إسلاميو المغرب والحقوق الفردية.. مراجعات حقيقية أم زلة لسان؟

12

طباعة

مشاركة

"كل ما دون العلاقة الجنسية أشياء غير مجرمة شرعا، ولا قانونا في العلاقات بين الجنسين، أين الجريمة في العلاقة بين الشباب ما لم يصلوا إلى الممارسة الجنسية؟".

كلمات أطلقها مؤخرا رئيس حركة التوحيد والإصلاح عبد الرحيم الشيخي، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب، أثارت لغطا كبيرا في الشارع وفجرت جدلا بين شباب وقيادات الحركة الإسلامية التي يقودها الشيخي.

تصريح الشيخي قوبل بانتقاد واسع من قبل عدد من قيادات الحركة، فيما اعتبره ناشطون رؤية متقدمة نسبة لما كان يصرح به قادة التوحيد والإصلاح بخصوص ملف الحريات الفردية والعامة، الذي قفز مرة أخرى لصدارة المشهد، وهو الملف الذي يثار حوله جدل واسع كل فترة، وإن اختلفت أسباب طرحه من وقت لآخر.

التصريح المثير

في ندوة لحركة التوحيد والإصلاح  حول موضوع "جدل الحريات الفردية في المجتمعات الإسلامية "، ألقى رئيس الحركة عبد الرحيم الشيخي مداخلة، فُهم منها أنه يجيز الملامسة، والقبل، حيث قال فيها: "الأفعال ما دون الممارسة الجنسية كالمصافحة واللمس والقبل، لا تعتبر ضمن الفساد".

وهو ما دفعه لإعادة الحديث من أجل توضيح ما تطرّق له خلال المداخلة، حيث عمّم في ساعة متأخرة من الليلة التالية للندوة، توضيحا حاول من خلاله تخفيف وقع تصريحاته السابقة.

القيادي الإسلامي اعتبر: أنه تم اجتزاء التصريح من سياق مداخلة مدتها تزيد عن (11 دقيقة) ما أخل بالمقصود، إضافة إلى أن طبيعة المداخلة لم تكن تسمح بالتفصيل في كل جوانب الموضوع.

وأضاف الشيخي في التعميم: "في إطار ندوة فكرية تقدم قراءة في كتاب علمي يُحرر القول في عدد من القضايا والاجتهادات الدينية المتداولة في موضوع الحريات الفردية، تناولها صاحب الكتاب بنَفَس نقدي تجديدي أُقَدّر أنه جهد مشكور ومطلوب، ولم يأت استجابة لضغط أو لضعف أو لغيرها من الأسباب التي أوردها عدد من المُعلقين على كلامي".

كما علق على الموضوع الذي أثار الجدل الكبير بين المغاربة، وفي داخل بيت الإسلاميين نفسه، إذ اعتبر: أن تصريحاته عن العلاقات بين الشباب من الجنسين، التي تحدث بشأنها "والتي قد يفهم منها إباحتي لما دون جريمة الزنا المحددة شرعا، كالملامسة والقبل، فأؤكد أن اعتقادي فيها هو ما قرره علماؤنا من كونها ذنوبا ومعاصي وجب على المكلف تجنبها والابتعاد عنها".

إنهاك الإسلاميين

في تدوينة له على فيسبوك، انتقد القيادي بحركة التوحيد والإصلاح، محمد بولوز  تصريحات الشيخي، وقال: "ما يسمح به في إطار شريعتنا بين الرجل والمرأة الأجنبيين عن بعضهما هو الكلام بالمعروف عند الحاجة في المكان المفتوح أمام الناس".

وقدّم بولوز، في مقاله، أدلة اعتبرها شرعية من القرآن والسنة: "للقول بتحريم اتخاذ الخلان بين الجنسين، أي الصداقة التي يُقصد بها اجتماع بعضهم ببعض من غير عقد شرعي، وتحريم الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبيين، وتحريم اللمس بغرض الشهوة ومقدمات الجماع"، بحسب قوله. وخلص بولوز إلى: أن "الزنا أبشع ما يقع بين المرأة والرجل الأجنبيين". 

من جانبه كتب الشيخ السلفي حماد القباج، على صفحته بفيسبوك، ما قال: إنها "نصيحة موجهة إلى الحركات الإسلامية"، داعيا إلى: "التحلي بقدر أكبر من الفطنة والنباهة وألا يدخلوا هذا النقاش بخلفية ملتبسة تفرض مراجعات أو تراجعات في غير محلها".

وأضاف القباج: أن "السياق السياسي الحالي يتسم بإنهاك الإسلاميين وإضعاف مناعتهم، إلى جانب سياق دولي يريد أن يفرض رؤيته لمفاهيم الحرية والمساواة".

أمّا النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية أمينة ماء العينين، فاعتبرت: أن نقاش الحريات الفردية أولوية ما دام النقاش مطروحا في المجتمع.

وأضافت في ندوة يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بالرباط حول الحريات الفردية: أن "مفهوم الحريات الفردية تكثف في مجال الصراع السياسي وخلق تقاطبا مبكرا لم يهيئ المجتمع بطريقة سليمة.. ظهر في سياق مشحون تكثف وخلق تقاطبا مجتمعيا، وهربنا به من الحقل الأصيل إلى حقل الصراع السياسي".

وانتقدت ماء العينين اختزال الحريات الفردية في الحريات الجنسية قائلة: "ذلك أمر سطحي، لست مع الذين ينتمون إلى نظرة استفزازية استعراضية استسهالية. ولست مع الطرف الآخر، أي الذين يتعالون على المجتمع ويقولون كل من يرفع هذه الشعارات فهو ضد الدين والأخلاق ويدعو إلى الانحلال". 

وتابعت: "لا أعرف دولة غير مكتملة ديمقراطيا ولم تحسم في اختياراتها السياسية وليس عندها الجرأة لبناء المجتمع الديمقراطي أعطت للناس الحريات الفردية وتسامحت معها" .

وختمت النائبة البرلمانية المغربية حديثها متسائلة: "هل يمكن أن نناقش الحريات الفردية ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي دون أن نناقش الحريات السياسية والمناخ السليم الذي يمكن أن تتقعد (تتأصل) فيه هذه الحريات؟".

عصا السلطة

هذا الجدل المفتوح على مصراعيه في المغرب، على خلفية تصريحات رئيس حركة التوحيد والإصلاح، جاء بعد أيام قليلة من إصدار العاهل المغربي محمد السادس عفوا ملكيا على الصحفية هاجر الريسوني وخطيبها، والتي أدينت بتهمة الإجهاض، في محاكمة وصفت بالكيدية.

القضية دفعت بالمجتمع الحقوقي المغربي لخوض معركة للدفاع عما اعتبره حريات فردية وجزء لا يتجزّأ من حقوق المواطن، واستثمر الفرصة لإعادة الجدل مرة ثانية حول الحريات الخاصة.

واعتبر بيان موقع من عدد من الفعاليات الحقوقية النسائية: أن "الخروقات القانونية والحقوقية التي تقوم بها السلطة، كما في حالة اعتقال هاجر الريسوني، يضرب المطالب الحقوقية للحركة النسائية، ويثبت الحريات الفردية، ومنها على وجه الخصوص، حق النساء في تملك أجسادهن وحرية التصرف فيها، بما في ذلك حقها في الإجهاض، والعلاقات الجنسية الرضائية، أصبحت معركة الجميع كيفما كانت الانتماءات الفكرية والأيديولوجية".

وتوالت في السنوات القليلة الماضية حالات تفجير تشويه أعضاء في الحركات الإسلامية، تعتمد على التدخل في حياتهم الخاصة، وهو ما دعم مواقف عدد من الناشطين الحقوقيين المطالبة للإسلاميين المغاربة بالاعتراف بالحريات الفردية على خلفية هذه القضايا، وهو ما يبدو قد قوبل باستجابة من رئيس حركة التوحيد والإصلاح الذي قال: إنه يدعم مشروع القانون المعروض على البرلمان المغربي، والذي يحمل تعديلات تقر بعض الحقوق الفردية.

ورغم أن القانون يجرّم على قدم المساواة العنف الجسدي والرمزي ضد النساء، فإن الإعلام الرسمي وأكثر منه المواقع الإخبارية القريبة من الجهات الأمنية المحافظة، شنت خلال السنوات الأخيرة ضد نساء بعينهن وخصوصا من التيار الإسلامي، حملات قوية من التشهير استمرت لعدة أشهر.

من بين وقائع التشهير هذه ما حدث مع البرلمانية أمينة ماء العينين بداية عام 2019، المرأة الوحيدة في مجلس النواب التي كانت تنتقد صراحة السلطة الملكية وعبّرت في الماضي عن آراء سلبية ضد القصر من بينها أن حصيلة محمد السادس بعد سنوات طويلة على عرش المغرب هي حصيلة سلبية نسبيا. 

وفي عام 2011، كانت حملة تشهير مشابهة قد ضربت بقوة نادية ياسين التي قالت بتفضيلها النظام الجمهوري على الملكي في تصريح صحفي. ولوحِقت نادية ياسين (ابنة مؤسس جماعة العدل والإحسان الشيخ الراحل عبد السلام ياسين)، أمام محكمة الرباط إلى جانب الصحفي الذي حاورها قبل ذلك بسنوات. وأُنتج فيلم تشهيري يتعرض لحياتها الخاصة في محاولة لاغتيالها معنويا.

ليست النساء الإسلاميات وحدهن هدف حملات التشهير في موضوع الجنس والأخلاق بل كذلك بعض النساء اليساريات المنتقدات للسلطة كخديجة الرياضي الحقوقية الحاصلة على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ونبيلة منيب زعيمة الحزب الإشتراكي الموحد.