حمدوك طلب دعما أمميا.. لهذا اتهمه سودانيون بالخيانة العظمى

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل شهرين، دعا رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك الأمم المتحدة لإرسال بعثة من مجلس الأمن الدولي لدعم حكومته بقوات للمراقبة وحفظ السلام، مطالبا بإسناد مجموعة من الوظائف لها، أخطرها "تقديم الدعم التقني في وضع الدستور والإصلاح القانوني والقضائي، وإصلاح الخدمة المدنية، وقطاع الأمن". 

أحزاب وتجمعات سياسية ورجال دولة بارزون في السودان أبدوا اعتراضهم على ما أقدم عليه حمدوك جملة وتفصيلا، وسط تساؤلات عن الأسباب الحقيقية التي دفعت رئيس الوزراء لاتخاذ هذه الخطوة الجدلية. 

بعثة أممية

في 27 يناير/ كانون الثاني 2020، أرسل حمدوك، خطابا إلى الأمين العام للأمم المتحدة، قال فيه: "يطلب السودان من الأمم المتحدة أن تسعى إلى الحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء عملية لدعم السلام بموجب الفصل السادس في أقرب وقت ممكن، في شكل بعثة سياسية خاصة تضم عنصرا قويا لبناء السلام وينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان". 

وشدد حمدوك في خطابه أن "الحكومة على استعداد للترحيب بالبعثة في أقرب وقت ممكن، على أن يُنشر وجود أولي تحت قيادة الممثل الخاص للأمين العام الذي يتخذ من الخرطوم مقرا له، وتصميم وجود الأمم المتحدة وصياغته للفترة الانتقالية".

واشترط رئيس الوزراء السوداني أن "تكون البعثة ذات نهج مبتكر ومنسق ويتسم بالمرونة والسلاسة، واستخدام عناصر أساسية واتباع نهج نموذجي من هذا القبيل عند تصميم وجود الأمم المتحدة".

النقطة الأخطر في طلب حمدوك تمثلت في "إعادة بناء قدرات قوة الشرطة الوطنية بطرق منها نشر مستشارين من شرطة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي".

خرق للوثيقة

في 10 فبراير/ شباط 2020، عقد مجلس الدفاع والأمن السوداني برئاسة رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، اجتماعا طارئا في مقر القيادة العامة للجيش السوداني، لبحث رسالة حمدوك الأممية.

حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي أعلن في بيان أن "طلب رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، من مجلس الأمن الدولي، إنشاء بعثة أممية خاصة تحت الفصل السادس لدعم السلام يعد خرقا للوثيقة الدستورية".

وأضاف: "إرسال مثل هذا الخطاب ليس من مهام الحكومة الانتقالية، ويتنافى مع التفويض الشعبي لها المتمثل في تحقيق مقاصد الثورة، ويعد خرقا للوثيقة الدستورية التي أشارت إلى بناء دولة وطنية ذات سيادة وفق مشروع نهضوي متكامل".

كما أعلن "المؤتمر الشعبي السوداني" المعارض، رفضه طلب رئيس الوزراء بوجود بعثة أممية على أراضي السودان، رفضا باتا، وأكد أنه يدين "أي تدخل أممي أو محاولة لتقويض السيادة الوطنية، ونطالب رئيس الوزراء بسحب خطابه فورا والاعتذار للشعب السوداني".

وغرد الصحفي السوداني خالد الإعيسر، عبر تويتر قائلا: "طلب حمدوك من الأمم المتحدة التدخل تحت الفصل السادس بحجة دعم السلام سابقة خطيرة، وتمثل هدرا للسيادة الوطنية ودعوة لوأد السلام نفسه بإحلال حركات مقاومة جديدة رافضة للاستعمار".

بينما غرد الإعلامي السوداني ياسر المحجوب على تويتر بالقول: "ألم أقل أن مصيبة السودان القطر الغني بموارده وإنسانه في نخبه الحاكمة، فما هذه المهازل التي تترا؟ رئيس مجلس السيادة يسعى مهرولا في جنح ليل بهيم لمقابلة نتنياهو بحجة دعم الاقتصاد ورئيس وزراء يطلب بعد يومين ولاية الأمم المتحدة على حساب السيادة الوطنية التي لا يعلم كلاهما عنها شيئا".

خيانة عظمى 

في 5 مارس/ آذار 2020، حركت المحامية السودانية، أمل فايز الكردفاني، أول بلاغ للنائب العام لجمهورية السودان، ضد حمدوك، تتهمه فيه بـ"الخيانة العظمى" تحت بند المادة (50) من القانون الجنائي لسنة 1991.

الكردفاني قالت في بلاغها: "بناء على ما تقدم يطلب رئيس وزراء السودان بموجبه إلى الأمم المتحدة أن تسعى إلى ‏الحصول على ولاية عامة من مجلس الأمن.. فما هي الولاية العامة؟ الولاية العامة أي أنها ولاية تشمل كل عناصر دولة السودان (الإقليم، الشعب، السلطة ذات السيادة).

مضيفة: "هذه الولاية تشمل حتى المرافق الحيوية والحساسة في الدولة كالقوات المسلحة وقوات الشرطة السودانية، في سابقة لم يشهدها الشعب منذ الاستقلال من الولاية البريطانية العامة على الدولة".

وتابعت: "هذه البداية وحدها كافية لتأسيس جريمة الخيانة العظمى والتي هي مجموع الجرائم المقررة لتسهيل المساس باستقلال الدولة وفقا لميثاق الأمم المتحدة، وكافة دساتير السودان والأعراف الدولية ثم أخيرا القانون الجنائي".

الكردفاني قالت: "كنا ننتقد نظام البشير لأنه أفضى إلى تدخل دولي في إقليم دارفور، لكن المبلغ ضده (حمدوك) يريد ليس فقط هذا، بل يريد أن يجعل السودان برمته تحت ولاية عنصر قوي، أخذ يلح عليه مغازلا الولايات المتحدة الأميركية".

انقلاب فاضح

البلاغ أوضح أن "المبلغ ضده قفز على النظام الذي قرره من منحه وظيفة رئاسة الوزراء، ويطلب رقابة دولية على الجانب العسكري، رغم أنه هو الآن على رأس السلطة التنفيذية"، متسائلة: "هل يطلب المبلغ ضده من الدول مراقبته هو، أم مراقبة القوات المسلحة الممثلة في المجلس العسكري لحمايته من العسكر؟".

الكردفاني اعتبرت دعوة حمدوك الأممية "ليست فقط لمراقبة من عينوه بل فوق هذا انقلابا فاضحا على الدولة بحيث يمنحها، قوات مسلحة وشرطة بل وقضاء وسلطة تشريعية لدول أجنبية تحت رئاسة أميركية"، قائلة: "إنه الخزي والعار والخيانة".

الكردفاني رأت في خطاب حمدوك أيضا رغبة منه، بلا تفويض من الشعب (لا استفتاء ولا انتخابات)، في السيطرة الكاملة على مقدرات الدولة وثرواتها وإدارتها، وتسليم مفاتيح الدولة برمتها "للدول الأجنبية والولايات المتحدة الأميركية (العنصر القوي)".

وطالبت المحامية السودانية بمعاقبة حمدوك بـ"الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله" حسبما نصت المادة (50) من القانون الجنائي لسنة 1991. 

كما طالبت الكردفاني من سلطات النيابة العامة تقديم طلب رفع الحصانة عن حمدوك إلى الجهات المختصة وفقا لقانون الإجراءات الجنائية والوثيقة الدستورية ثم الشروع في فتح الدعوى الجنائية.

معركة التفكيك 

دعوة حمدوك الأمم المتحدة للتدخل يحمل في طياته، رغبة من رئيس الوزراء في تفكيك بنية النظام القديم، وكتلته داخل أجهزة ومؤسسات الدولة.

في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وفي اجتماع مشترك بين مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء، تم إقرار قانون "تفكيك نظام الإنقاذ"، الذي يقضي بحل حزب المؤتمر الوطني الذي كان يتزعمه الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ومصادرة أمواله وتعليق النشاط السياسي لرموزه.

وفي ظل المرحلة الانتقالية، يتولى المجلسان (السيادة والوزراء) معا مهمة إقرار القوانين بدلا من الهيئة التشريعية (البرلمان)، وذلك بحسب الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.

أخطر ما استهدفه القانون تفكيك البنية السياسية وشبكة علاقات القوى التي بناها ما يعرف بنظام الإنقاذ في السودان، الذي جاء بانقلاب في 30 يونيو/حزيران عام 1989 واستمر في الحكم لثلاثة عقود.

كانت بداية التغيير الحقيقية في أروقة الجهاز الأمني العتيد، يوم 30 يوليو/ تموز 2019، عندما قرر المجلس العسكري، تغيير اسم "جهاز الأمن والمخابرات الوطني"، إلى اسم "جهاز المخابرات العامة".

وقال مدير الجهاز الفريق أبو بكر دمبلاب وقتها: "التعديل المنصوص عليه في المرسوم الدستوري يأتي في سياق هيكلة الجهاز ومواكبته للتغيير السياسي الذي تشهده البلاد".

وفي 14 يناير/ كانون الثاني 2020، شهدت منطقة كافوري بالعاصمة الخرطوم، وقائع اشتباكات عنيفة، وإطلاق نار كثيف، وقوات أمنية تغلق طرقات رئيسية، وسقوط قتلى وجرحى، في قاعدتين تابعتين لجهاز الأمن والمخابرات الوطني.

وسرعان ما تبين، أن تلك الأحداث وراءها عناصر من قوات هيئة العمليات، الجناح المسلح لجهاز المخابرات، رافضة لخطة إعادة هيكلة الجهاز، ومحاولات تسريح الأفراد، الذي يقدر عدد أفراد هيئة العمليات فيه بـ 13 ألف عنصر، منهم قرابة 7 آلاف في ولاية الخرطوم فقط.

ويستهدف نظام الهيكلة الجديد، الذي يشرف عليه البرهان وحمدوك نزع الجناح العسكري للمخابرات، وصبغها بلباس جديد يقوم على جمع المعلومات وتحليلها فقط، دون أن يكون لها أي بعد أمني أو حركي، كما كان في السابق.

منذ ذلك الوقت وبدأت الحرب الضروس، والضربات المحكمة بين مجلس السيادة المشكل من قادة المجلس العسكري و"قوى التغيير" (أغلبهم من اليسار) من جهة، وحزب المؤتمر (أغلبهم إسلاميون) الذي يشكل مفاصل الدولة العميقة من جهة أخرى.