خلف ابتسامات الملكة رانيا.. كيف يقمع الأردن المعارضين؟
يرجع جزء كبير من الفضل في تحسين صورة ملك الأردن عبد الله الثاني على المستوى الدولي كحاكم عصري ومنفتح، إلى زوجته الملكة رانيا، في المقام الأول، لكن بعض الأردنيين يستنكرون "السلطة الفاسدة" التي تقمع بشدة أي صوت معارض.
وقال موقع "ميدل إيست أي" في نسخته الفرنسية: في أوائل يونيو/ حزيران الماضي، وبمناسبة الاحتفال بالذكرى العشرين لصعوده إلى العرش، نشرت الملكة رانيا صورة على موقع التواصل الاجتماعي "إنستجرام"، وهي تبتسم بجانب زوجها ويدها على يد الملك عبد الله الثاني وكتبت "أنا محظوظة جدًا بقربك، شكرا على الأمس واليوم، وكلي شوق لغد أنت فيه، سيدي كل عام وأنت في القلب ملك وعلى الرأس تاج".
وأوضح التقرير أن ملكة الأردن التي لديها خمسة ملايين متابع على حسابها بإنستجرام، وأكثر من عشرة ملايين على تويتر (أي أكثر بعشر مرات من زوجها)، صنفتها مجلة "فوربس" الأمريكية في عام 2011 من بين أكثر 100 امرأة نفوذاً في العالم. وقال التقرير: إن "ملك الأردن لم يكن يحلم بسكرتير صحفي أفضل من ذلك".
وقد ساعد تتبع الصحافة لملكة الأردن، التي تتميز بالأناقة والإعجاب في كل مكان، -بلا شك- على تشكيل الصورة الحديثة للعائلة المالكة في الأردن.
وقال باحث في عمّان للموقع، فضل عدم الكشف عن هويته إذ أن الحديث عن العائلة المالكة أمر حساس في الأردن: إن الملكة رانيا تلعب دور ممثل لبلادها في الخارج خلال أي رحلة رسمية إلى الغرب، إذ وضعت مجلة "باري ماتش" الفرنسية وغيرها من الصحافة الأنجلو-ساكسونية صورتها على الغلاف أكثر من مرة.
مُنقذته
قابل الملك زوجته في عام 1992، خلال حفل عشاء، وقد استعرضت مجلات قصة هذا الحب من النظرة الأولى بين الجندي والشابة رانيا الياسين، ابنة اللاجئين الفلسطينيين الذين نشأوا في الكويت، وبعد أكثر من عام بقليل على لقائهم عقد القران.
وأشار الموقع إلى أن عبد الله الثاني هو ابن الملك حسين، مؤسس الدولة الأردنية الحديثة، من الملكة منى، زوجته البريطانية الثانية، التي اعتنقت الإسلام، وفقًا للتقاليد.
وتقضي التقاليد نفسها، بحسب "ميدل إيست أي" أن يكون الملك من أب وأم أردنيين، لكن قبل موته مباشرة، فاجأ الملك الجميع وأخرج أخاه من الخلافة، واتهمه بإساءة استخدام السلطة بعد أن وضع الأخير رجاله في الحكومة، ثم عين ابنه عبدالله (37 عاما) على العرش.
وقال الباحث: "في البداية، لم يكن يتحدث اللغة العربية بشكل صحيح، أعتقد أن لغته الأم هي الإنجليزية"، وفي بداية الأمر "عندما استقبل رؤساء الدول والحكومات العربية، كان دائمًا مع رانيا، زوجته، التي كانت تكمل النقاشات".
وبيّن المتحدث للموقع أن الملك عبدالله كان عليه التركيز على توطيد علاقته بالقبائل، أركان القوة في الأردن، ولكن بسبب تعليمه ووالدته وزملائه، بدا أكثر ارتباطًا بالعالم الغربي وبملوك الخليج. وفي الأخير، حاول عدم الوقوع في علاقة التبعية.
وتابع الباحث موضحا: "يحتاج الأردن إلى المال من دول البتروكيماويات، لكن عبدالله الثاني لا ينوي الوقوع في فخ التنافس الإقليمي".
وشدد الموقع على أن ملك الأردن أظهر بوضوح استقلاله برفضه الانخراط أكثر من اللازم في الصراع السوري، وهو الآن ينأى بنفسه عن زعماء الخليج بشأن المبادرة الأمريكية -التي يطلق عليها اسم "صفقة القرن"– ومن المقرر أن يتم الكشف عنها في المستقبل القريب لحل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، الذي لا تناسب نتائجه الأردن.
استغلال السلطة
ونوّه "ميدل إيست أي" بأن الملكة تثير شكوك جزء من السكان الأردنيين بخصوص أصولها الفلسطينية، فمن بين تسعة ملايين نسمة في المملكة، هناك أكثر من 2.2 مليون لاجئ فلسطيني.
ولفت إلى أن أحد المخاوف الكبيرة التي يواجهها شرق الأردن، مع أولئك الذين سكنوا البلاد قبل النكبة والهجرة القسرية للفلسطينيين وإنشاء إسرائيل عام 1948، هو أن يصبح الأردن دولة بديلة للاجئين الفلسطينيين، كما يرغب في ذلك كثير من الإسرائيليين.
وفي أوائل العقد الأول من القرن العشرين، أثارت الخطوات الأولى لرانيا في السياسة موجة من الاحتجاج. إذ حاولت عبثا تمرير إصلاح قانوني يسمح للنساء الأردنيات المتزوجات من الأجانب أو اللاجئين الفلسطينيين بنقل جنسيتهن إلى أطفالهن.
وأوضح المصدر: "لقد غضب الأردنيون في البلاد. كان ينظر إليها على أنها أداة خطيرة، ومنذ ذلك الحين تقتصر سلطة الملكة كما كان من قبل على الأنشطة الخيرية".
ترتفع الأصوات أيضًا ضد نمط حياتها، في بلد يتفشى فيه الفساد. ففي عام 2010، تجمع 600 شخص في عيد ميلادها الأربعين، خلال حفل أقيم في وادي رم، في حين كانت تعاني المنطقة من نقص المياه ومعظم القرى المحيطة بها غير متصلة بالكهرباء.
وكان التبرير أن الحفل جاء لتسليط الضوء على الأردن، وجذب المستثمرين والسياح، وهو نفس النهج الذي اتبعته الملكة رانيا في عام 2017، عندما اتهمت بإنفاق أكثر من 267 مليون يورو على خزانة ملابسها؛ وقالت إنه يمكن من خلال ذلك التعريف بمصممي الأزياء الأردنيين في الخارج.
وذكر "ميدل إيست أي" كذلك أنه في عام 2011، وقعت 36 قبيلة بيانًا ضدها، يدين استيلاء أسرتها على أراض في الأردن.
وفي العام الماضي، في الوقت الذي كانت مظاهرات مناهضة التقشف تهز البلاد، تم القبض على أحد المعارضين، وهو فارس الفايز، أحد أفراد واحدة من أكبر القبائل في البلاد ثم أُطلق سراحه، بسبب انتقاد ملك الأردن وزوجته، والتنديد بالثروة التي جمعتها عائلة الملكة لأنها زوجة عبدالله الثاني.
خلف أغلفة المجلات
ووفقا لتقرير "ميدل إيست أي"، فإن العائلة المالكة في الأردن، تبرز في هذه المنطقة المضطربة، كشريك موثوق للغرب، فعبدالله الثاني هو أيضًا أول ملك أردني لديه زوجة واحدة فقط، الأمر الذي يمكن أن يعطي انطباعًا عن الحداثة والإسلام "المعتدل" في نظر القادة الغربيين، لكن خلف هذه الصورة، الأردن أبعد ما يكون عن كونه ديمقراطيا.
وأفاد الموقع نقلا عن مؤسسة "فريدوم هاوس" الحقوقية الأمريكية، التي منحت الأردن في عام 2018 معدل 37 من 100، أي أقل من المغرب، ونددت بغياب حرية الصحافة، بالإضافة إلى الفساد.
وأشار المصدر ذاته، المعارضين يستنكرون نظامًا يعتز بزعماء القبائل ورجال الأعمال، فضلاً عن البرلمان الذي غالباً ما يكون عاجزًا ، بينما يتم اتخاذ القرارات بالفعل داخل القصر الملكي.
وأوضح الباحث أنه "نادراً ما يتم استجواب الملك، إنه فوق كل الخلافات. إنه ليس الحاكم الذي يمكن محاسبته"،
من ناحية أخرى، "عندما يسوء الوضع، يتمتع بسلطة حل الحكومة والبرلمان، إذا أراد"، كما حدث في عام 2018 بعد احتجاجات مناهضة التقشف.
وختم الموقع بالقول، إنه تحت ضغط من المؤسسات الدولية لإصلاح الاقتصاد، لا يزال يُنظر إلى الملك في الأردن، اليوم، باعتباره الضامن لاستقرار البلاد في منطقة مضطربة. لكن في الأشهر الأخيرة، هناك موجة من القمع ضد المعارضين الذين تجرأوا على مهاجمة العائلة المالكة، ويعتزم عبدالله الثاني إسكات المحتجين بطرق بعيدة عن الأغلفة الساحرة لمجلات المشاهير.