أسواق الطاقة في تركيا الأغلى أوروبيا.. الأسباب والبدائل
وصفت صحيفة تركية أسواق الطاقة في البلاد بأنها الأغلى مقارنة بالدول الأوروبية المحيطة بها، حيث أنه وبالرغم من أن تركيا تعد مركزا موردا للطاقة عبر المشاريع المشتركة مع روسيا وغيرها. فإن الأسعار المستهلكة ما زالت مرتفعة في وقت يمكن لأنقرة أن تتحول من مجرد وسيط إلى متحكم أساسي في الأسعار.
وتشهد السوق التركية منافسة بين موردي الغاز المسال وغاز الأنابيب بعد افتتاح مشروع "السيل التركي" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا في مطلع العام 2020، بحضور الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، وسبق ذلك تدشين خط "تاناب" لنقل الغاز الأذربيجاني في عام 2018.
وقال الكاتب لافنت يلماز في مقاله الذي نشرته يني شفق: إنه "يجب على المشاكل والأزمات التي تعيشها تركيا ألا تنسيها الكثير من القضايا الإستراتيجية ومستقبل التعامل فيها، لأن العام المقبل يمثل عاملا حاسما بالنسبة لمستقبل الطاقة التركية".
وأضاف: "اليوم، هناك إمدادات الغاز الطبيعي من جميع أنحاء العالم وعلى الرغم من التطورات الإيجابية في جانب العرض، فإن الطلب أكثر استقرارا، وعلاوة على ذلك، وبسبب فيروس كورونا، تتزايد التهديدات على الاقتصاديات، وخاصة الصين، ويتم تحديث توقعات النمو نزولا وليس صعودا، كما يتباطأ معدل نمو الطلب على الطاقة".
ويتعلق هذا الوضع أيضا بتركيا، فهي خامس أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم وباتت الفرصة متاحة للعثور على غاز أقل تكلفة.
تنافس على الغاز
وأضاف الكاتب: "كشف التحول السريع في أسواق الغاز الطبيعي والمسال في السنوات العشر الماضية عن وجود سوق يتنافس فيه نوعا الغاز، والذي لا يعتمد على سعر النفط ويتضمن عقودا قصيرة الأجل".
ومع زيادة العرض، بدأت أسعار الغاز الطبيعي المسال في الانخفاض بسرعة، فبسبب التحول في أسواق الاتحاد الأوروبي المشتركة على مدار السنوات العشر الماضية، اضطرت شركة غاز بروم لبيع الغاز بعقود مؤجلة أكثر فأكثر، ما فرض انخفاضا في الأسعار.
كان على شركة غاز بروم أيضا تقليل أسعار مبيعات الغاز الطبيعي في السوق الأوروبية، ومنافسة المسال الرخيص. وتساءل الكاتب "بما أن أوضاع الغاز المسال والطبيعي بهذه الشاكلة، لماذا تستخدم تركيا الغاز الأكثر تكلفة".
وتابع: "يتم تحديد أسعار الغاز الطبيعي في بلدنا في إطار الاتفاقيات المجدولة وفقا لأسعار النفط الخام والمنتجات البترولية المسجلة في العقود الموقعة في الفترة التي بدأت منذ منتصف الثمانينيات وحتى منتصف عام 2000".
هذا في وقت تتشكل فيه أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا الغربية في "مراكز تجارية" تماشيا مع منافسة الغاز مع ظروف السوق والسوق الحرة.
في العام الماضي، بسبب التطورات في جانب العرض، كان هناك اختلاف كبير بين أسعار الغاز الطبيعي والنفط الخام، في حين تمكنت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي حررت أسواقها وأثبتت منافسة الغاز من استخدام هذا كمستهلك لمصلحتها الخاصة.
ومع ذلك، بقيت العديد من البلدان في أوروبا الشرقية مثل تركيا مستمرة في عقود النفط المجدولة والمستمرة في سياسة "ادفع وخذ"، وعليه بقيت الأسعار مرتفعة مقارنة مع من حولها من دول أوروبا.
عندما انخفضت أسعار النفط، لم يكن هناك انخفاض في أسعار الغاز الطبيعي، وفي الحقيقة السبب الوحيد لذلك هي العقود المبرمة مع روسيا، والتي وقعت تركيا عليها معادلة تعتمد على أسعار النفط قبل عقود.
وبينما السعر في تركيا يكون 255 دولارا أمريكيا للوحدة الواحدة kcsm من الغاز، يكون في أوروبا بـ120 دولارا. كما أنه في النصف الثاني من العام الجاري، من غير المرجح أن ينخفض سعر الغاز الروسي إلى ما دون 230 دولارا حتى في السيناريو الأكثر تفاؤلا بسبب العقود التي سبق وتم التطرق إليها.
المطلوب من روسيا
وأظهرت بيانات روسية، أن تركيا خفضت وارداتها من الغاز الروسي خلال العام الماضي بنسبة 35 في المائة عن العام السابق له، لتبلغ نحو 15.5 مليار متر مكعب. وهو أدنى مستوى لها منذ عام 2004، وذلك في ظل خطوات تنفيذية لتقليص الاعتماد على موسكو التي تهيمن على نحو نصف استهلاك الأتراك من الغاز.
وعليه، بحسب الكاتب فإن "تركيا وجب عليها التحرك في عدة صعد، منها، العثور على عقود غاز طبيعي مرنة وجذابة، وهي من ضمن المستوردين الكبار في سوق الطاقة، ولعل العقود طويلة الأجل الموقعة بين الجانبين التركي والروسي، تعطي أنقرة فرصة البحث عن بدائل أخرى على مهل وبشكل متقن".
ومن ناحية أخرى يجب الآن إشراك الكثير من القضايا المتشابكة ببعضها البعض، أزمة إدلب، وكذلك المسألة الليبية والضغط على روسيا من خلالهما سيما وأن للأخيرة مصلحة كبرى في هاتين النقطتين.
وتابع: "يجب أن يجلس القطاع الخاص على الطاولة للتفاوض على أسعار الغاز الطبيعي مع شركة غاز بروم في عقود بيع وشراء الغاز الطبيعي التي ستنتهي مع روسيا في الفترة من 2021-2026 – كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي- لتمهيد الطريق للقطاع الخاص في مفاوضات الأسعار، وبالتالي خفض فواتير الغاز الطبيعي للمستهلكين".
ولفت إلى أن "ما يجب القيام به هنا هو توجيه الغاز الطبيعي الروسي بحرية إلى منافسة مباشرة مع نيجيريا والجزائر ومصر والنرويج وقطر وترينيداد وتوباغو وغينيا الاستوائية وغيرها والعنوان الصحيح لذلك هو بورصة إسطنبول للطاقة (EPİAŞ)".
وأردف الكاتب: "إذا نظرنا إلى الصورة على نطاق أوسع، يمكن اعتبار السعر المرجعي للغاز الذي سيتم تشكيله في EPİAŞ كمرجع في شراء وبيع الغاز الطبيعي من قبل جميع البلدان في الجغرافيا من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا الوسطى في المستقبل وهكذا يمكن أن تتحول تركيا من مجرد ممر أو جسر لعبور الغاز من وإلى الدول، إلى دولة ركن وأساسي في تحديد الأسعار والتحكم في الأسواق عالميا وإقليميا".
وتسعى أنقرة لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي الذي يهيمن حاليا على سوق الوقود في تركيا ويمثل نسبة 53 في المائة من استهلاكها من الغاز.
وأشارت تقارير متخصصة نهاية العام الماضي إلى أن تركيا تتجه لاستيراد الغاز المسال الأمريكي وتقليل واردات الغاز الطبيعي الروسي، ضمن إستراتيجية جديدة لأمن الطاقة مبنية على تنويع مصادر استيراد الغاز والطاقة بشكل عام خلال السنوات المقبلة.
وفي إطار هذه الإستراتيجية، اتجهت شركة خطوط أنابيب البترول التركية "بوتاس" خلال "أكتوبر/ تشرين الأول" الماضي للتعاقد على 70 شحنة من الغاز المسال من الشركات الأمريكية، وذلك وفقا لما ذكرته نشرة "أويل آند غاز ـ يورو آشيا" في "نوفمبر/تشرين الثاني" الماضي.