الأردنيون يرفضون استيراد "غاز إسرائيل".. احتمالات إسقاط الاتفاقية

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتواصل الضغوط الشعبية على الحكومة الأردنية من أجل وقف استيراد الغاز الطبيعي من دولة الاحتلال الإسرائيلي وإلغاء الاتفاق المبرم في عام 2016 بين شركتي الكهرباء الوطنية المملوكة للدولة ونوبل إنيرجي الأمريكية لتأمين احتياجات المملكة.

وبدأ الأردن مطلع العام الجاري باستيراد الغاز من إسرائيل، وصاحب ذلك احتجاجات شعبية واسعة، لم تبدأ من اليوم، وإنما منذ تاريخ التوقيع، حيث يرفض الأردنيون التطبيع مع الكيان الإسرائيلي واستيراد الغاز منه، والذي يرون أنه "غاز فلسطيني مسروق بقوة الاحتلال". 

 

وينضوي الداعون للاحتجاجات الرافضة لاتفاقية الغاز مع إسرائيل تحت مظلة "الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني"، والتي تشكلت من ائتلاف عريض من أحزاب سياسية على اختلاف ألوانها ونقابات عمالية ومهنية ومجموعات وحركات شعبية ومتقاعدين عسكريين وفعاليات نسائية وشخصيات وطنية. 

مجلس الأمة

تحت ضغط الشارع والمظاهرات التي خرجت في العاصمة عمان واعتصام عدد من الناشطين أمام البرلمان بالتزامن مع انعقاد مجلس الأمة الأردني، قرر المجلس في 19 يناير/كانون الثاني الجاري، إحالة مشروع قانون يمنع استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى الحكومة بصفة مستعجلة بعد الموافقة على مشروع القانون داخل المجلس بالأغلبية. 

وتنص المادة الثانية من مشروع القانون على أنه "يحظر على أي من مؤسسات الدولة والشركات المملوكة لها استيراد الغاز أو أي من المشتقات البترولية من الكيان الصهيوني".

لكن قرار إحالة مشروع القانون من مجلس الأمة إلى الحكومة للموافقة عليه، أغضب الشارع الأردني الرافض للاتفاقية وذلك لأن الحكومة ترى أنه لا يوجد ما يجبرها قانونيا على عرض الاتفاقية على مجلس الأمة وأن الاتفاقية بين شركات وليست دول ما يعني أن قرار مجلس الأمة غير ملزم للحكومة.

وبالتالي، فإن هذا الأمر يعني أن قرار مجلس الأمة لا يتعدى كونه حبرا على ورق. ولذلك اعتبر المتظاهرون أن البرلمان الأردني يتنصل من مسؤوليته في سن القوانين الملزمة للحكومة. 

وفي 16 سبتمبر/أيلول، أكدت المحكمة الدستورية الأردنية أن اتفاقية الغاز التي أبرمتها شركة الكهرباء الوطنية مع إسرائيل "لا تتطلب موافقة مجلس الأمة" بغرفتيه (مجلسي النواب والأعيان).

واعتبرت الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز القرار الذي اتخذه مجلس الأمة بتحويل مشروع القانون إلى الحكومة قرارا كارثيا، ووصفت المجلس بأنه "شريك ومتواطئ في خيانة ورهن أمن ومستقبل الأردن ومواطنيه للصهاينة، وجريمة تبديد مليارات المواطنين الأردنيين على دعم الإرهاب الصهيوني".

وقالت في بيان لها على صفحتها بموقع فيس بوك: إن "هذا المجلس يتخلى طوعا عن صلاحياته الدستورية والتشريعية والرقابية التي يملكها لصالح مواقف كلامية لا معنى لها ليخرج نفسه من الموضوع وهذا تواطؤ وشراكة في الكارثة".

لكن رئيس مجلس الأمة عاطف الطراونة توعد في تصريحات إعلامية بالتصعيد ضد الحكومة في حال عدم احترامها للمقترح المقدم بشكل عاجل من البرلمان، مشيرا إلى أن الحكومة في حال لم تتجاوب مع مشروع القانون فإنها بذلك تظهر عدم جديتها في الشراكة بين مؤسسات الدولة، وأن ذلك سيعد بمثابة تجاوز للدستور. 

وأوضح الطراونة في 19 يناير/كانون الثاني أنه لا يزال هناك أدوات بيد المجلس للضغط على الحكومة، منها إعادة طرح الثقة بالحكومة وهو حق دستوري في حال امتنعت عن الذهاب للمقترح الذي وصلها كمشروع قانون.  لكن عدم تحديد جدول زمني للحكومة يجعل البرلمان الأردني أمام اتهامات واسعة بالتوطؤ مع الحكومة.

الرهان الأخير

وتحت عنوان "رهان ثان وأخير"، أصدرت الحملة الوطنية بيانا في 21 يناير/كانون الثاني الجاري قدمت فيه مقترحات عملية لاستعادة دور مجلس الأمة الحاسم في قضية الغاز قبل انتهاء ولايته.

وقالت في بيانها: إن مصادر نيابية أكدت المخاوف التي عبرت عنها الحملة في رد فعلها على قرار مجلس النواب الأخير، بأن صفة الاستعجال التي وضعها المجلس على القانون غير ملزمة للحكومة دستوريا وأن "من حق رئاسة الوزراء أن تدرس تبعات القانون والتريث لأخذ الاستشارات القانونية".

وبينت أنه يمكن للحكومة المماطلة في السير بإجراءات القانون واستغلال الوقت حتى انتهاء الدورة العادية الحالية في مايو/ أيار القادم. 

وكما هو معروف فإن الدورة الحالية هي الأخيرة من عمر مجلس النواب الحالي، إضافة إلى الأحاديث المتعلقة بأن القانون لن يسري بأثر رجعي، وبالتالي لن يشمل الاتفاقية الحالية مسار الأزمة في الأردن وأن القانون سيقتصر على الشركات الحكومية أو المملوكة للحكومة وبالتالي يفتح المجال أمام شركات القطاع الخاص للقيام بنفس الفعل. 

وشددت اللجنة الوطنية على أن المجلس يملك صلاحيات تشريعية ورقابية تمكنه فورا من إسقاط الاتفاقية وأنها تراهن على "مجموعة مخلصة من النواب الذين يعملون بجد من أجل دور فاعل حقيقي للمجلس في استعادة ما أهدره أصحاب القرار بخيانتهم وجريمتهم"، وفق تعبيرها. 

 

وقدمت الحملة الوطنية مقترحات عملية للمجلس على رأسها إسقاط حكومة عمر الرزاز المستمرة في تنفيذ ما وصفتها بصفقة الخيانة والإجرام، بالإضافة إلى وضع سقف زمني مدته "أسبوعان" لإعادة القانون للمجلس لتعديله والتصويت عليه وإقراره.

وإضافة فقرة واضحة ومحددة تمنع أي لبس في القانون حول إلغاء الاتفاقية تنص على "تعتبر الاتفاقية التي أبرمتها شركة الكهرباء الوطنية لاستيراد الغاز من الكيان الصهيوني عام 2016 لاغية وباطلة"، على أن يشمل هذا القانون جميع الشركات سواء العامة أو الخاصة.

كما اقترحت اللجنة الوطنية تشكيل لجنة تحقيق نيابية تقدم تقريرها بشكل عاجل خلال أسبوعين لتحديد جميع المسؤولين عن هذه الصفقة وتحويلهم للمحاسبة. 

وطالبت اللجنة الوطنية بالتحقيق في الوجود غير القانوني لشركة الكهرباء الوطنية ووجوب تصفيتها الإجبارية منذ عام 2014، حيث تقول اللجنة: إن الشركة الوطنية حققت خسائر نهاية عام 2014 تقدر بعشرين ضعف رأسمالها المكتتب.

 وكشف تقرير ديوان المحاسبة لعام 2015 أن "رأسمال الشركة يبلغ 230 مليون دينار، في حين بلغت الخسائر المتراكمة ما يقارب 4 مليار و638 مليون دينار في 31/12/2014، أي ما نسبته 2017 % من رأس المال".

وبحسب ما نشرته اللجنة الوطنية على صفحتها "ينص قانون الشركات على أنه إذا زاد مجموع خسائر الشركة المساهمة العامة عن 75% من رأسمالها، فيترتب على ذلك تصفية الشركة إجباريا".

 

بنود الاتفاقية 

بموجب الاتفاق المبرم في 2016، سيتم تزويد الأردن بنحو 1.6 ترليون قدم مكعب من الغاز خلال 15 عاما هي مدة العقد، وهو ما يعادل حوالي 3 مليارات متر مكعب سنويا لتوليد الكهرباء وتقدر قيمة الصفقة الإجمالية بـ 10 مليارات دولار. 

ويظهر نص الاتفاق أن أدنى سعر يمكن أن يحصل عليه الأردن هو 5.65 دولارا لكل مليون وحدة حرارية وأعلى سعر ممكن هو 11 دولارا لكل مليون وحدة حرارية. 

وبحسب تصريحات لمنسق الحملة الوطنية لإسقاط اتفاقية الغاز هشام البستاني فإن الاتفاقية تنص على "يتلقى البائع (إسرائيل) ضمانا تصدره حكومة الولايات المتحدة أو وكالة ائتمان تصدير، فيما يتعلق بالتزامات المشتري (الأردن) بموجب هذه الاتفاقية وتكون هذه الكفالة بشكل وشروط مضمونة من البائع". 

ويقول هشام في تصريحات تلفزيونية: إنه "تم توقيع الاتفاقية بتاريخ 26 سبتمبر/أيلول 2016 بشكل فعلي. وفي شهر أبريل/نيسان من نفس العام أعلنت شركة الكهرباء الإسرائيلية أنها لا تريد استخدام الغاز المنتج من قبل الحقول الموجودة في البحر المتوسط بسبب ارتفاع سعره البالغ 5.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية وتريد أن تستورد من شركة بريتيش بتروليوم أو السوق العالمي بسعر 4.9 دولارات، ما يعني أن الذي وقع على الاتفاقية قرأ هذه القصة قبل 5 أشهر  ومع ذلك قام بالتوقيع". 

وهو ما يفند تصريحات لرئيس الحكومة الأردنية عمر الرزاز بأن الاتفاقية مع إسرائيل توفر نحو 500 مليون دولار سنويا للميزانية التي تعاني من عجز شديد بسبب دعم المحروقات والكهرباء.

 

وأشار البستاني إلى أن الفقرة 19-4-15 من الاتفاقية تنص على "يؤكد المشتري (الطرف الأردني) ويوافق على أنه لا يوجد في هذه الاتفاقية ما يمنح المشتري أية حقوق أو مطالبات ضد الشركاء في حقل ليفياثان فيما يتعلق بموضوع هذه الاتفاقية ولا يتحمل الشركاء في الحقل تحت أي ظرف من الظروف أي التزام أو مسؤولية أيا كانت في القانون أو في العقد تجاه المشتري فيما يتعلق بهذه الاتفاقية". 

وعلق البستاني على هذه المادة أن "شركة الكهرباء الوطنية تتحمل شروط جزائية وتتحمل الكفالة إضافة إلى كفالة الولايات المتحدة للعقد، في المقابل نوقع نحن أنهم معفون من أي جزاءات أو أي شيء" وأعرب عن أمله في أن يتم إلغاء هذه الاتفاقية ومساءلة ومحاكمة كل من وضع يده في هذه الاتفاقية.

يقول سيمون هندرسون مدير برنامج بيرنشتاين لسياسة الخليج والطاقة في معهد واشنطن: إن العقد، يلزم الأردن بشراء 12 سلعة أخرى بدءا من 2020 بعد عقد الإمدادات الإسرائيلية الجديدة من ليفياثان كما يلزم الأردن بالدفع حتى لو لم يكن هناك حاجة للغاز الإسرائيلي، موضحا أن هذه الصفقة تعرض عمان لمأزق في الوقت الحالي.

وأشار هندرسون في تقرير سابق له في معهد واشنطن بتاريخ 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إلى أن إسرائيل بالفعل مُصدِّر صغير الحجم، حيث ترسل غاز تمار إلى محطتين صناعيتين أردنيتين على البحر الميت منذ عام 2017. 

خيارات أخرى

يرى النائب صالح العرموطي أن الاتفاقية التي وقعها الأردن تحت ضغط من واشنطن بعدما رهنت استمرار مساعداتها للمملكة بتوقيع الاتفاقية، باتت تشكل عبئا عليه في ظل ارتفاع كميات الغاز المستخرج من الحقول الشمالية للأردن، وتوفر الكثير من البدائل الأقل ثمنا في سوق الطاقة العالمي، ومشاريع الطاقة البديلة من الشمس والرياح في توليد الكهرباء. 

ويقول الخبير والمدير العام السابق لسلطة المصادر الطبيعية بالأردن الدكتور ماهر حجازين في تصريحات خلال ندوة عقدت في أكتوبر/تشرين الأول 2014 بعد توقيع مذكرة التفاهم: إن هناك بدائل أخرى متاحة للأردن بخلاف استيراد الغاز من إسرائيل. 

وأوضح أن البدائل المتاحة كان منها الغاز الطبيعي المسال حيث طالب حينها الوزارة بالإفصاح عن سبب الاكتفاء بتحديد 150 قدم مكعب فقط من الغاز، مشيرا إلى أن البديل الآخر هو الصخر الزيتي حيث أن الأردن غني بهذا النوع.

وبين أن هذا المشروع يضاف إلى مشاريع أخرى في مجال الصخر الزيتي تقدمت بها شركات عالمية عدة منها؛ شركة شل وشركة الكرك الدولية والشركة السعودية.

أما الموضوع الذي أهملته الحكومة وشهد عليه خلال عمله مديرا لسلطة المصادر الطبيعية لسبع سنوات، فهو التنقيب عن النفط، واعتبر حينها أن دعم شركة البترول الوطنية لتطوير معداتها أكثر أولوية من توقيع اتفاقيات لاستيراد الغاز من إسرائيل.

كما بين أن من الخيارات المهمة أمام الحكومة هو دعم استخدامات الطاقة المتجددة وإن كانت ستساهم بنسب محدودة في إنتاج الكهرباء.

أما الناشط السياسي المعارض سفيان التل، فيرى أن الأردن لديه خيارات عدة، على رأسها تطوير حقل الريشة الأردني للغاز، والذي لم تبد الدولة جدية في تطويره واستغلاله بسبب ضغوط خارجية على حد قوله.

ولفت إلى أن من بين الخيارات، استخدام الطاقة الشمسية خاصة وأن الأردن يتمتع بما لا يقل عن ثلاثمائة يوم مشمس في العام، بالإضافة إلى الصحاري الواسعة.

أما الخيار الثالث فهو الصخر الزيتي الذي يقول إن الأردن هو من أغنى دول العالم به، كما تحدث التل عن خيار الطاقة الحرارية الكامنة في باطن الأرض، ويقول إن أخدود وادي الأردن مليء بالينابيع الحارة، التي يمكن الاستفادة منها في توليد الطاقة.

إلغاء الاتفاقية

رغم تزايد الضغوط الشعبية على الحكومة والبرلمان الأردني لإلغاء اتفاقية الغاز مع إسرائيل إلا أن هذه الضغوط ربما لا تؤدي إلى شيء. 

وبحسب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة الأردني رائد الخزاعلة فإن الضغوط البرلمانية الأخيرة التي أدت إلى إعلان رئيس الحكومة عزمه مراجعة اتفاقيات الطاقة وتخصيص جلسة رقابية في البرلمان للرد على تساؤلات الأعضاء بشأنها لا تعني بالضرورة إلغاء الاتفاقية.

وأكد أن إلغاء الاتفاقية ليس بالأمر السهل وذلك لأن الاتفاقيات الدولية بحسب وصفه "تسمو على القوانين المحلية، مهما كانت الضغوط، سواء الشعبية أو البرلمانية والتشريعية".

وأضاف الخزاعلة: "الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ، وإن كانت بين شركات فهي لن تكون خاضعة للحكومة، وإن كانت دولية فالقوانين الوضعية المحلية لا تلغي القوانين الدولية".

تصريحات أخرى لمقرر لجنة الطاقة بمجلس النواب موسى هنطش تؤكد عدم وجود حاجة فعلية للأردن للغاز الإسرائيلي، مؤكدا أن الموضوع ليس اقتصاديا أو خدميا وإنما سياسيا بامتياز.

وأوضح هنطش أن الدولة تستورد نصف ما تحتاجه من المشتقات البترولية من مصر، أما النصف الآخر فتحصل عليه من السوق الدولية.

كما أشار إلى أن الأردن لا يحتاج للغاز الإسرائيلي من الأساس خاصة بعد زيادة استخراج الغاز من الحقول الأردنية خلال العام الماضي والتي وصفها بالقوية بالإضافة إلى بدء استغلال الطاقة المتجددة من الشمس والرياح.