فرصته تفوق حميدتي وحمدوك.. لماذا يتهيأ البرهان لرئاسة السودان؟
من سيكون رئيس السودان القادم؟ سؤال يفرض نفسه على مستقبل البلد الإفريقي، الذي دخل في فترة اضطرابات، وإعادة هيكلة في هرم ومفاصل السلطة منذ الإطاحة بالرئيس المعزول "عمر البشير" في 11 أبريل/ نيسان 2019.
الفريق أول عبد الفتاح البرهان هو من تسلم زمام المجلس العسكري عقب البشير ثم مجلس السيادة، لكنه ظل بعيدا عن الأضواء، بينما كان قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" هو الوجه الأكثر بروزا في مجريات الأحداث، وكانت له لقاءات على الصعيد الإقليمي والدولي، مع قادة وسفراء الكثير من الدول، حتى وصف بالرجل القوي في السودان.
ومع تشكيل المجلس الانتقالي، وإعلان حكومة انتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، كان الأخير هو الوجه الأبرز، والأكثر تأثيرا خاصة مع زيارته إلى واشنطن، وعقده لقاءات ومباحثات مع كبار المسؤولين في البيت الأبيض.
لكن مؤخرا، وتحديدا منذ لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، برز مرة أخرى نجم "البرهان" كواجهة للسلطة، والرجل صاحب القرار الأول والأخير، ما جعل البعض يؤكد من فرضيات تأهيل البرهان وتسويقه ليكون الحاكم الفعلي للسودان مستقبلا.
بوابة إسرائيل
جاء لقاء البرهان، بنتنياهو في 3 فبراير/ شباط 2020، بأوغندا، مفاجئا وصادما لمختلف الأوساط السياسية والشعبية داخل السودان وخارجه، حيث لم يتم الإعلان عنه مسبقا، وكان خطوة استباقية حاسمة لدخول الخرطوم بقوة إلى سياق التطبيع مع تل أبيب، ما أثار العديد من التساؤلات حول مدى صلاحية ونفوذ البرهان، لأخذ قرار ذلك اللقاء بشكل سري وشبه منفرد، بعيدا عن موافقة الحكومة القائمة.
جريدة "رأي اليوم" اللندنية كتبت في افتتاحيتها بتاريخ 5 فبراير/ شباط 2020: "سبب الصدمة ليس لأن الفريق البرهان تصرف كديكتاتور عسكري بادر باللقاء من وراء ظهر شركائه في الثورة التي جاءت به إلى الحكم والشعب السوداني مفجرها، وإنما لأن ارتكاب هذه 'الخطيئة، لن يحل أزمات السودان بل سيزيدها تعقيدا".
سعي البرهان في رسم سياسته الخارجية الجديدة، وتأكيده على مسار التطبيع، أعلنه في 14 فبراير/ شباط 2020، عندما علق على التواصل مع إسرائيل، قائلا: "الاتصالات لن تنقطع، في ظل وجود ترحيب وتوافق كبير داخل السودان، لإسرائيل دور في قضية رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب".
والبرهان في تحركاته، لا يعمل متفردا عن مؤسسة الجيش، التي يقودها، وهي الداعم الأكبر له، ووضح ذلك مع إعلان المجلس العسكري تأييده لنتائج "زيارة البرهان، إلى أوغندا، التي التقى خلالها نتنياهو".
بيان مقتضب صدر عن مكتب المتحدث باسم الجيش السوداني، عقب اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة، قال: "عُقد اجتماع بالقيادة العامة لقادة القوات المسلحة، وأمّن على نتائج زيارة القائد العام لأوغندا، ومخرجاته، بما يحقق المصلحة العليا للأمن الوطني والسودان".
وظهر جليا أن إسرائيل كانت بوابة البرهان، لتقديم نفسه عالميا، كواجهة لحكم السودان، وكرجل قادر على اتخاذ القرارات المصيرية والحاسمة.
تحديات جمة
كانت الدلالة من مخرجات لقاء البرهان ونتنياهو، على الداخل السوداني، تؤطر إلى وضوح التوافق بين البرهان والجيش، فظهر بمظهر قوي في موقفه مع المؤسسة العسكرية، في حين ظهر موقف الحكومة برئاسة حمدوك مضطربا، وغير واضح المعالم، ففي البداية رحب حمدوك (يساري)، بالتعميم الصحفي الصادر عن البرهان بشأن اجتماعه مع نتنياهو.
وقال: "لا شك أن الطريق إلى التغيير الحقيقي في السودان مليء بالتحديات والعقبات، ومع ذلك يجب أن نعي بأن الالتزام بالأدوار والمسؤوليات المؤسسية أمر أساسي لبناء دولة ديمقراطية حقيقية".
في الوقت ذاته أعلن وزير الإعلام السوداني الناطق باسم الحكومة فيصل محمد صالح "نفى علم مجلس الوزراء السوداني بزيارة البرهان"، كما نفت وزيرة الخارجية أسماء محمد عبدالله علمها باللقاء مؤكدة أنها "سمعت بخبر اللقاء عبر وسائل الإعلام مثل أي مواطن".
وزاد من صعوبة الأمر، وحرج حكومة حمدوك، قيام السفير رشاد فراج الطيب، مدير إدارة السياسة الخارجية بمجلس السيادة الانتقالي، بتقديم استقالته، احتجاجا على اللقاء، ورفضا لمسار التطبيع.
تلك الحالة، عبرت عنها جريدة "العرب" اللندنية، في 5 فبراير/ شباط 2020، بتقرير تحت عنوان "تردد حمدوك يقود البرهان إلى الإمساك بزمام المبادرة في السياسة الخارجية للسودان".
التقرير قال: "أمضى حمدوك وقتا طويلا في استكشاف العالم من حوله، ولم يتخذ مواقف حاسمة في بعض القضايا، اهتزاز الأرض السياسية من تحت أقدام حكومة حمدوك، قدم هدية كبيرة للبرهان، كضامن للأمن والاستقرار في البلاد".
تخطيط واشنطن
في 4 فبراير/ شباط 2020، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان، أن "وزير الخارجية مايك بومبيو، أجرى اتصالا هاتفيا مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، عقب اجتماع عقده الأخير مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو"، وأكدت أن "بومبيو شكر في المكالمة البرهان على زعامته في تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
ووفق البيان، "أكد بومبيو والبرهان على رغبتهما المشتركة في تحسين مشاركة السودان الفعالة في المنطقة والمجتمع الدولي والتزامهما بالعمل من أجل إقامة علاقة ثنائية أمريكية سودانية أقوى وأكثر صحة".
Constructive discussion with Chairman of Sudan’s Sovereign Council General al-Burhan. We underscored our shared desire to improve #Sudan’s active participation in the region and international communities and to work towards a stronger, healthier U.S.-Sudan bilateral relationship.
— Secretary Pompeo (@SecPompeo) February 3, 2020
بيان وزارة الخارجية الأمريكية، ركز على "البرهان" دون غيره من قادة العملية السياسية في السودان، مع لهجة الترحيب والامتنان على تطبيع مع إسرائيل، حيث وصفها البيان تحت بند "زعامته".
الأمر الثاني الذي يؤكد خصوصية البرهان، لدى الإدارة الأمريكية، ما أعلنته وكالة الأنباء السودانية "سونا" في 2 فبراير/ شباط 2020، بأن "البرهان تلقى دعوة رسمية لزيارة الولايات المتحدة".
وأضافت: "دعا وزير الخارجية الأمريكي السيد مايك بومبيو، فى اتصال هاتفي، رئيس مجلس السيادة إلى زيارة الولايات المتحدة الأمريكية لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها، ورحب الفريق أول ركن البرهان بالدعوة، ووعد بتلبيتها".
وكانت العلاقات الأمريكية السودانية، قد شهدت تحسنا بعد أول زيارة قام بها حمدوك إلى واشنطن في ديسمبر/ كانون الثاني 2019، لكن الملفت أن لقاء البرهان ونتنياهو تم بمعزل عن حمدوك، الذي لم تخبره واشنطن، وفضلت التفرد بالبرهان.
موقف واشنطن الأخير يمكن تفسيره حسب تقارير صحفية بأن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد القائد القوي، ومن يستطيع التفاهم معه بأريحية".
رجل الإمارات
في 13 أبريل/ نيسان 2019، رحبت أبوظبي بتسلم البرهان رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، واعتبرتها خطوة "تجسد تطلعات الشعب السوداني الشقيق في الأمن والاستقرار والتنمية".
وفي 28 أبريل/ نيسان 2019، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالا أشار إلى أن قوتين أجنبيتين حليفتين للولايات المتحدة تلعبان دورا كبيرا في معركة تحديد مستقبل السودان وهما السعودية والإمارات اللتان قدمتا مليارات الدولارات للقيادة الانتقالية.
وحسب تقارير صحفية، فإن البرهان قضى الفترة الأخيرة من حياته متنقلا بين اليمن والإمارات، واعتبر من المقربين لولي عهد أبوظبي الأمير محمد بن زايد آل نهيان.
خاصة وأن الإمارات من أول الدول التي توجه إليها البرهان، لا سيما زيارته الجدلية التي تمت في 27 مايو/ آيار 2019، حيث أعلن أنه أجرى خلالها محادثات مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بشأن الفترة الانتقالية بعد الإطاحة بالبشير، ما أحدث غضبا واسعا في الشارع، ومعه أعلنت قوى الحرية والتغيير، التي كانت تقود المظاهرات، بدء العد التنازلي للإضراب العام في المؤسسات والشركات العامة والخاصة بالدولة.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 4 فبراير/ شباط 2020، عن مسؤول عسكري سوداني رفيع قوله: "لقاء البرهان مع نتنياهو في أوغندا، رتبت له الإمارات، بعلم السعودية ومصر ودائرة ضيقة من كبار المسؤولين السودانيين".
حسب مراقبين، فإن كان أكثر ما يميز البرهان، لدى الولايات المتحدة، وإسرائيل، وبالتالي المجتمع الدولي، عن بقية رجال البشير، أنه غير مطلوب على ذمة أي قضايا من المحكمة الجنائية الدولية، كغيره من قادة الجيش.
ما يجعل البرهان مقدما على حميدتي، أن الأخير بدأ من كونه معارضا، ومتمردا على النظام السوداني، بسبب فشل النظام في حماية عشيرته في منطقة جنوب دارفور، وفي عام 2010، دخل النظام معه ومع قبيلته في مفاوضات لم تكن صعبة، واستوعبت الحكومة حميدتي، وضمته إلى العمل في صفها، بجعله ضابطا في سلاح حرس الحدود، وفق متابعين.
لم يدخل حميدتي، يوما إلى الكلية الحربية، أو يلتحق بأي من المدارس العسكرية، لكن الشاب الثلاثيني وقتها حقق صعودا قياسيا في سرعة الترقي في تراتيبية الجيش، وخلال أقل من 10 أعوام مُنح رتبة "فريق أول" مقرونة بمنصب نائب أول في المجلس العسكري السوداني.
بالإضافة أن قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي، وإن كانت جزءا من الجيش حاليا، لكنها لم تكن يوما من المكونات الأساسية للقوات المسلحة.
سيناريو مرعب
وفي 30 يوليو/ تموز 2019، نشر "مركز الجزيرة للدراسات" دراسة تقدير موقف، تضمنت العلاقة بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، وتحدثت الدراسة عن سيناريو الرعب إذا بدأ اشتباك بينهما.
الدراسة قالت: "تبقى العلاقة بين الجيش السوداني بمكوناته التقليدية وبين قوات الدعم السريع معطى مهما سيحدد تطوره مستقبل العملية السياسية السودانية كلها".
العلاقة بين هذين الطرفين بلغت حدا من الاحتدام يمكن أن يفضي الى مواجهة ينفرط بها عقد الأمن، وتدخل بها البلاد في أتون فوضى شاملة، خاصة وأن الشأن يتجاوز المستوى الوطني، ومؤذن بتدخلات خارجية نقلت عنها مصادر استخبارية رغبتها في إضعاف الجيش لمصلحة الدعم السريع، بحيث تنتهي العملية إلى إبدال حقيقي لجهاز عسكري بآخر، حسب الدراسة.
أما الفريق أول عبد الفتاح البرهان، فهو ابن المؤسسة العسكرية، حيث التحق بالكلية الحربية السودانية ضمن ضُباط الدفعة 31، وعمل عقب تخرجه ضمن وحدات الجيش، فضلا عن مُشاركته في جبهات القتال في حرب دارفور وكذا في جنوب السودان ومناطق أخرى.
وجود البرهان في سياق التراتيبية الطبيعية للجندية السودانية، ووصوله إلى رأسها، يجعله مقدما في قيادة الدولة، التي تخضع للحكم العسكري منذ عقود طويلة، كمعظم أنظمة الشرق الأوسط.
المصادر
- البرهان بين معارض يتهمه بـ"الخطيئة" ومؤيد يدعوه لتحقيق "مصلحة السودان" بعد لقاء نتنياهو
- ما بعد زيارة البرهان للإمارات.. غليان على مواقع التواصل
- لقاء نتنياهو البرهان.. هكذا يروج الإسرائيليون لتحالفات جديدة
- لقاء البرهان ونتنياهو... ماذا تريد السودان من التطبيع مع إسرائيل؟ (تقرير)
- هل ترث الميليشيات الدولة السودانية وتطيح بالجيش واليسار بعد إقصاء الإسلاميين؟
- Secretary Michael R. Pompeo’s Call with Chairman of Sudan Sovereign Council General Abdul Fattah al-Burhan
- بعد تعيينه رئيسًا للمجلس العسكري الانتقالي في السودان: ماذا عن علاقة البرهان بالإمارات؟
- السودان.. البرهان يعقد أول اجتماع مع حمدوك بعد لقائه نتنياهو
- البرهان: لإسرائيل دور في رفع اسم السودان من "الدول الراعية للإرهاب"
- توقيع وثيقة تقاسم السلطة بين المجلس العسكري والمعارضة في السودان
- لقاء البرهان ونتنياهو يفجّر أزمة صلاحيات في السودان
- مقابلة التطبيع فجَّرت أزمة بين الحكومة السودانية ومجلس السيادة.. هل هي بداية انقلاب البرهان على الجميع؟
- "تردد" حمدوك يقود البرهان إلى الإمساك بزمام المبادرة في السياسة الخارجية للسودان