كيف عمل الحوثيون على إذلال وسحق "طبقة المشايخ" باليمن؟
عملت جماعة الحوثي منذ اجتياحها العاصمة صنعاء والمحافظات اليمنية على الانتقام من كل خصومها وإذلال وتركيع كل من لا ينتمي لمشروعها أو يؤيدها، فاعتقلت الآلاف بتهم عديدة، تارة بالارتزاق وتأييد العدوان، وتارة بالانتماء لتنظيم الدولة ودعم المقاومة والشرعية.
ومن بين من تعمد الحوثي إذلالهم وتركيعهم، المشايخ القبليون، وخصوصا أولئك الذين كانوا يوما ما ضمن الدائرة المقربة من رئيس اليمن السابق الراحل علي عبد الله صالح.
كان صالح يسيطر على المدن والأرياف من خلال شبكة من المشايخ الذين صنع بعضهم، ومكّن آخرين وأدناهم منه، وموّلهم بالسلاح، غير أن ما امتلكه الحوثي من سلاح، فاق ما لدى أولئك المشايخ مجتمعين.
لهذا فقد استطاع الحوثي إخضاع المشايخ بقوة السلاح، ثم تمكن بعد ذلك من إرغامهم للعمل لحسابه، واستخدمهم في عمليات التحشيد لفعالياته والتجنيد لجبهاته، من خلال مشرفين سيطروا على كل المناطق، وحلوا محل المشايخ في امتلاك القوة والسيطرة على المواطنين والرعايا.
الاعتداء على المشايخ
مثلت حادثة مقتل صالح لحظة فارقة في وضع أولئك المشايخ، فقد كانت رسالة واضحة بأن عليهم الطاعة والإذعان، وإلا فعليهم مواجهة مصير صالح ذاته، ما اضطر العديد منهم للهرب، بينما آثر آخرون البقاء تحت سلطة الحوثي، أو لم يتمكنوا من الفرار.
تعمد الحوثي بعد ذلك كسر قوتهم، وسلب رمزيتهم ، فأهان وأذل العشرات منهم بالشتائم والاعتداء والتهديد والقتل، فوجه صفعات لعدد منهم، تمهيدا لتجريدهم من عناصر القوة التي كانوا يمتلكونها إبان عهد صالح.
وكان الحوثيون قد اعتدوا في مارس/آذار الماضي، على محسن المقداد شيخ قبائل آنس في محافظة ذمار وسط اليمن، وصادروا أراضيه، وفرضوا عليه حصارا مسلحا وهددوه بالقتل والتصفية، ووصفوه "بشيخ الحمير"، في محاولة للإمعان في إذلاله وإهانته أمام رعاياه.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، اقتحم القيادي الحوثي أبو علي الحاكم منزل الشيخ مجاهد القهالي، واعتدى عليه وهدده بالقتل وتفجير بيته في منطقة همدان التابعة لمحافظة عمران شمال اليمن.
وأقدم القيادي الحوثي أبو ناجي المأربي، في أبريل/ نيسان الماضي على قتل الشيخ القبلي أحمد السكني في منطقة صرف شمال صنعاء.
وارتكب الحوثيون انتهاكات عدة بحق عشرات المشايخ، وعملوا على احتكار السلطة والقوة بأيديهم، وأبقوا للمشايخ سلطة رمزية يستخدمونها في صالحهم، كالتوجيه للتبرع لصالح المعارك، والحشد في فعاليات الحوثيين، والتكليف بتجنيد عدد معين من رعايا الشيخ.
سلْطة المشرف
يتمتع المشرفون الحوثيون بسلطة أقوى من سلطة الشيخ، ويخضع المشايخ، خصوصا في الأرياف اليمنية، لسلطة المشرفين الحوثيين ويتلقون توجيهاتهم منهم، وإزاء ذلك يتعامل المشايخ مع الحوثيين بحذر شديد، وبقدر كبير من محاولة الإرضاء، خوفا من أن تهدر كرامتهم أو أن يتعرضوا للإذلال أو للامتهان، وخوفا من الاعتداء.
تقلصت مع ذلك صلاحيات المشايخ لصالح صلاحيات المشرفين، وأصبحت سلطة الحوثيين أقوى منهم، وقد استخدم الحوثيون الأجهزة الأمنية التي ورثوها عن نظام صالح، وقاموا بتسخيرها لهم، وإعادة هيكلتها بما يتوافق مع مصالحهم.
يقول الناشط والراصد الحقوقي محمد الأحمدي: إنه "لكي تكون قبضة الحوثيين الأمنية مُحكمة، فقد قاموا بتقسيم كل مدينة إلى مربعات أمنية، وتعيين مشرف معيّن منهم على كل مربع، وبدوره يقوم المشرف بتجنيد وتعيين أفراد من سكان الحي يضمن ولاءهم ، لرصد تحركات كل أسرة".
المشايخ في عهد صالح
كان المشايخ في عهد علي صالح يتمتعون بسلطة واسعة، يمارسونها على الرعية، لهم مهابة عند الرعية، وإليهم منتهى الأقوال والأحكام، كما أنهم كانوا قادرين على إنفاذ العقوبة بالحبس والسجن دون اعتراض من أحد.
كذلك، فإن معظم المشايخ كانوا يتمتعون بسلطة عسكرية منحت لهم من النظام السابق، فالشيخ عادة ما يكون ضابطا رفيعا، أو عضو مجلس النواب، وبالطبع يكون تاجرا كبيرا أو إقطاعيا يمتلك آلاف الفدادين والأراضي الزراعية.
استطاع المشايخ أثناء تلك الفترات بناء شبكة علاقات واسعة، امتدت للمؤسستين الأمنية والعسكرية، الأمر الذي عزز من مركزهم الاجتماعي، وانعكس على مستوى إذعان الرعية لهم، حتى أن المشايخ كانوا يستولون على أملاك المواطنين في الأرياف وعلى أراضيهم السكنية في المدن، ولا يجد المواطن طريقة لاسترداد حقه، لا عبر المحكمة ولا الأحكام العرفية.
غير أن الحوثي جاء ونزع هذه السلطة، أو بالأصح نقلها لعناصر موالية له، وعمل على إحلال مشرفين مكان الشيخ، أو مسؤولين أمنيين مكان الوجاهات الاجتماعية السابقة، وأبقى على سلطة رمزية للشيخ.
المشايخ وطبقات أخرى
ينقسم المجتمع اليمني إلى طبقات اجتماعية عدة، برزت كنتيجة لتباين الوضع الاقتصادي وعوامل العرق والنسب، وتلك الطبقات هي:
- مشايخ
- قبائل
- قضاة
- سادة (هاشميين)
- مزاينة أو أطراف (متدني النسب)
- مهمّشين (أصحاب البشرة السوداء)
ويعتبر المشايخ، هم الطبقة الاجتماعية التي جمعت بين النسب والثروة، وهم الذين كانوا يحكمون الرعايا ويسيطرون على المناطق الذين ينحدرون منها وخصوصا في الأرياف والمدن الريفية.
القبائل: هم من نفس طبقة المشايخ من حيث النسب، غير أنهم لم يحصلوا على الثروة التي حصل عليها المشايخ. والقبائل، وفق التصنيف الهاشمي، هو من لا ينتمي لطبقة السادة (الهاشميين).
أما القضاة فهي الطبقة التي كانت تعمل في القضاء وتحصيل العلم وتتبوأ بعض المناصب لدى الأئمة الهاشميين، في الدول التي تعاقبت على اليمنيين، آخرها الدولة المتوكلية، التي انتهت عام 1962، إثر ثورة قضت على الإمامة وأسست للجمهورية.
بالنسبة للهاشميين، أو "السادة" فهم الذين يدّعون الانحدار من سلالة آل بيت النبي، ووفق تراتبية الطبقات الاجتماعية في اليمن، فإنهم يضعون أنفسهم في أعلى المراتب، ويزعمون أن لهم الحق الحصري بالحكم، والذي تنتمي لهم جماعة الحوثي.
أما طبقة المزاينة، فهم بعض أصحاب المهن والحرف، أو الذين كان أجدادهم يمتهنون تلك الحرف، ويتم تصنفيهم كطبقة دنيا، كالمزيّن (الحلاق)، والجزار (بائع اللحم)، والحداد، والدوشان (المدّاح في الأعراس لغرض التكسب)، والمقهوي (بائع القهوة)، والخضري (من يزرع أو يبيع أنواعا من الخضار كالكراث والبصل).
أما المهمشون، فهم اليمنيون المنحدرون من أصول إفريقية أو حبشية من ذوي البشرة السمراء، وامتهن بعضهم التسول، قبل أن ينخرط بعضهم في المؤسسة العسكرية والأمنية.
الجدير بالذكر أن تلك الطبقات كلها تتمايز عن بعضها، فالهاشميون لا يزوجون الطبقات الأخرى ولا يتزوجون منهم، لأسباب سلالية تتعلق بالحفاظ على العرق، بزعمهم، كذلك المشايخ والقبائل لا يزوجون أبناء طبقة المزاينة ولا يتزوجون منهم، لأسباب تتعلق بالحفاظ على النسب، وطبقة المزاينة لا يزوجون المهمشين ولا يتزوجون منهم.
توجد تلك التقسيمات بشكل بارز في شمال اليمن، وبالأخص في الجغرافيا الزيدية التي عملت على إحياء المفاهيم الطبقية، بينما تغيب إلى حد ما في الجنوب، ولا يكاد يكون حاضرا إلا طبقة الهاشميين، لمجرد التعريف وادعاء الفضل بالانحدار من سلالة آل بيت النبي، غير أن التمايز في الجنوب ليس حاضرا بنفس القدر الذي يحظى به في الشمال.