نمو اقتصادي وتراجع بالفقر.. أسباب نهضة رواندا من الحضيض

12

طباعة

مشاركة

قال موقع "انترناشيونال بوليسي دايجست": إن رواندا تمثل نموذجا مثاليا لاقتصاد التأثير ينبغي أن تحتذيه الدول النامية، مبينة أن العقد الماضي شهد نمو الناتج المحلي الإجمالي هناك بمعدل 8٪ سنويا. 

وبحسب مقال لـ"لينكولن نجابويسونجا"، فإن "البلاد حصدت عددا كبيرا من الألقاب المرموقة على النطاق العالمي، وكثيرا ما سجلت أعلى الدرجات في مقاييس الأداء الاقتصادي مثل أقل البلدان فسادا، وفي سهولة ممارسة الأعمال التجارية، وكفاءة الحكومة وغيرها".

ونوه الكاتب بأن هذا النمو الاقتصادي لم يكن فقط على مستوى رأس المال، مضيفا: "لكن البلاد كانت تتطور بشكل كلي، وتتجاوز العديد من أهداف التنمية المستدامة".

وأردف بقوله: "تتحدث الإحصاءات عن نفسها: انخفض معدل الفقر بنسبة 40 ٪ في السنوات الـ 25 الماضية، والرعاية الصحية الشاملة تغطي 80 ٪ من السكان، و90 ٪ من السكان لديهم إمكانية الوصول إلى خدمات التمويل، وأكثر من ذلك". 

ومضى يقول: "كدولة وصلت إلى الحضيض قبل 25 عاما، فإن هذا النوع من التحول استثنائي للغاية". 

النظام الاقتصادي

وأضاف أن وجود القيادة الجيدة في رواندا لا يفسر ذلك النجاح الاقتصادي، مشيرا إلى دور النظام الاقتصادي والإستراتيجية الملائمة، مضيفا: "كما اتضح، يمكن وصف النظام الاقتصادي في رواندا على أفضل وجه بأنه اقتصاد تأثير".

وبحسب تعريف مؤسسة McKinsey and Company فإن اقتصاد التأثير هو نظام اقتصادي فيه تعطي المؤسسات والأفراد أولوية متساوية للتأثير الاجتماعي والمالي عند اتخاذ قرار بشأن كيفية تخصيص الموارد.

وأردف الكاتب: "لهذا السبب، يحاول الاقتصاد الذي يركز على التأثير توليد المكاسب المالية اللازمة لإدارة الاقتصاد من خلال خلق التغيير الاجتماعي والبيئي".

ورغم أن اقتصاد التأثير يبدو مثاليا إلا أنه ليس من الصعب تنفيذه، خاصة في الدول النامية مثل رواندا، وذلك لأنها لا تزال لديها فجوات مختلفة في السوق بحاجة لسدها وكذلك قضايا الفقر التي غالبا ما تحتاج إلى كميات كبيرة من رأس المال، والتي لا يمكن توليدها إلا من خلال القطاع الخاص. 

وتابع الكاتب: "لهذا السبب، فإن الفرصة لبناء وتشكيل أسواق مؤثرة تقدم نفسها. من خلال السياسات والحوافز الصحيحة، تصبح الحكومة قادرة على إنشاء قطاع خاص لا يتمتع فقط بفوائد السوق الرأسمالية كما نعرفها بل يساهم بشكل أكثر أهمية في احتياجات التنمية، والتي هي جوهر الاقتصاد المؤثر".

ومضى يقول: "لفهم هذا، دعونا نلقي نظرة على بعض سياسات رواندا الاقتصادية. مجلس التنمية الرواندي (RDB)، هو مؤسسة أنشأتها الحكومة الرواندية لمهمة التتبع السريع للتنمية الاقتصادية هناك من خلال تمكين نمو القطاع الخاص". 

وعندما يتعلق الأمر بالتنمية من خلال الأعمال التجارية، تدرس المؤسسة أداء كل قطاع مؤهل للاستثمار مثل الطاقة، والرعاية الصحية والتعليم، والتصنيع، والسياحة وغيرها.

ثم تقدم دراسة موجزة للسوق حول هذه القطاعات، بما في ذلك الفرص الاستثمارية وكيف يمكن للمستثمرين ورجال الأعمال استخدامها، وكذلك مختلف الحوافز المالية وغير المالية المتاحة لهم.

حوافز الاستثمار

وأردف الكاتب نجابويسونجا بقوله: "فيما يتعلق بالحوافز، فإن جهود البلد لجذب استثمارات كبيرة لا مثيل لها".

على سبيل المثال لا الحصر، تقدم الدولة الإعفاء الضريبي لمدة 7 سنوات للشركات التي تكون مستعدة للاستثمار في القطاعات المذكورة أعلاه، وضريبة صفرية على دخل الشركات التي تقيم مكاتبها الإقليمية في رواندا، و15% ضريبة على الدخل للشركات الأخرى، وإعفاء من الضريبة لمدة 5 سنوات لمؤسسات التمويل الصغير وغيرها الكثير، نظرا لأنها تفي بالمتطلبات.

وأشار إلى أن أحد التدابير المهمة التي يجب على الدول النامية اتخاذها من أجل تحقيق التنمية المستدامة يتمثل في بناء الاعتماد على الذات والمشاركة في الصفقات غير الاستغلالية والتجارة العادلة، ويشمل ذلك تطوير صناعات التصنيع المحلية (حتى عندما يعني ذلك البدء من الصفر) وكذلك تنفيذ سياسات حمائية. 

وتابع بقوله: "مثال على ذلك، مبادرة صنع في رواندا، وهي سياسة وضعت لتشجيع صناعة النسيج المحلية. كان أحد أجزائها الرئيسية فرض حظر تام على واردات الملابس المستعملة، وهو الأمر الذي تم اعتماده أيضا في البداية في جميع أنحاء شرق إفريقيا".

وأضاف: "بعد هذا القرار، قررت الولايات المتحدة حظر استيراد المنسوجات من هذه البلدان في قانون النمو والفرص في إفريقيا (AGOA)، والذي أدى إلى عودة دول شرق إفريقيا، باستثناء رواندا، عن قرارها". 

ومضى يقول: "لا أحد يستطيع أن يلومهم على ذلك، لكن ما يجعل الحكومة الرواندية والسياسة الخارجية والإستراتيجية والعقلية السياسية للرئيس بول كاغامي فعّالة للغاية هو أنه لا يفهم فحسب، بل يقف أيضا أمام التجارة الاستغلالية وغير العادلة والنيوليبرالية الجديدة والديناميات الدبلوماسية التي فرضت على الدول الإفريقية لعقود".

وأشار إلى أن هذا لا يزال له عواقبه من حيث العقوبات الاقتصادية ولكن في النهاية، تستعيض البلاد عن ذلك بالحلول المحلية والصفقات المفيدة متعددة الأطراف التي تبني التنمية المستدامة والاعتماد على الذات. 

وتابع: "هذا الجزء الأخير هو أحد المكونات الرئيسية لاقتصاد التأثير، خاصة في سياق الدول النامية - حكومة غير فاسدة تضع شعبها في المقام الأول، وليس المال أو أي مصالح بيروقراطية أخرى، ولكن شعبها".

وعلى الرغم من أن الاقتصاد الرواندي يتطلب أكثر من نظام لأمة تخرج من الفقر، إلا أن التجربة أظهرت أن الاقتصاد ذا الأثر الكبير ممكن، وأنه بالإضافة إلى السياسات الصحيحة، يمكن أن يكون محركا رئيسيا للتنمية. 

واختتم الكاتب بقوله: "الأهم من ذلك أن نموذج رواندا يوفر هيكلا اجتماعيا واقتصاديا قابلا للتطبيق يمكن أن تتبعه الدول النامية. كاقتصاديين وسياسيين وصانعي سياسات، من واجبنا المساهمة في أنظمة كهذه تخلق تغييرا فعليا؛ كمستثمرين، لم يكن هناك وقت أفضل للمشاركة في هذه الحركة".