ما سر صمت الإمارات على تصريحات إيران بملكيتها للجزر الثلاث؟

شدوى الصلاح | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

تتجنب أبوظبي منذ فترة، الرد على تصريحات قادة إيران الذين يجزمون بملكية بلادهم للجزر الإماراتية الثلاث "طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى" التي تقول الإمارات إن طهران تحتلها منذ 1971.

فقد أكدت الخارجية الإيرانية مؤخرا، على لسان الناطق الرسمي باسمها عباس موسوي، أن "الجزر الثلاث إيرانية وستظل كذلك إلى الأبد، وعلى الدول التي تدعي عكس ذلك التوقف عن مزاعمها".

تلك الجزر كانت تحتلها القوات البريطانية، وانسحبت منها، لتستوطنها طهران وتزعم تبعيتها لها منذ 1971، أي قبل فترة قصيرة من استقلال الإمارات السبع "أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، رأس الخيمة، أم القيوين والفجيرة" عن بريطانيا واتحادهم في دولة الإمارات العربية التي تؤكد أحقيتها في الجزر.

وترجع أهمية الجزر الثلاث إلى موقعها الإستراتيجي الذي يجعل لها مكانة اقتصادية بارزة، حيث تطل على مضيق هرمز الذي يمر عبره يوميا حوالي 40 % من إنتاج النفط العالمي، ويتحكم المسيطر على هذه الجزر بحركة الملاحة البحرية في الخليج.

ويرى مراقبون أن احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاثة هو أحد الأدلة على توجهات طهران الاستعمارية وأطماعها في منطقة الخليج.

ولم تصدر الحكومة الإماراتية أي رد فعل رسمي على التصريحات الإيرانية الأخيرة، ما يؤكد ما ذهب إليه مراقبون بأن ذهاب الإمارات إلى اليمن لمحاربة المد الإيراني "كذبة كبيرة"، فهي لم تحارب ذلك المد الذي يحتل جزرها، وإنما ذهبت لاحتلال الجزر والسواحل اليمنية في عدن وسقطرى وغيرها.

الصمت الحكومي الرسمي انعكس أيضا على الشخصيات الإماراتية المعروفة بدفاعها عن السلطة أو الناطقة باسمها أمثال "أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، حمد المزروعي المغرد الإماراتي المقرب من ولي عهد أبوظبي، وعبد الخالق عبدالله الأكاديمي الإماراتي الذي كان مستشارا سابقا لمحمد بن زايد، وضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي".

ولم يكتب هؤلاء أي تغريدات تشير من قريب أو بعيد لملكية بلادهم للجزر، ولا حتى استنكار للتصريح الإيراني، رغم نشاطهم المعهود على موقع التغريدات القصيرة "تويتر".

تقارب وصمت

والصمت الإماراتي على تصريحات إيران ليس وليد اليوم، لكن الإمعان في تجنب الرد قد ازداد، خاصة بعد أن ألمح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال حوار تلفزيوني له في 11 يوليو/تموز الماضي إلى أن شيئا ما يجري في الكواليس بين طهران وأبوظبي.

ذلك التصريح تبعته مواقف وتصريحات أخرى أثبتت صحة ما ذهب إليه الوزير الإيراني، إذ بدأت علاقة التقارب بين البلدين تتكشف ملامحها حين زار حرس قوات خفر السواحل الإماراتي العميد محمد الأحباني، إيران، في يوليو/تموز الماضي، والتقى بقائد قوات حرس الحدود الإيراني العميد قاسم رضائي، بعد توقف للزيارات الرسمية دام ست سنوات. 

وتكللت الزيارة بمصافحة راج الحديث عنها عبر وسائل الإعلام الغربية والإيرانية، مشيرين إلى أنها بداية لانطلاق فصل جديد من العلاقات بين البلدين، وهذا ما كشفته الأحداث المتتابعة لتلك الزيارة، التي أكدت أن الإمارات لم توقف مساعيها للتقارب مع إيران رغم قضية الجزر.

وأعلنت الرئاسة الإيرانية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن الإمارات تقدمت بمبادرة لتسوية القضايا السياسية بين البلدين، أتبعها برلماني إيراني بالكشف عن أن أبوظبي أفرجت عن 700 مليون دولار من أموال إيرانية كانت مجمدة في بنوك الإمارات، وأشار إلى أن العلاقات المالية بين البلدين تحسنت في الآونة الأخيرة.

فيما يكشف مسار العلاقات "الإماراتية الإيرانية" أكثر من ذلك، خاصة بعدما صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني، بأن علاقات بلاده مع الإمارات تحسنت في الشهور الأخيرة، مٌعتبرا أنها في وضع "أفضل من الماضي".

وأتبع ذلك بالتأكيد على أن إيران ليست مهزومة سياسيا أو اقتصاديا، مشيرا إلى أن وضع بلاده الاقتصادي مستقر. وبغض النظر عن مدى دقة التصريح، إلا أنه يلقي الضوء على العلاقات الاقتصادية بين أبوظبي وطهران، إذ تعتبر الإمارات الشريك الاقتصادي الأكبر لإيران في المنطقة.

وتتصدر الإمارات قائمة الدول العربية في التبادل التجاري مع إيران، وهو ما يظهر من أرقام 2017 التي وصلت فيها قيمة التبادل التجاري إلى 13 مليار دولار.

وفي أعقاب التقارب، أعلن رئيس رابطة التجار الإيرانيين في الإمارات، عبد القادر فقيهي، في أغسطس/آب الماضي، أن الإمارات تعتزم إعادة منح تأشيرة الدخول للتجار الإيرانيين الذين تم إلغاء تأشيراتهم التجارية في السابق في الإمارات، وفتح حسابات بنكية تجارية لهم في البنوك الإماراتية مع منح التسهيلات اللازمة.

منطق القوة

فايز الدويري الخبير العسكري الأردني، تحدث عن تصريحات المسؤول الإيراني عن ملكية بلاده الأبدية للجزر الإماراتية، متسائلا: "أين القادة العرب، أين أصحاب الحق المباشر أين جامعة الدول العربية وأبو الغيط، أين وزراء الخارجية العرب الذين تنادوا ضد تركيا، أين الذباب الإلكتروني الذي يسب ويشتم على الطالع والنازل، أم أن الجميع بلعوا ألسنتهم؟".

في حين يرى الكاتب والناشط السياسي الإماراتي المعارض إبراهيم آل حرم، أن صمت الإمارات على تصريحات إيران بتبعية الجزر لها يرجع لعدم امتلاك أبوظبي أي شيء لتفعله تجاه طهران التي تعتبر منتصرة في كل الجبهات.

وأوضح آل حرم في حديثه مع "الاستقلال" أن "الموقف الأمريكي تجاه إيران جعل الإمارات والسعودية تنتبه إلى أن المواجهة غير ممكنة، فهي كانت تأمل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضرب طهران، ولكنه يسعى للتصالح معها، ما أشعر أبوظبي أنه لا مفر لها سوى التصالح معها".

وبين أن الاستفزاز الإيراني هو نوع من الإذلال السياسي للإمارات، خصوصا بعد مبادرات الصلح التي سعت لها أبوظبي، لافتا إلى أنها مجبرة الآن على الصمت أمام التصريحات الإيرانية لرغبتها في تصحيح العلاقات.

وجزم بأن الإمارات لا تستطيع أن تسترد جزرها بسبب ضعفها العسكري مقابل قوة إيران، كما أنها لا تريد ذلك لأنها أخذت تستخدم قضية الجزر كورقة "مظلومية رابحة" فقط في المحافل الدولية ضد طهران.

وعن استخدام أبوظبي قدراتها العسكرية في السيطرة على جزر يمنية وإفريقية، أوضح "آل حرم" أن الإمارات تستولى على تلك المناطق من منطلق توسيع النفوذ والقوة خارج الإمارات.

وأشار إلى أن المواجهة هناك تجري مع مجموعات صغيرة وشعوب بسيطة لا تملك قوة المواجهة، أما في حال سعيها لاسترداد جزرها فإن المواجهة ستكون مباشرة مع إيران.

وعن صمت الساسة الإماراتيين المعروفين بولائهم للسلطة الإماراتية هذه المرة على التصريحات الإيرانية بعكس مواقفهم السابقة، قال "آل حرم" : إن هذه المجموعة عبارة عن أبواق للسلطة، وبما أن السلطة الآن تريد تطبيع العلاقات مع إيران بعد يأسها من ضرب أمريكا لها فمن الطبيعي أن تلتزم هذه الفئة الصمت تجاه إيران.

وبدوره، يرى جلال سلمي الباحث المتخصص في العلاقات الدولية، أن الإمارات لجأت للتسوية السياسية مع إيران لعدم وجود تحالف إقليمي أو دولي جاد أو قوي ضدها.

وأكد في حديثه مع "الاستقلال" أن قدرات الإمارات لا تكفي للسيطرة على جزرها، ولا تمكنها من مواجهة إيران، لكنها تستغل ضعف الدول الأخرى للسيطرة على جزرها.