حظر النقاب في تونس.. هل يسير الشاهد على خطى بورقيبة وبن علي؟
القرار اعتبره البعض صائبا في ظل تهديدات أمنية تهدد تونس التي تعيش في قلب موسم سياحي وقبيل أسابيع من انطلاق الاستحقاق الانتخابي التشريعي والرئاسي بينما اعتبره آخرون خطوة إلى الوراء، تستهدف الحريات الشخصية وتعيد إلى ذاكرة التونسيين سنوات القمع والاستبداد والقوانين التي كانت تمنع التونسيين من حرية اختيار لباسهم.
تحت حجج أمنية وإثر عمليات إرهابية وقعت مؤخرا بالعاصمة التونسية، اتخذ رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد قرارا في 5 يوليو/تموز الجاري بحظر تغطية الوجه بالمؤسسات الحكومية، ما يحظر على النساء ارتداء النقاب، في سابقة هي الأولى منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
القرار الذي صدر على شكل مرسوم حكومي، أثار حوله الكثير من الجدل والانقسام بين التونسيين، بين من اعتبره قرارا صائبا في ظل تهديدات أمنية تهدد تونس التي تعيش في قلب موسم سياحي اعتبر الأفضل من العام 2010 وقبيل أسابيع من انطلاق الاستحقاق الانتخابي التشريعي والرئاسي.
بينما اعتبره آخرون خطوة إلى الوراء، تستهدف الحريات الشخصية وتعيد إلى ذاكرة التونسيين سنوات القمع والاستبداد والقوانين التي كانت تمنع التونسيين من حرية اختيار لباسهم.
تبرير أمني
مساء 3 يوليو/تموز، وبعد أيام قليلة من تفجير انتحاريين نفسيهما في 27 يونيو/حزيران 2019، الأول في منطقة باب بحر وسط العاصمة تونس والآخر في موقف للسيارة قرب أحد المقرات الأمنية في العاصمة كذلك، أقدم أحد العناصر"الإرهابية"، حسب التوصيف الأمني من تفجير نفسه في أحد محطات المترو في ضواحي العاصمة بعد ملاحقته أمنيا.
وإثر الحادثة راجت شائعات بين قائل بأن المنتحر هو امرأة وبين من اعتبر أنه رجل متنكر في زي امرأة ترتدي النقاب، ورغم نفي وزارة الداخلية لكل هذه الإشاعات إلا أنّ رئاسة الحكومة مضت في اتخاذ القرار بمنع ارتداء النقاب داخل المؤسسات الحكومية.
وينص المرسوم الذي أصدرته رئاسة الحكومة والموجّه للوزراء والمسؤولين في المؤسسات العامة والولاة "في إطار الحفاظ على الأمن العام وحسن سير المرافق العمومية وضمان التطبيق الأمثل لمتطلبات السلامة، يتعين اتخاذ الإجراءات الضرورية قصد منع أي شخص غير مكشوف الوجه من دخول مقرات الهياكل العمومية التابعة لكم".
وأكد النص "الحرص على تطبيق أحكام هذا المنشور وتعميمه على الهياكل العمومية التابعة لكم وإسداء التعليمات اللازمة لأحكام تنفيذ مقتضياته والتقيد بها".
ولم يحدد المرسوم موعد بدء تطبيق القرار ولا مدته الزمنية. ولا يمكن حظر ارتداء النقاب في الشارع والأماكن العامة في تونس إلا بقانون يصادق عليه نواب البرلمان.
من جهته، اعتبر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم في تصريح لفرانس برس "نحن في الأصل مع حرية اللباس، ولكن اليوم ومع الظرف الحالي والتهديدات الإرهابية في تونس وفي المنطقة نجد مبررا لهذا القرار".
واستدرك قائلا: "لكن هذا القرار يجب أن يكون ظرفيا ولا يجب أن يستمر إثر عودة الوضع الأمني إلى حالته الطبيعية".
الحريات الفردية
القرار التي اتخذه يوسف الشاهد، أطلق العنان للمخاوف من أن يكون مدخلاً لعودة التضييق على الحريات الفردية والمعتقدات الدينية تحت ذريعة مقاومة الإرهاب.
ذاكرة التونسيين لم يمحَ منها الممارسات القمعية التي كان ينتهجها نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في التضييق على الحريات الدينية، ومحاربة جميع أشكال التدين في تونس، وفي مقدّمتها منع التونسيات من ارتداء الحجاب أو النقاب وملاحقة كل من يخالف هذا القرار.
يعود تاريخ منع الحجاب في تونس إلى عام 1981 عندما أصدر الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة المنشور رقم 108 يحظر خلاله على الطالبات والمدرّسات وموظفات القطاع العام ارتداء "الزيّ الطائفي" في إشارة إلى الحجاب داخل المؤسسات التابعة للدولة ومنها المدارس والجامعات والمستشفيات والإدارات العمومية.
شهدت تونس تصعيدا في ملاحقة مرتديات الحجاب خاصّة منذ بداية التسعينات في أوج حملة الاعتقالات ضد الإسلاميين، والحرب التي شنها النظام ضدّ جميع مظاهر التدين في إطار السياسة التي أطلقها تحت شعار "تجفيف منابع التدين" باعتباره الرافد الرئيسي لحركة النهضة المعارضة حينها .
الحملة استمرّت طيلة عقدين من الزمن إلى حين نجاح ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 بالإطاحة برأس النظام، وإجبار السلطات حينها على إلغاء العمل بالمنشور والقبول بالمحجبات في المؤسسات العامة وإصدار الوثائق الرسمية على غرار وثيقة الهوية وجواز السفر بصور للنساء محجبات.
قضيّة لباس المرأة فتحت من جديد في تونس خلال العام 2012، عندما اتخذ عميد كلية الآداب الحبيب الكزدغلي الذي يحمل توجهات علمانية يسارية يصفها مخالفوه بالمتطرفة والاستئصالية، قرارا بمنع دخول الطالبات اللاتي يرتدين النقاب إلى حرم الجامعة.
القرار فجّر حينها أعمال عنف بين الطلبة الرافضين للقرار وطلبة آخرين محسوبين على التيارات اليسارية والقومية المنطوين تحت الاتحاد العام لطلبة تونس.
انقسام حاد
تراوحت مواقف الناشطين السياسيين والأحزاب في تونس بين مؤيّد للخطوة التي انتهجها الشاهد رغم عدم تقديم رئاسة الحكومة تفاصيل بخصوص أسباب إصدار المنشور.
فبين من رحّب بالمنشور ودعا إلى توسيع مجاله ليشمل الفضاء العام وتغيير صبغته من منشور إلى قانون يضبط العقوبات في صورة الإخلال به مع ضرورة إصداره في شكل قانون يصادق عليه مجلس نواب الشعب، تحفظ البعض على محتواه وتوقيته بينما عبّر آخرون عن رفضهم المطلق له معتبرين إياه انتكاسة في الحقوق والحريات المنتسبة بعد الثورة.
ائتلاف الكرامة (معارض) اعتبر المنشور مخالفا للدستور التونسي خاصّة في فصله 49، الّذي ينصّ على أنّه لا يمكن الحدّ من الحقوق والحرّيّات الّتي كفلها الدّستور إلاّ بقانون، وللفصل 21 منه، والذي ينصّ على المساواة بين المواطنين جميعا أمام القانون دون تمييز.
وأضاف الائتلاف في بيان: "نعبّر عن استهجاننا الشديد لهذا النوع المتخلّف من المقاربات القروسطيّة (القرون الوسطى) في محاربة الإرهاب، وهو نفس منطق بن علي في منع الحجاب بحجّة محاربة الظّاهرة الإسلاميّة".
وتابع: "ونعتبر أنّ الخيال الأمنيّ لن يعجز عن إيجاد الطّرق الكفيلة بالتّعرّف على هويّة المنتقبات في الأماكن العامّة، بما يحقّق في نفس الوقت، أولويّة الحفاظ على الأمن العامّ وعلى حقّهنّ الأصيل في اختيار اللّباس الّذي يعتبرنه شعيرة من شعائرهنّ، بقطع (بغض) النّظر عن الجدل الّذي لن ينتهي حول هذا الموضوع دينيّا واجتماعيّا".
ظرف استثنائي
في المقابل قالت لطيفة الحباشي، النائب عن حركة النهضة: "المنشور الذي صدر أمس لم يذكر النقاب وإنما شمل كلّ شخص لا يكشف عن وجهه، مشيرة إلى أن البلاد تمرّ بظرف استثنائي و"لا بدّ من اتخاذ مثل هذه الإجراءات وتفهّمها بالنظر إلى أنّنا في حرب ضدّ الإرهاب"، وفق تعبيرها.
وأكّدت في حديث لإذاعة اكسبرس أنّ الحريات التي نصّ عليها الدستور لها ضوابط، ومن أولها الحق في الأمن وعدم المسّ بسلامة التراب الوطني خاصّة خلال هذه المرحلة من تاريخ تونس، مبينة أنّه لا معنى لكافة الحقوق إذا ما دخلت البلاد في الفوضى.
كما لفتت أيضا إلى أنّه من الأكيد أنّ رئيس الحكومة قد اتخذ القرار بعد التنسيق مع الجهات الأمنية والاستعلاماتيّة كي لا يستغلّ بعض الأشخاص المسألة للقيام بعمليات إرهابيّة.
أما القیادي بحزب "مشروع تونس" المشارك في الحكومة حسونة الناصفي فاعتبر في تصريح لـصحيفة "الصباح" أن المنشور بادرة إيجابیة لا سیما أنها تأتي في إطار التمشي الذي رغبت حركة "المشروع" في تفعیله.
مضيفا: "في مارس/آذار 2015 قدم الحزب مبادرة تشريعیة تتعلق بمنع إخفاء الوجه في المؤسسات العمومیة، لكن لم تجد وقتها الأغلبیة لكن الوضع الحساس والدقیق الذي تمر به البلاد الیوم يستدعي اتخاذ إجراءات احتیاطیة من ھذا النوع خاصة أن العناصر الإرھابیة أصبحت تتخفى للھروب من الملاحقة الأمنیة".
وتابع الناصفي قائلا: "البعض ادعى أن المنشور فیه مس بالحريات الفردية لكن نعتقد أنھا ادعاءات باطلة من الأساس نظرا للظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد في ظل الوضع الأمني والتھديدات الإرھابیة، بل إني لا أعتقد أنه ثمة دستور يمكن أن يمنع الدولة من حماية مواطنیھا وحماية ترابھا من العناصر الإرھابیة".
ورغم أن المنشور الحكومي يحظر ارتداء النقاب في الإدارات العمومية ومؤسسات الدولة، إلا أن مؤسسات خاصة انخرطت هي الأخرى في موجة منع المنقبات من دخولها، على غرار ما حدث في مدينة جرجيس جنوب تونس، حيث منع أمن حراسة الفضاء التجاري (مول) "كارفور" امرأة لم تكن حتى ترتدي النقاب بل زيا نساء اعتقد أنّه معني بمنشور رئاسة الحكومة حسب ما ذكرت السيدة في تدوينة لها على موقع فيسبوك.
الحادثة أثارت غضب العديد من التونسيين الذين أطلقوا حملة تدعو لمقاطعة الفضاء التجاري وكافة فروعه، الحملة سرعان ما تجاوزت حدود البلاد لتطال فروع الشركة في عدد من الدول العربية مما دفع بها إلى إصدار بلاغ تؤكّد فيه فتح تحقيق في الحادثة وتنفي فيه وجود أي قرار بمنع أي امرأة من الدخول إلى فضاءاتها أيا كان الزي الذي ترتديه.
المصادر
- الحكومة التونسية تقرر منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة
- حظر ارتداء النقاب في المنشآت العامة في تونس "لأسباب أمنية"
- تونس تحظر النقاب في المؤسسات العامة لاسباب امنية - SWI swissinfo.ch
- منع النقاب بالإدارات والمؤسسات العمومية: أحزاب سياسية توضح مواقفها من المنشور الحكومي
- مواقف عدد من الأحزاب من منشور منع النقاب في المؤسسات العمومية
- الحجاب يعود بقوة إلى تونس " زين العابدين " رغم حظر قانوني مفروض منذ عهد الحبيب بورقيبة
- حسونة الناصفي لـ"الصباح نیوز": منشور "منع النقاب" في محلھ ..ولابد من تدعیمھ