أمريكا وإيران.. من يكسب معركة الأدلة في بحر عُمان؟
بعد أيام من اتهام واشنطن لطهران بالوقوف وراء الهجمات التي طالت ناقلتي نفط في بحر عُمان وسط استنكار الأخيرة، تشكّل معسكران أحدهما بقيادة أمريكا وحلفائها، والثاني يطالب بمعرفة المزيد قبل اتخاذ أي قرار، ما أصبح بمثابة حرب لجمع الأدلة والبراهين.
وقالت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية: اتهمت واشنطن، من خلال وزير الخارجية مايك بومبو، يوم الخميس الماضي، إيران بالمسؤولية عن الهجمات التي استهدفت ناقلة نفط يابانية وأخرى نرويجية في بحر عمان.
وأضافت: "أكد الرئيس دونالد ترامب، هذا الاتهام في اليوم التالي، فيما أعلنت المملكة المتحدة أيضًا أنها شبه متأكدة من التورط الإيراني بعد إجراء تقييمها الخاص"، حيث قال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت الأحد: "لا نعتقد أن أي شخص آخر يمكنه فعل هذا".
ومن جهتها، توصلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلى نفس النتيجة، حسبما نقلت القناة الثالثة عشرة الإسرائيلية عن "مسؤول كبير يتعامل مع القضايا الإيرانية" لم تفصح عن هويته.
فوبيا إيران
وأشارت "ليبراسيون" إلى أن السعودية، وهي أحد المنافسين الإقليميين لإيران، اتهمت طهران، إذ صرح ولي العهد محمد بن سلمان، في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" بأن "النظام الإيراني لم يحترم وجود رئيس الوزراء الياباني في طهران ورد على جهوده بمهاجمة شحنتين، إحداهما كانت يابانية"، وذلك في إشارة إلى زيارة شينزو آبي النادرة يوم الخميس للتوسط بين أمريكا وإيران.
وأوضحت الصحيفة، أن بن سلمان أكد أيضا "لا نريد حربا في المنطقة، لكننا لن نتردد في الرد على أي تهديد لشعبنا وسيادتنا وسلامة أراضينا ومصالحنا الحيوية"، وانضمت الإمارات العربية المتحدة إلى الرياض في دعوة المجتمع الدولي إلى "التعاون لتأمين الملاحة" في الخليج.
وأكدت، أنه في المقابل نفت إيران تورطها وأشارت إلى أن ما حدث مكيدة، حيث قال رئيس البرلمان علي لاريجاني، الأحد في خطابه: "يبدو أن الأعمال المشبوهة تجاه الناقلات في بحر عمان استكمال للعقوبات الاقتصادية - التي فرضتها واشنطن- ، لأنها لم تحقق أي نتائج من خلالها".
من جانبها، طلبت ألمانيا من روسيا معرفة المزيد قبل اتخاذ أي قرار، فيما شجبت موسكو سياسات الخوف من إيران التي تتبعها للولايات المتحدة ودعت إلى تحقيق دولي شامل ونزيه، كما قدمت طلبا بذلك إلى أنطونيو جوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة.
أدلة كثيرة
وبيّنت "ليبراسيون" أن الحقيقة الوحيدة في هذه القضية هي أن المعلومات المتاحة التي نشرت لا تسمح حتى الآن، بمعرفة ما حدث بالفعل في 13 يونيو/ حزيران قبل الساعة السادسة واثنا عشرة دقيقة، وقت أول إشارة استغاثة أرسلتها شاحنتي النفط.
ولفتت إلى الاستنتاجات التي أجرتها "بيلنج كات"، وهي مجموعة تجري تحقيقات استقصائية بالاعتماد الكامل على المصادر المفتوحة ووسائط التواصل الاجتماعي، حيث أوضحت أن موقع السفينتين يتوافق مع التصريحات الصادرة، كما تؤكد الصور التي تم الحصول عليها بشكل مستقل هوية القوارب والأضرار، وتظهر صورة الأقمار الصناعية دخانا أسود كثيفا يتصاعد من الناقلة النرويجية فرونت ألتير.
أما فيما يخص شريط فيديو البنتاجون الذي يُظهر الحرس الثوري الإيراني وهو يزيل لغما لم ينفجر من هيكل الشاحنة اليابانية، فقالت تُظهر الصور قاربا، مماثلا لتلك القوارب المستخدمة من قبل الحرس الثوري، وأفراد يزيلون شيئا من هيكل الشاحنة، لكن لا يوجد حاليا أي دليل للتحقق من أن ما تمت إزالته من جسم السفينة كان لغما، أو أي دليل على من وضعه هناك.
وذكرت "ليبراسيون" أنه يوم الأحد، أكد مايك بومبيو، أن المخابرات الأمريكية في حوزتها العديد من المعلومات، والكثير من الأدلة التي سيراها العالم في النهاية، بشأن تورط طهران في الهجوم.
ومرتابا من اتهامات واشنطن، أعرب علي فايز، كبير محللي الشأن الإيراني في مركز أبحاث الأزمات الدولية، عن قلقه من هذا الحادث، الذي يأتي بعد شهر واحد من تخريب أربع سفن قبالة الإمارات العربية المتحدة، في إطار مرحلة جديدة من التصعيد بين واشنطن وطهران، مما أدى إلى تفاقم التوتر في الخليج الفارسي، الذي يمر عبره خمس النفط العالمي.
وقال فايز في حوار مع الصحيفة الفرنسية: العناصر التي قدمتها إدارة ترامب ليست واضحة أو حاسمة، وإذا اعتبرنا أن إيران تقف وراء هذه الهجمات، فإن التوقيت مذهل: لقد كانت إيران مشغولة طوال الأسبوع في مختلف الأنشطة الدبلوماسية، واستقبلت وسطاء أوروبيين آخرين لحماية الاتفاق النووي، إضافة إلى الزيارة التاريخية لرئيس الوزراء الياباني.
ورأى، أن الوثائق التي قدمتها إدارة ترامب لا تثبت شيئا نهائيا، وهو أمر يثير الدهشة، خاصة عندما نعرف أن هذه المنطقة هي واحدة من أكثر المناطق مراقبة في العالم، وأن الهجوم وقع في وضح النهار، فلا يظهر الفيديو أكثر من سفينة إيرانية تقترب من الناقلة.
وتابع من المستحيل القول، بحسب الرواية الأمريكية، أن الإيرانيين كانوا هناك لنزع لغم لم ينفجر وبالتالي لمحو آثارهم؛ أو، إذا كانوا هناك لمساعدة أفراد الطاقم كما يقول الإيرانيون، كما أن مايك بومبيو سارع إلى توجيه أصابع الاتهام إلى إيران الخميس، دون أن يدعو حتى إلى تحقيق مستقل تحت رعاية الأمم المتحدة.
من له مصلحة؟
وحول إستراتيجية ترامب تجاه طهران، بيّن الباحث أن العقوبات الأمريكية تلحق أضرارا اقتصادية كبيرة بإيران، لكن هذا لا يعني أنها تؤدي إلى تغيير نهج النظام، وإذا كانت طهران وراء هذه الهجمات بالفعل، فهذا دليل على أن سياسة "الضغط الأقصى" تجعل نظام طهران أكثر عدوانية، وليس العكس.
وفي رده على سؤال حول من يمكن اتهامه بالوقوف وراء هذه الهجمات، أكد أن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة إسرائيل والسعودية والإمارات، يسعون لتغيير ميزان القوى في المنطقة عن طريق دفع الولايات المتحدة وإيران إلى مواجهة عسكرية، ويمكنهم الاستفادة من أي حدث يضع طهران وواشنطن على طريق المواجهة.
وأضاف كذلك يمكن للجهات الفاعلة من غير الدول، سواء كانت القاعدة أو الجماعات المنشقة، الاستفادة من أي حريق قد يتيح لهم الفرصة لاستغلال هذا الاضطراب، داخل الحرس الثوري، يمكن لبعض العناصر الاستفادة من مواجهة عسكرية محدودة إذا لم تشكل تهديدا وجوديا للنظام، حيث سيسمح ذلك لهم بزيادة المراقبة الداخلية. لكن حرس الثورة ما زال تحت السيطرة الصارمة للدولة ويجب عليهم احترام سياسة الصبر الإستراتيجي التي تتبعها إيران.
وخلص فايز إلى اعتقاده بأن حادثة الخميس بعينها لن تؤدي إلى مواجهة عسكرية، لأن الهدف لم يكن أمريكيًا ولم تقع إصابات، مبينا أنها خطوة جديدة نحو إشعال صراع أوسع بين الولايات المتحدة وإيران.