لماذا انزعجت واشنطن من منظومة الدفاع الروسية أس 400؟

12

طباعة

مشاركة

كشفت العديد من الدراسات والتعليقات التي صاحبت ردود الأفعال عن تسلم تركيا لمنظومة الدفاع الروسية الجديدة أس 400، أن الاعتراض الأمريكي، ليس مرتبطا بتركيا على وجه التحديد، وإنما مرتبط بالمنظومة الروسية، التي باتت مطمحا لدول أخرى.

الاعتراض الأمريكي تجاوز الحدود التركية، لشبه القارة الهندية التي بدأت هي الأخرى في إجراءاتها لاستلام أول دفعات المنظومة الروسية، لتنضم لنادي التسليح الروسي الجديد.

وقبل الاعتراض الأمريكي علي أنقرة ونيودلهي، كان هناك تحذير واضح من الإدارة الأمريكية لرئيس نظام الانقلاب العسكري بمصر عبد الفتاح السيسي، من امتلاك هذه المنظومة.

وأعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أنه نقل للمسئولين المصريين رفض بلاده لتقارب القاهرة مع السلاح الروسي، معلنا أن القاهرة أبدت تفهما لذلك، وهو ما دللت عليه القاهرة بالاستغناء عن منظومة أس 400، والاكتفاء بمنظومة أس 300.

هذا الاعتراض الأمريكي الذي وصل لحد التهديد بفرض عقوبات جديدة علي تركيا، أثار تساؤلات عديدة عن أسباب تخوف واشنطن من المنظومة الروسية.

هل الأمر متعلق بمنظومة أس 400 على وجه التحديد، لما تمثله من تهديد لعرش منظومة الباتريوت الأمريكية، وبالتالي توجيه ضربة قاسية لحلف الناتو لحساب الدب الروسي، أم أن الأمور لا تعدو كونها حربا بين تجار السلاح في كل من واشنطن وموسكو، على من يفوز بالنصيب الأكبر من كعكة التسليح الدولي.

تشويه وردود

الولايات المتحدة لم تكتف بممارسة الضغوط على الدول الراغبة في امتلاك المنظومة الروسية، وإنما قامت كذلك بإبراز نقاط الضعف للمنظومة الدفاعية الجديدة، وحسب تقرير لمركز استراتفور التابع للمخابرات الأمريكية، فإن نظام الصواريخ الروسية المضادة للطائرات لديه "نقطة ضعف كبيرة"، حيث يتطلب التشغيل الفعال لنظام الدفاع الجوي دعمًا من أنظمة الدفاع الجوي الأخرى.

ورأت الوثيقة التي أعدها خبراء بالمركز الاستخباراتي، أن المنظومة جيدة فقط في الوسط الذي اعتادت العمل فيه، أي أن الأنظمة يمكن أن تكون أكثر أو أقل فاعلية اعتمادًا على نوع العدو الذي تواجهه.

وتوقع الخبراء أن تنخفض فعالية المنظومة في ظل ظروف جغرافية معينة، مثل الجبال على سبيل المثال، حيث تنقص احتمالات المنظومة في مواجهة صواريخ كروز المنخفضة الطيران.

وأمام هذا التشويه للمنظومة الدفاعية التي باتت مثار حديث العالم، لم تقف روسيا مكتوفة الأيدي، حيث ردت على الانتقاد الأمريكي بتقارير نشرتها وسائل الإعلام الروسية لمحللين وعسكريين روسيين سابقين.

فلاديمير ميخائيلوف، الجنرال السابق في سلاح الجو الروسي، أكد أن "أس 400" يمكنها القيام بمهامها الدفاعية في أي ظروف والعمل حتى عندما يحاول العدو تنظيم هجمات تشويش إلكترونية، مشيرا إلي أن المنظومة الروسية ليست سلاحا شاملا، ولكن مهمتها الكشف عن الأهداف الإستراتيجية وتدميرها، كما أن منظومة "بانتسير سي-1" الملحقة بها تقوم بحماية النظام من الصواريخ المجنحة.

صراع الأنظمة الدفاعية

وحسب الخبراء، فإن أكثر المتضررين من وجود هذه المنظومة في تركيا، هو حلف الناتو، حيث تعد المنظومة الروسية، أكثر تطورا من منظومة صواريخ باتريوت الأمريكية، التي احتلت لسنوات طويلة مقدمة الأنظمة الدفاعية الأفضل حول العالم.

إلا أن اختراق الصواريخ والطائرات المسيرة لجماعة الحوثي في اليمن، لأنظمة الدفاع السعودية التي تعتمد على باتريوت، مثَّل خيبة أمل كبيرة للدعاية الأمريكية عن تفوق منظومتها الدفاعية، وهو نفس المعني الذي نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن مسؤوليين سعوديين، اعتبروا أن بلادهم بعد صواريخ الحوثي أصبحت مكشوفة للجميع.

وفي دراسة مقارنة بين المنظومتين يشير تحليل موسع لمركز دراسات الجزيرة، أن منظومة "أس 400"، تتكون من 3 أجزاء، الأول يحتوي على 8 وحدات مضادة للطائرات مجهزة بــ 12 منصة إطلاق، والثاني يضم أنظمة القيادة والتوجيه والرادارات، والثالث للدعم الفني والصيانة.

وحسب المقارنة، فإن هذه المنظومة تم تصميمها لأسقاط طائرات وصواريخ على المدى المتوسط والبعيد، كما أنها تستطيع تدمير أهداف جوية على مدى 150 كيلومترا، والصواريخ البالستية على مدى 60 كيلومترا.

وتعمل على نطاق ارتفاع يتراوح بين 10 أمتار كحد أدنى و17 كيلومترا كأقصى حد، ولا تحتاج إلا 15 ثانية لإطلاق أول صاروخ، كما أنها تستخدم 4 صواريخ مختلفة المدى لتغطية نطاق عملياتها، منها صواريخ قصيرة المدى وأخرى بعيدة ومتوسطة.

منظومة باتريوت

وفي المقابل ترى الدراسة المقارنة أن منظومة باتريوت الأمريكية تتكون من 4 أجزاء، هي مركبة الرادار وغرفة التحكم، ومنصة الصواريخ، إضافة إلى الصواريخ نفسها، وأن الرادار في هذه المنظومة يتمكن من رصد 50 هدفا في آن واحد، وخلال 9 ثوان تصل إشارته إلى غرفة التحكم التي تقيم الخطر وتقرر إطلاق الصواريخ.

 

ووفق المقارنة، فإن منظومة باتريوت تقوم بحماية المنشآت العسكرية والقواعد الجوية من الهجمات الجوية، وأساس عملها الدفاع على المدى البعيد، كما أنها تستطيع إصابة أهداف جوية على نطاق 160 كيلومترا، والصواريخ البالستية على مدى 75 كيلومترا.

وتعمل المنظومة على نطاق ارتفاع يمتد بين 60 مترا و15 كيلومترا، وتحتاج لتسع ثوان فقط لإطلاق أول صاروخ بعد اكتشاف التهديد، كما أن منظومة باتريوت "باك 3 إم أس إي" تستطيع إطلاق 16 صاروخا دفعة واحدة، يصل طول الواحد منها 5 أمتار، ويحمل رأسا متفجرا يزن 73 كيلوغراما.

أمريكا والناتو

وحسب العديد من التحليلات التي صاحبت ضجة استلام تركيا للمنظومة الروسية، بات الحديث عن وضع تركيا بحلف الناتو، محل جدال بين الخبراء، خاصة وأن تركيا العضو في الحلف استطاعت الحصول على طائرات إف 35 من الولايات المتحدة.

كما تمكنت أنقرة من الحصول على المنظومة الروسية التي تهدد الطائرات الأمريكية، وهو ما يمثل انتصارا لموسكو على أمريكا والحلف الذي تم تشكيله في الأساس لمواجهة الخطر السوفيتي، وفرض الحماية الأمريكية على دول الغرب الأوروبي.

وحسب تصريحات سابقة لوزير الدفاع التركي فكري إيشيق فإن المفاوضات التي جرت بين بلاده وحلف الناتو للحصول علي منظومة باتريوت، لم تكن تتناسب مع شروط وتطلعات أنقرة، بإضافة إلى ارتفاع سعرها مقارنة بالأنظمة والعروض الأخرى ولا تتيح نقل الخبرات إلى الجانب التركي.

ووفق تصريحات إشيق، فإن تركيا تعمل منذ سنوات لامتلاك منظومة دفاع جوي متطورة، وعملت بالأساس من أجل الحصول على المنظومة التابعة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" بصفتها دولة عضو، وتعتبر صاحبة ثاني أكبر جيش في الحلف، لكنها لم تتمكن من ذلك بسبب مماطلة الحلف في تزويدها بمنظومة الباتريوت.

ويرى محللون أتراك أن "الناتو" كان على الدوام وسيبقى يعارض حصول تركيا على تقنيات عسكرية متقدمة أو منظومة دفاع متطورة وذلك في مسعى منه لأن تبقى أنقرة بحاجة مستمرة إليه وترضخ لمطالبه وشروطه، معتبرين أن التطور الكبير في الصناعات الحربية والدفاعية التركية يزعج الناتو والدول التي لا تريد لتركيا أن تصبح دولة قوية تمتلك قرارها بشكل كامل.

وفي مقابل الموقف التركي، دعا محللون بصحيفة ديلي تلجراف، لإنهاء عضوية تركيا في حلف الناتو، خاصة وان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصبح يجيد استخدام موقع بلاده الجيوسياسي، في التصرف كما يحلو له، وهو ما جعله يشتري نظاما دفاعيا جويا متطورا من روسيا، وهو السلاح الذي اعتبره المحللون صمم خصيصا من أجل أسقاط طائرات الناتو.

بالإضافة إلى أن دول الحلف وقبلهم أمريكا، يرون أن شراء أنقرة لمثل هذه الأسلحة المتطورة من روسيا، منح موسكو استخدام هذا السلاح كورقة سياسية لإثارة التوتر داخل حلف الناتو.

ويستدل المختصون بما دار في الجلسة الأخيرة التي عقدها الكونجرس الأمريكي خلال الاستماع للسيناتور مارك إسبر، المرشح لمنصب وزير الدفاع، حيث كشف نواب الكونجرس عن خشيتهم من منظومة "أس 400" التي من الممكن أن تهدد عمل مقاتلات "إف 35" الأمريكية.

وهو ما دفع بإسبر للتأكيد على التزام حكومته بحماية برنامج المقاتلة "إف 35" وبرامج الناتو العسكرية من التهديدات، مؤكدا أن تركيا لا يمكنها الحصول على خدمات مقاتلات "إف 35" في وقت تسلمت فيه منظومات "أس 400" الروسية، لأن ذلك يمثل تهديدا كبيرا للسلاح الجوي الأمريكي من خلال كشف قدرات الطائرة أمام السلاح الروسي الذي بحوزة الجيش التركي.

سباق التسليح

محللون آخرون ذهبوا في تحليلهم لأزمة أمريكا مع المنظومة الروسية لما هو أبعد من امتلاك الصين وتركيا والهند أو حتي إيران لها، حيث اعتبروا أن روسيا بدأت تقدم نفسها بديلا جيدا ورخيصا للسلاح، وهو ما يهدد العرش الأمريكي من ناحية.

ومن ناحية أخرى يظهر الولايات المتحدة وكأنها أصبحت نمرا من ورق لا يستطيع مواجهة خصومه وفرض كلمته على الدول الأخرى، وهو ما كانت تتقنه الإدارات الأمريكية حتى وقت قريب.

وحسب آخر تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري"، فإن الصين وروسيا ينافسان الولايات المتحدة في صدارة الدول التي تقوم ببيع السلاح.

كما أن الإجراءات الأمريكية الموجودة في بيع السلاح، أكثر صعوبة من الإجراءات التي تضعها روسيا، والتي تعتمد على أمر آخر، وهو نقل الخبرات للدول التي تتعامل معها، ما دفع بدول مثل تركيا والصين والهند ومصر، وفي الطريق قطر والسعودية، لتفضيل السلاح الروسي الأكثر تطورا والأقل كلفة مادية.

ووفق الأرقام التي أوردها معهد ستوكهولم، فإن ميزانية التسليح في أمريكا بلغت عام 2018 700 مليار دولار، بينما لم تتجاوز 70 مليار في روسيا و50 مليار في الصين، حيث تعتمد كل من موسكو وبكين على مصانع القطاع الحكومي في إنتاج السلاح الذي يتم تصديره للخارج، بينما يختلف الأمر في واشنطن التي يدير فيها القطاع الخاص هذا السوق الخطير.

وتشير تقارير أخرى إلى أن الولايات المتحدة رغم إنفاقها وسيطرتها على مجال التسليح، فقد بلغت نسبة صادراتها 33 % لحوالي 94 دولة، يليها روسيا بنسبة 25% لحوالي 56 دولة، ثم الصين بنسبة 5.9 في المئة من المبيعات العالمية.

وتشير التقارير أن هذه النسب مرتبطة بثمن المبيعات وليس بكمية البيع، لأن الواقع يقول بأنه مقابل كل دبابة أمريكية وبنفس السعر تحصل على 4 أو 3 دبابات من روسيا من نفس الفئة القتالية المتساوية أو المتقاربة.

وبعيدا عن صراع التسليح، اعتبر فريق من المراقبين أن فشل واشنطن في إجبار تركيا على عدم الاستمرار في صفقة المنظومة الروسية، يظهر الولايات المتحدة وكأنها أصبحت نمرا هزيلا، لم يعد لديه القوة لإخافة خصومه، وهو التعبير الذي استخدمته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية على وجه التحديد، والتي اعتبرت إصرار تركيا على تسلم صواريخ أس 400 الروسية، رغم تهديدات أمريكا بفرض عقوبات عسكرية واقتصادية على الحليف الأطلسي، يظهر للعالم أنه لا داعي للخوف من الولايات المتحدة.