السلطة و"العدل والاحسان" يصطدمان مجددا.. هل يعود المغرب للقمع؟

12

طباعة

مشاركة

تشهد المملكة المغربية خلال هذا العام جملة من الاحتجاجات الفئوية المتنوّعة، في ظل عجز حكومي لإيجاد حلول جذرية لها ترضي جميع الأطراف، ما جعل الأزمة تتفاقم وتأخذ أبعادا أخرى تخرجها عن سياقاتها النقابية والمطلبية إلى أزمات ذات تبعات سياسية.

فبعد موجة احتجاج الأساتذة المتعاقدين والتي شهدتها المغرب لأشهر طويلة، كادت أن تُفشل السنة الدراسية، دخل طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان في حركة احتجاجية واسعة للمطالبة بتحسين ظروف تدريبهم في المؤسسات الصحية العمومية التي تفتقر لبنية تحتية صحيّة ملائمة.

وبعد فشل المفاوضات بين الطلبة ووزارتي التعليم والصحة، صعّدت الحكومة من لهجتها التهديدية ضدّ المحتجين، كما حمّلت جماعة "العدل والإحسان" مسؤولية الأوضاع، وتوعّدت باتخاذ إجراءات ضدّها، وهو ما يفتح الباب مجددا للتصعيد بين الجماعة والدولة.

حراك مسيّس

اتهمت الحكومة المغربية، بشكل مباشر جماعة "العدل والإحسان"( الإسلامية)، بالوقوف وراء مقاطعة الطلبة الأطباء للامتحانات النهائية، مما قد يؤدّي إلى إفشال السنة الجامعية الحالية.

هذا الاتهام الذي لا يعتبر الأول الذي توجهه الحكومة للجماعة، جاء خلال مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، بالعاصمة الرباط، عقب اجتماع المجلس الحكومي،

وقال الخلفي: "تؤكد الحكومة أن جهات أخرى، وخصوصا جماعة العدل والإحسان، استغلت هذه الوضعية بتحريض الطلبة الأطباء على مقاطعة الامتحانات، من أجل تحقيق أهداف لا تخدم مصالح الطلبة".

وشدد على أن الحكومة "لن تتوانى في اتخاذ الإجراءات القانونية المعمول بها ضد كل من سعى إلى عرقلة السير العادي لهذه الامتحانات".

وسبق هذا التصريح المثير للوزير المغربي، قرار من وزارة التعليم العالي بتوقيف ثلاثة أساتذة طب عن العمل، وأكّدت وسائل إعلامية محلية، أن الثلاثة ينتمون إلى جماعة العدل والإحسان، وقد جرى تبرير قرار اعتقالهم بإن المعنيين  أخلّوا بالتزاماتهم المهنية، دون تقديم مزيد من التوضيحات.

من جهة، أخرى قال أحد الأساتذة الموقوفين، أحمد بالحوس، وهو أستاذ التعليم العالي بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، في تدوينة له على "فيسبوك": "فوجئت يوم الأربعاء 12 يونيو/حزيران 2019 بقرار الوزارة بتوقيفي عن العمل مع توقيف أجرتي وإحالتي على مجلس تأديبي، أنا والزميلين البروفسور سعيد أمل أستاذ التعليم العالي بكلية الطب بمراكش، والبروفسور إسماعيل رموز، أستاذ التعليم العالي بكلية الطب بأكادير. وهما من خيرة الأساتذة الذين يشهد لهما القاصي والداني بكفاءتهما والتزامهما".

وندد بالحوس بالقرار المتخذ في حقه وزميليه، مؤكدا أنه "اعتداء وتعسف وظلم بين"، وهو ما فسره بنشاطه النقابي والجامعي والمهني والأكاديمي. 

ولا يعتبر الاتهام الذي وجّه للجماعة التي تأسست على يد عبد السلام ياسين عام 1979 الأول من نوعه، حيث ما إن تظهر بوادر حراك مجتمعي في المغرب حتّى تُسارع الدّولة إلى توجيهِ اتهامات مباشرة للعدل والإحسان، متهمة إياها بلعب دور قيادي في الاحتجاجات، وهو ما جعلَ علاقة الدولة بالجماعة يَشوبها تشنّج وصراع .

بدوره، قال الناطق الرسمي باسم جماعة "العدل والإحسان" فتح الله أرسلان: إن "رد الجماعة على اتهام البلاغ الحكومي بتأجيج احتجاج طلبة الطب، عبر عنه بشكل واضح البيان الصادر عن مجلس إرشاد الجماعة، الذي وصف الاتهام المتكرر عند كل أزمة اجتماعية، تحمل مطالب فئات قطاعية أو مجالية، بأنه أسطوانة مشروخة ملّ الناس سماعها ومجّتها عقولهم المستقلة".

ونبّه إلى أنه من فرط تكرار وسماجة هذه الأسطوانة "باتت مَوضِعا لسخرية شعبية عارمة، وتؤكد أن السلطة تنتهج أسلوب الهروب إلى الأمام والبحث عن الشماعة، عوضا عن مواجهة المطالب والتعامل الجاد مع أصحابها".

الصرّاع القديم الجديد بين الدّولة وأعضاء جماعة "العدل والإحسان" لم يكن في يوم من الأيام خفيا، فاتهامات الحكومة للجماعة بأنها تصبّ الزيت على النّار وتؤجّج الوضع، فيما تعتبر الجماعة أن هناك توجهات رسمية استئصالية ضدها.

الطريق نحو الحظر

هذا الفصل الجديد من الاتهامات الجديدة والمباشرة يشكل إضافة إلى اتهامات أخرى تنشرها منذ سنوات، وسائل إعلام محلية مقربة من السلطات المغربية، كإذكاء احتجاجات حراك الريف شمال البلاد، أو احتجاجات مدينة جرادة المنجمية شرقها، يفتح باب التأويل من جديد على مستقبل العلاقة بين الجماعة والدولة.

فالجماعة ومنذ تأسييسها اتخذت لنفسها مسارا مختلفا عن باقي الحركات الإسلامية لأسباب عدة، لعلّ أهمها غلبة التوجه الصوفي عليها مما جعلها تتبنى خطا سياسيا معارضا رافضا للعنف، إلا أن قراءتها للتصوّف كما سطّرها مؤسس الجماعة عبد السلام ياسين في أهدافها ووسائلها أنها لا ترضى بهدف اجتماعي سياسي دون العدل على شريعة الله، ولا بغاية دون الإحسان. وترى أن العدل والإحسان هما أم القضايا وأبوها في الدين والدنيا، وفي الدعوة والدولة، وفي المصير السياسي والمصير الأخروي.

ويعتبر الهدف السياسي الرئيسي للجماعة -غير معترف بها قانونيا من السلطات المغربية- إقامة دولة الخلافة، حيث أنها لا تعترف بشرعية "إمارة المؤمنين في المغرب".

هذا الموقف من النظام الملكي القائم قوبل بتضييقات عديدة منذ السنوات الأولى لتأسيس الجماعة، ففي سبتمبر/أيلول 1974 أرسل نصيحة مفتوحة مكتوبة للملك الحسن الثاني في أكثر من مئة صفحة بعنوان "الإسلام أو الطوفان" سجن على إثرها -دون محاكمة- ثلاث سنوات ونصف السنة، ليعتقل بعدها  سنة 1983 وحكم عليه بالسجن عامين.

بعد العام 1987 صعّدت السلطات المغربية ضد الجماعة وقياداتها، حيث حاصرت قوات الأمن منزل زعيم الجماعة، وبدأت التضييق على زواره، وفي عام 1989 انطلقت حملة من الاعتقالات والملاحقات والمحاكمات بحق كوادر الجماعة، قبل أن تفرض الإقامة الجبرية على مرشد الجماعة ومنع الزيارة عنه حتى مايو/أيار 2000 .

ورغم الانفتاح السياسي النسبي بعد تولي محمد السادس قيادة البلاد عام 1999، إلاّ أن الملاحقات والتضييقات تواصلت ضدّ الجماعة، شملت تشميع البيوت التي تقام فيها لقاءات تربوية دينية للجماعة، ومنع أعضائها من تنظيم اعتكافات المساجد،  وتمّ فصل عدد من أعضاء الجماعة من مهامهم.

هذه الممارسات تواصلت حتى بعد تأثر المغرب بالربيع العربي، ووصول حزب "العدالة والتنمية" إلى رئاسة الحكومة، وهو ما أكّده القيادي في جماعة "العدل والإحسان" حسن بالناجح في حديث مع "الاستقلال" بالقول: "منذ نشأة الجماعة وهي تعاني من القمع والتضييق، ولكن أصبح لها قدرة على التكيف للعمل في كلّ الأوضاع، لأنّ هناك عاملا مهما لا يدركه النظام وأجهزته ومختبرات الدراسات، وهو أنّهم لا يدركون بنية الجماعة".

وأضاف بالناجح: "القمع لم يعد محصورا في جماعة العدل والاحسان، وإنما المقاربة الأمنية أصبحت الخيار الأوحد لدى النظام في مواجهة المطالب المجتمعية في جميع أبعادها، فالجمعيات الحقوقية تعيش تضييقات في حقها بالفضاء العمومي ووسائل الإعلام، كما أنّ الإعلام يتعرّض لموجة قمع واسعة عبر الاعتقال والمحاكمات والتضييقات ومحاصرة الإعلام الخاص وحرمانه من حقه في الإشهار والمعلومة".

وأكّد القيادي في الجماعة الإسلامية، أنّ "القمع يطال جميع التحركات الاجتماعية مهما كان الموجدون فيها، وكذلك تحرّكات المناطق، وهذا سيكون له تأثير في الاستقرار والتنمية".

كما دعت الجماعة في بيان سابق لها: "كل الغيورين في هذا البلد، من فضلاء وسياسيين وحقوقيين ومجتمع مدني، إلى ضرورة التكتل؛ لأن حجم هذه الانتهاكات خطير، وليس مِما يسكت عنه في دولة اختل فيها ميزان القانون والعدل وحكم الطيش والغباء".