"لاكروا": هل يستمر حكم بن سلمان للسعودية بعد وفاة والده؟

12

طباعة

مشاركة

مع مرور ستة أشهر على اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في سفارة الرياض بمدينة إسطنبول التركية، سلطت صحيفة "لاكروا" الفرنسية الضوء على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والمخاطر التي تحدق بالمملكة بسبب "استبداده"، مشيرة إلى أن استمراره في حكم المملكة بهذه الطريقة لن يستمر، وأن لحظة الحقيقة ستأتي مع وفاة والده أو عجزه التام.

وقالت الصحيفة في تقرير للصحفي فرانسوا دالانسون: إن "ستة أشهر مضت على اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول. ستة أشهر عزز فيها ولي العهد محمد بن سلمان سلطته، على الرغم من الاضطرابات الناجمة عن القضية".

وأضافت: "يبدو أن والده الملك سلمان، طوى صفحة الماضي، رغم غضبه من قيام ولي العهد، دون موافقته، بتعيين الأميرة ريما بنت بندر سفيرة للولايات المتحدة. وشقيقه الأصغر خالد بن سلمان كنائب لوزير الدفاع".

وجاءت قرارات بن سلمان، الذي يشغل منصب وزير الدفاع إلى جانب ولاية العهد، في ظل غياب والده الملك الذي أنابه في إدارة شؤون الدولة ورعاية مصالح الشعب خلال فترة غيابه عن المملكة، خلال توجهه لحضور القمة العربية- الأوروبية التي استضافتها مصر أواخر فبراير/شباط الماضي.

تطهير الأسرة الحاكمة

وأشارت إلى أنه "منذ وصوله إلى السلطة، أطلق محمد بن سلمان في يونيو/حزيران 2017، عملية تطهير واسعة النطاق في الأسرة الحاكمة، وقام من خلالها بالإطاحة بمنافسيه الرئيسيين، وهما ابن عمه محمد بن نايف، ولي العهد السابق ووزير الداخلية، والمسؤول عن الأجهزة الأمنية، ومتعب بن عبد الله، الرئيس السابق للحرس الوطني، ووضعهم قيد الإقامة الجبرية".

ونقلت الصحيفة عن المعارضة السعودية مضاوي الرشيد القول: "أكد محمد بن سلمان من خلال سجن أعدائه وخصومه وإجبارهم على الولاء له، أن سلطته لن تكون محل نزاع عند وفاة والده".

واستنكرت الأكاديمية وحفيدة آخر حاكم من أسرة الرشيد في حائل ما وصفته بـ "الكذبة المنهجية" لولي العهد، والتي تبرز كفاحه ضد الإسلام الراديكالي والترويج المزعوم لإسلام أكثر تسامحا.

وقالت في المجلة البريطانية النصف شهرية "لندن ريفيو أوف بوكس" إن "الكذبة تبدأ بادعاء أن التطرف كان استيرادا أجنبيا للمملكة العربية السعودية والذي تجذر في عام 1979، مما يعني أن الثورة الإيرانية كانت السبب إلى حد ما".

وأوضحت أن "محمد بن سلمان يحرص على عدم الإشارة إلى توجيه السعوديين لعقود من أجل الاحترام الصارم للتقاليد الوهابية الراديكالية، وتصدير الإسلام الراديكالي إلى العالم الإسلامي لمساعدة الولايات المتحدة، أثناء الحرب الباردة عندما كانت الهيمنة الأمريكية مهددة بالشيوعية والقومية، والترويج لهذا الإسلام الراديكالي، الذي طالما كان عنصرا أساسيا في السياسة الخارجية السعودية".

وكان محمد بن سلمان، قد قال خلال جلسة النقاش على هامش "مبادرة مستقبل الاستثمار" التي أقيمت في الرياض أكتوبر/تشرين الثاني 2017 ردا على سؤال بشأن النهج الأكثر انفتاحا الذي تتخذه المملكة: "إن السعودية لم تكن كذلك قبل العام 1979 (في إشارة للثورة الإسلامية في إيران)، السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع صحوة بعد 1979، لأسباب كثيرة ليس من مجال اليوم لذكرها، فنحن لم نكن بهذا الشكل في السابق".

وتابع: "سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على جميع الأديان، 70 في المائة من الشعب السعودي أعمارهم لا تتجاوز الـ30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، وسنقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل، ولا أعتقد أن هذا يشكل تحدياً، فنحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه، وسندمرهم اليوم فورا".

إسكات كل المعارضة

كما نوهت "لاكروا" إلى "القمع" الذي تمارسه السلطات تجاه المعارضة في الداخل والذي طال أيضا العديد منهم في الخارج، وقالت وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في عام 2017، كلف ولي العهد فريقا بقيادة سعود القحطاني، بمهمة قيادة حملة لإسكات أي معارضة في المملكة. 

وأشارت إلى أن الاختطاف والاحتجاز والتعذيب كانت جزءا من الإجراءات الشاملة التي تستخدمها "مجموعة التدخل السريع" والمتورطة أيضا في مقتل جمال خاشقجي، مؤكدة أن حملات القمع طالت الإسلاميين وكذلك الناشطين في مجال حقوق المرأة وعلماء الدين والمثقفين والناشطين.

وذكرت الصحيفة الفرنسية، أن من بين الذين طالهم قمع بن سلمان المفكر والناشط والمعارض عبد الله حامد علي الحامد، و أستاذ الاقتصاد والناشط السياسي محمد فهد القحطان، المؤسسان للجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الداعية سلمان العودة، وكلهم يدافعون عن مجتمع مدني حقيقي وملكية دستورية.

ولفتت إلى أنه تحت الضغط الدولي، أفرجت السعودية  عن 11 ناشطا في مجال حقوق الإنسان بعد احتجازهم لمدة عام تقريبا، وبعضهم أطلق سراحه مؤخرا ومن بينهم الأكاديميّة عزيزة اليوسف، واللغوية إمام النجفان والناشطة النسوية لجين الهذلول، إحدى المدافعات عن السماح للمرأة بقيادة السيارة - وهو القرار الذي اتخذته السلطات قبل أكثر من عام-، مؤكدة أن "بعضهم كان ضحية للتعذيب والتحرش الجنسي، وأن آخرون، مثل عالمة الآثار هتون الفاسي، يجب أن تلحق بهم قريبا".

وتعليقا على حملات القمع هذه، قال الخبير بمعهد "بروكينجز" والمختص في الشرق الأوسط  بروس ريدل: "محمد بن سلمان خلق عهدا من الإرهاب لم يسبق له مثيل في تاريخ المملكة الحديث، وأن اغتيال جمال خاشقجي ليس سوى قمة جبل الجليد القمعي، ولا يزال محمد بن نايف رهن الإقامة الجبرية بعد عامين تقريبا من إقالته، وتراقب الدولة الإنترنت عن كثب".

انقسام في النظام

وقالت "لاكروا": إذا كان محمد بن سلمان استطاع تعزيز سلطته، على الصعيدين المحلي والدولي، بالنظر إلى جولته الآسيوية الأخيرة، فإن وضعه يبدو أكثر عرضة للخطر على المدى الطويل، حيث تتآكل الاحتياطيات المالية للدولة، وعائدات النفط تتراجع، والمستثمرون ينتظرون".

وبينت أن "احتجاز العديد من المواطنين بمن فيهم أفراد العائلة المالكة أدى إلى حدوث انقسامات في النظام"، لافتة إلى أن شركة الحماية الخاصة التابعة للأمريكي إريك برنس، وهو صديق حميم للرئيس الأمريكي لدونالد ترامب، تقدم حاليا الحماية لولي العهد الذي صنع الكثير من الأعداء".

ورأى الخبير في الشرق الأوسط بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، دينيس بوشارد: أن "المملكة العربية السعودية انتقلت من نظام حكم جماعي من خلال توزيع الامتيازات بين فروع الأسرة المختلفة إلى نظام حكم استبدادي لصالح أسرة واحدة في فرع السديري".

وأضاف: "لا يمكن أن يستمر محمد بن سلمان في حكم المملكة بهذه الطريقة دون حدوث ردود أفعال"، مؤكدا أن "الأمور ستتضح مع وفاة الملك سلمان أو عجزه التام، وسيعتمد كل شيء في نهاية المطاف على علاقة ولي العهد بالولايات المتحدة الأمريكية، لكن خطته لبناء محطات طاقة نووية لا يمكن أن تقلق الإسرائيليين فقط".

وكان تقرير أوردتها صحيفة "ديلي بيست"، قد أشار إلى موافقة الوزير الأمريكي ريك بيري على ستة تراخيص سرية تتيح لشركات أمريكية بيع تكنولوجيا خاصة تتعلق بالطاقة النووية للسعودية وتقديم المساعدة لها في هذا المجال، وهو ما أثار العديد من ردود الفعل.

ويخشى العديد من المشرعين الأمريكيين، أن تؤدي مشاركة تكنولوجيا نووية مع السعودية في نهاية المطاف لسباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.