حركة النهضة و"قلب تونس".. لماذا تحالف أعداء السياسة؟

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة في تاريخها، تأتي حركة النهضة على رأس السلطة التشريعية في تونس، ففي عام 2019 لم تقبل الحركة بما قبلته في العام 2011 عندما تولت القيادية في النهضة محرزية العبيدي منصب نائب رئيس البرلمان، وكررت قبوله في العام 2014 حين فاز بالمنصب عبد الفتاح مورو.

فوز راشد الغنوشي (78 عاما) برئاسة مجلس نواب الشعب (البرلمان) الجديد، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بعد حصوله على 123 صوتا من أصوات أعضاء المجلس البالغ عددهم 217، كان أمرا شبه متوقع بعد فوز الحركة بالمركز الأول في الانتخابات الأخيرة.

اختيار الغنوشي على رأس البرلمان، والذي تلاه انتخاب سميرة الشواشي النائبة عن حزب "قلب تونس"، نائبا أولا لرئيس المجلس، يؤكد التوصل إلى تفاهمات بين حركة النهضة وحزب "قلب تونس"، رغم تصريحات سابقة أظهرت خلافات جمة بين الجانبين.

التوافق الجديد حول تقاسم المسؤوليات البرلمانية، قد يغيّر منحى المشاورات حول تشكيل الحكومة الجديدة، والتي ظلت مقتصرة طيلة الفترة الماضية بين حركة النهضة من جهة و"ائتلاف الكرامة" و"حركة الشعب" و"التيار الديمقراطي" من جهة أخرى، لكن يبدو أنها باءت بالفشل بدليل أن الأخير "التيار الديمقراطي"قدم مرشحا منافسا للغنوشي.

الساعات الأخيرة

شهدت ليلة 13 نوفمبر/ تشرين الثاني، تحركات في أروقة السياسة التونسية، للترتيب لاختيار رئيس البرلمان الجديد، بعد تتالي الحديث عن فشل المشاورات القائمة منذ مدة بين حركة النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب.

أصرّ الحزبان على رفض التصويت للغنوشي لمنصب رئيس البرلمان وتقديم القيادي في التيار غازي الشواشي مرشحا لهما والذي حصد 45 صوتا.

بدا من خلال نتائج التصويت أن اتفاقا حصل بين حركة النهضة وحزب "قلب تونس" الذي يقوده رجل الأعمال صاحب قناة "نسمة" والمرشح الرئاسي السابق نبيل القروي.

نتائج التصويت أظهرت أيضا أن اتفاقا حدث أيضا بين النهضة و"ائتلاف الكرامة" الذي أكد قياديوه أنهم التزموا بالتصويت للغنوشي مقابل منح النهضة أصواتها لمرشحهم يسري الدالي على منصب النائب الثاني لرئيس المجلس.

النائب عن ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف صرح لقناة "حنبعل" التونسية عدم تصويت كتلته لمرشحة "قلب تونس" سميرة الشواشي لمنصب النائب الأول لرئيس المجلس وهو ما يبرر حصولها على 109 فقط من أصوات النواب.

القيادي في حركة النهضة وعضو البرلمان، قال لـ "الاستقلال": "الحوار في البرلمان يشمل أوسع طيف ممكن ما عدا من رفض ذلك مثل الحزب الدستوري الحر، لذلك لم يكن هناك استثناء لقلب تونس، والـ 24 ساعة التي سبقت الانتخاب حدث تواصل مع التيار الديمقراطي وحركة الشعب، لكن لم نصل لتفاهم لإصرارهما على فرض شروطهما، أما ائتلاف الكرامة وقلب تونس فتم التوصل لتفاهمات".

تمهيد للحكومة 

وعن مدى تأثير هذا الاتفاق الحاصل في البرلمان على المسار الحكومي قال سمير ديلو: "كل شيء وارد إذ يجب تشكيل حكومة، فعندما نجد حزبا تحصّل على 6% من أصوات الناخبين يطالب بوزارتين سياديين ووزارة أخرى إضافية يعني أنه يفرض شروطا تعجيزية، وحزب آخر يتفاوض معك وفي الوقت نفسه نحن شبه متأكدين من عدم رغبته في المشاركة، والأكيد أننا سنكون مضظرين لتوسيع دائرة التفاوض لأن البلاد لا تحتمل أن تعيش لأسابيع أو أشهر بلا حكومة".

ديلو نفى أن تكون النهضة قد وضعت خطوطا حمراء على أي طرف، فقط هناك مبدأ لن نتخلى عنه وهو محاربة الفساد لكن لا يمكن أن نأخذ مكان القضاء في الحكم على الناس أو أن نحاسب بالجملة".

وأضاف النائب وعضو مجلس شورى النهضة: "رأيي الشخصي أصبح من الصعب جدا أن تستحوذ النهضة على الرئاستين البرلمان والحكومة، وبالتالي في الأرجح ستكون شخصية رئيس الحكومة من خارج النهضة، لكن تقترحها النهضة".

المواقف تتغير

منذ الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية وما أفرزته من تغيير في الخارطة السياسية، بتقلص حجم الكتل الفائزة وتنوع واسع بين مختلف الأحزاب، بدأ الحديث عن شكل الحكومة المقبلة والأطراف التي تشكلها.

في البداية أعلنت حركة النهضة والتي حصلت على 52 مقعدا في البرلمان من أصل 217 مقعدا، عن رفضها التشاور مع حزبي "قلب تونس" والذي حصل على 38 مقعدا، والحزب الدستوري الحر والذي حصل على 17 مقعدا.

الناطق الرسمي باسم النهضة عماد الخميري أعلن حينها في ندوة صحفية: أن "هناك استثناء لمُكونين، هما قلب تونس والحزب الدستوري الحر، هناك شبهات فساد متعلقة برئيس حزب قلب تونس ينظر فيها القضاء، ونحن نريد من الحكومة القادمة أن تكون بعيدة عن شبهات الفساد. والثاني حزب لا يؤمن بالديمقراطية، ولا يزال مشدودا للماضي لفترة تُمجد الاستبداد".

الحزبان أيضا عبرا عن تمسكهما برفض المشاركة في ما أسموه حكومة النهضة، حيث اشترط قلب تونس عدم ترأس أحد قياديي النهضة للحكومة، بينما رفض الحزب الدستوري أي حوار مع النهضة. 

وعقب انتخابه رئيسا للمجلس، قال الغنوشي: "لم يكن بإمكاني الوصول إلى رئاسة البرلمان دون التعاون مع الآخرين، بما في ذلك حزب قلب تونس".

مضيفا: "حركة النهضة ستتعامل مع كل الأطراف صلب البرلمان دون إقصاء، خاصة أنه لا يمكن أن يصدر أي تشريع دون التوافق مع بقية مكونات المشهد البرلماني".

وشدد على: أنه "ليس هناك من فيتو في التعاطي مع الشأن التشريعي، لا سيما وأن البرلمان يضم كل الأحزاب، مع الحرص على عدم مقاطعة أي حزب انتخبه الشعب"، لافتا إلى: أن النظام الداخلي للمجلس النيابي "يفرض المشاركة والتوافق، ويمنع أي حزب، مهما كان قويا، من الاستقلال بالتشريع والتقرير". 

وأضاف الغنوشي في إجابة على التفاهمات مع حزب قلب تونس رغم الرفض ذلك سابقا: "الأغبياء هم الذين لا يتغيّرون".

ختام المسيرة

رغم احتفاظ النهضة بموقع متقدم في العملية السياسية في تونس ما بعد العام 2011، حيث فازت بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 وحصلت على المركز الثاني في انتخابات 2014، كما نافست لأول مرة في تاريخها على منصب رئاسة الجمهورية في انتخابات 2019.

لكن زعيمها ومؤسسها راشد الغنوشي لم يتول أيا من المناصب السياسية في الدولة طيلة هذه السنوات، محتفظا بدوره رئيسا للحزب وقائدا لتوجهاته السياسية وخياراته التي استطاع إدارتها رغم الصعوبات التي اعترضت حزبه والعملية السياسية عموما في تونس.

ويستعد الغنوشي لتسليم دفة القيادة في حركة النهضة، خلال المؤتمر المزمع تنظيمه في 2020، وبذلك يكون مؤسس الحركة قد استوفى عهدتين متتاليتين لرئاسته الحركة منذ الترخيص لها في 1 مارس/آذار 2011.

وساهم الغنوشي بشكل رئيسي في تأسيس الجماعة الإسلامية نهاية الستينات برفقة عدد من الشباب من أبرزهم عبد الفتاح مورو الذي انتخب أمينا عاما للحركة.

وعايش الغنوشي مختلف المحطات التي عاشتها الحركة الإسلامية في تونس، والتحولات الكبرى في سياساتها وأفكارها، مرورا بتقديم تأشيرة حزب سياسي في العام 1981 تحت مسمى حركة الاتجاه الإسلامي، قبل أن يبادر نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة باعتقال قيادة الحركة وفي مقدمتهم الغنوشي  والذي أعيد اعتقاله مرّة أخرى عام 1987 قبيل سيطرة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي على الحكم.

وشهدت بعدها تونس انفتاحا سياسيا، أطلق بموجبه سراح الغنوشي وجميع المعتقلين السياسيين، سرعان ما انتهى بتزوير انتخابات العام 1989 ودخول النظام في مواجهة مع حركة النهضة، اعتقل حينها الآلاف من المعارضين وإجبار آخرين من بينهم الغنوشي على مغادرة البلاد، حيث لجأ إلى بريطانيا واستمرت إقامته فيها حتى فرار بن علي إثر ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010.