مظاهرات العراق المفاجئة.. من يقف وراءها ولماذا اندلعت؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

أعداد المتظاهرين في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، فاجأت السلطات العراقية التي حاولت تفريقهم بأسرع وقت ممكن قبل تعاظمها وامتدادها إلى مدن أخرى، إلا أن "القوة المفرطة" التي وجهت ضد المحتجين وأوقعت قتلى ومصابين، أتت بنتائج عكسية.

المظاهرات التي احتشد فيها الآلاف، هي الأولى من نوعها منذ تشكيل الحكومة في أكتوبر/ تشرين الثاني 2018، واجهتها قوات الأمن بالرصاص الحي، ما تسبب في اشتداد الاحتجاجات وامتدادها في اليوم ذاته إلى محافظات وسط وجنوب العراق، ليشهد العراق ليلة ساخنة، خلّفت قتل متظاهرين اثنين ونحو 200 جريح 40 منهم من قوات الأمن.

ومع بزوغ فجر الأربعاء، 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، خرجت مظاهرات عارمة في بغداد، والبصرة والنجف والديوانية وذي قار وكربلاء، وبابل، وميسان، وقطعت الطرق الرئيسة بين المحافظات، وكذلك الطريق الواصل إلى مطار بغداد، إضافة إلى اقتحام عدد من مقرات مجالس المحافظات.

بلغت حصيلة الضحايا منذ الثلاثاء، 21 قتيلا (حتى 7 مساء الخميس 3 أكتوبر/تشرين الأول) ومئات المصابين والمعتقلين بمختلف المحافظات.

من أشعلها؟

الغريب في المظاهرات الجارية، أن الجهات التي تقف وراءها لم تكن أطرافا سياسية أو دينية كما جرت العادة، وإنما خرجت الحشود البشرية تلبية لنداءات أطلقها صفحات وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، حددت الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري موعدا لانطلاقها.

حملات مواقع التواصل الاجتماعي، حملت عناوين "#نازل_آخذ_حقي، #نريد_وطن"، إلا أن الشعارات التي صدحت بها حناجر المتظاهرين، لم تكتف بالمطالبة بإنهاء البطالة وتوفير الخدمات والقضاء على الفساد والفاسدين، وإنما تعدتها بهتافات تدعو لإسقاط الحكومة والنظام، وملاحقة "أتباع إيران".

وبما أن المظاهرات جاءت بعد أيام قليلة من قضية تنحية قائد "قوات مكافحة الإرهاب" الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي الذي يتمتع بشعبية عالية بين العراقيين، وأحدث القرار جدلا واسعا على مواقع التواصل، فإن بعض السياسيين رجح أن تكون هي من أشعلت نيران المظاهرات، ولا سيما بعدما رفعت صوره في ساحة التحرير وسط بغداد.

ورغم تبيان التكهنات حول الشرارة الأولى التي أشعلت المظاهرات في مدن عراقية عدة، إلا أنها لم تخلُ من اتهامات وجهتها أطراف سياسية إلى إعلاميين وناشطين خارج العراق، بتنفيذ أجندات خبيثة لدول في المنطقة.

تلك الاتهامات صدرت عن نعيم العبودي النائب في البرلمان عن كتلة "صادقون" الجناح السياسي لمليشيا "عصائب أهل الحق"، ادعى فيها أن صفحات ممولة، وأشخاص من خارج العراق، يدعون لتصادم المتظاهرين مع القوات الأمنية.

أما زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، فاعتبر "سقوط ضحايا أبرياء من أبنائنا المتظاهرين وحدوث إصابات في قواتنا الأمنية بهذا العدد، دليل على وجود أيادٍ خبيثة تريد العبث بالاستقرار ولو على حساب أرواح الأبرياء، ومن ناحيتنا حذرنا من وجود هكذا مشروع قبل انطلاقه ولا زلنا نحذر منه".

وشدد الخزعلي المقرب من إيران في تغريدة عبر "تويتر" على "وجوب تفويت الفرصة على الأعداء بالمحافظة على سلمية التظاهرات والحذر من المندسين والأيادي الخفية التي تريد أن تدفع الأمور باتجاهات خطيرة للغاية نؤكد أننا نمتلك معلومات مؤكدة عنها".

لكن عددا من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، اتهم مليشيات شيعية منها "العصائب" بأنها كانت وراء إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، يوم الثلاثاء، بعد انسحابهم من ساحة التحرير، مستدلين على ذلك بالأشخاص الذين ظهروا في مقاطع عدة يرتدون ملابس سوداء ويضعون الأغطية على وجوههم، كما أن البعض منهم أبعدته قوات الجيش عن مكان وجود المتظاهرين.

تخبّط حكومي

عكست بيانات الحكومة تخبطا واضحا في الموقف الرسمي، فمع تصاعد التوترات التي صاحبت المظاهرات لليوم الثاني على التوالي، أصدر رئيس مجلس الوزراء عادل عبدالمهدي بيانا مساء الثلاثاء، أشار فيه إلى وجود "معتدين" بين المتظاهرين.

وأوضح رئيس الحكومة: "إننا لانفرق بين المتظاهرين الذين يمارسون حقهم الدستوري في التظاهر السلمي وبين أبناء قواتنا الأمنية الذين يؤدون واجبهم بحفظ أمن المتظاهرين وأمن الوطن والاستقرار والممتلكات العامة".

وأوضح عبد المهدي: أن من بين المتظاهرين، "معتدين غير سلميين" الذين رفعوا شعارات يعاقب عليها القانون وتهدد النظام العام والسلم الأهلي وتسببوا عمدا بسقوط ضحايا من المتظاهرين الأبرياء ومن قواتنا الأمنية التي تعرض أفرادها للاعتداء "طعنا بالسكاكين أو حرقا بالقنابل اليدوية". وأكد "البدء الفوري، بإجراء تحقيق مهني من أجل الوقوف على الأسباب التي أدت لوقوع الحوادث".

لكن عبدالمهدي، خلال ترأسه الأربعاء (اليوم الثاني للمظاهرات)، اجتماعا لمجلس الأمن الوطني الذي يضم وزراء وكبار القادة الأمنيين، تراجع عن اتهامات سابقة كان وجهها للمظاهرات.

وأكد في بيان على "حرية التظاهر والتعبير والمطالب المشروعة للمتظاهرين"، وفي الوقت نفسه يستنكر الأعمال التخريبية التي رافقتها، كما أكد المجلس على اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة.

وشدد بيان "المجلس" على تسخير كافة الجهود الحكومية لتلبية المتطلبات المشروعة للمتظاهرين، داعيا وسائل الإعلام إلى التوعية بأهمية الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها، وذلك بتسليط الضوء على الجهود والمنجزات الحكومية المبذولة في المجالات كافة.

ورافقت المظاهرات في يومها الثاني، إجراءات حكومية طالت مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك، إنستجرام، تويتر، واتساب"، إذ توقفت جميعها عن العمل في وقت واحد، ظهر الأربعاء.

وكذلك عززت القوات الأمنية من وجودها في المناطق والمدن العراقية التي تشهد مظاهرات شديدة، ولاسيما في العاصمة بغداد، إضافة إلى عدد من المحافظات التي حاول المتظاهرون فيها اقتحام المباني الحكومية.

إدانات ومطالبات

مواقف الكتل السياسية العراقية، كانت متقاربة إلى حد ما من المظاهرات التي تشهدها البلاد في الوقت الحالي، فالكل دعا إلى احترام حق المواطنين في التظاهر وعدم استخدام القوة المفرطة معهم، وحماية الممتلكات العامة والخاصة.

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يمثل أوسع تيار شعبي في العراق، دعا الرئاسات الثلاث (برلمان، حكومة، رئاسة) إلى فتح تحقيق عادل في مقتل متظاهرين وإصابة مئات خلال المظاهرات التي شهدتها بغداد.

وأصدرت كتلتا المعارضة في البرلمان، "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم و"النصر" برئاسة رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، بيانات أدانتا فيها الإفراط في استخدام القوة مع المتظاهرين، مع التشديد على "حق التظاهر، وتلبية مطالب المتظاهرين".

أما "جبهة الإنقاذ والتنمية" برئاسة نائب الرئيس السابق أسامة النجيفي، فرفضت استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين وطالبت بدراسة الأسباب التي دفعت الجماهير للخروج في تظاهرات كبيرة للمطالبة بالحقوق.

وقالت الجبهة في بيان، الأربعاء، إن "إطلاق الصفات والاتهامات على المتظاهرين السلميين أسلوب عفا عليه الزمن ولا يليق بأي منهج ديمقراطي في تعامل الحكومة مع المواطنين".

وأشارت إلى أنه ليوم عصيب أن يراق دم عراقي في ساحة التحرير أو في أية محافظة عراقية وهو إخفاق كبير في عدم القدرة على تواصل سلمي يقود إلى فهم مشترك وتعاون بين جماهير عفوية خرجت للمطالبة بالحقوق وبين أساليب المواجهة التي اعتمدتها السلطات الأمنية.

ودانت الجبهة بشدة "العنف المفرط الذي استخدم لقمع المتظاهرين في بغداد والمحافظات الجنوبية"، داعية الرئاسات الثلاث إلى تشكيل لجنة تحقيق منصفة تفرق بين المتظاهر البريء وبين أي شخص مندس حاول استغلال عواطف الجماهير ومطالباتها للقيام بفعل غير سلمي، أو استهداف ممتلكات".

خيار إيران

وعلى ضوء التوترات التي يشهدها العراق في ظل اشتداد المظاهرات، رأى مراقبون أنها جاءت متزامنة مع عودة رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي، من جولة في الصين، أبرم خلالها 8 اتفاقيات ومذكرات للتفاهم.

ورأى رئيس "المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية‏" الدكتور واثق الهاشمي، أن "رئيس الوزراء يأتي بتوافق ثلاثة أطراف، هي: إيران وأمريكا والمرجعية الدينية".

ونقلت تقارير صحفية عن الهاشمي قوله: إن "عبدالمهدي أصبح خيار إيران، وطهران ستقاتل من أجل تثبيته في منصبه، ويشير إلى أن عبد المهدي خسر الجانب الأمريكي، وواشنطن سبق أن حددت له 3 زيارات، لكن الجانب الأمريكي كان يلغيها أو يؤجلها".

لكن كتلة "الحكمة" المعارضة طرحت على لسان النائب عنها حسن فدعم، إقالة عبدالمهدي، ومحاسبته والقوة المنفذة لـ"قمع" المتظاهرين. ورأى أن "الحكومة أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تسمع وتستجيب للشعب، أو ترحل وتترك الخيار للشعب في انتخابات مبكرة".

وطالب فدعم البرلمان بعقد جلسة طارئة لمحاسبة الحكومة والنظر بمطالب الشعب "وتفعيل دوره التشريعي والرقابي وتقديم القوانين المهمة المعطلة، وأن يكون صوت الشعب لا محاميا عن الحكومة التي فشلت أمام شعبها".

من جهتها، وجهت رئاسة البرلمان، الأربعاء، بفتح تحقيق في الأحداث التي رافقت المظاهرات، وقالت في بيان: إنها دعت لجنتي الأمن والدفاع وحقوق الإنسان النيابيتين لفتح تحقيق في الأحداث التي رافقت المظاهرات، الثلاثاء، في ساحة التحرير.

وشددت رئاسة مجلس النواب على حرية التظاهر السلمي التي كفلها الدستور بحسب المادة (38)، ودعت القوات الأمنية إلى حفظ النظام العام مع ضبط النفس وعدم استخدام القوة المفرطة مع المتظاهرين.

مواقف دولية

لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة عما يجري في العراق، حيث أعلنت عبر سفارتها في بغداد، الأربعاء، أنها تراقب عن كثب الاحتجاجات الأخيرة في العراق.

وأضافت في بيان: أن "التظاهر السلمي هو حق أساسي في جميع الأنظمة الديمقراطية ولكن لا مجال للعنف في التظاهرات من قبل أي من الأطراف". داعية "الأطراف كافة إلى نبذ العنف مع ضبط النفس في ذات الوقت"، كما عبرت عن "الأسى على الأرواح التي زهقت" وقدمت تعازيها "لذوي الضحايا متمنين الشفاء العاجل لجرحى القوات الأمنية والمحتجين".

أما الأمم المتحدة فعبرت على لسان الممثلة الخاصة للأمين العام في العراق جينين هينيس- بلاسخارت عن قلقها البالغ من العنف الذي رافق التظاهرات في بغداد ومحافظات أخرى، داعية إلى ضبط النفس.

وأعربت بلاسخارت في بيان، الأربعاء، "عن بالغ الأسف لوقوع ضحايا بين المتظاهرين والقوات الأمنية"، وأكدت على الحق في الاحتجاج قائلة: "لكل فرد الحق في التحدث بحرية بما يتماشى مع القانون".

ودعت الممثلة الأممية، السلطات إلى "توخي ضبط النفس في التعامل مع الاحتجاجات لضمان سلامة المتظاهرين السلميّين مع الحفاظ على القانون والنظام وحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة".