لوموند: حرق قنصلية طهران نقطة تحول في احتجاجات العراق
في مواجهة الافتقار إلى الإصلاحات وحجم القمع، تزداد حركة الاحتجاج في العراق، خاصة في جنوب البلاد، ضد الطبقة السياسية "الفاسدة"، والتدخلات الإيرانية.
ووفقا لصحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن إقدام المتظاهرين على إحراق القنصلية الإيرانية في مدينة النجف (جنوب غربي العاصمة بغداد) يعد نقطة تحول في المظاهرات المستمرة منذ أكتوبر/ تشرين أول الماضي.
إحراق القنصلية
واقتحم محتجون عراقيون القنصلية الإيرانية في مدينة النجف وأضرموا النار فيها مساء 27 نوفمبر/تشرين الثاني، فيما ذكرت السلطات في بغداد أنه جرى إجلاء العاملين بالقنصلية قبل الحادث الذي أدانته طهران بشدة.
وقالت الصحيفة الفرنسية: "التهمت ألسنة اللهب العالية جزءا من القنصلية الإيرانية في النجف، وسط صيحات (إيران برا)، من قبل مئات المتظاهرين الذين استبدلوا العلم الإيراني بالعلم العراقي".
ووفقا لمراسلة الصحيفة هيلين سالون، فإنه بعد محاولة لتفريق الحشود بالغاز المسيل للدموع، وسقوط 50 جريحا، بحسب مصادر طبية لوكالة "فرانس برس"، انسحبت قوات الأمن وجرى إجلاء موظفي القنصلية قبل دخول المتظاهرين وفرض حظر تجول في المدينة.
وطالبت وزارة الخارجية الإيرانية في بغداد "باتخاذ إجراءات حاسمة وفعالة ومسؤولة ضد العناصر التخريبية والمعتدين"، وأكدت "لوموند" أن "إحراق القنصلية الإيرانية في هذه المدينة المقدسة بالنسبة للشيعة، حيث يأتي ملايين الحجاج الإيرانيين كل عام لزيارة ضريح الإمام علي، ابن عم النبي محمد والإمام للطائفة الإثنى عشرية، هو رمزي للغاية".
ونوهت بأن الحادث يمثل نقطة تحول جديدة في الاحتجاج الذي بدأ في الأول من أكتوبر/ تشرين أول، حيث كانت المظاهرات سلمية في هذه المدينة، التي تضم القيادة الدينية الشيعية في البلاد التي أيد ممثلها الأعلى علي السيستاني حركة الاحتجاج.
وذكرت "لوموند" أنه في أوائل نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري، أحرق المتظاهرون مجمع القنصلية الإيرانية في مدينة كربلاء الشيعية المقدسة، وأسفرت الأحداث عن سقوط أربعة قتلى، في ظل استياء شديد بصفوف المحتجين تجاه هذا الجار الشيعي القوي، المتهم بدعم النظام العراقي الذي يدعون لسقوطه.
وأوضحت هيلين سالون أنه في بغداد وجنوب البلاد، يطالب الآلاف من المتظاهرين، ومعظمهم من الشباب والشيعة، منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول بإعادة تشكيل النظام السياسي الذي أنشئ في عام 2003 وتجديد الطبقة السياسية التي يرون أنها تتسم بالفساد والمحسوبية.
كما أنهم يتهمون الأحزاب الدينية الشيعية في السلطة ومليشياتها بخدمة مصالح إيران، على حساب البلد الذي يعاني من الفقر والبطالة.
خلايا أزمات
وأضافت "أدى الافتقار إلى إصلاحات موثوقة وحجم الحملة التي خلفت 350 قتيلا على الأقل وأكثر من 15000 جريح، إلى ازدياد الحركة الاحتجاجية في الجنوب، فمنذ بداية الأسبوع، أحرق المتظاهرون الإطارات وأغلقوا الطرق في العديد من المحافظات في تحركات واسعة من العصيان المدني.
وتطرقت إلى تحذير رئيس الوزراء عادل عبد المهدي من أنه لن يتسامح مع "مثيري الشغب"، لكنه لم يدل بنصف كلمة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قواته، والمشار إليها في تقرير للأمم المتحدة.
وفي سياق التوتر هذا، بينت الصحيفة، أن السلطات العراقية أعلنت عن إنشاء "خلايا أزمات" في كل محافظة ترتبط بالحكام المدنيين والمسؤولين العسكريين لوقف دوامة العنف.
ولقي ما لا يقل عن 13 متظاهرا مصرعهم بالرصاص فجر 28 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما حاولت قوات إنفاذ القانون فتح جسرين في مدينة الناصرية، حسب الأطباء والشرطة نقلا عن وكالة فرانس برس.
وارتفعت الحصيلة في المساء إلى 25 قتيلا، وهي العملية التي خلفت أيضا عشرات الجرحى، وبدأت بعد يوم من تعيين قائد عسكري جديد في محافظة ذي قار.
أما عن الأوضاع في البصرة، المدينة النفطية الجنوبية، قالت "لوموند": "واصل المتظاهرون إغلاق الطرق المؤدية إلى أم قصر وزبير، وهما ميناءان حيويان لاقتصاد البلاد، كما أغلقوا المحاور الرئيسة في كربلاء في أعقاب المصادمات القاتلة بشكل خاص".
وقُتل ثلاثة محتجين في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما فتحت قوات الأمن الذخيرة الحية لتفريق الحشد، وتوفي رابع متأثر بجراحه في اليوم التالي، وفقا لوكالة أسوشيتد برس.
ولفتت الصحيفة الفرنسية أن بغداد ليست في مأمن من أعمال العنف هذه، ففي العاصمة قُتل اثنان من المحتجين وأصيب 35 في تاريخ 27 من هذا الشهر، وفقا لما ذكرته مصادر رسمية لوكالة أسوشيتد برس.
مصادمات مميتة
وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني، قُتل محتج أيضا، في حين أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية واستخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع تجاه المتظاهرين كما خلفت سلسلة من الانفجارات في أحياء شيعية نائية بالعاصمة العراقية، لم تتبناها أي جهة، ستة قتلى وعشرات الجرحى.
وأشارت الصحيفة إلى أن مصادمات مميتة تقع بين المحتجين وقوات الأمن بشكل شبه يومي أمام جسر الأحرار، على بعد بضع مئات من الأمتار من ميدان التحرير، مركز الاحتجاجات، الذي نشرت له "لوموند" تقريرا منفردا.
وأوضحت في التقرير الذي حمل عنوان "ميدان التحرير.. قلب الاحتجاج النابض في بغداد"، أنه في هذا المكان، أصبح مبنى "المطعم التركي"، الذي أطلق عليه المتظاهرون "جبل أحد" في إشارة إلى أحد الغزوات التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم، معقل المعارضين.
وأشارت إلى أنه في هذه "المدينة المثالية"، يختلط الخريجون العاطلون عن العمل والطلاب وكذلك الأطباء والمحامون والمدرسون والفنانون والناشطون مع الشباب من الأحياء الشيعية، فالأجيال الشابة التي لم تعرف أو لا تريد أن تعرف زمن الديكتاتورية، والتي عاشت تحت حكم الأحزاب الدينية الشيعية وميليشياتها المسلحة منذ عام 2003، تنفث حياة جديدة.
وذكرت "لوموند" أن الاختلافات الاجتماعية والدينية، وبين الجنسين وحتى الأجيال، تختفي لصالح كلمة واحدة: "أريد أمة"، وهي عبارة مكتوبة على القمصان الخاصة واللوحات الجدارية، مطالبة بدولة أفضل وحرية يتذوقونها، في الوقت الراهن من خلال عدسة الشبكات الاجتماعية فقط.
وشددت على أن هؤلاء الشباب يريدون وضع حد للطائفية التي أدت إلى الحرب الأهلية 2006-2008 وصعود تنظيم الدولة في عام 2014. كما يريدون نهاية نظام متهم في نظرهم، بتكوين عصابات فاسدة وعملاء على حساب إعادة إعمار الدولة.
وشددت على أن المتظاهرين في ميدان التحرير لا يرون أي خيار آخر سوى نجاح الثورة، وسقوط الحكومة والأحزاب الشيعية، لتجنب العودة إلى الانقسام.