11 مؤتمرا شبابيا في 3 سنوات.. لماذا يحرص السيسي على عقدها دوريا؟

12

طباعة

مشاركة

تواجه مؤتمرات الشباب التي يعقدها رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي على مدار العام، انتقادات حادة، تنطلق من وجهة نظر ترى أن تلك المنتديات محاولة لتجميل صورة النظام في الخارج، وسط تدهور حقوق الإنسان في البلد الذي يحكمه العسكر.

وتحت شعار "الابتكار، التقدم"، أطلق السيسي ما سُمي بـ "المؤتمرات الوطنية للشباب"، وانعقد المؤتمر الأول منها في مدينة شرم الشيخ في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بمشاركة أكثر من 3000 شاب، ليتكرر بعدها انعقاد نفس الفعاليات بمتوسط كل ثلاثة أشهر.

ففي يناير/كانون الثاني 2017، انعقد المؤتمر الثاني في مدينة أسوان. وفي أبريل/نيسان من نفس العام، المؤتمر الثالث في الإسماعيلية.

وفي يوليو/تموز من نفس العام، انعقد المؤتمر الرابع في الإسكندرية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، المؤتمر الخامس (النسخة الأولى من منتدى شباب العالم) في فندق الماسة بالقاهرة، بحضور أكثر من 3000 شاب من 113 دولة.

وفي نفس الفندق انعقدت فعاليات مؤتمر "نموذج محاكاة الاتحاد الإفريقي"، في مايو/أيار 2018، لينعقد بعدها مؤتمر سابع في جامعة القاهرة في يوليو/ تموز من نفس العام.

ثم النسخة الثانية من منتدى شباب العالم في نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام أيضا، بمشاركة أكثر من  5000 شاب من جنسيات مختلفة.

وبعدها، انطلق ملتقى الشباب العربي والإفريقي بأسوان في مارس/آذار 2019، ثم مؤتمر عاشر في يوليو/تموز من نفس العام، في فندق الماسة بالعاصمة الجديدة. وصولا إلى الفعالية الحادية عشرة المتمثلة في "النسخة الثالثة من منتدى شباب العالم" في مدينة شرم الشيخ الآن.

إرهاق الميزانية

لم يكتف السيسي باستنزاف ميزانية الدولة في بناء القصور والمشروعات الوهمية وامتيازات الطبقة الحاكمة، حسب ما يواجه من اتهامات، بل أضاف إلى أعبائها تكاليف المؤتمرات الباذخة.

فقد كشف مصدر مطّلع في اللجنة المنظمة لمنتدى "شباب العالم" المنعقد حاليا في منتجع شرم الشيخ، لـ"العربي الجديد" أن تكلفة المنتدى قد تجاوزت 600 مليون جنيها مصريا (ما يعادل 37.22 مليون دولار تقريبا)، وهو ما يعني أن أحد عشر مؤتمرا ربما تكون كلفت الدولة ما يزيد على ستة مليارات جنيها مصريا في 3 سنوات.

ويأتي هذا في الوقت الذي يعاني فيه ملايين المواطنين لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية، وترتفع نسبة العجز في الموازنة العامة، ويتجاوز الدين الخارجي 109 مليارات دولار بنهاية يونيو/حزيران الماضي، وفقا للأرقام الرسمية.

ويرى خبراء أن توسع السيسي في إقامة المؤتمرات والمنتديات على مدار العام، يهدف لتحسين صورته، في ظل تصاعد حدة الانتقادات الدولية لانتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة إزاء المعارضين، بما تشمله من تصفية جسدية، وتعذيب في السجون، وإخفاء قسري.

كذب وفشل

في "منتدى شباب العالم" المنعقد الآن في مدينة شرم الشيخ، أطلق السيسي سيلا من المعلومات المغلوطة استفزت ناشطين على  مواقع التواصل الاجتماعي، فانطلق هاشتاج #السيسي_كداب_وفاشل، الذي تصدر تويتر مصر لساعات قبل اختفائه.

ومن بين ما جاء فيه من تغريدات تعبر عن استياء واسع، كتب الإعلامي أحمد منصور: يظهر #السيسى دائما فى أدائه وردوده كرجل مختل وظيفيا لا يعرف لماذا قام بانقلابه ولا كيف يحكم ولا إمكانات الدولة التى يحكمها أو قدرات الشعب الذى  يتبرم دائما منه فى كل وقت يٌظهر عجزه وجهله بأدوات الحكم ودور الحاكم ومسؤلياته".

وكتب الناشط "مصري": سيذكر التاريخ أن أكثر شعوب الأرض حضارة حكمها يوما ما أكثر أهل الأرض غباء".

أما ياسمين عمر فقالت: إن "الدولة المصرية في حالة سقوط حر وقمع لم يسبق له مثيل، أليس لهذا الليل من آخر؟".

وغرد "صوت الميدان" قائلا: السيسى: أعطوني 20 تريليون دولار وأجعل مصر عروسة! كيف وأنت كشفت ظهرها وعريت كتفها وهتكت عرضها؟".

أما إيمان فكتبت: "لما ياخد حكم بقوة السلاح والخيانة يبقى لازم يثبته بالتفريط بالأرض للخونة أمثاله"، وفق تعبيرها.

ثروات معطلة 

في الوقت الذي دأب فيه السيسي في مؤتمراته الشبابية على أن يطلق الضحكات ويوزع الابتسامات وهو يعير المصريين ساخرا، بأنهم "فقرا أوي" وأن بلدهم "بلا موارد"، يقول خبير اليونيسكو عبد العزيز بسيوني المستشار بمجلس الوزراء سابقا: "بلغة الأرقام فإن مصر- حسب التقارير الرسمية – لديها احتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية غير المستغلة".

ومن هذه الموارد على سبيل المثال: احتياطيات من الحديد تقدر بنحو ٤٠٠ مليون طن فى أسوان والواحات البحرية والصحراء الشرقية، وجبل من الذهب فى منجم السكرى بمخزون يقدر بحوالي خمسة ملايين أوقية، وهو الموقع الوحيد المعلن من بين قرابة ٢٧٠ موقعا آخر في انتظار استخراج الذهب منها.

ويتابع بسيوني لجريدة المال: "لدى مصر أيضا مخزون من الفوسفات يصل إلى عشرة آلاف مليون طن فى المحاميد والمناطق المجاورة لها وساحل البحر الأحمر وأبوطرطور، وإذا كان سعر الطن حوالي ٨٠ دولار فإن لدينا مخزونا من الفوسفات يصل إلى ٨٠٠ مليار دولار".

كما تطرق بسيوني إلى وجود "مخزون من المنجنيز في سيناء يقدر بحوالي ١٧٥ ألف طن، ومخزون من الرمال البيضاء التي تدخل في صناعة الزجاج وشرائح الأجهزة الكهربائية، بالإضافة إلى إنتاج كهرباء يقدر بحوالي 20 مليار طن".

ويضيف: "طبقا لتقرير أعدته هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، فإن حوض دلتا نهر النيل والظهير البحري له من البحر المتوسط بهما ما يقدر بـ١٨٠٠ مليار برميل بترول و٢٢٣ ألف مليار قدم مكعب غاز، ونحو ستة مليارات برميل غاز مسال بالإضافة إلى خمسة مليارات برميل بترول في البحر الأحمر، و١١٢ ألف مليار قدم مكعب غاز".

وطبقا لدراسة أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء، فإن مصر تملك أكبر مخزون من الرخام، والجرانيت، على مستوى العالم، ويمكنها أن تصدر للخارج كميات بقيمة ملياري دولار سنويا إذا أحسن استغلال المحاجر.

بالإضافة إلى امتلاكها مئات الملايين من الأطنان من الرمال السوداء التي تدخل في صناعة السيراميك، والطفلة التي تدخل في صناعة الإسمنت، وكميات كبيرة من التلك، والكبريت، والجبس، والكوارتز، والكاولين ورمل الزجاج، والأحجار الكريمة، والألبستر، والحجر الجيرى، والشواطىء الخلابة، والمناخ الرائع، وثلثى آثار العالم وعبقرية الموقع.

القروض للقصور

بحسب مراقبين فقد أغرق السيسي البلاد في دوامة من الديون وتشاغل عن مشاكلها بالمظاهر الاحتفالية، وأجهز على ما تبقى من القطاع العام وعطل التنمية والإنتاج لصالح توطيد أركان نظامه، فالأرقام والبيانات الرسمية التي تتعلق بإجمالي الديون الخارجية والداخلية لمصر تشير إلى نموها بشكل كبير، مما دفع للتساؤل حول قدرة البلاد على سداد ديونها، خاصة في ظل توسعها في الاقتراض من الخارج لسد عجز الموازنة.

وطبقا للبنك الدولي فقد تجاوز الدين الخارجي لمصر الـ106 مليارات دولار بنهاية مارس/آذار الماضي، مقابل 96.6 مليار دولار بنهاية العام الماضي، بزيادة 9.6 مليار دولار خلال ثلاثة شهور.

وقد أظهرت بيانات جديدة صادرة عن البنك المركزي المصري، أن الدين المحلي قد قفز على أساس سنوي في مارس/آذار 2019، بنسبة 18.8 %، في تصاعد غير مسبوق للديون دون توقف منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم منتصف عام 2014.

 وأشار البنك المركزي المصري، إلى أن إجمالي الدين العام المحلي وصل إلى نحو 4.204 تريليونات جنيه (256.2 مليار دولار) في مارس/ آذار الماضي، مقابل 3.538 تريليونات جنيه (215 مليار دولار) في نفس الشهر من 2018.

ليقفز الدين المحلي، منذ وصول السيسي للحكم قبل نحو خمس سنوات بنسبة 147 في المائة، حيث استدان من البنوك المحلية أكثر من ضعف ما استدانه خمسة رؤساء سابقين تعاقبوا على حكم مصر منذ أكثر من 60 عاما.

وتتزايد التوقعات بتجاوز الديون المصرية المستويات المتضخمة الحالية، ما يجعل أجيالا من المصريين رهينة مستويات متدنية من العيش في ظل دوران البلاد في دوامة لا تنتهي من الاستدانة، وفق الكثير من المحللين الماليين.

تأزيم مستمر 

يرى مراقبون أن السيسي اتخذ من مؤتمراته مناسبة لإطلاق رسائل تعمق الغضب والانقسام الداخلي عبر مهاجمة ثورة يناير وتشويهها، والتلويح بفزاعة الإرهاب واستعداء الجيش والشرطة على الشعب. بالتوازي مع تأزيم العلاقات الخارجية مع دول وحكومات إقليمية معترف بها، واتهامها بالإرهاب، والاعتراف بحصارها والتحرش بها والتدخل في شؤونها.

ففي مؤتمر الشباب، الذي انعقد في العاصمة الإدارية بالقاهرة في 14 سبتمبر/ أيلول 2019، هاجم "السيسي" ثورة يناير معتبرا أن ما حدث في عام 2011 هو "مؤامرة".

كما أنه استعدى الجيش والشرطة على الثورة بالقول: "المؤامرة التي حدثت في 2011 كانت على وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، لأن من يريد ضرب مصر لا بد أن يبدأ بهما". ليواصل تذرعه بالإرهاب قائلا: "أقول للمصريين إما الاستسلام للإرهابيين من أجل تحقيق غرضهم بالوصول لحكم مصر، أو الوقوف في وجههم. هكذا هو الصراع بيننا وبين الإرهابيين".

أما خارجيا فقد تناول "السيسي" ملف قطر في اتجاه معاكس لأجواء المصالحة الجاري الحديث عنها، كما هاجم حكومة الوفاق الوطني الليبية، معتبرا أنها "أسيرة للمليشيات المسلحة والإرهابية في العاصمة طرابلس".

في الأثناء، رصد مراقبون وعودا وتوصيات أطلقها "السيسي" في مؤتمراته الأخيرة، وثبت أنها محض حبر على ورق، منها على سبيل المثال:
  • وعد بتشكيل لجنة لدراسة مقترحات تعديل قانون التظاهر، ولم يحدث.
  • وعد بإستراتيجية لترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق السليمة لتصويب الخطاب الديني، ولم يحدث.
  • وعد بإجراء حوار مجتمعي شامل لتطوير التعليم وإصلاحه، خلال شهر على الأكثر، ولم يحدث.
  • وعد بدعوة شباب الأحزاب والقوى السياسية لإعداد برامج لنشر ثقافة العمل التطوعي، ولم يحدث.
  • وعد بتشكيل لجنة لبحث الحالات المستحقة للإفراج من المعتقلين الشباب، وفرغت من محتواها.