رئاسية تونس وراء تعديل خطابها.. خطة "النهضة" لاستعادة أنصارها

زياد المزغني | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

إثر سقوط نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، بعد ثورة شعبية عارمة اجتاحت تونس وأنهت حكما استمر لأكثر من 23 عاما، عادت حركة النهضة إلى العمل السياسي العلني بعد حصولها على تأشيرة قانونية يوم 1 مارس/آذار 2011 قبل يوم واحد من قرار القضاء بحل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم.

هذه العودة سمحت للنهضة تصدّر المشهد السياسي لمدة 8 سنوات رغم تراجعها نسبيا في انتخابات 2014 والتي فازت بها حركة نداء تونس، إلا أن انقسام حزب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وصراعاته الداخلية أدت إلى تشيت كتلته النيابية وإعادة حركة النهضة إلى صدارة البرلمان مرة أخرى.

هذا التصدّر لم يستمر طويلا، حيث تفاجأت النهضة مثل غيرها من الأطراف السياسية بنتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، والتي أفرزت تفوقا للمرشح المستقل قيس سعيّد يليه رجل الأعمال الموقوف على ذمة قضايا تهرب ضريبي نبيل القروي، فيما حل مرشح النهضة الشيخ عبد الفتاح مورو ثالثا.

هذه النتيجة فرضت على الجميع في تونس تقييما سريعا لخطابهم خلال الحملة الانتخابية الرئاسية في محاولة لتدارك وضعهم وتحقيق نتائج أفضل في الانتخابات التشريعية وهو ما ظهر جليا في خطاب حركة النهضة التي سارعت بنقد علني وواضح لتجربة التوافق مع حركة نداء تونس، وعودة لخطاب فارقها طيلة السنوات الماضية بدعوى التجديد والانفتاح.

تقييم سريع 

أدركت حركة النهضة حجم الخسارة الفادحة التي حصلت لها بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في دورها الأول.

الحزب الأكثر تنظيما وانتشارا في البلاد لم يتمكن سوى من حجز المرتبة الثالثة لمرشحه للانتخابات الرئاسية عبد الفتاح مورو، هذا من جهة ومن جهة أخرى خسر الحزب قرابة 450 ألف صوت مقارنة بما حصده في آخر انتخابات تشريعية عام 2014، أي قرابة نصف كتلته الناخبة، رغم غياب استقطاب ثنائي ومنافسة كبيرة مع حزب يساوي حجم النهضة.

هذه النتيجة لم تستطع النهضة استيعابها بسرعة، حيث لم تسارع بتهنئة الفائزين سوى بعد صدور النتائج من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات رغم امتلاك الحزب لأدوات ميدانية لتجميع نتائجه من مختلف مكاتب الاقتراع في داخل البلاد وخارجها. 

وأخذت مؤسسات النهضة قرابة الأسبوع من الزمن من أجل حسم موقفها من الدور الثاني للانتخابات الرئاسية بدعم قيس سعيّد الذي تبنّى شعارات الثورة.

كان ذلك شكل من أشكال القول بأنه فهم رسائل قواعده التي لم تستسغ انحرافات الحزب والتنازلات التي قدمها عبر التحالف مع حزب "نداء تونس" ولم تجنِ منه ثمارا.

دعا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، في مؤتمر صحفي يوم 27 سبتمبر/أيلول 2019، لانتخاب حركة النهضة في الانتخابات التشريعية القادمة، من أجل قيادة الحكومة المقبلة بدل حزب "قلب تونس" لأنها الأقدر على التعامل مع رئيس الجمهورية المرجح صعوده قيس سعيّد، وفق تعبيره.

كما حذر الغنوشي، في المقابل، أنه في حالة تصدر "قلب تونس" لنتائج التشريعيات سيحصل "تصادم" داخل السلطة التنفيذية. 

محاربة الفساد

وعلى نفس الخط في مواجهة صعود نبيل القروي وحزبه المؤسس حديثا "قلب تونس"، حيث صرح زعيم حركة النهضة في نفس المؤتمر الصحفي: أن حركة النهضة ستعمل حال فوزها من أجل تكوين حكومة لا تضم من تحوم حولهم شبهات فساد، وفق قوله، في إشارة لحزب قلب تونس. مضيفا: أن برنامج الحركة منذ مؤتمرها العاشر هو المحور الاقتصادي وخلاصته القضاء على الفقر وإنهاء التفاوت بين الجهات.

 وقال رئيس حركة النهضة: إن حزبه مهيأ للحكم اليوم بفضل تجربته السابقة ولنظافة يده، وفق تعبيره، مشيدا بدور الحركة فيما وصفها بتجنيب البلاد "سيناريو الحرب الأهلية" وذلك بفضل التوافق مع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وحركة نداء تونس عام 2014.

هذا التوافق الذي أشاد به الغنوشي بشكل باهت، مقارنة بالإشادة القديمة التي كانت تروج لهذا التوافق حيث وصفه الغنوشي عام 2015 بقوله: "تونس طائر يطير بجناحين، جناح النداء وجناح النهضة".

وقال الغنوشي: "نحن منعنا المنظومة القديمة سنة 2014 من أن تنحرف نحو اليمين ونحو الإقصاء، وسنفعل ذلك مع قوى الثورة، حتى لا تمضي بالبلاد نحو المجهول".

وأكد: أن حركته ضحت بالمصلحة الحزبية الضيقة إبان الأزمات التي مرت بها البلاد عام 2014 مقابل تحقيق المصالح الوطنية الكبرى، مشيرا إلى أنهم بالتعاون مع رئيس البلاد الباجي قائد السبسي تمكنوا من تجنيب البلاد الكوارث والحرب الأهلية.

في المقابل نشرت الصفحة الرسمية لنبيل القروي، الثلاثاء 1 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ما قالت إنها رسالة منسوبة إليه وجهها إلى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، أكد فيها أنه يرفض التحالف معه ومع حزبه، مضيفا: أن أكبر دليل على ذلك هو أنه لا يزال سجينا لأسباب معلومة، حسب تعبيره.

وقال القروي: "لقد أوهمكم وجودي في زنزانتي بأنّي في موقف ضعف ففاجأتمونا بتصريحات لمهاجمتنا شخصيا ومن خلالي مهاجمة أكثر من نصف مليون تونسي، ومهاجمة حزب قلب تونس بتسلط وتجن وإعلان مساندتكم لقيس سعيّد وأنه لا يمكنكم التحالف مع حزب قلب تونس بسبب وجود شبهة فساد".

ولم تكتف حركة النهضة بمراجعة تحالفاتها السابقة والوعد بالعودة لتحالفات مشابهة، إذ لوحظ طريقة جديدة في الترويج في حملتها الانتخابية في ظل محاولة لإعادة استقطاب قاعدتها الانتخابية التي خسرتها.

خطاب قديم

سبق وأن قدمت النهضة على رأس قائمتها للانتخابات التشريعية الحالية رئيسها راشد الغنوشي في دائرة تونس الأولى، الذي حاول أن يقدم نفسه بشكل مختلف هذه المرة في حملة انتخابية أكثر شعبية عن سابقاتها.

حيث انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة  تظهره يتجول في أحد الأحياء الشعبية وسط العاصمة تونس أو جالسا في أحد المقاهي الشعبية محاطا بمواطنين بسطاء يتبادلون الحديث، ويرى المتابعون أن النهضة تتخذ إستراتيجية جديدة - قديمة، تقوم على التقرب من الناخبين للفوز في الانتخابات التشريعية التي يخوضها رئيسها للمرة الأولى. 

كما أعادت حركة النهضة طرح خطاب يقترب أكثر من مرجعيتها الإسلامية، التي يعتبر عدد من المتابعين للنهضة أنها تخففت منها خاصة بعد مؤتمرها العاشر الذي أقر مبدأ الفصل بين الدعوي والسياسي في أنشطتها.

ركّزت الحملة الانتخابية للنهضة على التذكير بأن النهضة نجحت في إفشال مشروع قانون المساواة في الميراث، الذي أثار جدلا منذ طرحه وقسم الشارع التونسي.

ويذكر أن قيس سعيّد تميز بامتلاكه وجهات نظر محافظة حول القضايا الاجتماعية، إذ أنه يعارض المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، ويدعم استخدام عقوبة الإعدام، ويعارض حقوق المثليين. في المقابل حصل على نسب تصويت ضعيفة جدا كل من تبنى مواقف مؤيدة لمقترح الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

وروّجت حركة النهضة في برنامجها الانتخابي لإحداث هيئة وطنية للزكاة، حيث قال الغنوشي: أن بعث "مؤسسة وطنية للزكاة" سيكون سبيلا لمقاومة الفقر، وسد الإخلالات الموجودة في البنية الاجتماعية وفق تعبيره.

وقال الغنوشي خلال إجتماع حزبي بمدينة صفاقس: إن مشروع الزكاة ليس بجديد وأن تفعيل هذه الآلية لمحاربة الفقر كانت منذ عهد "بن علي"، لكن لم تكن مؤسسة على قانون وإنما تطوعية. 

وأوضح: أنه من الضروري ''تفعيل هذه الآلية الموجودة في ثقافتنا وتمارس عمليا لكن ليس بشكل منظم ويجب تنظيمها عن طريق هيئة منتخبة من البرلمان توكل إليها مكافحة الفقر وإيجاد توازنات بين الجهات وتقديم قروض للطلبة وأخرى للتشغيل''.

كما نشر القيادي في حركة النهضة وأحد رموز الجيل المؤسس الحبيب اللوز، رسالة مصورة حث فيها أنصار النهضة للتصويت المفيد لصالح حركة النهضة رغم المآخذ المحمولة عليها خلال الفترة الماضية .

واللوز هو أحد أهم الرموز الدعوية للحركة، ومن مؤسسي جمعية الدعوة والإصلاح التي تشتغل في الشأن الديني الدعوي منذ العام 2012.