أين اختفت نتائج تحقيق استهداف التحالف العربي لمستشفيات اليمن؟
لم تسلم المستشفيات والمراكز الصحية من القصف الجوي الذي يشنه التحالف العربي على اليمن، فعلى الرغم من إعلان تشكيل لجان عدة للتحقيق في أسباب هذه الغارات، إلا أنها لم تعلن نتائجها حتى الآن.
واستهدفت طائراته هذه المرة، مستشفى ريفي في مديرية كتاف بمحافظة صعدة بغارة جوية في 26 مارس/آذار الماضي، موقعة سبعة قتلى من المدنيين، بينهم أربعة أطفال، وإصابة ثمانية من الطاقم الصحي، إضافة إلى حراس أمن، فيما بقي اثنان في عداد المفقودين.
وقالت منظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية، التي تشرف على المستشفى وتقديم الدعم له، إن "الغارة استهدفت محطة غاز على مقربة من الباب الرئيسي للمستشفى، في وقت كان المشفى يكتظ بالمرضى والزوار".
وعلقت مديرة المنظمة التنفيذية كارولين مايلز، بالقول: "لقد صدمنا وشعرنا بالصدمة من هذا الهجوم الفظيع، حيث فقدَ الأطفال الأبرياء والعاملون الصحيون حياتهم، فيما يبدو أنه هجوم عشوائي على مستشفى في منطقة مدنية مكتظة بالسكان، مثل هذه الهجمات هي خرق للقانون الدولي".
وأضافت مايلز: هذا المستشفى واحد من مشاف عدة ترعاها منظمة "أنقذوا الأطفال" في جميع أنحاء اليمن، حيث تقدم المساعدات المنقذة لحياة الأطفال الذين يعيشون في أسوأ مكان على الأرض، ولهؤلاء الأطفال الحق في أن يكونوا آمنين في مستشفياتهم ومدارسهم ومنازلهم، لكننا نرى تجاهلا تاما من جميع الأطراف المتحاربة في اليمن لقواعد الحرب الأساسية، يجب حماية الأطفال، وينبغي لهذه الحرب أن تتوقف.
أهداف مماثلة
تتزامن تلك الغارة مع الذكرى السنوية الرابعة لانطلاق العملية العسكرية التي أعلنها التحالف العربي في اليمن، غير أن غارات سابقة استهدفت فيها طائرات التحالف مستشفيات أخرى راح ضحيتها العشرات، وأدت لخسارة ممتلكات عامة وخاصة.
وبحسب "هيومن رايتس ووتش"، فقد أسفرت غارة جوية تابعة للتحالف عن تدمير مستشفى تدعمه منظمة "أطباء بلا حدود"، في منطقة حيدان بمحافظة صعدة، وهي المنشأة الطبية الوحيدة في دائرة نصف قُطرها 80 كيلومترا، ويستقبل في العادة 150 حالة طوارئ في الأسبوع، بالرغم من إمداد منظمة "أطباء بلا حدود" للتحالف بإحداثيات المركز الصحي، وتأكيد الإحداثيات مرتين شهريا، كإجراء متبع لتفادي الاستهداف بالغارة، بحسب مدير منظمة أطباء بلا حدود في اليمن حسن بوسنين.
ومثل ذلك استهداف مستشفى السلام والمستشفى الجمهوري بصعدة، وكذلك بوابة مستشفى الثورة بالحديدة بغارتين للتحالف في أغسطس/آب الماضي أسفرتا عن مقتل عشرين مدنيا وإصابة ستين آخرين [4]، وكان التحالف قد نفى القيام بأية عمليات في المدينة الساحلية، متهما الحوثيين بالوقوف وراء الهجمات، مؤكدا عبر متحدثه الرسمي، أن "التحالف يتبع نهجا صارما شفافا يستند الى قواعد القانون الدولي".
إدانات حقوقية
دعا المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، إلى ضم التحالف العسكري بقيادة السعودية إلى القائمة (أ) من مرفقات التقرير السنوي لعام 2019 المقدم إلى مجلس الأمن، والمتعلق بالأطفال والنزاعات المسلحة، على خلفية تورطهما بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين في اليمن.
وقال المرصد الحقوقي الدولي- يتخذ من جنيف مقرا له- في بيان صحفي، إنّه "يتوجب ضم التحالف إلى القائمة المذكورة لعكس حقيقة تورطه في ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات، والتمويل والمشاركة المباشرة في الأعمال العدائية عبر الغارات الجوية والقوات البرية الإماراتية المنتشرة في مناطق مختلفة من اليمن".
وقالت المتحدثة باسم المرصد سارة بريتشيت، إنّ "الهجوم المروّع يأتي ضمن مسلسل الانتهاكات التي ترتكبها أطراف النزاع في اليمن وفي مقدمتها قوات التحالف العربي"، مستهجنة "استهداف مستشفى مدني والتسبب بمقتل عدد من الأبرياء بينهم أطفال، وما يمثّله ذلك من انتهاك صارخٍ للحق في الحياة، واستخفاف بقواعد القانون الدولي الإنساني، والمواثيق والأعراف الأممية".
اعتراف بعد إنكار
في عدد من الحوادث التي يستهدف فيها التحالف مدنيين يبادر بنفي مسؤوليته عن هذا العمل، لكنه بعد مواجهته بأدلة مادية يعترف بالعملية، لكنه يبرر على الفور بأن "عملياته العسكرية قد راعت قواعد الاشتباك في حماية المدنيين، وأن العملية استهدفت أهدافا مشروعة"، وعند عرض صور للضحايا، والتي تكون أحيانا من الأطفال والنساء، يقول إن "الغارات تمت وفقا لإحداثيات مرسلة من الجانب اليمني".
وكانت السلطات السعودية، قد أنكرت على لسان المتحدث باسم التحالف تركي المالكي، صلة التحالف باستهداف حافلة أطفال، لكنه عاد واعترف بعد ضغوط من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بمسؤولية التحالف عن تلك الحادثة، ووعد بإجراء تحقيق فيها.
كذلك أنكرت صلتها بحادث الصالة الكبرى التي قتلت فيها 155 مدنيا وأصابت أكثر من 500 آخرين، وقد أورد موقع "فرانس 24" بيانا نفى فيه التحالف مسؤوليته أو ضلوعه في هذه الحادثة، لكنه عاد بعد بضعة أيام واعترف بقيامه بتلك الغارة، ملقيا باللائمة على معلومات استخباراتية من شركائه اليمنيين، بحسب مجلة "نيويوركر" الأمريكية.
إحالة للتحقيق
لمواجهة الانتقادات الواسعة للانتهاكات التي ترتكبها طائرات التحالف العربي في اليمن، أعلنت الرياض في أغسطس/آب 2016، تشكيل فريق مشترك مكون من 14 عضوا لتقييم الحوادث، ولم يضم الفريق أي عضو من منظمات أممية أو جهات حقوقية أو دولية، في الوقت الذي يفترض أن يقوم بالتحقيق جهة دولية محايدة، لا فريق مشكل من دول التحالف ذاتها.
وكغيرها من الحوادث التي تستهدف مدنيين، أعلن التحالف العربي عبر متحدثه الرسمي تركي المالكي، أن "قيادة القوات المشتركة قامت بإحالة العملية التي طالت مدنيين في مستشفى كتاف بصعدة، إلى فريق تقييم الحوادث للتحقيق في العملية".
تمييع للقضايا
في كل حادثة تستهدف المدنيين، تحال الحادثة إلى الفريق المشترك لتقييم الحوادث، الذي يقوم بدوره بتمييع قضايا الانتهاكات، ويضغط على المنظمات الحقوقية، بتخريج الحادثة بشكل مبرر تارة بأنها حادث عرضي نتيجة قصف أهداف مشروعة، كما حصل مع الغارة التي استهدفت عيادة متنقلة تابعة لها للقصف في تعز نهاية 2015، وتارة بأنها خطأ غير مقصود، كالغارة التي استهدفت مجمعا سكنيا في مديرية المخا بتاريخ 24 يوليو/تموز 2015.
دائما ما تنتهي ملفات الانتهاكات التي يرتكبها التحالف عند الفريق المشترك لتقييم الحوادث، دون إحالة المتسببين في تلك الجرائم إلى التحقيق، أو معاقبتهم؛ كما أن تلك الجرائم غالبا ما تُدفن بمرور الوقت ولا تلقى مطالبة مستمرة من المنظمات الأممية والمؤسسات الحقوقية بضرورة تقديم مرتكبيها إلى القانون، كما لا يتلقى المتضررون أي تعويض عن فقدان أرواح ذويهم أو إصابتهم وخسارة ممتلكاتهم، ثم يعد بإجراء تحقيق عبر فريق تقييم الحوادث، لكن ذلك لم يحصل حتى الآن، فأول غارة استهدف فيها التحالف قوات من الجيش الوطني في معسكر العبر في 2015 لم يصدر فيها أي نتائج للتحقيق حتى الآن.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، صدر تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بعنوان "مبيعات الأسلحة للسعوديين تترك بصمات أمريكية على مذبحة اليمن"، كشفت فيه أن "ضباطا أمريكيين يعملون ضمن غرفة مشتركة لعمليات التحالف في الرياض، قد أفادوا بأن طيارين سعوديين قليلي الخبرة حلقوا بارتفاعات عالية للغاية في اليمن لتجنب مضادات طيران الحوثيين وقد قلل هذا التكتيك من خطر الطيارين، لكنه انتقل إلى المدنيين الذين قضوا في غارات جوية أقل دقة".
وأضاف التقرير أن "مخططي التحالف أخطأوا في تحديد أهدافهم وهاجموها في أوقات غير مناسبة، وتجاهل التحالف بشكل روتيني قائمة المناطق الممنوع استهدافها، والتي وضعتها القيادة المركزية الأمريكية والأمم المتحدة- مثل المستشفيات والمدارس وغيرها من الأماكن التي يتجمع فيها المدنيون".
المصادر
- Seven Killed in Bombing of Save the Children-supported Hospital in Yemen
- طائرات التحالف تقصف مستشفى في اليمن
- غارات التحالف الجوية غير المشروعة على مدينة صعدة في اليمن
- الأمم المتحدة تعرب عن "صدمتها" جراء هجمات استهدفت مستشفى وسوق سمك في الحديدة باليمن
- الأورومتوسطي يدعو لإعادة إدراج التحالف السعودي والإماراتي في تقرير الأمم المتحدة السنوي عن قتل الأطفال والنزاع المسلح
- متحدث التحالف لـCNN: لم نستهدف أطفالا في صعدة
- التحالف يقرّ بقتل أطفال صعدة خطأ ويعتذر
- أكثر من 100 قتيل في غارة جوية استهدفت مجلس عزاء في صنعاء
- لجنة التحقيق بقيادة السعودية تعترف بقصف قوات التحالف لمجلس العزاء
- How the U.S. Is Making the War in Yemen Worse
- الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن يرد في إيجاز صحفي على ادعاءات حول انتهاكات قوات التحالف في عمليات عاصفة الحزم
- التحالف العربي يعلن إحالة "غارة كتاف" صعدة إلى "فريق التقييم"
- كيف يدفن تحالف السعودية والإمارات جرائمه في اليمن؟
- Arms Sales to Saudis Leave American Fingerprints on Yemen’s Carnage