محمد الغزالي.. مفكر إسلامي تأثر بحسن البنا ودفع ثمن معارضته للحكام

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يصادف يوم 9 مارس/آذار 2020 الذكرى الرابعة والعشرين لوفاة المفكر الإسلامي المصري في مدينة الرياض السعودية، محمد الغزالي الذي يعتبر من أبرز المجددين في العصر الحديث.

توفي الغزالي عام 1996 ونقل إلى المدينة المنورة، ودفن في مقابر البقيع، ليطوي ٥٠ عاما من العمل كمرشد للصحوة الإسلامية بقدرة فائقة على تسخير الشواهد القرآنية والنبوية في الزمن المعاصر.

كان غزير الفكر والإنتاج، صدرت له العديد من الكتب التي تعد مرجعا في الفكر الإسلامي المعاصر، كما يعد داعية تميز بالعطاء الفكري والعلمي، بعيدا عن التطرف والغلو ومجاراة الحكام.

المولد والنشأة

اسمه الشيخ محمد الغزالي السقا الجبيلي وقد سماه أبوه بهذا الاسم تيمنا بالشيخ أبي حامد الغزالي، حيث رأى في منامه الشيخ الغزالي يقول له: إنه سوف ينجب ولدا وطلب منه أن يسميه على اسمه، وهو الأمر الذي فعله فأطلق عليه اسما مركبا.  

ولد الشيخ محمد الغزالي في 22 سبتمبر/أيلول 1917، في قرية "نكلا العنب" بـ"ميت غمر" التابعة لمحافظة البحيرة في مصر. وخلال ثمانين عاما، هي سنوات عمره، استطاع الغزالي أن يضع بين يدي الأمة الإسلامية  نتاجا فكريا وعلميا أحدث فارقا في طرق التفكير.

نشأ الغزالي في أسرة ملتزمة دينيا ومحافظة اجتماعيا، وأتم حفظ القرآن قبل أن يبلغ العاشرة من عمره. بعد دراسته في الكتّاب، التحق  بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي.

وظل بالمعهد حتى حصل منه على شهادة الكفاءة ثم الثانوية الأزهرية, ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة 1937 والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر، وتخرج منها عام 1941، وتخصص بعدها في الدعوة والإرشاد حتى حصل على درجة العالمية عام 1943، وكان عمره حينها ٢٦ عاما.

الإنتاج الفكري

كتب الغزالي أكثر من خمسين مؤلفا، تراوحت بين العقدية والفكرية والفلسفية والنقدية. من أهم تلك الكتب: الإسلام والاستبداد السياسي، عقيدة المسلم، فقه السيرة، تراثنا الفكري في ميزان العقل والشرع، الاستعمار أحقاد وأطماع، السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث.

كما كتب: الإسلام والأوضاع الاقتصادية، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، ظلام من الغرب، كيف نفهم الإسلام؟، سر تأخر العرب والمسلمين، الفساد والسياسة، الإسلام والطاقات المعطلة، حقيقة القومية العربية، أسطورة البعث العربي، وغيرها من الكتب. 

كما كتب مئات المقالات التي عالجت قضايا الفكر والثقافة والمرأة والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية في ضوء الإسلام، بلغة أدبية رصينة، حتى أنه لقب بأديب الدعوة، وهو لقب أطلقه عليه مؤسس حركة الإخوان المسلمين حسن البنا، عندما كان الغزالي منتسبا إليها.

وترك مكتبة ضخمة من الكتب الفكرية، والدراسات الدعوية التي يجد فيها الناس والدعاة بشكل خاص الفائدة الفكرية، والمتعة الوجدانية، وذلك لما تميزت به هذه الكتب من فخامة في الأسلوب، وبراعة في الإنشاء، وجمال في التعبير.

غير أن كتبه تلك صودرت بعد انتقاده قانون الأحوال الشخصية المشهور بقانون جيهان (زوجة الرئيس الراحل أنور السادات) ومنع من الخطابة، حتى اضطر للهجرة إلى المملكة العربية السعودية في عام 1977، وهناك عمل أستاذا في كلية الشريعة في جامعة أم القرى.

كان الشيخ الغزالي من أبرز من استطاع توظيف الأدب في خدمة الدعوة، سواء في الكتابة أو الخطابة، وقد عرف باختيار الوسائل الخطابية التي تتوافق مع طبيعة العصر متعدد الثقافات، وممتزج الأفكار، كما عرف بفصاحة اللسان، وحسن الإلقاء، وجزالة الكلمة، ووضوح العبارة.

الوظائف والمسؤوليات

شغل الغزالي عدة مناصب دينية منها: إدارة المساجد، والإدارة العامة للدعوة الإسلامية عام 1971، ومنصب وكيل وزارة الأوقاف لشؤون الدعوة عام 1980، كما تولى التدريس بالأزهر، حتى تم مصادرة كتبه ومنعه من الحديث للعامة عام 1977، على إثر مواقفه من بعض القضايا التي لم تنل إعجاب السلطة الحاكمة حينها.

انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين مبكرا، وبايع حسن البنا، حيث يروي بداية تأثره بالإمام البنا ويقول: "كان ذلك أثناء دراستي الثانوية في المعهد بالإسكندرية، وكان من عادتي لزوم مسجد عبد الرحمن بن هرمز، حيث أقوم بمذاكرة دروسي".

وتابع: أنه ذات مساء نهض شاب لا يعرفه يلقي على الناس موعظة قصيرة شارحا الحديث الشريف: "اتق الله حيثما كنت... وأتبع السيئة الحسنة تمحها.. وخالق الناس بخلق حسن"، وكان حديثا مؤثرا يصل إلى القلب. يضيف: "ومنذ تلك الساعة توثقت علاقتي به (البنا).. واستمر عملي في ميدان الكفاح الإسلامي مع هذا الرجل العظيم إلى أن استشهد عام 1949م".

غير أن الغزالي ما لبث أن دخل في خلاف مع قيادة جماعة الإخوان المسلمين، بخصوص معلومات وصلته عن المرشد حسن الهضيبي، ما دفع بالقيادة لفصله، ومع ذلك فإنه لم يتوقف عن الوقوف إلى جانبهم، خصوصا بعد حملات الاعتقال والسجن والتعذيب التي تعرضوا لها في عهد الرئيس المصري حينها جمال عبدالناصر.

واعتذر الغزالي لاحقا عن سوء الفهم الذي وصله عن المرشد الهضيبي. ومع أنه فصل من جماعة الإخوان إلا أن ذلك لم يعفه من الاعتقال لمعارضته جمال عبدالناصر، ولرفضه تعليمات الأجهزة الأمنية بالمشاركة في الهجوم على الإخوان في وسائل الإعلام، وكان قد اعتقل في عهد الملك فاروق أيضا.

أبرز مواقفه 

كان الغزالي من أشد مناصري المسجد الأقصى، وكان يكرر دائما أن الأقصى ليس قضية فلسطينية، بل قرآنية، وإن اليهود يتحركون بعقيدة دينية، بينما لا يتحرك العرب على أسس دينية.

دعا الغزالي إلى فتح باب الاجتهاد، وقال: إن إغلاق هذا الباب هو اجتهاد انتهى إلى ضرر لحق بالأمة، وذلك لأن الأمة توقفت عن التفكير في القرن الرابع، بينما الزمن يتجدد.

غير أن أشهر مواقفه كانت مواجهته للاستبداد والاجتهادات الفقهية التي عملت على شرعنة القهر والظلم، حيث كان الغزالي يرى في الاستبداد عدوا للتقدم والحضارة، وكان يردد "لا حرية حيث يكون هناك استبداد سياسي، لا دين حيث يكون هناك استبداد سياسي، لا حضارة حيث يكون هناك استبداد سياسي".

وكان يقول: إن "الحكم الاستبدادي تهديم للدين وتخريب للدنيا، فهو بلاء يصيب الإيمان والعمران جميعا، وهو دخان مشؤوم الظل تختنق الأرواح والأجسام في نطاقه حيث امتد، فلا سوق الفضائل والآداب تنشط، ولا سوق الزراعة والصناعة تروج".

وقد كان كتاب "الإسلام والاستبداد السياسي" أهم كتبه في هذا الإطار، حيث أحدث علامة فارقة في مسار الشيخ الغزالي، وقد أثار الكتاب غضب السلطات الحاكمة حينها.

يقول الغزالي عن كتابه: "أشهر كتبي عندما هاجمت فيه الطغيان وفساد الحكم وأسميته الإسلام والاستبداد السياسي، وكان ذلك في أواخر الأربعينيات، وكان هذا اليوم من أهم أيام حياتي وأعتبره نقطة انطلاق لي".

وتابع: "بمجرد أن نزل الكتاب إلى الأسواق فوجئت بالحكومة كلها تهتز وتصدر قرارا بمصادرة الكتاب، وأحسست أن القصر الملكي اهتز بشدة من هذا الكتاب وقبض علي وقدمت للمحاكمة بتهمة مهاجمة الحكومة، وخرجت من هذه القضية بدون أن يثبت علي شيء".