كاتب تركي: حان وقت التغيير في القضية الأرمنية.. لماذا الآن؟
نشرت وكالة "الأناضول" مقالا ليلدز ديفه جي بوزقوش أستاذ الدراسات القوقازية في جامعة يلدريم بايزيد التركية، سلط فيه الضوء على "قضية الأرمن" التي يعود تاريخها إلى عام 1915، وأثيرت قبل أيام بعدما هاجمت برلمانية فرنسية، الدولة العثمانية واتهمتها بارتكاب "مجزرة بحق الأرمن"، لتحدث موجة من السجال بين تركيا وفرنسا.
وقال بوزقوش في مقاله إنه "في شهر أبريل/ نيسان من كل عام تبرز على الساحة أحداث عام ١٩١٥. وفي هذا العام أيضا برزت النقاشات حول هذا الموضوع من جديد على الصعيد الدولي".
جذور الأحداث
واستهل الكاتب التركي حديثه، بالعودة إلى جذور هذه الأحداث التي تعرف باسم "القضية الأرمنية" وترجع إلى معاهدة "آيا استيفانوس" التي وقعتها الدولة العثمانية مع روسيا بعد الحرب بينهما في١٨٧٧-١٨٧٨. واستمرت هذه القضية موضعا للنقاش حتى نهاية الدولة العثمانية، وبقيت بارزة في عهد الجمهورية التركية أيضا. ورغم التحولات الكبيرة في مسار هذه القضية خلال سنوات الجمهورية؛ فقد برزت مرة أخرى وبإطار جديد خلال فترة الحرب الباردة.
وأوضح بوزقوش أنه "في يومنا هذا صار الصغير قبل الكبير يسمع النقاشات حول هذه القضية، لا سيما بعد فعاليات ٢٤ أبريل/ نيسان التي تجري سنويا. وتستمر هذه القضية في شغل محلها في المجتمع الدولي، بل ويستخدمها السياسيون أداة في سياساتهم الداخلية. هذا إلى جانب النصب والتماثيل والآثار التذكارية التي تقيمها حتى الدول البعيدة، إضافة إلى اتخاذ هذه الدول قرارات وقوانين ضد تركيا".
وأشار إلى أنه "خلال الفترة الممتدة من الحرب الباردة وحتى اليوم اتّخذ ما يقارب ٣٠ قرارا ضد تركيا حول هذا الشأن. هذه القرارات التي تصدر بأن العلاقات التركية الأرمنية مستجدة ولا تمتد إلى ما قبل ١٠٠ عام؛ لم تعد تلقى ردات فعل تركية. على العكس من ذلك؛ فإنها تعطل العلاقات والمصالح يين الدولتين وتجذر العداء بينهما".
واستطرد بوزقوش قائلا: "في يومنا هذا تشكل المسألة الأرمنية مشكلة في العلاقات التركية مع كثير من دول العالم وعلى رأسها الدول الغربية، إلى جانب توتر العلاقات التركية- الأرمنية. والمنظمات الدولية بدورها لا تتخلف عن التلويح بهذه المسألة بمناسبة وبدون مناسبة معرضة تركيا بذلك لانتقادات شتى. يظهر هذا من تقارير الاتحاد الأوروبي وبيانات الأمم المتحدة وغيرهما الكثير من المنظمات الدولية. وفوق هذا فقد اعتُرف بأحداث ١٩١٥ كمذبحة تطهير عرقي من قبل أكثر من ثلاثين دولة منذ عام ١٩٦٥، بل وعدت بعض الدول إنكار الاعتراف بالمذبحة جريمة".
وسلط الكاتب التركي على نقطتي تحول كبيرتين تؤثران في الوضع الحالي للقضية، وهما: "الأولى: اتفاقية آيا استيفانوس التي وقّعت بعد الحرب الروسية العثمانية ١٨٧٧-١٨٧٨. والثانية: القرار الذي أصدره برلمان الأوروغواي في يوم ٢٠ أبريل/نيسان ١٩٦٥".
وأوضح أن "هذان الحدثان حملا ادعاءات مذابح الأرمن إلى أبعاد أخرى. حتى لقد باتت هذه الادعاءات تؤثر على العلاقات التركية-الأرمنية بشكل مباشر. وقد بلغ هذا التوتر مستوى غير مسبوق بإغلاق ممرين حدوديين بين تركيا وأرمنستان (آراكيا وعليجان) بتاريخ ٣ أبريل/نيسان ١٩٩٣. كما تسببت هذه المسألة في توقف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين".
وتابع الكاتب: "هذه الحالة تؤثر على أرمنستان سلبا بنفس درجة تأثيرها على تركيا. ولهذا فإن التواصل بين البلدين لا يتم إلا عبر طرف وسيط (جورجيا). وقد تحولت أرمنستان مع الزمن إلى دولة وحيدة تنطوي على داخلها يوما بعد يوم، بعد إغلاق منافذها الحدودية مع أذربيجان وتركيا وانحصار تواصلها مع العالم على الحدود الإيرانية".
وأبدى بوزقوش استغرابه بالقول إن "هذا الوضع يدفعنا إلى التعجب، إذ إن تاريخ الأرمن شاهد على أنهم كانوا على علاقات مع الدول العظمى في المنطقة وكانوا يحافظون على هذه العلاقات ويطورونها يوما بعد يوم. ولنضرب مثالا على ذلك: العلاقات التركية-الأرمنية فقد كانت منذ بدايتها في عهد السلاجقة وثيقة وقوية بين الطرفين. فقد تعاون الأرمن مع الأتراك السلاجقة للتخلص من الإمبراطورية البيزنطية".
وزاد: "وفي العهد العثماني برز الأرمن بعلاقاتهم الوثيقة مع الدولة ومشاركاتهم الواسعة في العلوم والآداب والفنون، إلى جانب إسهامات وخدمات المثقفين الأرمن للدولة. وهذا في الحقيقة موضوع يستحق إفراده بالبحث والتمحيص".
دعوة لأرمنستان
وتطرق الكاتب التركي، إلى أسس الدولة التي نسميها اليوم أرمنستان، فقد أكد أنها "تعود إلى استيطان أعداد كبيرة من الأرمن في منطقة أريفان وما حولها بدعم من روسيا. ورغم أن الأرمن من شعوب المنطقة القديمة، إلا أنهم لم يكونوا من القوى المؤثرة كالروس والفرس أو العثمانيين وتاثروا بفعل هذه القوى تأثرا غير هين".
ورأى بوزقوش، أنه "اليوم وانطلاقا من هذه النقطة بالذات فقد حان الوقت كي يتخذ الأرمن لأنفسهم خارطة طريق مستقلة عن تأثير الدول الغربية في ظل تحالف تركيا مع إيران وروسيا. ربما يسبب هذا خطرا على أرمنستان، لكن احتمال النجاح أيضا مغر بنسبة تجعل خوض هذه المخاطرة أمرا يستحق ذلك".
وأشار إلى أنه خلال "الفترة الممتدة من الحرب الباردة وحتى اليوم اتّخذ ما يقارب ٣٠ قرارا ضد تركيا حول هذا الشأن. ولا شك بأنها ستستمر في الصدور. المهم في الوضع الراهن هو محاولة الدولتين تركيا- أرمنستان تجربة ما لم تجرباها من قبل. هذه القرارات التي تصدّر أن العلاقات التركية الأرمنية مستجدة ولا تمتد إلى ما قبل ١٠٠ سنة؛ لم تعد تلقى ردات فعل تركية. على العكس من ذلك؛ فإنها تعطل العلاقات والمصالح يين الدولتين وتجذر العداء بينهما".
وبحسب الكاتب، فلم تعد قرارات الدول الغربية ضد تركيا ذات معنى بالنسبة لأنقرة، فالقرارات المتخذة اليوم لا تختلف كثيرا عن القرار الذي اتخذته الأوروغواي -مثلا- عام ١٩٦٥؛ فليس له أية أهمية أو تبعة قانونية. إذ لا توجد محكمة دولية اعترفت بأن أحداث ١٩١٥ مذبحة ضد الأرمن".
وتساءل بوزقوش، أليس من الضروري للعلاقات التركية الأرمنية؛ التي تمتد جذورها إلى ما قبل ١٠٠٠ سنة، إعادة النظر في شكلها الحالي وتجربة الحلول السلمية؟ لقد جرب الطرفان كل الطرق إلا هذا الطريق. بخلاف هذا فسيستمر المجتمع الدولي ودول العالم في استخدام هذه المسألة كأداة رغم عدم صحتها. وهذا سيكون عارا كبيرا على المجتمع الدولي والإنسانية.
وكنقطة أخيرة، دعا الكاتب إلى ضرورة، أن القرار الذي اتخذه الرئيس الفرنسي ماكرون باسم فرنسا التي تعرف بـ"مهد الديمقراطية" ليس له أي مستند قانوني، وهو بهذا يتصرف مخالفا المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بل ويخالف الدستور الفرنسي أيضا.
وشدد على أن هذه المسألة قد حُلّت بين تركيا وأرمنستان قانونيا خلال اتفاقيات موسكو وقارص ولوزان. وهكذا فإن قرار الحكومة الفرنسية والإيطالية بالاعتراف بهذه الأحداث مذبحة؛ ليس له مستند قانوني البتّة. إنما هي محاولة منهما لخلق جو متوتر وتوفير بعض المكاسب. وفي الحقيقة فإن عليهم ان يعلموا أن تركيا لن تتخلى عن موقفها الصارم في هذه القضية.
ولفت بوزقوش إلى أنه في فرنسا يحتل اللوبي اليهودي المركز الأول في النفوذ يليه اللوبي الأرمني. وتلعب اللوبيات الأرمنية في دول أوروبا دورا مهما في صدور هذه القرارات من دول مختلفة كإيطاليا وفرنسا. واستمرار هذه اللوبيات في أنشطتها يعني مزيدا من القرارات المعادية لتركيا".
وأكد الكاتب أن "هذه القرارات كما أنها لا تفيد تركيا ولا أرمنستان؛ فإنها ترسخ في العالم صورة "الأرمني المظلوم المشرد" و"التركي الظالم الغاشم". وهذا لن يفيد سوى في ترسيخ الكراهية، مع أن هذه الدول نفسها عضوة في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي وهيئة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات التي تدعو إلى تقارب الشعوب، وتحقيق السلام والتعايش، وقطع نبتة الحقد والتطرف.
وعزز الأستاذ في جامعة يلدريم بايزيد حديثه بنشر قرارات صادرة عن عدد من الدول، وقال: "لكن هذه الدول تناقض أقوالها بأفعالها، وهي تتخذ قراراتها حول المسألة الأرمنية منذ عام ١٩٦٥ كما هو مبين في القائمة:
-
قرار برلمان الأوروغواي ١٩٦٥، ٢٠٠٤
-
قرار مجلس نواب الإدارة اليونانية بجمهورية قبرص الجنوبية ١٩٨٢
-
قرارات البرلمان الأرجنتيني ١٩٩٣، ٢٠٠٣، ٢٠٠٤، ٢٠٠٥، ٢٠٠٦، ٢٠٠٧، ٢٠٠٨
-
قرار الدوما الروسي ١٩٩٥، ٢٠٠٥
-
قرار مجلس العموم الكندي ١٩٩٦، ٢٠٠٢، ٢٠٠٤
-
قرار البرلمان اليوناني ١٩٩٦
-
قرار مجلس النواب اللبناني ١٩٩٧، ٢٠٠٠
-
قرار البرلمان البلجيكي ١٩٩٨
-
قرار المجلس الإيطالي ٢٠٠٠، ٢٠١٩
-
البلاغ المشترك الذي أصدره البابا جون باول الثاني وكبير الأساقفة الأرمني كاركين الثاني ٢٠٠١، ٢٠٠٠، ٢٠٠١
-
مشروع قانون في المجلس الفرنسي ١٩٩٨، ٢٠٠٠، ٢٠٠١، ٢٠١٩
-
قرار المجلس القومي السويسري ٢٠٠٣
-
قرار البرلمان السلوفاكي ٢٠٠٤
-
قرار البرلمان الهولندي ٢٠٠٤
-
قرار البرلمان البولوني ٢٠٠٥
-
قرار المجلس الألماني الفيدرالي ٢٠٠٥، ٢٠١٦، ٢٠١٨
-
قرار البرلمان الفنزويلي ٢٠٠٥
-
قرار برلمان ليتوانيا ٢٠٠٥
-
قرار برلمان تشيلي ٢٠٠٧
-
قرار البرلمان السويدي ٢٠٠٠-٢٠١٠
-
البرلمان الجمهوري البوليفي ٢٠١٤
-
مجلس النواب البرلمانيين التشيكي ٢٠١٥
-
البرلمان النمساوي ٢٠١٥
-
المجلس الفيدرالي البرازيلي ٢٠١٥
-
البرلمان البلغاري
-
البرلمان السوري
-
برلمان لوكسمبورغ
-
برلمان برغواي
-
البرلمان الأمريكي اللاتيني (بنم) ٢٠١٥
استغلال الأحداث
وانتقل الكاتب في حديثه، إلى أنه "ربما تتبادر إلى بعض الأذهان، مثلا: إذا كان القصد الوصول إلى تحقيق العدالة والسلام بين الطرفين فلماذا لا يعتمدون إلا على شهادة طرف واحد فقط؟ ألا تعلم هذه الدول أنه ثمت وجهة نظر تركية مختلفة؟ أم أنها تتخذ هذه القرارات لتستغلها كأداة في سياساتها؟ أيا كانت الأسباب؛ فإن اتخاذ مثل هذه القرارات يضر بالعلاقات التركية-الأرمنية أكثر مما يفيد".
على صعيد آخر، فقد اتخذت تركيا خطوات جادة حول هذه القضية خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة كتأسيس مجمع المؤرخين الأتراك- الأرمن في فيينا، ولجنة المؤرخين المشتركة، واتفاقية "تأسيس علاقات دبلوماسية بين الجمهورية التركية والجمهورية الأرمنية" الموقعة في مدينة زيورخ السويسرية عام ٢٠٠٩، بحسب الكاتب.
وأضاف: "رغم أن معظم محاولات تركيا للمصالحة لم تلق جوابا إلا أنه على تركيا ألا تتخلى عن موقفها هذا، عليها أن تتخذ موقفا واضحا وصارما للحفاظ على العلاقات بين البلدين، هذه العلاقات التي تمتد جذورها إلى ما قبل ألف عام".
ودعا الكاتب، أرمنستان مع بداية عهد باشينيان أن تتخذ قرارات جريئة في هذا الشأن وتصافح يد السلام التي تمدها تركيا إليها. يجب أن لا تغفل أرمنستان عن أهمية العلاقات مع تركيا، ويجب أن تحرص على تطوير هذه العلاقات كما تحرص على تطويرها مع إيران وروسيا والصين.
وأردف: "لقد حان وقت التحرك المشترك مع دول المنطقة بعد أن توجهت تركيا إلى الشرق؛ إيران وروسيا. ولتحقيق ذلك يجب على أرمنستان أن تحل مشكلتها مع أذربيجان. وهذا التغير سيكون مفيدا لأرمنستان بالدرجة الأولى، ثم لباقي دول المنطقة. لكن لإجراء هذا التغيير؛ على باشينيان إجراء تغييرات جذرية في المناصب الحساسة في بلاده. فقد حان وقت تغيير السياسة التي اتبعها أسلافه حول ادعاءات المذبحة بعد أن مضى وقتها ولم تعد تجدي شيئا".
ورأى الكاتب أن "سياسة رمي الاتهامات جزافا لم تعد تجدي، بل ولم تعد تعني شيئا لا للأتراك ولا للأرمن، وهذا يجب أن لا يغفل عنه أحد. اليوم أدركت تركيا هذا الأمر وبدأت تتخذ خطوات إيجابية جادة لتحقيق المصالحة مع الأرمن الذين عاشوا في هذه البلاد مع الأتراك أكثر من ألف سنة.
واختتم بوزقوش حديثه بالقول: "كان من تلك الخطوات ما ورد في تصريحات المسؤولين الأتراك في يوم ٢٤ أبريل/نيسان من دخول بعض النواب من أصل أرمني مجلس الشعب التركي ممثلين عن الشعب، وفتح اقسام وتخصصات جامعية تدرس تاريخ الأرمن وهذه المسألة على وجه الخصوص، بل وفتح مؤسسات إعلامية ناطقة باللغة الأرمنية.
وتابع: "هنا فالدور دور أرمنستان، عليها أن تساءل نفسها عما اتخذته من خطوات في سبيل المصالحة. فقد حان وقت إعادة النظر في السياسات السابقة التي زادت المواقف تعقيدا".