كيف خدع تنظيم الدولة العالم بمقطع مصور لتدمير آثار العراق؟
تؤكد السلطات العراقية التي تقاتل من أجل إعادة الآثار المسروقة، أن الأضرار التي سببها تنظيم الدولة بعد اجتياحه للبلاد في عام 2014، لا تمثل سوى جزءا بسيطا من هذا الكنز المنهوب منذ غزو الولايات المتحدة الأمريكية واسقاط نظام صدام حسين عام 2003.
ووفقا لما ذكره "ميدل إيست أي" في نسخته الفرنسية، فإنه عندما استولى مقاتلو التنظيم على مساحات شاسعة من العراق عام 2014، قاموا بتدمير ونهب بعض المواقع التاريخية الأكثر أهمية في البلاد.
وأشار إلى أن هدف التنظيم كان إرث ما قبل الإسلام، وهو ما ظهر في عنوان مقطع مصور للمتشددين المسلحين خلال تدمير التماثيل ذات القيمة التي لا تقدر بثمن في متحف الموصل.
لكن بحسب لمى ياس، المدير العام لمتحف العراق الوطني في بغداد، هذا المقطع المصور كان بمثابة حملة إعلانية تهدف إلى صرف الانتباه عن أكبر مشروع للجماعة المسلحة وهو الاستفادة من بيع القطع الأثرية في السوق السوداء.
وأوضحت أن "دعاية التنظيم جعلت الناس يعتقدون أن (أعضاءها) دمروا الآثار"، كما يقولون، "لكن هذه كانت في الواقع لقطات قصيرة لمقطع مصور تظهر أنهم يدمرون بعض القطع، وبعضها كانت وهمية"، مشيرة إلى أنه بعد هذا الدمار الذي ظهر للعلن، تمكن التنظيم من نهب الآثار بحرية، واستخدام الأموال لتمويل أنشطته الإرهابية.
وذكر الموقع، أنه على سبيل المثال تماثيل "لاماسو" وهي منحوتات عملاقة على جسم أسد برأس إنسان وأجنحة نسر تعود إلى الفترة الآشورية، وتحظى بشعبية كبيرة في تجارة التحف، تم العثور عليها في أنقاض متحف الموصل أو في موقع قريب من مدينة نمرود بدون رأس، حيث يعود تاريخ بعض أجزاء منها إلى أكثر من 3 آلاف عام.
وقالت لمى ياس، أن "تنظيم الدولة لم يستطع تحريك تماثيل لاماسو لأنها كانت ثقيلة للغاية، لكنه كان بإمكانه إزالة الرؤوس وبيعها في السوق السوداء".
نمرود والموصل
ونوّه "ميدل إيست أي" إلى أن منطقة نمرود تقع على بعد 32 كم من الموصل، "عاصمة الخلافة" السابقة، وهي واحدة من الأماكن التي تحتوي على أثار آشورية في العراق، بيد أن التنظيم تركها مدمرة بالكامل، باستثناء اثنين من التماثيل متصدعة.
ونقل الموقع عن عبد الله، ضابط الأمن في الموقع، قوله إنه بعد وقت قصير من إطلاق سراحه من تنظيم الدولة: "لم يتبق شيء تقريبا هنا، تنظيم الدولة دمر القطع الكبيرة".
وأضاف: "تم تهريب أفضل القطع إلى أوروبا وبيعها. أخبرنا السكان المحليون أنه بعد وصول تنظيم الدولة، مُنعوا من دخول الموقع، ورأوا مقاتلين في مجموعات يسرقون شاحنات مليئة بالآثار".
كما أخبر العراقيون المقيمون بالقرب من قبر يونان في الموصل "ميدل إيست أي" في عام 2017 أنهم شاهدوا تنظيم الدولة يستخرج الكنوز الموجودة في الموقع قبل أن يملأه بالمتفجرات ويفجره.
ووفقا للموقع، فإن الترويج للقطع الأثرية التي سرقها تنظيم الدولة مستمر في السوق السوداء، ووفقا لمصادر سرية، قام أحد المهربين المقيمين في اليونان بشراء مخزون كبير من العملات الذهبية القديمة بقيمة مليوني يورو من جهات على اتصال بتنظيم الدولة العام الماضي.
ففي يناير/ كانون الثاني، أطلع رجل عراقي، كان يعمل مباشرة مع تنظيم الدولة لعدة سنوات من أجل إنقاذ النساء والأطفال الأيزيديين المستعبدين، الموقع على مقطع مصور ورسائل واتساب، تظهر أكواما من العملات الذهبية والفضية، وقال إن التنظيم عرض بيعها بعد نهبها مقابل مبالغ مالية كبيرة.
الكنوز المفقودة
وأكد الموقع، أن النهب الذي قام به تنظيم الدولة كبير، لكن في الجنوب، بمتحف بغداد، يقول الموظفون إنها ليست سوى جزء بسيط من النهب الذي عانى منه العراق منذ الغزو الذي شهدته الدولة في عام 2003، إذ تم سرقة 15 ألف قطعة من المتحف الوطني بالبلاد على مدار أربعة أيام في أبريل/ نيسان من نفس العام.
في مكتبه يتصفح مثنى عبد الودود، المدير السابق لقسم الآثار العراقية، ورقة في ملف كبير، حيث يشر إلى أن هذه الوثيقة تحتوي بالتفصيل على 200 قطعة من الكنوز العراقية المتداولة حاليا في الأسواق العالمية للآثار.
وبيّن أنه من بين أكثر الأشياء الثمينة التي نهبت، منحوتة بارتفاع 8 سم تُعرف باسم "لبوة جوينول" وهو تمثال يعود للفترة البابلية، أي حوالي 3 آلاف سنة قبل الميلاد.
وأوضح داوود، أن "هذا التمثال اختفى من السوق بعد بيعه في عام 2007 في دار سـوثبي للمـزادات، لكننا لم نغلق الملف" مضيفا" "لا نعرف بالضبط من اشتراها، لكننا علمنا أنه تم الحصول عليها مقابل 59.2 مليون دولار من قبل لورد بريطاني. يتم تسجيل المشتري باعتباره إنجليزيا. حتى عام 2010، كانت هذا التمثال أغلى قطعة أثرية تباع على الإطلاق".
ويذكر، أن الأساطير المرتبطة بهذه القطع - وهي أن الشخص الذي يحمل كلا من تمثال الأسد واللبوة يمكنه السيطرة على العالم - زادت من قيمتها، لافتا "كان الملوك البابليون أقوياء جدا وأصل هذه القوى غامض، الأساطير، جعلت هذا التمثال ذا قيمة كبيرة".
وأكد "ميدل إيست أي" أنه خلال الفترة التي تولى فيها داوود منصبه، تمكنت الحكومة العراقية من استعادة أكثر من 5 آلاف قطعة أثرية، منها ثمانية بمساعدة من المتحف البريطاني، كما استعادت السلطات الأمريكية 3800 قطعة أثرية أخرى كجزء من قضية تُعرف باسم "فضيحة هوبي لوبي"، التي استوردت بشكل غير قانوني منذ عام 2009، تحفا مشكوكا فيها بقيمة 1.6 مليون دولار، وفي عام 2017 ، أمرتها المحاكم الأمريكية بإعادة الآثار وغرمتها 3 ملايين دولار.
18 ألف موقع أثري
وأشار داوود إلى أنه "هذا في الواقع مجرد جزء صغيرة من الأشياء التي سرقت من البلاد، نحن نحارب لاستعادة التراث العراقي الذي نهب، لدينا حاليا 200 قضية معلقة وأعدادها تتزايد يوميا، إذ نراقب جميع المزادات الدولية".
وتابع الموقع: أنه بينما تسعى السلطات العراقية جاهدة لاسترداد القطع الأثرية المفقودة، لا تزال عمليات البحث والسرقة غير القانونية مستمرة في مواقع أثرية معزولة وغير خاضعة للرقابة إلى حد كبير في البلاد.
وأكدت لمى ياس: " الحفر غير القانوني الآن أكبر مشكلة تواجهنا، يوجد في العراق 18 ألف موقع أثري وتجري حفريات غير قانونية في كل مكان ولا يمكننا السيطرة عليها. لا توجد شرطة خاصة توقف هذه الأنشطة وليس لدينا سوى وكيل واحد لكل موقع، لذلك من الصعب جدا عليه حماية المنطقة بأكملها".
وبينت، أن المواقع المعروفة التي يمكن الوصول إليها محمية في معظمها بشكل جيد، بعد استعادتها من تنظيم الدولة، على سبيل المثال، أغلقت "اليونسكو" منطقة نمرود، بدعم من الحكومة اليابانية ويتم تأمينها من القوات المحلية.
وأشارت لمى ياس إلى أن هناك خططا تمولها الحكومة الفرنسية لإعادة بناء ما تم تدميره، وستبدأ في وقت لاحق من هذا العام، ومع ذلك، هناك بعض المواقع الصحراوية المعزولة، التي لا يمكن الوصول إليها إلا بواسطة سيارات الطرق الوعرة أو المروحية.
ونوه داود إلى أن العراقيين الذين يقومون بعمليات حفر غير قانونية يعملون مباشرة مع المهربين وجامعي الآثار الأجانب، حيث يتم تهريب الآثار المنهوبة خارج البلاد عبر الحدود أو بمساعدة قوارب صيد صغيرة، مؤكدا أن العديد من القطع الأثرية ترسل إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أصبحت مركزًا إقليميًا للتجارة غير القانونية في الآثار، وفي بعض الحالات، قام اللاجئون بتهريب الآثار إلى أوروبا.
وبحسب قوله، فإن قرارات اليونسكو الأخيرة لحماية التراث العراقي كانت مفيدة، لكن العديد من الدول لا تزال تتجاهلها "تطلب منا دار المزادات أن نثبت أن القطع الأثرية عراقية، على الرغم من أن معظم الناس يعلمون أنها عراقية في أغلب الأحيان ونحن نعرفها. كما أن البيروقراطية هي أيضا عقبة علينا والإجراءات بطيئة، لذلك معظم الوقت، تتم المبيعات على الرغم من جهودنا وشكاوينا.