فورين بوليسي: هكذا تعاملت "صفقة القرن" مع موارد المياه في فلسطين
قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية: إن المياه تشكل الجزء المفقود من خطة السلام المعروفة بـ"صفقة القرن" التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وبحسب مقال لـ "كيث جونسون"، فإن أحد أسباب رفض الفلسطينيين لخطة السلام الأمريكية المعيبة هي أنها لا تقدم حلا أو معالجة لمطالبهم بحقوقهم في المياه، بل وافتقارها إلى أي اهتمام جدي بالمسألة المثيرة للجدل حول كيفية تقسيم مواردها الثمينة مع الإسرائيليين.
وتابع: "أحد الأسباب العديدة التي رفضت القيادة الفلسطينية لأجلها الطرح الأمريكي هو أنه تضمن مطالبة الفلسطينيين بالتنازل عن الضفة الغربية الغنية بالمياه ووادي الأردن بأكمله إلى إسرائيل".
السياق التاريخي
ونقل عن إريكا وينثال، الخبيرة في سياسات ونزاعات المياه بجامعة ديوك الإنجليزية، قولها: "ما أذهلني عندما نظرت إلى الخطة هو مدى خلوها من السياق التاريخي. لم يكن هناك اعتراف بالاتفاقيات السابقة التي تناولت المياه، أو بالخطوات التي تم وضعها للسماح بتقاسمها، أو الاعتراف بحقوق الفلسطينيين فيها".
ومضى "جونسون" يقول: "لقد كان الوصول إلى المياه لعقود من الزمن في قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والعديد من التوترات الإقليمية على نطاق أوسع".
ويوجد في المنطقة القاحلة كميات محدودة من المياه التي يزداد الطلب عليها في مجال الزراعة، والماء الموجود يتم تقاسمه إلى حد كبير عبر الحدود الوطنية، بما في ذلك نهر الأردن والمستودعات الجوفية الحرجة في الضفة الغربية وقرب قطاع غزة، وفق قوله.
ونوه بأن تلك الجيولوجيا والجغرافيا تساعدان في تفسير سبب كثير من أشد النزاعات والاشتباكات حول المياه في المنطقة منذ قرون بل وآلاف السنين، والتي تعود إلى القصة التوراتية عن زمن تقاتل فيه النبي إسحق والفلسطينيون حول الوصول إلى آبار المياه.
ومضى يقول: "في الآونة الأخيرة، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون باللوم على المياه في اشتعال حرب الأيام الستة عام 1967". وأردف الكاتب: "منذ ذلك العام، ظلت المياه مصدر إزعاج كبير في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، جزئيا لأن إسرائيل سيطرت على الوصول إليها".
الوصول المحدود
وتابع: "وصول الفلسطينيين إلى المياه في الضفة الغربية محدود، مما يسبب آثارا كارثية على المزارعين، الذين تنتج حقولهم التي تسقط فيها مياه الأمطار محاصيل أقل قيمة من الحقول الخصبة لجيرانهم الأغنياء بالمياه".
وأضاف: "في قطاع غزة، الوضع صعب للغاية: أكثر من 90 % من المياه غير صالحة للاستهلاك البشري، والخزان الجوفي الوحيد للمياه تجتاحه مياه البحر المالحة".
ونقل عن كلايف ليبشين، مدير مركز إدارة المياه العابرة للحدود في معهد أرافا للدراسات البيئية في إسرائيل، قوله: "صحيح أن المياه ليست في الصدارة مثل القدس أو مسألة اللاجئين في النزاع، لكنها دائما ما يتم التطرق إليها كواحدة من القضايا الأساسية".
ومضى الكاتب يقول: "لذلك من الغريب أنه لا يوجد نقاش حقيقي حول كيفية تقاسم الموارد المائية بين إسرائيل والفلسطينيين في الخطة التي اقترحها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على الرغم من أن كوشنر رفض عمدا مناقشة أي تاريخ في المنطقة أثناء العمل على الخطة، لذلك فقد لا يكون الأمر مفاجئا".
وتابع بقوله: "كانت المياه هي الركن الثالث من الركائز الرئيسية السبعة في اتفاق السلام لعام 1994 بين إسرائيل والأردن، وجزءا أساسيا من اتفاقيات أوسلو عام 1995". وأضاف: "بالمقابل، تم تخصيص فقرة واحدة في مخطط كوشنر حول المياه، عقب الإشارة إلى خطط لبناء منتجع سياحي على البحر الميت".
المياه في الصفقة
ومضى يقول: "بعد عقود من المعارك المريرة حول الطرف الذي يجب أن يحصل على كمية المياه، وعقب سنوات من استخدام إسرائيل لها كأداة لتعزيز قابلية المستوطنات في الضفة الغربية للحياة، وخنق المزارعين الفلسطينيين، إلا أن خطة البيت الأبيض قالت: ستعمل الأطراف معا بحسن نية لإدارة التفاصيل فيما يتعلق بقضايا معالجة المياه والصرف الصحي".
وأردف يقول: "تظل بقايا الاتفاقيات المتعلقة بحقوق المياه وتخصيصها في اتفاقيات أوسلو سارية حتى يومنا هذا. لكن المياه لا تزال قضية ساخنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين لسببين رئيسيين".
أولا: إن التزامات أوسلو على الورق فيما يتعلق بوصول الفلسطينيين إلى المياه لم يتم الوفاء بها في النهاية ضمن الاتفاق النهائي المأمول. وقد ترك ذلك إسرائيل تسيطر نهائيا على الوصول إليها، سواء من وادي الأردن أو من طبقة المياه الجوفية الجبلية الوفيرة.
كما أن الآبار الفلسطينية الجديدة، على سبيل المثال أو أنظمة الري أو محطات الصرف الصحي، كلها تتطلب توقيعا إسرائيليا، وهو أمر لا يتحقق أبدا، مما يترك البنية التحتية للمياه الفلسطينية متخلفة بشكل مخيف مقارنة بجيرانها المستوطنين. وفقا لبعض التقديرات، يستخدم الإسرائيليون أكثر من 80 % من المياه في الضفة الغربية، ما يترك جزءا بسيطا للفلسطينيين.
ثانيا: ازدادت أزمة المياه حدة خلال 25 عاما منذ توقيع اتفاقيات أوسلو. ويشير "ليبشين" إلى زيادة نمو الطلب الفلسطيني على المياه مع تزايد عدد السكان الفلسطينيين، في حين أن المخصصات الإسرائيلية للحقوق المتفق عليها بشأنها في التسعينيات لم تتغير.
وبحسب الكاتب، لهذا السبب فإن اقتراح إدارة ترامب الذي يتحدث كثيرا عن زيادة قدرة الاقتصاد الفلسطيني من خلال الاستثمار الدولي وإنشاء مناطق تصنيع عالية التقنية، غير متسق، ولا يأخذ في الاعتبار المتطلبات الأساسية التي يحتاجها الفلسطينيون في غزة ببساطة للعثور على مياه نظيفة للشرب والاستحمام، أو أن المزارعين في الضفة الغربية بحاجة إلى ري المحاصيل التي يمكن أن توفر سبل العيش.
عدم مساواة
وأضاف: "إذا تم تطبيق نسخة من اقتراح ترامب بما في ذلك الضم الإسرائيلي الخاضع لوادي نهر الأردن بأكمله، فسيزيد عدم المساواة في المياه". وتابع: "لقد كتبت وينثال سابقا عن الطابع الأمني للمياه، حيث تتحكم إسرائيل في الوصول إلى المورد الحيوي لتعزيز أمنها وإضعاف المجتمعات الفلسطينية".
ونقل عنها قولها: "هذه الخطة لا تزال تتجاهل أي شكل من أشكال الدبلوماسية الفعالة، حيث تحتفظ بالمياه والبنية التحتية كرهائن للصراع، بدلا من إعطاء الأولوية للاحتياجات الإنسانية الأساسية للسكان الفلسطينيين".
وتابعت: "في نهاية اليوم، تعد المياه حاجة إنسانية وحقا أساسيا من حقوق الإنسان يجب ألا يُحتجز كرهينة للنزاع أو يجعل أحد الطرفين يوافق على ذلك". وتساءل الكاتب عما إذا كان بقدرة التكنولوجيا إنهاء الصراع القديم على الآبار والمياه.
وقال: "في السنوات الأخيرة، خطت إسرائيل خطوات كبيرة في تعزيز أمنها المائي بفضل الاستثمارات الكبيرة في محطات التحلية التي تحول مياه البحر المتوسط إلى مصدر آخر للمياه العذبة. تتحدث خطة ترامب أيضا عن استثمارات كبيرة جديدة من قبل الطرفين في محطات تحلية المياه التي يمكن أن توفر إمدادات وفيرة منها، مع التركيز على تجنب القتال على مواردها الجوفية الثمينة وإزالة أحد الحواجز أمام اتفاق نهائي".
وبحسب الكاتب، فإن ليبشين غير مقتنع بذلك، ونقل عنه قوله: "تحلية المياه لن تنهي قضيتها كمصدر للصراع. على الرغم من حقيقة أن إسرائيل أكثر أمانا للمياه بسبب التقنيات بما في ذلك تحليتها، فإنها لن تتخلى أبدا عن الموارد الطبيعية، لأنها ستكون دائما المصدر المفضل للمياه، وسيتم دائما النظر إليها وإدارتها كمنطقة عازلة في أي أزمة قد تنشأ".
وأردف ليبشين: "الخطة تجعل فلسطين مزدهرة مسالمة لكن تحت الوصاية الأمنية الإسرائيلية وقليل من الوصول إلى العالم الخارجي، وهذا من الصعب أن يتماشى مع دولة المستقبل التي لا تزال تعتمد كليا على جارتها في الحصول على المياه".
وأضاف: "المياه، مثل السيطرة على الحدود والمجال الجوي، وهي الأمور التي تفتقر إليها خطة ترامب لكن تُصنع منها السيادة". وختم أنه "إذا كنت تتحدث عن دولة قابلة للحياة ومستقلة، فمن الواضح أنك بحاجة إلى السيطرة على مواردك الطبيعية. أي نوع من الدولة سيكون هذا؟".