"صفقة القرن".. هكذا أحيت القضية الفلسطينية في وجدان المغاربة

12

طباعة

مشاركة

على بعد أمتار من مبنى السفارة الأمريكية بمدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب الذي طوقته الحواجز الأمنية، احتج ممثلون لـ10 هيئات حقوقية وسياسية ومواطنون على ما يسمى بـ"صفقة القرن".

أتى الاحتجاج على الأرض بعد سلسلة من البيانات أصدرتها هيئات مغربية من توجهات مختلفة، ردا على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء 28 يناير/ كانون الثاني 2020، عن بنود ما يدعى "خطة تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين".

فيما وقّع علماء ومثقفون ودعاة مغاربة عريضة ضد "صفقة القرن" المزعومة، وضد التطبيع بكل أشكاله، ومنه تطبيع المؤسسات الدينية.

رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، تقدم الموقعين على العريضة، التي جاء فيها: "نعلن رفضنا صفقة القرن، وكل الخطط الأمريكية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية والانتصار للصهيونية".

اعتبر الرافضون للصفقة أن "القضية الفلسطينية والقدس والأقصى، قضية دينية تندرج نصرتها ضمن أصول الدين وقطعياته وثوابته التي لا يملك أحد التفريط فيها أو المتاجرة فيها مهما علا شأنه سواء كان عالما أو مسؤولا، والدفاع عنها واجب مقدس وفرض عين على كل مسلم قادر على ذلك".

وبارك الموقعون حملة "الفجر العظيم" في القدس والأقصى، ودعوا الشعوب الإسلامية للانخراط في هذه "المبادرة الإحيائية التاريخية"، ومؤازرة المرابطين في الأقصى، ودعم صمودهم ضد كل مخططات التهويد".

واستنكر الموقعون على العريضة، ما أسموه "صلاة الهولكوست"، التي شاركت فيها مؤسسات وشخصيات دينية مسلمة. واعتبروا أنها "تأتي في سياق تمرير صفقة القرن، وتبييض وجه الصهيونية الكالح، والتغطية على جرائمها ومذابحها منذ عام 1948".

حزب "المصباح"

حظي إعلان ترامب برفض شعبي واسع في المغرب، عبر عنه حزب العدالة والتنمية (رمز المصباح والقائد للائتلاف الحكومي)، على لسان النائب الأول لأمينه العام سليمان العمراني الذي قال: "علمنا كما علم الرأي العام العالمي وكل أحرار العالم وكل المناصرين للقضية الفلسطينية العادلة، بالموقف الذي أعلنه الرئيس الأمريكي بشأن خطة السلام في الشرق الأوسط ووضعية القدس وما سمي بصفقة القرن".

وعبّر المتحدث عن اعتزاز حزبه بـ"الرد القوي والحازم والحاسم للرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي أكد أن القدس ليست للبيع، والصفقة المؤامرة لن تمر، وأن الشعب الفلسطيني سيضعها في مزابل التاريخ، كما شدد أن المؤامرات وصفقات العصر ومخططات تصفية القضية الفلسطينية إلى فشل وزوال، ولن تخلق حقا ولن تنشئ التزاما".

ووجه الحزب الإسلامي "تحية عالية للشعب الفلسطيني البطل بكل أبنائه وبناته وكل قواه الحية ومؤسساته وسلطته الوطنية على وحدة وقوة موقفه في مواجهة كل المؤامرات التي تحاك ضد القضية الفلسطينية، وآخرها ما أعلنه الرئيس الأمريكي".

جدد "العدالة والتنمية" موقفه الداعم للقضية الفلسطينية، "إلى جانب كل مكونات الشعب المغربي وكل قواه الحية، والرافض لكل المخططات التي تستهدف النيل من الوضع القانوني والتاريخي لمدينة القدس الشريف والتمكين لصفقة القرن المناقضة لقرارات الشرعية الدولية ولحقوق الشعب الفلسطيني، أو شرعنة سياسات الاستيطان أو غيرها من المبادرات المرفوضة مؤسساتيا وشعبيا، وطنيا ودوليا". 

أعلن "المصباح" استعداده للانخراط في "كل المبادرات التي من شأنها تأكيد وتجديد الموقف المغربي الراسخ من القضية الفلسطينية والتعبير عن رفضنا القاطع لمشروع صفقة القرن ولمساعي الإدارة الأمريكية لتغيير وضع مدينة القدس الشريف".

مسيرة الأحد

دعا الحزب، مسؤوليه ومنتخبيه ومناضليه، إلى المشاركة "بكثافة وقوة وفعالية" في مسيرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني الأحد 9 فبراير/ شباط 2020، بالعاصمة الرباط .

ومن المنتظر أن تكون المسيرة حاشدة، إذ تحظى المسيرات التي تنظم في المغرب لصالح فلسطين بمشاركة كبيرة، خصوصا وأن كل الأطياف السياسية في البلاد تدعو لها، على رأسهم جماعة "العدل والإحسان" التي لها قاعدة جماهيرية ضخمة، كما أن مسيراتها تعرف مستوى عال من التنظيم والتنسيق.

مسيرة الأحد، أعلنت عنها تنظيمات مدنية وحقوقية ونقابية، وقال عنها الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي: إنها المسيرة الثالثة التي ينظمها طيف واسع من المجتمع المغربي لرفض "صفقة القرن"، "تأكيدا لاستمرار مواقف الشعب المغربي الثابتة والراسخة تجاه قضية فلسطين باعتبارها قضية وطنية".

وأوضح هناوي في بيان للمرصد، أن المسيرة الأولى تم تنظيمها في ديسمبر/ كانون الأول 2017، ضد القرار الأمريكي الاستعماري الصهيوني المتمثل في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإعلانها عاصمة لما يسمى الدولة اليهودية، و الثانية تم تنظيمها في يونيو/ حزيران 2019، ضد ما سمي صفقة القرن في ورشة البحرين، لتقديم الجانب الاقتصادي منها.

وأفاد هناوي، أن مسيرة 9 فبراير2020، تأتي من أجل إعلان المغاربة رفضهم المطلق ل"صفقة القرن" التي عرضها ترامب ونتينياهو معا، "في تغييب للطرف العربي أو الفلسطيني بشكل مهين جدا، مضيفا أنها محطة جديدة متجددة ضد المشروع الصهيوني، وضد التطبيع، والاختراق الصهيوني للمغرب ولكل المنطقة، وأيضا دعما لمقاومة الشعب الفلسطيني".

وأشار هناوي، إلى أن المسيرة لها عدة رسائل من ضمنها، رسالة تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، مفادها أنه ليس لوحده في المعركة، "وأننا كمغاربة لدينا نفس الموقف وتربطنا نفس المسافة بالمسجد الأقصى".

دعوة للمواجهة

رفضت جماعة "العدل والإحسان" (أكبر التنظيمات الإسلامية في المغرب) ما يدعي ترامب أنه "خطة للسلام" على لسان مسؤول العلاقات الخارجية داخل الجماعة، محمد حمداوي، الذي قال: إن "صفقة القرن عدوان جديد على فلسطين وتكريس للاحتلال الصهيوني".

أدان المسؤول الصفقة، مشددا على ضرورة توحيد "الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم جهودهم من أجل رفضها ومواجهة كل تطبيق لها". 

فيما قالت حركة "التوحيد والإصلاح": إن "الأمر يستلزم مقاومة القرن ضد صفقة القرن ضمانا لحقوق الشعب الفلسطيني المهضومة".

وقال رئيس الحركة، عبد الرحيم الشيخي: إن "مواقف الحركة ثابتة من هذه المسألة، والخطة تشكل تصفية للقضية الفلسطينية من جديد، لأنها تجهض حق الفلسطينيين في أرضهم المغتصبة وعاصمتهم القدس، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وحقهم في المقاومة".

قبل أن يضيف: "صفقة القرن تكرس انتهاك حقوق الفلسطينيين وتعطي حقوق جديدة للكيان الصهيوني وتحصنه مما يمكن أن تقوم به المقاومة من مبادرات لاستعادة الحقوق المغتصبة".

"الخطة المشؤومة"

الإسلاميون لم يكونوا الوحيدين الذين عبروا عن رفضهم وتنديدهم بالصفقة، بل عبّرت تيارات من توجهات مناقضة لهم بالموقف ذاته. وذهبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى وصف "صفقة القرن" بـ"الخطة المشؤومة، والمدروسة لتصفية القضية الفلسطينية". 

وأكدت الجمعية، في بيان، أنه "انطلاقا من مبادئها وأهدافها ومواقفها الثابتة في صلبها حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وفي إطار دعمها المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني، ولنضاله من أجل الاستقلال وعودة اللاجئين وقيام دولته الوطنية وعاصمتها القدس".

وتابع البيان معتبرا "صفقة العار، خطة مدروسة لتصفية القضية الفلسطينية، بمثابة نكبة جديدة للشعب الفلسطيني واستكمال لوعد بلفور المشؤوم، وهي خطة صهيونية صرفة، اكتفى ترامب بتبنيها وتسويقها". واستنكرت الجمعية ما وصفته بـ"تواطؤ" الأنظمة العربية، وتماهيها مع المخطط الصهيوني الأمريكي.

ووصل الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي (يساري)، مصطفى البراهمة، إلى حد دعوة وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، للاستقالة بعد البيان الذي قال فيه: إن "المملكة تقدر جهود السلام البناءة المبذولة من طرف الإدارة الأمريكية الحالية، من أجل التوصل إلى حل عادل، ودائم ومنصف بالشرق الأوسط".

بوريطة أكد أن المغرب "تابع باهتمام عرض رؤية الرئيس، دونالد ترامب، حول القضية الإسرائيلية الفلسطينية، وبالنظر إلى أهمية هذه الرؤية وحجمها، فإن المملكة ستدرس تفاصيلها بعناية كبيرة". 

البراهمة قال في تصريح صحفي: "الموقف الذي عبر عنه وزير الخارجية لم يسبق للمغرب الرسمي أن عبر عن مثله على طول تاريخه"، مشددا على "ضرورة تراجع الحكومة عن التطبيع بدلا من مباركة مبادرة ترامب".

غضب متواصل

واستكمالا لسلسلة الاحتجاجات التي بدأت بالبيانات والوقفة الاحتجاجية، أعلن رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان، أن "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين" والمرصد (هيئات غير حكومية)، سيدعوان لفعاليات غضب متواصل.

وشدد الناشط الحقوقي على أن "الشعب المغربي أجمع على رفض هذه الخطة قبل إعلانها بشكل رسمي، وذلك في المسيرة الشعبية التي نظمت في 23 حزيران/يونيو 2019، التي شاركت بها مختلف الأطياف، وأكدت على اعتبار الصفقة خيانة ومحاولة لتصفية القضية".

واعتبر ويحمان، أن الصفقة "ولدت ميتة، ولا سبيل لها في النجاح لا محالة، لأنها متعلقة بترامب ونتنياهو الذي ينتظره السجن على خلفية قضايا فساد".

وعن الموقف الرسمي للمغرب من القضية، قال ويحمان: "الموقف وإن كان لا يصل إلى مستوى نبض الشارع، لكنه لم يصل إلى الانبطاح الذي سجل لدى عدد من دول الخليج التي أبانت عن خيانتها  للشعب العربي والعالم الإسلامي"، في إشارة إلى حضور وزراء خارجية الإمارات والبحرين وعُمان لمؤتمر إعلان بنود صفقة القرن.