عام بلا قوانين.. ما الذي يعطل التشريعات بالبرلمان العراقي؟
أكمل البرلمان العراقي عامه الأول من عُمر دورته الحالية التي تشكلت بعد انتخابات عامة جرت في مايو/أيار 2018، لكن حصيلة ما أنجزه من إقرار للقوانين كانت صفرا، على الرغم من تراكمها وحديث نواب عن أهمية البعض منها وتعلقه في النظام السياسي للبلد.
ولم تشهد الدورات السابقة للبرلمان من عام 2003، تعطلا للقوانين وإخفاقا في التشريعات النيابية كالدورة الحالية، التي اكتفت بتمرير قانون الموازنة العامة المرحّلة من الدورة السابقة.
"أسوأ برلمان"
وبحثا عن أسباب مضي عام كامل على عمر البرلمان دون تشريعات للقوانين، أرجع النائب العراقي مثنى أمين، ذلك إلى ضعف رئاسة البرلمان الحالي، والإرباك السياسي الذي يشهده البلد.
وقال أمين في تصريح لـ"الاستقلال": إن "الأمر له أسباب تتعلق برئاسة مجلس النواب، وأخرى أسباب موضوعية تتعلق بالإرباك في البلد، وكذلك عدم اكتمال انتخاب رئاسات اللجان في البرلمان الأمر الذي يتعلق جزء منه بإكمال الكابينة الوزارية".
وأوضح، أن "الأسباب الموضوعية المتعلقة برئاسة اللجان، التي لم تكتمل حتى الآن فالبعض منها تدار برئاسة السن (الأكبر عمرا يصبح رئيسا مؤقتا) وهو معيب بالبرلمان، وهذا يؤثر في أداء النواب لإنجاز القوانين".
وزاد أمين قائلا: "جزء من تأخر تشكيل اللجان، متعلق بالحكومة التي لم تكتمل حتى الآن، وأسباب أخرى متعلقة بإرادات في تدخل رئاسة البرلمان التي تتحمل مسألة تأخير اللجان، لكنها لو أرادت لضغطت على القيادات السياسية لاجتماع هذه اللجان بشكل مستمر".
وشدد النائب على أن "رئاسة البرلمان كانت متراخية في هذا الأمر ولم تفعل ما يجب فعله، وبالتالي أثر هذا الموضوع في تشريع القوانين بالبرلمان، والأخطر من ذلك هو سيؤثر في الدور الرقابي للبرلمان على الحكومة".
ووصف أمين، ما يجري من تعطل للقوانين بأنه "يعد سابقة أولى، فهذه الدورة البرلمانية هي الأسوأ من بين الدورات السابقة، لأسباب كثيرة من أهمها أنها جاءت أساسا من عدم شرعية الانتخابات البرلمانية التي جرت في أيار/مايو الماضي، والتزوير الواسع الذي حصل فيها".
وأشار إلى أنه "حتى الآن هناك أكثر من 17 نائبا قضاياهم (شرعية عضويتهم) يجب أن تحسم من السلطات القضائية، لكن هناك تدخل من السلطة التنفيذية والقيادات السياسية والمافيات بأن لا تمشي هذه القرارات".
وتابع النائب العراقي: "هناك للأسف نظام سياسي مرتبك وملتبس بكثير من الاشكالات التي تعيق العمل الصحيح لمجلس النواب العراقي".
وحول أهم القوانين المعطلة، قال النائب: إن "القوانين التي تحتاج إلى إقرار كثيرة جدا، ومنها من يتعلق بأصل النظام السياسي والتي تأخرت من الدورات السابقة وكان يجب أن تشرّع".
وبيّن أمين، أن "من القوانين المهمة هي: قانون مجلس الاتحاد وقانون النفط والغاز، وقانون المحكمة الاتحادية وقوانين أخرى من هذا النوع، كلها تتعلق بتشكيلة الدولة، وأخرى لها علاقة بحاجات المواطنين".
"سُبات السلطة"
وعلى الرغم من الوعود التي أطلقتها رئاسة البرلمان، للبدء في تشريع القوانين عقب انتهاء عطلة الفصل التشريعي الأول، إلا أنها لم تجد طريقها إلى التطبيق بعد مضي شهرين على انقضائها.
وعقد البرلمان العراقي جلسته الأولى في التاسع من مارس/آذار الماضي، بعد عطلة تجاوزت الـ50 يوما عقب انتهاء فصله التشريعي الأول من الدورة البرلمانية الرابعة.
وما إن أنهى البرلمان عطلته للفصل التشريعي الأول في 9 مارس/ آذار الماضي، حتى دخل عطلة جديدة لمدة تسعة أيّام أخرى احتفاء بأعياد نوروز، التي توافق 21 من الشهر ذاته.
وعدّ النائب في البرلمان عبد الله الخريبط عطلة البرلمان الجديدة التي تستمر تسعة أيام، "أمرا طبيعيا"، معتبرا أنّ "المشكلة التي يواجهها البرلمان هي عدم توفر قوانين على جدول أعماله لتشريعها".
وقال الخربيط في تصريح صحفي: إن "هناك 350 قانونا مدورا (مرحلا) من الدورات السابقة لم تمرّر حتى اليوم"، مشيرا إلى أنّ "هذه القوانين ينتظر أن ترسلها الحكومة الى البرلمان، لتتم قراءتها ومناقشتها وتشريعها، إلّا أنّه لا يوجد أي قانون جاهز للتشريع حاليا".
أما عضو تحالف "الإصلاح"، محمد الجنابي، فقد وصف، أنّ "ما يقوم به البرلمان من الخروج من عطلة ودخول عطلة جديدة هو بمثابة استخفاف بالشعب الذي اختاره لينوب عنه".
وأكد الجنابي في تصريح نقلتها صحيفة "العربي الجديد"، أنّ "هذه العطل هي فترات لسبات السلطة التشريعية العراقية، ولا نعلم الى متى ستستمر".
وشدد على "ضرورة أن يكون البرلمان على قدر المسؤولية التي كلفه بها الشعب، وأنّ يكون له دور بتشريع القوانين التي تحد من الفساد وسرقة أموال الشعب، وقوانين أخرى يحتاجها المواطنون".
"افتقار للتجربة"
ومع الأسباب الموضوعية التي تحدث عنها النائب العراقي، أضاف المحلل السياسي حسن الخزرجي، "التجربة الحديثة لأعضاء جدد في مجلس النواب"، سببا آخر في إرباك العملية التشريعية.
وقال الخزرجي في حديث لـ"الاستقلال": إن "حوالي 90 بالمئة من الأعضاء هم جدد وليس لهم خبرة في تشريع القوانين، إضافة إلى الخلافات السياسية التي عقدت المشهد التشريعي داخل البرلمان".
وأشار إلى أن "عدم اكتمال تشكيل الكابينة الحكومية، يعد دليلا واضحا على الخلافات السياسية، فإذا كانت قضية أساسية كهذه تأخرت وبقيت 4 من وزاراتها شاغرة، فكيف بتشريع القوانين؟".
واتفق المحلل السياسي مع ما ذهب إليه النائب العراقي، من أن "ضعف رئاسة المجلس الحالي هو أحد الأسباب، فقد كان الرئيس السابق للبرلمان سليم الجبوري رجل قانون وأكثر دراية بإقرار القوانين، أما الحالي محمد الحلبوسي، فهو مهندس بالأساس، وعلى الرغم من خبرته البسيطة في البرلمان خلال الدورة السابقة، إلا أنه غير قادر مع نائبيه على إدارة البرلمان".
ولفت الخزرجي إلى أن "النائبين الأول والثاني لرئيس البرلمان في هذه الدورة الأولى قليلا خبرة أيضا، فالأول من التيار الصدري لم يسبق له أن مارس العمل النيابي، والآخر من الحزب الديمقراطي الكردستاني كذلك، وأن العمل التشريعي يحتاج إلى دراية قانونية، في هذا المجال".
"آفة الغيابات"
من جهته، رأى الكاتب واثق الجابري أن "التقصير بأداء الواجب وهدر الوقت، والعمل على تعطيل السلطة، من أخطر الفساد، بل شلل لمفاصل الدولة، في حال تعطل السلطة التشريعية والرقابية بشكل مقصود".
وأضاف في مقال له، أن "واجب البرلمان يُعرب بأن النيابة عن مجموعة من الشعب، تضع لها الدول أرقاما حسب ضروراتها، وفي العراق كل برلماني ينوب عن 100 ألف مواطن، وعندما يفوز النائب بعضوية البرلمان، يصبح ممثلا لكل الشعب، ويعمل كل منهم بدور محدد لتكامل الخدمة لشعب كامل.
ورصد الجابري، أن "البدايات للبرلمان الحالي كانت متعثرة، لانشغال الأعضاء بالسجالات السياسية، والخلافات أدت الى عدم إكمال الكابينة الحكومية ومن ثم إطلاق البرنامج الحكومي، وأنتهى الفصل التشريعي الأول دون تشريع قانون واحد".
والمشكلة التي تلازم البرلمان، بحسب الجابري، "ما تزال قائمة بكثرة الغيابات وعدم اكتمال النصاب، مرة لا مبالاة بدور البرلمان بغياب المحاسبة، وأخرى لغرض فرض إرادة على بقية القوى واعتبار ما يخالف الواقع واقعا".
ورأى الكاتب العراقي، أن "السبب يكمن في ذات البرلمان، فهو عاجز عن تشريع القوانين المهمة، ومن أهمها إلزام أعضائه بالحضور الى الجلسات، في ظل غياب تشريع نظام داخلي، يلزم الحضور ويعاقب على الغياب، لدرجة فصل البرلماني في حال تجاوزه نسبة معينة من عدد الجلسات من كل فصل تشريعي، فيما لم يلتحق نواب حتى الآن".
توزيع المقاعد
وطبقا للدستور العراقي، فقد حددت المفوضية العليا للانتخابات البرلمانية، عدد مقاعد البرلمان في لعام الجاري 2019 بـ 329 نائبا موزعة بين 18 محافظة، ومنحت النساء 25 بالمئة.
وجاءت حصة محافظة بغداد من أعضاء مجلس النواب 71 نائبا، منهم 69 نائب يأتون بالانتخابات العامة، يضاف إليها نائب واحد يمثل حصة المكون المسيحي، ونائب آخر عن الصابئة، فيما تكون حصة النساء فيها 17 نائبا.
أما حصة محافظة نينوى 34 مقعدا، منها 31 مقعدا في الانتخابات العامة، بالإضافة إلى نائب واحد عن كل من المسيحية واليزيدية والشبك، بينما خصصت 8 مقاعد للنساء عن المحافظة.
وتأتي المحافظات الأخرى على النحو التالي: "البصرة 25 مقعدا، منها 6 للنساء. ذي قار 19 مقعدا، منها 5 للنساء. السليمانية 18 مقعدا، منها 5 للنساء. بابل 17 مقعدا، منها 4 للنساء. الأنبار 15 مقعدا، منها 4 للنساء".
وكذلك محافظات "أربيل 15 مقعدا، منها مقعد للمكون المسيحي، و4 مقاعد للنساء. ديالى 14 مقعدا، منها 4 للنساء. النجف 12 مقعدا، منها 3 للنساء. صلاح الدين 12 مقعدا، منها 3 للنساء. القادسية 11 مقعدا، منها 3 للنساء".
وخصصت لـ"كربلاء 11 مقعدا، منها 3 للنساء. ميسان 10 مقاعد، منها 3 للنساء. المثنى 7 مقاعد، اثنان منها للنساء. دهوك عدد المقاعد 12، منها 11 مقعدا، إضافة إلى مقعد للمكون المسيحي، وحصلت النساء فيها على 3 مقاعد".
وكذلك كانت حصة محافظات "واسط 12 مقعدا، منها 11 مقعدا بالانتخابات العامة، إضافة إلى مقعد للأكراد الفيلية، وحصلت النساء فيها على 3 مقاعد. أما كركوك فعدد المقاعد الكلية 13، منها 12 مقعدا في الانتخابات العامة، إضافة إلى مقعد للمكون المسيحي، وحصلت النساء فيها على 3 مقاعد".