لماذا اختلف نهج خامنئي في التفاوض مع ترامب عن كيم جونج أون؟

12

طباعة

مشاركة

"نحن مستعدون للتفاوض دون شروط مسبقة".. رسالة كررها على مدار عدة أيام كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصقور إدارته، مايك بومبو وجون بولتون للإيرانيين، بينما سلطوا في الوقت نفسه الضوء على سياسة "الضغط الأقصى" على الجمهورية الإسلامية، لكن دون استجابة من طهران.

وبحسب صحيفة "لوريون لو جور" اللبنانية الناطقة بالفرنسية، يبدو أن الرئيس الأمريكي يفكر في أن أفضل طريقة لدفع الإيرانيين لقبول شروطه هي حشرهم في الزاوية مع إعطائهم طريقة بسيطة للخروج.

مضيفة: "إنه (ترامب) يريد أن يكرر سيناريو كوريا الشمالية، بعد أسابيع من التوتر الشديد الذي هدد فيه باللجوء إلى الحل العسكري، بدأت عملية دبلوماسية أدت إلى عقد مؤتمرين قمة يجمعان كيم جونج أون ودونالد ترامب". 

وأوضحت الصحيفة أن جميع الخبراء يتفقون على أن هذه القمم لم تسفر عن نتائج ملموسة وأن هذا تحقق بشكل أساسي من خلال الإستراتيجية التي اتبعها زعيم كوريا الشمالية، المهمش من قبل المجتمع الدولي، فاليوم زعيم هذا البلد النووي يتحدث وجها لوجه مع الأمريكيين.

اغتنام الفرصة

وتساءلت الصحيفة: "بالنظر إلى سابقة كوريا الشمالية، فلماذا لا يغتنم الإيرانيون الفرصة التي يقدمها الرئيس الأمريكي؟" مجيبة: "ببساطة الملفان النوويان، يختلفان اختلافا جذريًا، حيث جاءت كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات في موقع قوة، لأنها رغم الضغوط الدولية، كانت قادرة على الحصول على أسلحة نووية واستخدامها كأداة قيمة في المفاوضات، كما أن بيونج يانج كان من مصلحتها العودة إلى لعبة الأمم وإثبات قدرتها على التحدث على قدم المساواة مع القوة الرائدة في العالم".

وبحسب "لوريون لو جور"، "السياق مختلف من وجهة نظر الإيرانيين، إذ أجروا مفاوضات بالفعل وأدت إلى توقيع الاتفاق النووي مع 5 +1 (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمى والصين) في يوليو/تموز 2015".

وتابعت: "دونالد ترامب انسحب من الصفقة في مايو/آيار 2018 وأعاد العقوبات المفروضة ضد إيران، رغم امتثال الأخيرة لشروط الاتفاق، وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فالنظام الإيراني لا يثق في هذه الإدارة فحسب، بل ليس من عادته أيضا التفاوض في موقف ضعيف".

ويقول شهرام شوبان، الباحث في برنامج السياسة النووية بمعهد كارنيجي: "على عكس الكوريين الشماليين، تقوم شرعية النظام الإيراني على مقاومته للضغوط الخارجية، إن الاستسلام في هذا الضغط يعني اعترافا بضعفه وتشجيع الآخرين في المنطقة على الاستفادة من ذلك، وفي مثل هذا السياق، فإن العودة إلى طاولة المفاوضات مع الأمريكيين ستمثل خسارة كاملة لمصداقية النظام الإيراني".

من جهتها ترى إيمانويل مايتر، الباحثة في مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية أنه "من الصعب تخيل أنه يمكن قبول هذا الحل من قبل الشعب الإيراني، حيث أضعف الانسحاب الأمريكي إلى حد كبير إستراتيجية التيارات المعتدلة داخل النظام التي كانت تعلّق كل شيء بالدبلوماسية ولا يمكنها اليوم الدفاع عن هذا الموقف مرة أخرى".

وبحسب الصحيفة، فإن "عدم استعداد إيران حتى بالتظاهر في الانخراط بمفاوضات جديدة، فذلك لأنه لا يوجد يقين كبير لديها أنها ستؤدي بالفعل إلى رفع العقوبات. ويوضح ريتشارد نيبو، الأستاذ بجامعة كولومبيا في نيويورك: "الإيرانيون يريدون أن يُنظر إليهم كقوة إقليمية، إن التطور السليم لاقتصاد قوي يمكن أن يشارك فيه الشعب الإيراني أمر لا غنى عنه".

العصا والجزرة

فالسياسة الأمريكية، بالتناوب بين العصا والجزرة، تتجه إلى تطرف الموقف الإيراني، الذي يتوخى الحذر من أهداف واشنطن، ويوضح مارك فينود، الدبلوماسي السابق والأستاذ في مركز جنيف للسياسة الأمنية: "إن الشروط الـ 12 التي فرضها مايك بومبيو بعد الانسحاب الأمريكي للاتفاقية في مايو/آيار 2018 غير قابلة للتفاوض بشكل متعمد لأن الهدف هو في الحقيقة انهيار النظام الإيراني وليس التفاوض على اتفاقية جديدة أكثر طموحًا".

وتبين إيمانويل مايتر أنه إذا كان للملف الكوري الشمالي تأثير فعلي على تصور الإيرانيين، فذلك لأنه أقنعهم من جهة أن الرئيس الأمريكي لم يكن مستعدًا للذهاب إلى الحرب وأنه من الأفضل امتلاك أسلحة نووية للتفاوض مع واشنطن، قائلة: "حقيقة إدارة ترامب أكثر تصالحية تجاه كوريا الشمالية منها مع إيران يمكن أن تؤدي إلى استنتاج وهو أنه يجب على طهران أن يكون لديها أيضًا برنامج نووي قبل المشاركة في المفاوضات".

وفي تقرير آخر رأت الصحيفة أيضا أنه بين التفاوض والعقوبات، يبدو أن موقف إدارة ترامب يظهر بعض التناقض في الإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران، حيث وقّع ترامب، الذي يتهم إيران بالسعي لامتلاك أسلحة نووية و"دعم للإرهاب"، مرسومًا الإثنين (24 يونيو/حزيران 2019) بفرض عقوبات إضافية على طهران.

وعن فاعلية هذه العقوبات، التي تشمل مرشد الجمهورية والعديد من قادة الحرس الثوري، قال أسفنديار باتمان بليدج، وهو محلل ويتابع عن كثب الاقتصاد الإيراني: إنها تبدو رمزية نظرًا لعدم وجود عواقب مباشرة من الناحية الاقتصادية، فهذه العقوبات غير ضرورية. فالمنظمات الخاضعة لسيطرة علي خامنئي وجميع المنظمات التي تسيطر عليها الدولة الإيرانية تخضع بالفعل لعقوبات أمريكية واسعة النطاق ولن يترتب عليها أية قيود اقتصادية".

وأكدت الصحيفة أن فرض عقوبات جديدة على المرشد الأعلى، ولا سيما رئيس الدبلوماسية الإيرانية، يشهد على عدم اتساق الإستراتيجية الأمريكية تجاه طهران، فهي تحث باليد اليمنى الجمهورية الإسلامية على التفاوض، بينما تستهدف رأس النظام باليد اليسرى.

ويقول جوناثان بيرون المتخصص في الشأن الإيراني بموقع "إيتوبيا": "توجد سياسة إقليمية أمريكية غير واضحة تمامًا. من جانب دونالد ترامب يقول شيئًا ونقيضه في أقل من 24 ساعة، وعلى الجانب الآخر ممثليه الذين لا يتبنون نفس الخط أو الموقف الدبلوماسي الذي يتبعه رئيس الولايات المتحدة".

وبيّن أنه كمثال على "عدم اليقين"، فبعد أن أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قبل بضعة أيام أن الولايات المتحدة ستضمن حرية الحركة في الخليج العربي - في أعقاب سلسلة الهجمات على ناقلات النفط، والتي تُنسب إلى إيران، قال الرئيس الأمريكي بعدها: "لا حاجة لوجود بلاده في منطقة الخليج".

وخلصت الصحيفة إلى أنه يمكن لهذا الموقف غير الواضح، وخاصة في السياق الحالي، أن يعرقل بشكل قاطع الطريق إلى أي عملية دبلوماسية أو تفاوضية في نهاية المطاف.