لخضر بورقعة.. ثمانيني جزائري أيد بشار وصدّام وساند الحراك الشعبي

12

طباعة

مشاركة

في نفس المكان الذي انطلقت منه التظاهرات الرافضة لترشح الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة خامسة بالجزائر، حضر المجاهد لخضر بورقعة، داعيا الحراكيين إلى مواصلة "ثورتهم" حتى تحقيق جميع مطالبها.

أصبح لخضر بورقعة (80 عاما) أيقونة للحراك خاصة بعد إيداعه الحبس المؤقت في 3 حزيران/يونيو 2019، بتهمة "إضعاف معنويات الجيش" ثم إطلاق سراحه، حيث دأب الحراك الشعبي على رفع صوره وهو الذي يعتبر واحدا من أهم قادة التحرير الوطني في فترة الاستعمار الفرنسي.

الشاب الثائر

في 15 مارس/آذار 1933 بقرية أولاد تركي التابعة لبلدية العمارية ولاية المدية الجزائرية، ولد لخضر بن علي بن قويدر ومبرك عائشة بنت ميلود، ولم ترد في أي من المصادر الصحفية أو التاريخية ذكر شيء عن تعليم بورقعة أو طفولته، كما لم يذكر بورقعة شيئا عنها في مذكراته التي أصدرها عام 2009 بعنوان "شاهد على اغتيال الثورة".

انضم لخضر بورقعة صغيرا إلى حزب الشعب الجزائري الذي تأسس عام  1937، ويعتبر امتدادا لحزب نجم شمال إفريقيا، حضر الاجتماع التأسيسي أزيد من 300 مناضل وتم انتخاب مصالي الحاج رئيسا للحزب الذي قرر نقل نشاطاته إلى الجزائر بعد عودة الأخير في 18 يونيو/حزيران 1937.

بسرعة أصبح حزب الشعب منظمة سياسية قوية، وحركة وطنية بحتة عرفت بقوة التنظيم والانتشار الواسع في كل المدن الجزائرية مستفيدا من مناضلي "النجم" السابقين وتجاربهم السياسية، وأصدر حزب الشعب عدة صحف لنشر أفكاره ومبادئه ومنها "الأمة - الشعب"، التي كان يديرها الشاعر مفدي زكريا.

ومع اشتعال الثورة الجزائرية في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، التحق لخضر بورقعة بصفوف جيش التحرير، ليتدرج في سلمها القيادي ويصل بعد العام 1958 إلى مهمة قائد عسكري برتبة رائد وكان يتميز بوفائه للثورة، عين قبيل الاستقلال في مجلس قيادة الولاية الرابعة ثم عين عضوا في المجلس الوطني للثورة الذي يُعد مرجعا تاريخيا من مراجع الثورة.

ما بعد الاستقلال

نجحت الثورة الجزائرية في افتكاك استقلال بلادها من الاستعمار الفرنسي في العام 1962، هذا الانتصار الذي حققه الثوار، أوصلت فريقا منهم إلى سدة الحكم وأوصلت آخرين إلى غياهب السجون.

في سبتمبر/ أيلول 1962، فاز لخضر بورقعة في انتخابات المجلس الثوري الحاكم عن دائرة المدية، ثم ما لبث أن توترت علاقته برفاق السلاح فاعتقل في 5 يوليو/تموز 1968 بتهمة التحالف مع كريم بلقاسم والطاهر زبيري، فيما عرف بتصفية الساحة للرئيس هواري بومدين وفي 7 أبريل/نيسان 1969 حكم عليه بالسجن 30 سنة قضى منها 8 سنوات.

ويعتبر بورقعة نفسه ضحية معارضته المبكرة، والانحراف الحاصل في القيادة الجديدة للبلاد، وانفتاحها على أعداء الثورة والموالين لفرنسا الذين تموقعوا سريعا في النظام الجديد.

عارض بورقعة الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1965، واتجاه النظام الجزائري نحو حكم الفرد في شكل مشابه للأنظمة العسكرية العربية.

واستمر بورقعة في انتقاد النظام الجزائري القائم في مختلف فتراته معتبرا أنه اغتال ثورة التحرير، وأن "حزب فرنسا" هو الذي تحول الحاكم الفعلي للبلاد، داعيا إلى وضع حزب جبهة التحرير الحاكم في المتحف، فكان دائما من المعارضين لطريقة تسيير البلاد.

ساهم المناضل الجزائري في تأسيس أول أحزاب المعارضة بعد الاستقلال وهو حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، الذي ضم عددا كبيرا من "المجاهدين" في ثورة التحرير، والذين يشتركون في مواقف معارضة للوضع الجديد في الجزائر.

الانقلاب العسكري

من المتداول في بعض الكتابات الصحفية والتصريحات السياسية في الجزائر أن الرائد بورقعة يعتبر أحد الضالعين الرئيسيين في محاولة الانقلاب العسكري التي قادها العقيد الطاهر الزبيري رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الأسبق ضد رفيق دربه ووزيره للدفاع الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1967.

لكن لخضر أوضح أنه لم يشارك إطلاقا في عملية الانقلاب ولم يكن يعلم بها أصلا رغم أنه يقر أنه كان في تلك الفترة لا يحب بومدين لكونه قرب إليه ضباط فرنسا الذين التحقوا بالثورة على حساب ضباط جيش التحرير الوطني.

يذكر لخضر أنه كان موجودا بمقر محافظة جبهة التحرير الوطني بالبليدة بعد أن تبين أن الانقلاب الذي تزعمه العقيد الطاهر الزبيري قد فشل.

إلا أن بورقعة لا ينفي أنه ظل لمدة شهر كامل يُهرب العقيد الطاهر الزبيري من مكان لآخر عبر العديد من قرى وأحياء مدينة البليدة والعاصمة الجزائر، إلى أن قام صحبة االطبيب أرزقي هرموش بتهريب الزبيري على متن شاحنة حيث جرى نقله نحو ميناء العاصمة، ومن هناك اتجهت به تلك الشاحنة المحملة بالخشب نحو الأوراس قبل أن يتم تهريبه خارج الوطن.

مثير للجدل

كان لبورقعة حضور بارز في مختلف المحافل دفاعا عن القضايا العادلة، خاصة قضايا الأمة العربية، حيث ناصر القضية الفلسطينية ودافع عنها دفاعا كبيرا، وناصر العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، إذ ترأس وفدا من المناضلين الجزائريين ضمن زيارة إلى العراق واستقبل من قبل صدام حسين في العام 1995.

وبعد انطلاق ثورات الربيع العربي، ودخول الشعب السوري في مواجهة نظام حزب البعث، قام بورقعة بزيارة مساندة لرئيس النظام السوري بشار الأسد في أكثر الفترات التي وجهت فيها إليه اتهامات بارتكابه جرائم ضد الإنسانية.

كشف لخضر بورقعة في حديثه لموقع "الحوار" تفاصيل لقائه مع الأسد، رد فيه على الأصوات المنتقدة له، معتبرا أن ما يقع في سوريا جزء من مؤامرة تحاك ضد الدول العربية من خلال مشروع صهيو أمريكي يهدف إلى إضعاف وتقسيم الدول العربية، وهي حرب عالمية بالوكالة فيها كل الأجناس والدول، ويقول: "الرئيس السوري لديه شعبيته لن أقول إن 90 بالمائة معه، لكن الأغلبية معه".

أيقونة الحراك

في فيديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع خروج أول التحركات الشعبية الرافضة لترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، طالب لخضر بورقعة، من كل المرشحين الانسحاب من الرئاسيات، كما ناشد قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح، والعسكريين للاصطفاف إلى جانب الشعب.

ولم يغب بورقعة عن جل المظاهرات المتتالية منذ 22 فبراير/شباط 2019، وحتى بعد استقالة بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان 2019، وفي 26 يونيو/تموز 2019 نظمت أحزاب معروفة بمعارضتها الراديكالية للنظام، وتكتلت في تحالف أسمته قوى البديل الديمقراطي، ندوة لتقديم خارطة طريق لحل الأزمة التي تعرفها البلاد، وكان بورقعة من ضمن المدعوين، وألقى كلمته تطرق خلالها إلى ما يسمى تاريخيا "جيش الحدود".

وقال: "في 1962 تشكلت ميليشيا خارج أرض المعركة، وهذه المليشيا فعلت فعلتها إلى غاية اليوم"، وتابع: "يقال لنا اليوم أن الجيش الوطني الشعبي هو سليل جيش التحرير وهذا غير صحيح".

أثار هذا التصريح حفيظة قيادة المؤسسة العسكرية، التي تعتبر الحاكم الفعلي للبلاد بعد بوتفليقة، حيث يعتبر توصيف الجيش الجزائري بكونه سليل جيش التحرير من الثوابت الوطنية المنصوص عليها في ديباجة دستور البلاد.

وتسببت تلك التصريحات في مثول لخضر بورقعة أمام قاضي التحقيق بمحكمة بئر مراد رايس الذي أمر بإيداعه رهن الحبس المؤقت بتهمتي "إهانة هيئة نظامية والمساهمة في إضعاف الروح المعنوية للجيش وقت السلم"، والتهمتان يعاقب عليهما القانون الجزائري بالسجن لمدة قد تصل إلى 10 سنوات.

وصاحب سجن بورقعة، تقرير بثه التلفزيون الرسمي، ذكر أن الرجل "لم يكن قائدا للمنطقة الرابعة التاريخية مثلما يشاع وأن اسمه الحقيقي أحمد وليس لخضر".

وحسب التلفزيون، الذي لم يذكر مصدرا، فإن الأمر يتعلق بـ"أحمد بورقعة الذي تخفى تحت اسم لخضر بورقعة وهو في الحقيقة كان يحارب في الجيش الفرنسي بمنطقة الألب بفرنسا بين سنتي 1954 و1956، حيث عاد إلى أرض الوطن في عطلة ليلتحق بالثورة التحريرية"، في تلميح إلى أن سيرته المتداولة مزيفة.

وأثارت الراوية استهجانا لدى فئات واسعة، بين نشطاء الحراك وكذلك قدماء "المجاهدين" في الجزائر.

وتحول لخضر بورقعة إلى أيقونة للحراك، حيث لم تغب صورته عن جميع المسيرات التي خرجت في البلاد، مع المطالبة بإطلاق سراحه، والذي تم بالفعل بعد وصول الرئيس عبدالمجيد تبون إلى قصر المرادية.