لهذا تجاوزهم الحراك
تؤكد الطبقة السياسية الجزائرية بمختلف أحزابها وتكتلاتها بأنها لم تستوعب بعد الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ عشرين أسبوعا متواصلا، ومن دون انقطاع أو كلل أو تنازل.
هذا الحراك الشعبي استطاع أن يحقق الكثير من الإنجازات التي لم تستطع كل الوساطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحقيقها طيلة سنين من حكم بوتفليقة الذي أطاح به الحراك.
ويواصل الضغط لمحاسبة كل رموز نظامه، وفي مختلف مستويات الدولة وهو نظام تفنن في تدمير مقدرات الجزائريين رغم البحبوحة المالية التي رافقت هذه الفترة من تاريخ الجزائر، ولم يتم الاستفادة منها في بناء اقتصاد قوي ومؤسسات سياسية واجتماعية صلبة بل استغل هذا الريع البترولي لتكريس الزبائنية والمحسوبية والرشوة الجماعية للأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، التي يدّعي الكثير منها بأنه قاوم الفساد المالي والسياسي الذي أشرف عليه الرئيس بوتفليقة بمساعدة من فتات السلطة وسُحتها في مختلف مراحل هذه الفترة التي لم تكشف بعد عن كل مآسيها وجرائمها في حق الجزائريين والجزائريات.
وفي محاولة منها للرد على مبادرة السلطة الثانية للحوار، والتي كانت أكثر جدية من سابقتها، وهي مبادرة تحظى بدعم واضح ومعلن من جانب المؤسسة العسكرية مما أعطاها المصداقية والقوة، وسرّع من تحركات الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنقابات لتقديم الرد بشكل جماعي عبر تكتلات سياسية وفضاءات تشاورية تحضيرا للجمعة الكبيرة.
وبعد مرحلة من التكتلات والندوات، استطاعت أهم فعاليات المجتمع المدني والنقابات والأحزاب السياسية أن يلتئم شملها في المنتدى الوطني للحوار؛ وهي خطوة مهمة رغم النقائص التي صاحبت هذا المنتدى، ورغم الفشل في إقناع أحزاب وجمعيات تيار اليسار الجهوي بضرورة الانضمام إلى هذا الفضاء ليفضل هذا التيار التكتل مع أحزاب يسارية مجهرية تحت يافطة "البديل الديمقراطي" وهي تسمية لتيار بعيد كل البعد عن الممارسات الديمقراطية وحريص كل الحرص على سياسة الضغط والابتزاز والمناورة من الداخل، وبواسطة منطقة بعينها، وهي منطقة القبائل بعيدا عن الجماعة الوطنية في وفاء تاريخي لأدبيات وممارسات الآباء المؤسسين لهذه المدرسة الذين اختاروا غداة الاستقلال هذا التوجه بعد فشلهم في تمرد 1963 المسلح، والفشل السياسي في المشاركة في نظام سياسي كرّس وجوده ولا زال في غياب جبهة وطنية ديمقراطية بديلة.
ورغم حرص منظمي المنتدى لإشراك أحزاب هذا التيار، خاصة وأن الجميع عاش تجربة مشتركة من خلال هيئة المتابعة للمعارضة الجزائرية والتي تمخضت عن "ندوة مزافران" والتي ساهمت بشكل كبير في تقارب التيارات السياسية الرئيسية في الجزائر.
إن عدم المحافظة على مكتسبات "ندوة مزافران" والبناء عليها، والتي كانت في ظروف أصعب يعتبر فشلا للمعارضة ككل يتحمل الجميع تبعاته تجاه الحراك الذي لن يراجع حساباته وتقييمه لأحزاب المعارضة ما لم تقدم له بديلا على مستوى الخطاب والممارسة يرتقي إلى مستوى سقفه العالي.
كما تتحمل أهم أحزاب المنتدى الوطني للحوار مسؤولية إقناع الحراك الشعبي بطرحها ومسعاها للخروج من الأزمة السياسية، خاصة وأنها أحزاب شارك كل رموزها تقريبا في نظام بوتفليقة في عهود مختلفة من حكمه، بل إن من تصدر مشهد المنتدى هم وزراء وسفراء بوتفليقة ورؤساء الأحزاب الشريكة معه أو المستفيدة من حكمه في فترات مختلفة؛ وهي مطالبة بتقديم الحساب وتبرير ممارساتها ومشاركتها في الحكم قبل أن تقدم نفسها كبديل يحظى باحترام الحراك؛ الذي رفض مشاركة معظم رؤساء هذه الأحزاب في فعاليات ومسيرات الحراك الشعبي ولا يهمه في ذلك تصنيفات الطبقة السياسية لبعضها البعض هذا من جماعة العهدة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، بل ينظر لهم أنهم كانوا شركاء في مرحلة من مراحل نظام الفساد والإفساد.
من هنا تأتي نظرة الحراك الشعبي للطبقة السياسية المعارضة واعتبارها جزءا من نظام بوتفليقة رغم اختلاف تموقعها، فهو لا يعير كبير اهتمام بتحركاتها، بل يحرص على رفع سقف مطالبه، وهي مطالب لا تستطيع الأحزاب السياسية مواكبتها وذلك منذ بداية الحراك؛ لأنها أحزاب لم تحرص على تجديد نفسها على مستوى الخطاب، والأهم من ذلك إبراز قيادات جديدة متناغمة مع التيار الجارف لحراك سياسي شعبي أثبت درجة عالية من النضج والوعي أجبرت المؤسسة العسكرية على التجاوب والاستجابة لمطالبه مباشرة من دون أية وساطة سياسية ممثلة في الأحزاب أو وساطة جمعوية ونقابية لاقتناع الجيش بأنها وساطات ضعيفة ومحدودة التأثير في الحراك الشعبي.