الأزمة بين ترامب والمخابرات الأميركية، خاصة وأن ترامب تعرض عقب ذلك الهجوم لموجة من الانتقادات من الديمقراطيين والجمهوريين على السواء.
كانت المخابرات الأميركية قد خلصت إلى أن روسيا كانت وراء محاولات لترجيح كفة الانتخابات ضد منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، من خلال حملة برعاية الدولة من الهجمات الإلكترونية والأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي.
الأمر الذي دفع ترامب لتبني موقف يدافع فيه عن روسيا، ويشن هجوما على أجهزة المخابرات، قائلا: "ليس هناك أي سبب يدفع روسيا للتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية".
اغتيال كنيدي
لم يكن هذا الصراع هو الأول بين أجهزة المخابرات ورئيس أميركي، فقد دخل من قبله الرئيس جون كنيدي في صراع مع تلك الأجهزة، وسعى لتحجيم دورها، وتقويض صلاحياتها، وصرح بأنه سوف يمزق وكالة الاستخبارات إلى 1000 قطعة ويبعثرها في الرياح، لكنه اغتيل في النهاية في عملية ما تزال غامضة حتى الآن.
في المقابل، هناك سجل حافل لوكالة المخابرات الأميركية في التصرفات الأحادية التي قامت بها دون الرجوع للرئيس، حيث لم تكن راضية عن أدائه في السياسة الخارجية.
في أبريل/نيسان 1980، قام جهاز المخابرات الأميركي بعملية عسكرية فاشلة لتحرير الرهائن الأميركيين في طهران، في حين كان يرى الرئيس جيمي كارتر استمرار التفاوض مع الإيرانيين، وهو الأمر الذي حال دون قدرة الرئيس على فوزه بفترة رئاسية ثانية.
المصادر
- Speaking Truth to Trump: The Crisis between the President and the American Intelligence Community
- ميزانيتها 81 مليار دولار.. 18 معلومة عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية
- سر توتر العلاقة بين ترامب وأجهزة الاستخبارات الأمريكية
- بعد خلاف مع ترامب.. مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية يترك منصبه
- مستقبل أهم مركز استخبارات في أمريكا في هالة من الغموض
- ترامب لمسؤولي المخابرات: "عودوا إلى مقاعد الدراسة"
- محاولة عزل ترامب: الرئيس الأمريكي يدعو إلى القبض على رئيس لجنة المخابرات بتهمة "الخيانة"
- ترامب يتهم المخابرات الأمريكية بـ"السذاجة" في التعامل مع إيران
- أزمة جديدة لترامب.. مكالمة مع زعيم أجنبي تثير قلق الاستخبارات
- نتائج الصراع بين دونالد ترامب والمخابرات الأمريكية..