أهاليهم في الداخل.. ورقة ضغط السلطات السعودية لإسكات المعارضين بالخارج

شدوى الصلاح | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد لا تتوانى السلطات السعودية في ابتكار طرق قمعية جديدة لإرهاب وترهيب وإسكات المعارضين لها في الخارج، مستغلة أهالي وأقارب هؤلاء المعارضين كورقة ضغط تلعب بها وتستغلها جيدا لإخراس المنتقدين لسياستها.

وسائل القمع التي تتنوع بين التهديد باعتقال أهاليهم أو احتجازهم ومنعهم من السفر خارج المملكة، بدأت تتصاعد وتيرتها منذ أن توجهت مجموعة من الأكاديميين والناشطين المعارضين للخارج منذ سنوات، وأسس بعضهم أحزاب وتيارات معارضة للنظام السعودي.

آليات الابتزاز

الاعتقالات باتت تتخذ شكلاً آخرا، فبعد أن كانت تستهدف الشخص المعارض أو صاحب الرأي المخالف لرؤية السلطات، أخذت تشتمل على أفراد أسرته وربما الأسرة برمتها أو من يحاول الدفاع عن المعتقل والمطالبة بالإفراج عنه، فضلا عن التهديد النفسي بهدف الابتزاز لإجبار المعارضين في الخارج على الصمت والمعتقلين في الداخل على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.  

أما أسلوب المنع من السفر تحديدا فهو آلية بيد السلطة تستخدمها بحق ذوي المعتقلين، والناشطين السياسيين، وسبق أن فرضت حظرا على سفر 17 شخصا من أبناء وأقارب الداعية السعودي المعتقل الدكتور سلمان العودة ومنع نجله عبد الله العودة من تجديد جوازه.

كما منعت السلطات سفر أبناء الصحفي جمال خاشقجي، الذي اغتيل داخل قنصلية المملكة في مدينة إسطنبول التركية، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، قبل أن تسمح لهم بالخروج من البلاد بعد ضغوط أمريكية، وتفجر قضية الاغتيال دولياً.

طلب الرحمة

المعارض السعودي علي هاشم الحاجي، اللاجئ في لبنان، قال إن  السلطات السعودية استدعت لوالده قبل أسبوعين، وطلبت منه أن يتواصل مع نجله ويقنعه بالرجوع إلى البلاد وكتابة خطاب يطلب فيه الرحمة من الملك سلمان بن عبد العزيز العاهل السعودي.

الحاجي أوضح في حديثه مع "الاستقلال" أن والده أجاب بأن ابنه لن يعود ولن يطلب الرحمة إلا من الله، قائلا "آخر مرة رأيت فيها والدي كانت في مارس/آذار 2017، وأولادي الخمسة وضعتهم المخابرات السعودية قيد الإقامة الجبرية ومنعتهم من السفر وتجديد جوازات سفرهم".

مضيفا: "جرى التواصل معي عدة مرات يطلبون مني العودة إلى السعودية ورفضت، كل المضايقات التي يتعرض لها أهلي بسبب نشاطي السياسي وانتقادي لحرب اليمن ورفضي التمييز العنصري ضد الشيعة في السعودية وانتقادي إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر والمطالبة بحقوق الشعب وحريته".

الأبرياء رهائن

لم يكن "الحاجي" هو الحالة الأولى للمعارضين والناشطين السعوديين في الخارج، الذي تعرض أهله لمضايقات من السلطات السعودية، ففي  أغسطس/آب 2018 أعلن الناشط والمعارض السعودي عمر عبد العزيز الزهراني، الذي حصل على حق اللجوء السياسي في كندا قبل سنوات، أن سلطات بلاده هددته باعتقال إخوته وأصدقائه في حال استمر بالتغريد عن الأزمة مع كندا التي وقعت على خلفية مطالبة الأخيرة للمملكة بالإفراج عن معتقلات حقوقيات.

"الزهراني" حمل حينها عبر حسابه بتويتر، الحكومة السعودية مسؤولية سلامة إخوته وأصدقائه، وأقسم بأن هذا الأسلوب لن يؤتي أكله معه وأن البلطجة لن تثنيه عن فعل أي شيء.. والابتزاز لن يزيده إلا ثباتا، متسائلاً: "مواجهتكم معي! ما شأن أهلي وأصدقائي؟".

وفي مارس/آذار 2018 أوضح الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي الأكاديمي والداعية السعودي المقيم بلندن، أن سلطات المملكة منعت أسرته وجميع أفراد عائلته من السفر، موجها رسالة إلى منظمات حقوق الإنسان الدولية، لـ"تسجيل هذه الانتهاك، ومتابعتها حتى يزال هذا الظلم".

وقال الغامدي في حديثه لـ"الاستقلال" إن "السلطات السعودية منعت زوجاته وأطفاله وأبنائه الكبار وبعض إخوته من السفر"، مؤكدا أن "أساليب القمع والتهديد التي تتبعها السلطات السعودية متنوعة وكثيرة ودالة على الفساد السياسي الذي هو الأساس في معظم أنواع الفساد الأخرى اجتماعية أو اقتصادية أو أخلاقية".

الغامدي أشار إلى أن الأصل شرعا أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، قائلاً: "الظالم لا يرى أبعد من أنفه ولا يسمع أبعد من أذنه، استخدام الأطفال والنساء كورقة ضغط يشبه عمل القراصنة والإرهابيين في استخدام الأبرياء كرهائن لتحقيق مطالبهم.. وكل دولة وصلت لهذه المرحلة فهي تؤكد على ظلمها وعدوانها على شعبها".

عقلية الامتلاك والغطرسة

المعارض السعودي فهد الغويدي، اعتقلته السلطات السعودية ثلاث مرات بدعوى بيعه كتب بدون ترخيص ونشر فكر مخالف، ومحاولة قلب نظام الحكم والتآمر ضده، والانضمام لجماعات مشبوهة، وخرج من المملكة في 2017 إلى المغرب ومنها إلى ماليزيا ثم تركيا وأخيرا استقر بإنجلترا.

الغويدي قال لـ "الاستقلال" إن "أسرته تعرضت لضغوط للوصول إليه في بداية خروجه من المملكة، وبعد ذلك جرى استجوابهم جميعا وطلبهم للتحقيق ولفترات مطولة ومتقطعة، ومن ضمنهم شقيقه الصغير المصاب بالتوحد، فلم تنقذه إعاقته الذهنية من التحقيق والاستجواب وبأساليب سيئة جدا".

ولفت الغويدي إلى أن أهله جرى مراقبة منازلهم وهواتفهم بشكل دائم والضغط عليهم للتبرؤ منه، كما جرى استدعاء أغلب أصدقائه والأشخاص الذين كان على تواصل معهم للتحقيق والاستجواب.

الغويدي أكد أن "استخدام السلطات السعودية لهذه الأساليب يدل على ضعفها في المقام الأول وحقيقتها وواقعها السيئ الذي ربما يجهله الكثير من أبناء الشعب، وهي صورة مغايرة تماما لما يجر الترويج له في الإعلام الرسمي أو الإعلام البديل من قبل مؤسسات محسوبة على الدولة".

وأوضح المعارض السعودي أن "سلطات المملكة تقمع الأصوات المعارضة لسببين، أولهما أنها تدرك تماما مدى هشاشة مشروعها ومدى سوءها وفسادها وبالتالي تخشى من الحقيقة التي تنطق بها المعارضة، لأنها تخشى من التأثير الشعبي وتحرك الشعب ضدها، أو على الأقل زيادة الوعي بين أفراد الشعب لأنها الخطوة الأولى في سبيل تحرك جماهيري حقيقي في الشارع".

والسبب الثاني وراء قمع السلطات للمعارضة حسب الغويدي، "هي عقلية الامتلاك والغطرسة المتأصلة في أفراد الأسرة الحاكمة وتحديدا المسؤولين منهم وأصحاب المناصب العليا، هذه العقلية تدفعهم للإيمان والاعتقاد بأنهم يملكون الأرض ومن عليها".

الغويدي تابع مستطردا "الملك سلمان لا سياسة له ولا تأثير لأنه مصاب بالزهايمر منذ فترة طويلة وحالته تسوء يوما بعد يوم وهو مجرد صورة لتمرير القرارات وتحميل الأخطاء عليه، وكذلك فزاعة يستخدمها ولي العهد للأسرة نفسها، الملك خارج المشهد تماما وهو بمثابة شرعية يعطيها ولي العهد لنفسه".

رسالة للداخل

الشهر الماضي وتحديدا مساء الأحد 17 مارس/آذار 2019 اعتقلت السلطات السعودية محمد سلطان العبدلي (19 عاما)، نجل الناشط الحقوقي والمحامي سلطان العبدلي (45 سنة)، بذريعة التحقيق معه بشأن والده، كما اعتقلت شخصين آخرين بزعم التحقيق معهما على خلفية مطالبتهما عام 2009 برفع حظر السفر عن العبدلي، بحسب حساب معتقلي الرأي بالسعودية.

وذكر الحساب أن نجل العبدلي اعتقل رغم إصابته بمرض القلب، وأنه تعرض لظروف قاسية خلال الاعتقال جعلته طريح الفراش، وأن جميع أفراد عائلته ممنوعون من السفر، وذلك في محاولة لابتزاز العبدلي وإجباره على العودة إلى المملكة وتسليم نفسه.

وسبق للمحامي والحقوقي السعودي أن تعرض لمحاولة اختطاف العام الماضي في العاصمة البريطانية، كما تلقى تهديدا بالتصفية، وذلك على خلفية نشاطه الحقوقي المنتقد لممارسات السلطات السعودية.

العبدلي الذي غادر المدينة المنورة بعد حملة اعتقالات طالت دعاة ومفكرين وإعلاميين وغيرهم، في سبتمبر/أيلول 2017، اعتقل 7 شهور في العام 2005، بسبب مناصرته للمطالبين بالإصلاحات، وتأثره بأفكار مفكرين أبرزهم سلمان العودة، وسفر الحوالي، ومحمد الأحمري، وعبد الله الحامد، وآخرين.

وفي حديثه مع "الاستقلال" أكد العبدلي "تعرض أهله لمضايقات من قبل السلطات السعودية شملت المنع من السفر والاستجواب المتتالي لأهله وأصدقائه وكل من في دائرته، ظنا منهم أن لهم سبباً في دعمه أو خروجه أو لديهم معلومات عنه"، مشيرا إلى أن ما تفعله السلطة هو "رسالة للسعوديين بأن أي معارض للمملكة في الخارج سوف ننكل بأهله ومعارفه في الداخل".

وشدد العبدلي على أنه "ليس لديه إلا الكلمة ولا يملك غيرها، والدعوة لحراك سلمي يدافع عن المجتمع وعن المعتقلين ويكشف عوار سلوك النظام واستبداده بالقرار، بالذات في القضايا الكبرى، مثل تبديد الأموال وحرب اليمن".

ولفت العبدلي إلى أن "الوضع الحقوقي في السعودية سئ جدا ومتدني إلى درجة أصبحت مخجلة ومؤسفة ومحزنة"، مؤكدا "ضرورة تغيير النظام السعودي بالكامل لأنه أصبح مثل الداء بقاءه يدمر جذور المجتمع ويفسدها".

العبدلي طالب "بتمثيل شعبي كامل ومجالس برلمانية وإطلاق سراح المعتقلين وكتابة دستور للبلاد وإقرار حرية التعبير والصحافة والتجمعات والشفافية واستقلال القضاء".

أفق محدود

الناشط الحقوقي علي الدبيسي رئيس المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان يرى أن "الحكومة حينما بدأت باستهداف الناشطين والمعارضين في الخارج عبر استهداف ذويهم في الداخل، كانت تراهن على رضوخهم وصمتهم، لكن ما نراه من مواقف صلبة من بعض الناشطين تدل على عزمهم قطع الطريق على هذه السياسة، التي ستظهر في المقام الأول المزيد من سوء الحكومة الحالية، وستؤكد عدم صلاحهم لحكم الشعب".

وأضاف في حديثه مع "الاستقلال" أن "ابتزاز السلطات السعودية للمعارضين بالخارج واستخدامها ذويهم كورقة ضغط سياسة غير محسوبة العواقب، وتأتي في ذات النسق الذي يظهر في كثير من محطات حكم الملك سلمان وابنه، مثل محطة حرب اليمن والنزاعات والخلافات السياسية الخارجية، وجريمة خاشقجي، وتعذيب الناشطات والناشطين".

الدبيسي أكد أن "هذا التوجه يكشف محدودية الأفق لدى أصحاب القرار من جهة، وارتفاع منسوب الرعونة والعجز عن التحكم بالغضب الناتج عن حراك الناشطين بالخارج من جهة أخرى".