هتاف "أبو تريكة" بالمدرجات.. هل يشعل شرارة الاحتجاج ضد السيسي؟
تجاوز أي تصنيف سياسي أو كروي، ليس مجرد لاعب كرة قدم، حب الجماهير له تجاوز حدود بلاده، عشقه الجميع لاعبا فذا ورياضيا خلوقا وقبل هذا وذاك، إنسانا بكل ما تحمله الكلمة من معان.
ربما لا يمكن للكلمات أن تعبر عن تلك الحالة التي أصبح فيها "محمد أبو تريكة" نجم الأهلي ومنتخب مصر السابق أيقونة مصرية، عجزت أمامها السلطة، وفشلت مرارا في تشويهها، إلى أن وصل الأمر لهتاف باسمه رجّ جنبات استاد القاهرة في حضرة رأس النظام عبد الفتاح السيسي الذي يصنفه إرهابيا.
النتيجة الحتمية للمعادلة أن "أمير القلوب" أو "الماجيكو" أو "صانع السعادة"، أصبح أقوى من النظام الذي عجز بآلة إعلامية وسياسية وقضائية ضخمة أن يخدش العلاقة الاستثنائية بين أبو تريكة والجماهير.
البداية.. مرسي
بداية الأزمة الحالية تعود إلى الإثنين 17 يونيو/حزيران الجاري بعد ساعات من إعلان وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، حيث غرد أبو تريكة عبر حسابه على تويتر ناعيا مرسي، فأطلقت سلطة عبدالفتاح السيسي أذرعها الإعلامية للهجوم على اللاعب السابق والمحلل الحالي بقنوات bein" sports" القطرية.
رحم الله الدكتور محمد مرسي رئيس مصر السابق واسكنه فسيح جناته وغفر الله له وثبته عند السؤال واجعل قبره روضه من رياض الجنة وتجاوز عن سيئاته
— محمد أبوتريكة (@trikaofficial) June 17, 2019
وبطبيعة الحال كان الإعلامي المثير للجدل القريب من دوائر وأجهزة النظام الأمنية أحمد موسى هو بطل الهجوم على أبو تريكة، فخصص حلقة برنامجه على فضائية "صدى البلد" يومها لهذا الغرض.
وحاول موسى الربط بين اتهام مرسي بالتسبب في قتل شهداء الجيش والشرطة الذين سقطوا في هجمات مسلحة منذ إطاحة الجيش به في يوليو/تموز 2013، وبين نعي أبو تريكة للرئيس الراحل، فوصفه بـ"الإرهابي الإخوني الهارب الخائن العميل" وغيرها من الانتقادات اللاذعة.
لم تقبل الجماهير العاشقة لتريكة هذا السيل من السباب والشتائم والاتهامات الباطلة بحق الرجل، فتحولت دفة الهجوم لصالحها على منصات التواصل الاجتماعي، ودشنت خلال حملتها للدفاع عن أبو تريكة عدة هاشتاجات بعضها مسيء لأحمد موسى.
ومع اقتراب انطلاق كأس الأمم الإفريقية "كان 2019"، دشن المصريون هاشتاج "#اهتف_لتريكة" متعاهدين بالهتاف باسمه من مدرجات ستاد القاهرة في الدقيقة 22 من مباراة الافتتاح بين مصر وزيمبابوي، وهو يرمز إلى رقم الـ"تي شيرت" الذي ارتداه اللاعب السابق في صفوف الأهلي والمنتخب.
وبالفعل كانت الجماهير على الموعد وضجت جنبات الاستاد في حضور السيسي باسم تريكة، الذي اعتذر عن قبول دعوة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم لحضور حفل الافتتاح في القاهرة، نظرا لإدراج اسمه في قوائم الإرهاب، بدعوى علاقته بجماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية في مصر.
وبقدر ما حفل الهاشتاج بتضامن واسع من قبل مشاهير في عالمي الفن والرياضة، كشف التفاعل الجماهيري مع أبو تريكة عن مواقف مضادة، ومن بينها موقف الممثل محمد هنيدي الذي حذف تغريدة كان كتب فيها "ياتريكة" للإشادة به، موقف هنيدي أثار موجة غضب جماهيري، لتتحول سهام النقد إلى الفنان الكوميدي.
رد فعل أبو تريكة على الهتاف باسمه في المدرجات كان سريعا، وخلال الاستديو التحليلي للمباراة، فقال بعبارات مؤثرة: "حاجة طبيعية..الشعب المصري دايما متعرفش تضحك عليه، اللي بيخرج من القلب بيصل للقلب، لو بلدي فين لازم أخدمها".
وأضاف: "أعشق مصر، وأمنحها قلبي وعيني إن احتاجتهم. لا أحتاج لتوجيه عن كيفية التعبير عن حبي، مصر هي عشقي، مصر ستظل في القلب، مصر لو طلبت مني عينيا وقلبي أنا تحت أمرها".
وكان لافتا التضامن العربي مع أبو تريكة، والذي جسدته الجماهير المغربية، فكررت هتافات المصريين باستاد القاهرة من مدرجات ستاد السلام الذي جمع فريقها بنظيره الناميبي بالبطولة، الأحد.
الحاضر الغائب
ربما يتجاوز هتاف الجماهير باسم أبو تريكة مسألة التضامن مع لاعب عشقته الجماهير، إلى أبعد من ذلك، فثمة رسائل سياسية في غاية الأهمية تضمنتها الهتافات، على نحو سيصعب معه حصرها في الشأن الرياضي.
وكأنما أرادت الجماهير بداية تحدي النظام الحاكم الذي منع أبو تريكة من الحضور استمرارا لمنعه من دخول البلاد لسنوات، لتبرهن على أنه وإن غاب بجسده مجبرا، لكنه باق بروحه ومواقفه التي لن ينسوها.
الرسالة الثانية التي أوصلتها الجماهير، كانت الرد على الاتهامات التي أطلقتها وسائل الإعلام الموالية للسلطة بحق أبو تريكة، وكأن الناس تقول للنظام أن حملات التشويه المستعرة وتلفيق الاتهامات والحرب الضارية التي يشنها منذ سنوات ضد اللاعب لم تؤت أكلها، بل كانت وقودا أشعل شرارة الحب له والتضامن معه.
البعد الآخر للقضية، يثير تساؤلا: هل يمكن اعتبار الهتافات المتضامنة مع أبو تريكة مناهضة في الوقت ذاته للنظام؟ ربما تكون الإجابة سلبية، لكن أبعاد خصومة السلطة الحالية مع أبو تريكة تقدم إجابة أخرى.
بطبيعة الحال لو أن خلاف أبو تريكة مع لاعب آخر أو مع شخص عادي، لم يكن البعد السياسي حاضرا في الأزمة، لكن الدولة بأجهزتها الإعلامية والقضائية تحارب الرجل منذ سنوات، ولو لم تكن تلك الحرب قائمة لرجع أبو تريكة إلى مصر وشارك في افتتاح البطولة.
ما سبق الهتافات من هجوم إعلامي لاذع تصدره إعلاميون معروفون بتوجهاتهم وموالاتهم للسلطة فضلا عن الوسائل التي يطلون من خلالها، يجعل البعد السياسي كذلك حاضرا بقوة.
كذلك فإن التضامن الجماهيري مع أبو تريكة بسبب الأزمة التي أفرزها نعيه لمرسي، يؤشر إلى رفض شعبي واسع لرواية السلطات المصرية بشأن وفاة مرسي بعد نحو 6 سنوات قضاها في السجن بتهم زائفة.
فرصة للانطلاق
وتبقى رمزية الرسائل ودلالاتها شديدة الوطأة على السلطة، أنها انطلقت في حضور رأس النظام بالمدرجات، هذه الآلام التي لم يحتملها النظام، فصب غضبه على الجماهير فاعتقل العشرات ممن هتفوا باسم أبو تريكة في أعقاب المباراة، وفق ما نقلته تقارير إعلامية عن مصادر أمنية مطلعة.
ونقلت عن مشجعين وصحفيين حضروا حفل ومباراة الافتتاح أن رجالا من الشرطة في ملابس مدنية ومخبرين سريين انتشروا بكثافة بين الجماهير، كما انتشروا على السلالم المؤدية للمدرجات وبين الصفوف بطريقة لافتة، ورصدوا المجموعة التي بدأت بالهتاف لأبو تريكة ومن ثم ألقوا القبض عليهم.
وعليه، فإن القائل بأن هتافات أبو تريكة موجهة ضد النظام بالأساس يبدو طرحه منطقيا، كما أن الحديث عن الحفل المبهر والحضور الجماهيري الضخم وإلى ذلك من تفاصيل اليوم، كانت كفيلة بأن تتضاءل أزمة أبو تريكة أمام كل ذلك.
لكن الحقيقة التي عبّرت عنها الجماهير تشير إلى أن أزمة أبو تريكة تفوق في أهميتها وحيويتها حدثا رياضيا سينقضي بمرور الأيام، لأنها ليست مجرد أزمة لاعب كرة، لكنها أزمة شعب استغل فرصة الهتاف تضامنا مع لاعب سابق إلى الهتاف ضد نظام وسلطة حاكمة.
ولعل القبضة الأمنية الشديدة للسلطة، جعلت في أذهان كثيرين خروج الجماهير للتعبير عن رفضهم سياسات وممارسات النظام ضربا من ضروب الخيال، وهو ما انعكس على استثمار فرصة مواتية قد لا تتكرر، فهم يواجهون مباشرة رأس هذه السلطة، وتتوافر بشكل غير مسبوق فرصة الاحتجاج عليه انطلاقا من هتافات أبو تريكة.
فهل كما كان التضامن مع أبو تريكة، فرصة للتعبير الشعبي عن رفض النظام وسياساته، يكون منطلقا لبداية جديدة من الحراك الشعبي المناهض للسلطة أيا كانت درجات وامتدادات وفعاليات هذا الحراك؟
لاشك أن الشعب المصري هو الوحيد الذي يمتلك الجواب، كما أنه المعني بالوقوف ضد سلطة حطمت طموحاته وأحلامه الثورية، وربما فاجأ الجميع بتحركات قد تكون عشوائية، تستند إلى شرارة أشعلها أبو تريكة.
رجل المواقف
"الماجيكو".. "الساحر".. "أمير القلوب" ألقاب عدة منحتها الجماهير لمحمد أبو تريكة أحد أبرز الأسماء في تاريخ كرة القدم المصرية، المعتزل عام 2013 بعد مسيرة حافلة مع ناديه الأهلي ومنتخب مصر، كصانع للألعاب وهداف.
من أهم إنجازاته دوليا: الفوز مع منتخب مصر ببطولتي كأس أمم إفريقيا عامي 2006 و2008، والمشاركة في كأس العالم للقارات 2009، ومع الأهلي، فاز ببطولة دوري أبطال إفريقيا 5 مرات، وكأس السوبر الإفريقي 4 مرات، والدوري المحلي 7 مرات، والكأس المحلية 3 مرات، وكأس السوبر المحلي 4 مرات.
حصل أبو تريكة على جائزة أفضل لاعب إفريقي داخل القارة 4 مرات، وهو الهداف التاريخي لدوري أبطال إفريقيا برصيد 33 هدفا، واختير سفيرا للكرة الإفريقية عام 2014، ثم اختاره الاتحاد الدولي لتاريخ وإحصاء كرة القدم ضمن أساطير هذه الرياضة الشعبية الأولى في معظم أنحاء العالم.
كل هذه الأرقام والبطولات والتكريمات، ربما يتمكن لاعبون كثر من الحصول عليها، لكن الجانب الآخر من حياة أبو تريكة الخلوق هو ما جعله متفردا، فكان على الدوام رجل المواقف المشرفة والمساندة للشعوب والمعبرة عن نبض الشارع.
في 2008 صنع أبو تريكة ربما أكثر لحظات حياته فخرا، تعاظمت فيها شعبيته مصريا وإفريقيا وعربيا على نحو غير مسبوق، فبينما سجل هدفا في مرمى السودان ببطولة أمم إفريقيا تفاجأ العالم بالتيشيرت الذي ارتداه تحت قميص المنتخب وحمل شعار "تعاطفا مع غزة"، والذي تزامن مع العدوان الإسرائيلي الغاشم على القطاع حينها.
ورغم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" هدد حينها بمعاقبة اللاعب، إلا أنه أصر على موقفه الذي ساندته فيه جموع عريضة من الشعوب العربية والإسلامية، وبات اسمه مترددا على الألسنة.
كما اشتهر أبو تريكة بموقفه المطالب بمحاكمة المتورطين في ما عرف بمجزرة بورسعيد التي راح ضحيتها 72 من مشجعي النادي الأهلي عام 2012، حيث رفض المشاركة في مباراة كأس السوبر المصري حينها.
هذا الموقف عرّض أبو تريكة لسحب شارة كابتن الفريق، فضلا عن توقيع عقوبات مالية عليه، لكنه على الجانب الآخر أثبت انتماءه لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وزادت شعبيته الجارفة في أوساط الشباب، خاصة بعد دعمه المادي والمعنوي لأسر الضحايا.
في مايو/آيار 2018، كان أبو تريكة على موعد آخر مع موقف رجولي ووطني متجدد راكم رصيدا غير منته من الحب والاحترام والتقدير في نفوس المصريين، بعد أن رفض مواقف رئيس هيئة الرياضة السعودية، حينها، تركي آل الشيخ ضد النادي الأهلي على خلفية أزمته مع مجلس إدارة النادي ورئيسه محمود الخطيب.
الأهلي فوق الجميع .اتمني من مجلس إدارة نادينا الموقر أن تفتح لنا نحن مشجعي النادي ومحبيه حسابا بنكيا لرد كل المبالغ التي قدمها معالي رئيس هيئة الرياضة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة يتبع ١
— محمد أبوتريكة (@trikaofficial) May 27, 2018
دعا أبو تريكة وقتها إلى إنشاء حساب بنكي لرد كل المبالغ التي تبرع بها آل الشيخ للنادي عن طريق محبي ومشجعي الأهلي، معلنا تنازله عن جميع مستحقاته المالية لدى النادي على أن توضع في هذا الحساب.
قضاء مسيّس
رغم كل ما حققه أبو تريكة لمصر من إنجازات وألقاب وغيرها مما تجاوز عالم كرة القدم، فإن انتماءه لثورة يناير منذ البداية كان علامة فارقة، جعلت نظام ما بعد 3 يوليو/تموز 2013 يناصبه العداء، مستغلا تأييده للرئيس الراحل محمد مرسي في انتخابات الرئاسة التي فاز بها عام 2012، وما أثير بشأن علاقته بالإخوان المسلمين.
ففي مايو/آيار عام 2015، أصدرت السلطات المصرية قرارا بالتحفظ على أموال أبو تريكة، وادعت لجنة إدارة وحصر أموال جماعة الاخوان وقتها إن اللاعب هو أحد ملّاك شركة سياحية، تبين من التحقيقات أن نشاطها مرتبط بجماعة الإخوان.
وفي يونيو/حزيران من نفس العام، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما بإلغاء قرار التحفظ وكل ما يترتب عليه، لكن في 17 يناير/كانون الثاني 2018، أدرجت السلطات المصرية اسم اللاعب الشهير على قائمة الإرهاب.
ورغم حكم المحكمة الإدارية العليا باستمرار تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بإلغاء التحفظ على أموال أبو تريكة، إلا أن محكمة جنايات القاهرة أعادت في أبريل/نيسان 2018، إدراج اسم أبو تريكة، مع 1529 من قيادات جماعة الإخوان لمدة 5 سنوات على قوائم الإرهاب.
وفي يناير/كانون الثاني 2019 دشن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة لدعم أبو تريكة في أزمته القضائية بالتوازي مع تقارير محلية تحدثت عن دور كبير لعبه أبو تريكة في دعم ملف مصر لتحظى بشرف تنظيم كأس أمم إفريقيا 2019.
وتفاعل نشطاء مواقع التواصل بشكل كبير مع الحملة، مطالبين بإسدال الستار على الاتهامات الموجهة لأبو تريكة وضرورة حصوله على عفو رئاسي، ليعود مرة أخرى إلى وطنه، وتصدّر هاشتاج بعنوان #العفو_عن_أبوتريكة المرتبة الأولى في قائمة الوسوم الأكثر تفاعلا في مصر، وقتها.
المصادر
- بعد هتاف الجمهور له... أبو تريكة: لأجلهم أضحي بأي شيء
- للمرة الثانية في البطولة: جماهير مغربية تهتف لـ "أبو تريكة" في الدقيقة 22
- هجوم عنيف على محمد هنيدي والسبب محمد أبو تريكة
- اعتقال عشرات المشجعين ممن هتفوا لأبو تريكة في حضور السيسي
- محكمة تعيد إدراج أبو تريكة على قوائم الإرهاب
- أبو تريكة: "الماجيكو" الذي أدرجته السلطات المصرية على قائمة الإرهاب
- "لن تمشي وحيدا".. حملة جماهيرية للعفو عن أبو تريكة