بديلا عن الإسلاميين والقصر.. لهذه الأسباب فشل يسار المغرب كخيار ثالث

12

طباعة

مشاركة

في 4 فبراير/شباط 1998 عُيّن عبدالرحمن اليوسفي الزعيم الاشتراكي والكاتب الأول (أمين عام الحزب) للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أقوى أحزاب المعارضة آنذاك، وزيرا أول (رئيسا للحكومة).

كانت تلك المرة الأولى التي يشارك فيها اليسار في الحكومة بالمغرب بعد عقود، عندما أسند الملك السابق، الحسن الثاني، مسؤولية قيادة الحكومة لشخصية كانت حتى ذلك الوقت تعد خصما تاريخيا للدولة.

سُمي هذا الاتفاق التاريخي بين الملكية والمعارضة بـ"التناوب التوافقي"، لكن التجربة انتهت مع العهد الجديد (تولي الملك محمد السادس العرش) في 2002، إذ لم تكن الملكية الجديدة تشعر بأنها مقيدة بعقد لم توقعه، ولم تكن طرفا فيه.

بالحديث عن اليسار في المغرب لا يمكن ذكر حزب واحد أو حتى توجه فكري وسياسي واحد، إذ انشقت عن الاتحاد الاشتراكي أحزاب أخرى حملت رؤية مغايرة.

ونشأ حزب "الطليعة" في عام 1983 قبل أن يحمل اسم "حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" في عام 1991، ولم يغير الحزب موقفه المقاطع للانتخابات إلا في 7 سبتمبر/أيلول 2007 عندما شارك في الانتخابات البرلمانية.

"الخيار الثالث"

وفي 2001 عندما فشلت المصالحة بين المنسحبين من المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وبين أمينه العام عبدالرحمن اليوسفي عقد  حزب المؤتمر الوطني الاتحادي مؤتمره التأسيسي.

يوم 30 يناير/كانون الثاني 2014 أعلن الحزبان إلى جانب الحزب الاشتراكي الموحد عن تأسيس تحالف سياسي جديد تحت اسم "فيدرالية اليسار الديمقراطي"، بعد حوالي 5 سنوات من الحوار لتقوية صفوف اليسار في الساحة السياسية والتنسيق فيما بينهم.

وحّدت الأحزاب المنضوية تحت لواء الفيدرالية كلمتها على "النضال الديمقراطي الجماهيري السلمي للمساهمة في الانتقال من نظام مخزني (ملكي) إلى نظام ديمقراطي"، وخالفت بذلك ما أصبح يعرف بـ"اليسار التقليدي". 

قدمت الفيدرالية نفسها في الانتخابات الماضية كـ"خيار ثالث" لكسر قطبية حزب "العدالة والتنمية" الحاكم وحزب "الأصالة والمعاصرة" (الذي يعرف بحزب القصر).

حظيت الفيدرالية بدعم كبير في أوساط النخب والمثقفين والأكاديميين والشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2016 التشريعية لم تمنح للتحالف أكثر من مقعدين برلمانيين من أصل 395 مقعدا، وكان ذلك أقل من التوقعات بكثير.

تحالف الفيدرالية شرع في التحضير بكثافة للاقتراع الانتخابي لسنة 2021، وقررت الاندماج في حزب يساري موحد بغية خوض غمار الانتخابات المقبلة التي تراهن عليها بقوة، فهل ينجح "الخيار الثالث"؟. 

أوهام "الفيدرالية"

في عام 2019 اعتبرت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب - أحد أبرز وجوه التحالف - أن "اليسار الذي تشكله الفيدرالية لن يستطيع تحقيق التغيير وحده"، مضيفة: "هذا دفعنا إلى وضع مشروع جديد يسعى إلى إعادة بناء اليسار ككل، بوصفه مشروعا مجتمعيا منفتحا على جميع فعاليات وهيئات المجتمع المدني، وكذلك المناضلين الذين لا يجدون راحتهم في الأحزاب التقليدية التي طبّعت مع النظام وتخلت عن المشروع التغييري".

في عام 2016 قال مركز كارنيغي للشرق الأوسط: إن قيادة التحالف (الفيدرالية) أفرطت في التفاؤل وهي تفصح عن طموحاتها قبيل الحملة الانتخابية، عندما صرحت بأن هدفها هو الحصول على مجموعة برلمانية، "وهو مطلب خيالي بالنسبة إلى قوة سياسية هاوية". 

واعتبر كارنيغي أن الظهور الإعلامي الزائد لقادة فيدرالية اليسار الديمقراطي ساعد على تضخيم هذه الأوهام الانتخابية، وخصوصا الظهور المتكرر لزعيمة الحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، في وسائل الإعلام والملتقيات الإعلامية أثناء الحملة الانتخابية، والذي كان يوازي حضور عبدالإله بنكيران وإلياس العماري زعيمَي حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، بشكل خادع كان يوحي وكأن فيدرالية اليسار الديمقراطي تمثل القوة السياسية الثالثة الأكثر نفوذا في البلاد.

فقدان الثقة

منيب ترى أن "ما يجري في العالم يستدعي إحياء الفكر اليساري العالمي الذي تراجع بعد انهيار جدار برلين"، مشيرة إلى أن "اليسار بدأ يعرف نهضة جديدة، لأن العالم في حاجة إلى مشروع اقتصادي آخر بعيد عن الرأسمال المالي"، دون أن تنفي "ضرورة انتقاد تجربة اليسار على كل المستويات لبناء مشروع آخر".

لكن الناشط الحقوقي والسياسي فؤاد عبدالمومني يخشى أن يكون الوضع غير باعث على التفاؤل نظرا لأن "الأغلبية الساحقة من المغاربة فقدوا الثقة في البنية المؤسسية للدولة، وفقدوا الثقة أكثر في أنظمتها الانتخابية ومؤسساتها التمثيلية، ما يجعل المحللين يتوافقون على أن الانتخابات المقبلة ستكون مطبوعة بعزوف أكبر بكثير عن سابقتها".

ويعتقد المتحدث إلى صحيفة "الاستقلال"، أن "من سيقاطع الأكثر هي القاعدة الانتخابية المفترضة للقوى المعارضة لأنها الأكثر فقدانا للثقة في المؤسسات الرسمية والأكثر مطالبة لمراجعة أسس التعاقد الدستورية المؤسسية قبل المرور إلى أي شكل من أشكال التباري الانتخابي".

وفي تصريح صحفي قالت منيب: "اشتغلنا منذ سنة 2014 بوتيرة بطيئة، قد نكون أخفقنا ربما، لكننا لسنا بأحزاب انتهازية تريد الاستفادة من التغيير فورا، بل نبني مشروعا نبتغي منه النجاح في المستقبل، لاسيما أننا أمام استحقاقات مهمة رغم أنه مُتحكم فيها، لكننا سوف نطالب بالإصلاحات الهادفة إلى تضييق الخناق على التحكم".

شيخوخة الزعامات

وأقر "كارنيغي" أن الفشل الانتخابي في 2016 لا يحجب أن فيدرالية اليسار الديمقراطي قد نجحت في تنصيب نفسها في موقع القوة اليسارية الأولى على المستوى العملي، حيث تجاوز عدد أصواتها مجموع أصوات حزب الاتحاد الاشتراكي في أكثر من 10 مدن كبرى. 

وهو ما أعطى مؤشرا على أن القاعدة الانتخابية التقليدية لليسار قد تحولت للتصويت لفيدرالية اليسار، وإلى أن مزاج جزء مهم من ناخبي الحواضر يميل أكثر للتصويت للمشاريع النزيهة التي لها استقلال عن الإدارة، حسب كارنيغي.

ورصد المركز المعوقات البنيوية للأحزاب المكونة للتحالف، من "مشاكل تنظيمية، وشيخوخة الزعامات، وعجز عن إنتاج نخب جديدة، والبيروقراطية التنظيمية الشديدة الوطأة، وكذلك الفشل في مسايرة المرحلة والتطورات العميقة التي عرفها المجتمع".

وخلص المركز إلى أن أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي "عجزت عن صياغة مشروع يساري واضح ومتجدد يحل بديلا عن الشعارات الجوفاء والإنشائية النخبوية المفرطة ليكون خيارا بديلا تلتف حوله حساسية كامنة في المجتمع ويكون قادرا على التعبئة". 

في حين اعتبر فؤاد عبد المومني، أن الفرق كبير جدا بين الأحزاب المندمجة في بنية السلطة الحالية والأحزاب المنفلتة منها.

وأوضح قائلا: "هناك أحزاب يسارية ربما أبرزها هو الاتحاد الاشتراكي الذي قبِل الهيمنة الملكية، والبنية المخزنية والاختيارات الأساسية للدولة في الميدان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وأصبح تابعا - بل أصبح في الغالب ناديا للنخب من أجل الترقي عبر الانتخابات. 

ومن جهة أخرى، تابع المتحدث للصحيفة، أحزاب من قبيل فيدرالية اليسار الديمقراطي، التي "لا زالت مقتنعة ومناضلة من أجل ديمقراطية حقيقية حيث لا يحكم الملك ولا يفلت من السيادة الشعبية ومن إرادة الناخبين وممثليهم أي شيء مرتبط بتدبير الفضاء العام".

ورأى الباحث أن "هذا اختلاف سيستمر، إذ أن أحزابا من قبيل الاتحاد الاشتراكي تتآكل ولا تستمر في الوجود إلا بفضل ما تقتاته من مصالح مرتبطة بالدولة".

صراع داخلي

ترفع سيدة اليسار الأولى في المغرب، نبيلة منيب، السقف عاليا فتقول: إنها كسياسية يسارية الاتجاه لن تكرر خطأ عبدالرحمن اليوسفي وتدخل الحكم ضمن ترتيب من تداول للسلطة بالانتخاب بوصاية من المؤسسة الملكية.

وتؤكد منيب أنها "لن تنخرط في الحكم دون فصل بين السلطات، وعلى النظام أن يعي إكراهات وضرورات المحافظة على الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي بتجربة ديمقراطية كاملة".

هذا في الوقت الذي يعيش فيه المطبخ الداخلي للفيدرالية صراعا بسبب عدم التنسيق والمنافسة، فهناك صراع له امتدادات خارجية تهم علاقة فيدرالية اليسار الديمقراطي، وأجندة اندماج أحزاب اليسار المكونة لهذا الائتلاف الحزبي.

ورصد متابعون تحديات التحالف معتبرين أن أبرزها هو "تاريخ تحول الأحزاب المكونة للفيدرالية إلى حزب واحد". وفي حين كانت منيب، تتريث قبل الاندماج مع الحزبين الآخرين المشكلين للفيدرالية، إلى حين نضج التجربة السياسية، كان ينادي بعض معارضيها بالاندماج على أقصى تقدير في عام 2020.

وركزت الفيدرالي في مؤتمرها الأخير في 2018 على "بناء حزب اليسار الكبير في المغرب، عبر لم شمل جميع الأحزاب التي تعرضت للانقسامات".