وسيم يوسف.. واعظ يقدم استبداد الأنظمة على طبق إصلاح العقول

12

طباعة

مشاركة

يملأ ساعة من الهواء مباشرة على قناة "أبوظبي" بالحديث عن الحب، يشجع عليه ويعتبر من لا يؤمن به "ليس إنسانا"، يستند في الحديث عنه دائما بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لم ير للمتحابين مثل النكاح". 

يقدم النصح لمشاهديه حتى تكون علاقاتهم الزوجية سعيدة، ويذهب إلى أكثر من ذلك بالتواصل خارج الهواء مع المتخاصمين منهم لإصلاح ذات البين، أو التوسط لدى أب رفض إعطاء ابنته لشاب متصل أو العكس.

تكتيك "شيخ الحب" لجمع أكبر قاعدة من شباب العالم العربي الذين وجدوا في رجل "الدين الوسطي" ما تعطشوا سنوات لسماعه من شيوخ كان يطلون عليهم عبر شاشاتهم الصغيرة يحرمون الحب، كما يحرمون الموسيقى والسينما والاختلاط في العمل أو الدراسة.

لم يخالف وسيم يوسف ركائز السلفية لأنه يؤمن بذلك ولا لأن لديه من الشجاعة ما يجعله يخرج في وجه شيوخ البترول - كما أسماهم - بظهر عار حتى وإن كان على صواب، بل لأن "صاحب السمو" - كما يطلِق عليه - أراد ذلك.

ولأنه توجه جديد لإمارات منحته حق التجول في العالم بجواز سفرها مقابل أن تجعل منه حطبا لنار المعركة.

معاداة الثورات

لم يكن الشيخ يعلم وهو يخرج من قرية إربد شمالي الأردن، حيث ولد، أنه سيصبح أحد أهم رجال ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد، لكنه قد يكون طمح إلى ذلك فسعى. 

لا يٌخفي وسيم يوسف الولاء للحاكم، إذ يجعل من صورة ابن زايد غلافا لحسابه على موقع "تويتر"، وينسب نفسه إلى الإمارات بدل الأردن، مسقط رأسه وجنسيته الأولى.

كانت أولى خطواته لبلوغ المبتغى ليسانس الشريعة الذي حصل عليه من جامعة البلقاء في الأردن، ثم درس الماجستير في تفسير القرآن 2009.

يبدو أن وسيم بحث لنفسه منذ البداية عن موطئ قدم في عالم الشهرة فبدأ بتفسير الأحلام - وهو ما كان يطلبه الجمهور آنذاك - ثم انتقل إلى النصائح الزوجية، ومنها إلى إلقاء المحاضرات الاجتماعية في العاصمة الأردنية عمّان، ساعدته فصاحة لسانه وإتقانه لفن الخطابة بلغة عربية سليمة على الانتشار.

بدأ وسيم يوسف الظهور على الشاشة في 2009 على قناة "نور دبي" الدينية بعد سنة واحدة من بدء بثها، وقدم برنامجا باسم "رؤى" كان يفسر فيه الأحلام، وأيضا برنامج "هذا هو الإسلام".

انتقل الشيخ إلى أبوظبي وبدأ الخطابة في أحد مساجدها الصغيرة - بعد أن اعتلى منبرا للمرة الأولى في قريته وسنه لا يتجاوز 17 عاما- قبل أن يقفز إلى أكبر وأهم مسجد بالإمارة، مسجد الشيخ زايد. 

اعترف الشيخ في مقابلة تلفزيونية أن نجمه سطع بعد خطبة "أصبح أبناؤنا ضحية لدعاة الفتنة" التي ألقاها تزامنا مع خروج الشباب إلى الشوارع في ثورات الربيع العربي 2011، لكنه لم يذكر اسم من أوحى له بالموضوع، ففي الوقت الذي تعمم خطب الجمعة على المساجد من وزارات الداخلية في كل دول العالم العربي لن يصدق أحد وسيم يوسف وهو يقول "فكرت واعتليت المنبر فخطبت". 

كانت آخر تصريحاته، التي لا تقل غرابة عن سابقاتها، وصفه لمسلمي الإيجور الذين يتعرضون لانتهاكات جسيمة وفق إفادة الأمم المتحدة بـ"المتطرفين".

واعتبر في تغريدة عبر حسابه على موقع "تويتر"، أن الدعاة "يحرضون الشباب ضد الصين كما حرضوهم ضد أفغانستان وباكستان والشيشان".

 

"تجار دين"

وعلى قناة "الدار" أصبح الشيخ يقدم "ألا تطغوا في الميزان"، البرنامج الذي قال إنه كان يعرض فيه "فكر وسيم يوسف"، وهاجم من خلاله الشيخ العلامة يوسف القرضاوي والداعية الشيخ سلمان العودة وجماعة الإخوان المسلمين. 

مثّل وسيم يوسف رؤية محمد بن زايد في الدين والسياسة، وترجمها إلى فكر استند فيه على آيات وأحاديث، دعا إلى "الإسلام الوسطي" كما نظّر إليه ابن زايد واعتبر من اختارتهم الصناديق بعد ثورات خرجت فيها الشعوب لتقول كلمتها "تجار دين".

لم يكن ذو الـ39 ربيعا ينطق سوى عن هوى ولي أمره ونعمته، وحتى ينسجم مع الشخصية التي كلف بتأديتها، تبرأ وسيم يوسف من الشيوخ الذين تتلمذ على يدهم في مسجد قريته ووصفهم بـ"أصحاب الفكر الظلامي المتشدد المجندين من الخليج"، في إشارة إلى الشيوخ في السعودية والكويت.

هاجم وسيم يوسف فيما بعد هؤلاء بشكل واضح وصريح وذكر بعضهم بالاسم، عندما تحدث عن سرقة عائض القرني الأدبية لكتاب "لا تحزن"، وأسماء أخرى تقبع في سجون السعودية. ولا يفوت الشيخ فرصة على الهواء دون الطعن في آرائهم بقوله: "هذا رأي مخالف قد يهاجمني بسببه الظلاميون لكني لا أخشى لومة لائم".

انسلخ دكتور الشريعة من جلده في 4 حلقات من برنامجه "من رحيق الإيمان" بعنوان "كنت متطرفا" لمسح كل تاريخه وآرائه السابقة حتى يكون مستعدا لدوره الجديد. 

لم تكف الحلقات الأربع للانسلاخ فكلما سنحت الفرصة ينسلخ أكثر وأكثر، لدرجة أنه ذكر لأحد المتصلين أنه كان في البداية يلعن بشار الأسد وكل من يقاتل النصرة والجيش الحر، لكنه الآن أصبح يتمنى لو أنه يقاتل في سوريا "كل من يخرج عن النظام". 

المربع الاحتياطي

في 2013 أفردت قناة أبوظبي الحكومية مساحة لوسيم يوسف وكسب شهرته لدى العامة والشباب تحديدا من برنامجه الديني "من رحيق الإيمان" ليكون الأشهر في العالم العربي فيما بعد. 

ويعرّف يوسف برنامجه اليومي بأنه "يعتمد على أسلوب موضوعي عقلاني واضح، لإبعاد الشبهات من عقول الذين لا يملكون الحجة في معرفة الجواب، واتخاذ كل الوسائل التي تنمي ملكة التفكير لدى الإنسان، إيمانا بأهمية العقل الإنساني الذي لا بد من أن يُقاد بالإقناع لا بواسطة الغرائز والعواطف والانفعالات، وبناء اتجاهات جديدة ليكون الإسلام نمطا للحياة".

ويقول "شيخ الحب": إن الهدف من خلال برنامجه هو "الخروج من الصندوق الأسود"، وقد خرج منه بالفعل عبر كسر الصورة النمطية للشيوخ بحديثه عن العلاقات الزوجية وحتى الحب دون زواج، يستقطب يوسف بذلك قاعدة عريضة من الجمهور العربي حتى أصبحت له شعبية يوظفها في دس السم في العسل، وهو يمرر رسائل سيده السياسية.

لا يتردد الشيخ في ذكر قطر على الهواء مباشرة وكيل السب والقذف لمواطنيها والنعوت لحكامها، متناسيا في سبيل تنفيذ أجندته أن الإسلام حرم السخرية من الآخرين.

تعتبر الإمارات وسيم يوسف لاعبا أساسيا في ملعب ابن زايد وفي الوقت الذي لا يوجد فيه تصعيد، ويعتبر "شيخ الحب" برنامجه اليومي مربعا احتياطيا في انتظار مهمة جديدة، دون أن يتوقف عن إرسال الرسائل المبطنة والمباشرة كلما سنحت له الفرصة بينما يبني حوله هالة من المعجبين والمحبين.

زلة لسان

ظهرت أهمية الدور الذي يلعبه وسيم يوسف في أجندة ابن زايد ضد قطر وتركيا وكل داعم للثورات العربية التي تهدد أنظمة الحكم الاستبدادي. فلا يخفى على متابع لفيديوهات الشيخ من عدد المرات التي يكرر فيها عبارات "أنا وسيم يوسف - حتى أنا وسيم يوسف" في الحلقة الواحدة اعتداده بنفسه وغروره، الذي وصل ذروته في إحدى الحلقات وأوقعه لسانه في الزلل.

في حديثه مع أحد المتصلين على الهواء مباشرة سأل عن سبب معاداة شيوخ السعودية لوسيم يوسف، قال الأخير وهو ينفخ صدره تبجحا: "كل الذين من انتقدتهم في المملكة هم في السجون"، قال المتصل: "إلا عبدالعزيز الفوزان" ليرد الشيخ: "انتظر الأيام بيننا"، لم تمر سوى أيام حتى ألقي القبض على  أستاذ الفقه المقارن، ليتم حذف الفيديو من مواقع التواصل، بعد تداوله بشكل واسع كدليل على أن وسيم يوسف أحد رجال ابن زايد الذي يملي أوامره على ولي عهد السعودية محمد بن سلمان.

انزعج الشيخ من أحد المواقع الذي نشر جواز سفره ومعلومات عن منحه الجنسية الإماراتية مقابل خدماته لجهاز مخابرات الدولة، وهو ما اتضح في لقاء تلفزيوني على قناة "النهار" الجزائرية، وهو يقول إنه يتكتم على حياته الخاصة لأن من يحاربونه "لا دين لهم ولا ملة".

الموقع نفسه أفاد بأن المخابرات الأردنية استقطبت يوسف قبل الإماراتية، نظرا لتأثيره في الناس من خلال الخطب والمحاضرات، مشيرة إلى أنه قدم إلى أبوظبي في إطار تعاون استخباراتي بين جهازي الدولتين، مفيدا بأن وزير الخارجية الأردني الحالي أيمن الصفدي كان قد عمل سابقا في مكتب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وهو أحد رجال الأمن مزدوجي الولاء للأردن والإمارات.

ضاحي خلفان

يحشر الشيخ الأحزاب السياسية الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين بين كل كلمة وكلمة، ويشهر عداءه لهم، ومع ذلك خرج نائب رئيس شرطة دبي وأحد أقوى رجال النظام، الفريق ضاحي خلفان، ليتهم وسيم يوسف بالتبعية لقطر والإخوان المسلمين وأنه كان يدعم الرئيس (الراحل) محمد مرسي.

واعتبر خلفان الشيخ ضمن الفئة "المارقة والخارجة عن المجتمع"، واستخرج من أرشيف تغريدات إحداها دعا فيها بالتوفيق للدكتور مرسي، ليربط خلفان التغريدة بجماعة الإخوان المسلمين، مشككا في ولاء وسيم يوسف لأبوظبي.

واشتد الخلاف بين الشخصيتين المدافعتين عن نفس الأجندة عندما قال الشيخ إن هناك مغالطات في كتاب "صحيح البخاري"، وبينما خرج يوسف عبر مقابلة تلفزيونية يعتبر نفسه عالما في مصاف العلماء البيهقي والرازي وابن حزم والألباني، وصفه خلفان بـ"العلماني".

لكن ما لا يظهر على مواقع التواصل، أن خلافات رجلي الإمارات الوفيين، والتراشق المستمر بينهما، قد يكون مجرد مسرحية متفق عليها مسبقا، ذرا للرماد في العيون.