فشل السيسي في السداد.. هل يضع "العاصمة الإدارية" بحوزة الصين؟

12

طباعة

مشاركة

تاريخ الصين في مجال القروض التي تمنحها للدول الأخرى، يظهر استراتيجية في غاية الخطورة، تتمثل في استدراج تلك الدول إلى فخ الدين المتراكم، حتى تعجز عن السداد، ثم تقوم بعد ذلك بالاستحواذ على المشاريع التي تم تنفيذها في تلك الدول بأموال الصين.

هذا السنياريو الذي حدث بالفعل في زيمبابوي حسب الأكاديمي أحمد ذكر الله في حديثه لـ "الاستقلال"، يتوقع حدوثه أيضا في مصر بعد إسناد مشروع العاصمة الإدارية الجديدة لشركة (CSCEC) الصينية والتوقعات بفشل نظام السيسي في سداد ديون المشروع التي قد تصل إلى 500 مليار دولار.

بداية الوجود

كانت أولى بوادر الوجود الصيني في العاصمة الإدارية إعلان وزير الاستثمار السابق أشرف سالمان في 7 سبتمبر/أيلول 2015 عن توقيع مصر اتفاقا مع شركة "تشاينا كونستراكشن" الصينية لبناء وتمويل الجزء الإداري من المشروع في غضون 5 إلى 7 سنوات بكلفة 45 مليار دولار، بالتعاون مع شركة (CSCEC) الصينية والتي ستنفذ منطقة الأعمال المركزية، حيث ستتضمن البرج الأيقوني المقرر بناؤه على ارتفاع يبلغ 345 متراً ليصبح أطول برج في مصر وإفريقيا، حسب وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا".

وأضافت الوكالة أن "مشروعات التشييد التي تنفذها تلك الشركات الصينية تعد علامات بارزة في التعاون بين القاهرة والصين في إطار مبادرة (الحزام والطريق)، والتي تعبر عن مشاركة الأخيرة في تنفيذ المشاريع الضخمة في مجالات التجارة والاقتصاد ومشروعات البنية التحتية في الدول التي يمر بها (طريق الحرير)، والتي تبلغ 64 دولة".

العاصمة الصحراوية

جاءت العاصمة الإدارية الجديدة لتمثل المشروع الأكثر استحواذاً على اهتمام النظام والذي أعلن عنه السيسي خلال مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد في 13 مارس/آذار 2015.

كان مقرراً أن يبدأ تنفيذ المشروع خلال 3 أشهر من الإعلان عنه، لكنه تأجل بسبب الخلافات بين الحكومة وشركة "كابيتال سيتي بارتنرز" الإماراتية التي وقع الاختيار عليها لتنفيذ المشروع، وفق صحف مصرية مقربة من النظام.

وسائل إعلام محلية قالت إن الحكومة أعلنت عن كيان مستقل ينفذ المرحلة الأولى من المشروع خلال عامين من الإعلان عنه، ويتمثل ذلك الكيان في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، إضافة إلى عدد من الشركات الصينية أبرزها شركة (CSCEC) والتي ستمثل الورقة الرابحة للصين في لعبتها الاقتصادية في مصر، حسب مراقبين.

تمويل المشروع

حين أعلن السيسي عن تنفيذ عاصمته الإدارية الجديدة لم يصارح الشعب بكيفية تمويل المشروع على غير المعتاد من خطاباته التي تمتلئ بادعاءات الفقر وفقدان الحيلة، لكن إعلامه الرسمي ما فتئ يعلن عن قروض متلاحقة يستدينها النظام من أجل تنفيذ مشروع تلك العاصمة.

"ليس المشروع الصحيح في الوقت الصحيح" بهذه العبارة وصف مدرس الاقتصاد بجامعة أوكلاند بنيوزيلندا مصطفى شاهين، مشروع العاصمة الإدارية في حديثه لـ "الاستقلال"، مضيفا "الوضع في مصر أشبه بوجود مريض القلب الذي يحتاج تدخلاً جراحياً عاجلاً، وفي نفس الوقت لديه جرح طفيف في يده، فانشغل الجراح بتضميد جرح اليد تاركاً العلة الرئيسية التي لولا علاجها لمات المريض".

وتابع: "هكذا هو الحال في مصر، لأن قلب البلاد –وهو الإنتاج- يعاني من أزمات حادة، إضافة إلى انعدام الاستثمار المحلي رغم وجود شركات محلية عملاقة لكنها تعرضت للتهميش بل وتدمير بعضها مثل شركات القطاع العام".

الأولوية في ظل تلك الظروف حسب شاهين تتمثل في "قيام الحكومة بتحريك عجلة الاقتصاد المتمثلة في القطاعات الرئيسية المرتبطة بالإنتاج كالقطاعات الصناعية والزراعية وقطاعات الإنتاج، لأن الأولوية لما يولد إنتاجاً يكفي احتياجات المصريين".

واستطرد: "القروض التي حصلت عليها الحكومة من الصين تمثل فتحاً لباب التبعية المطلقة للأخير، وبالتالي سيؤدي إلى إحداث تأثيرات سلبية كبيرة على القرار الاقتصادي في مصر، كما حصل مع الاستعمار الإنجليزي والفرنسي".

وحسب حديث الخبير الاقتصادي أحمد صالح لـ"الجزيرة نت" فكان من الضروري قبل البدء في مشروع كبير كالعاصمة الإدارية بتكلفته التي تتعدى 500 مليار دولار، "تقييم المشروع عبر دراسة جدوى وتوافق مجتمعي من الشعب والمؤسسات ذات الصلة كمجلس النواب ونقابة المهندسين".

تكديس السيولة

يرى الأكاديمي أحمد ذكر الله، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية العلاقات الدولية، أن العاصمة الإدارية "تعد مثالاً صارخاً على إهدار الموارد الاقتصادية، وتقديم مصلحة الاستبداد على مصلحة الشعب، وهي تمثل تكديساً لسيولة ضخمة كان يمكن الاستفادة منها عبر خطة ممنهجة لتحسين الأوضاع البائسة للاقتصاد المصري".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "أي حديث عن العاصمة الإدارية وتمويلها خارج الموازنة العامة للدولة إنما هو حديث للاستهلاك المحلي إعلامياً، لكنه ليس واقعياً على الإطلاق، فإعادة تخطيط الأراضي وبيعها يوجد ضمن بند أساسي من بنود الموازنة العامة للدولة فيما يطلق عليه في علم المالية العامة "الملكية العامة للدولة".

وتابع "فأراضي الدولة ضمن تلك العاصمة التي يتم تخطيطها ثم إعادة بيعها كان يجب أن تدخل ضمن الموازنة العامة للدولة، والعاصمة الإدارية –في تلك الحالة- يتم تمويلها من الموازنة العامة".

العاصمة لا تكفي

لم تتوقف التعاملات الصينية مع مصر على تنفيذ معظم مشاريع العاصمة الإدارية الجديدة، بل امتدت تلك التعاملات إلى اتفاقيات عدة في مجالات مختلفة، مثل تلك التي أبرمت في 16 أغسطس/آب 2016 بقيمة 5 مليارات دولار خلال زيارة السيسي للصين، وشملت –حسب صحيفة اليوم السابع المصرية- إنشاء محطة طاقة شمسية بقدرة 1000 ميغا وات.

وأضافت الصحيفة أنه سيتم التوقيع على اتفاقية لتنفيذ مشروع توصيل خدمة الصرف الصحي لعدد 264 قرية بمحافظتي الغربية والمنوفية والمقترح تمويله بقرض صيني ميسر بحوالي مليار دولار.

وأعلن وزير النقل السابق هشام عرفات في 16 يناير/كانون الثاني 2019، أن بلاده وقعت اتفاقاً نهائياً مع بنك التصدير والاستيراد الصيني بقيمة 1.2 مليار دولار لتمويل قطار كهربائي بين مدينة العاشر من رمضان الصناعية، والعاصمة الإدارية الجديدة، مضيفاً أن فائدة القرض تبلغ 1.8% مع فترة سماح تصل إلى 5 سنوات.

جميع تلك الديون تزيد من سيطرة الدائن الصيني على مصر، رغم أنه قد يظهر تأثيرات إيجابية على المدى القصير، مثل إحداث توازن في سعر الدولار على حد قول الخبير الاقتصادي مصطفى شاهين، مرجعا ذلك إلى قيام الحكومة بالضغط في الطلب على الدولار الأمريكي، وبالتالي تقليل الواردات بالدولار بقيمة 20 مليار، لكن استمرار تلك الاستراتيجية مشكوك فيه نظراً لسياسات اقتصادية أخرى تقوم بها الحكومة تحول دون ذلك.

الفخ الصيني

وحسب ما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإنه تم تحديد لاوس –وهي الدولة الواقعة في منطقة جنوب شرق آسيا- من قبل صندوق النقد الدولي، بأنها معرضة لخطر شديد بسبب أزمة الاستدانة من الصين.

وأضافت الصحيفة البريطانية أن سريلانكا اقترضت من الصين ما تحتاج إلى 99 عاماً لسداده، بسبب مشاريع تم تنفيذها هناك في إطار مبادرة "طريق الحرير" الصينية، ومثلها في ذلك ماليزيا، التي تسعى - من أجل الحد من الإنفاق المستقبلي - إلى إعادة التفاوض بشأن المشاريع المدعومة من الصين والتي وافقت عليها حكومة نجيب رزاق، بما في ذلك التراجع عن إنشاء خط سكك حديدية بقيمة 14 مليار دولار لربط ميناء كلانج، أكثر موانئ البلاد ازدحامًا.

وبالعودة إلى كارثية الاستدانة من الصين، وضح الأكاديمي أحمد ذكر الله لـ"الاستقلال" أن القروض الصينية تختلف كلياً عن بقية القروض التي يمكن الحصول عليها من مختلف المؤسسات الدولية؛ إذ إنها تتم عبر اشتراطات صعبة جداً تشتمل على بعض التنازلات عن السيادة الوطنية، وقد يكون منها: رهن بعض الأصول المصرية لصالح الصين، رغم عدم توفر معلومات مؤكدة حول ذلك.

وأضاف أن تلك الاشتراطات وضعت عدداً من الدول الإفريقية تحت رحمة الدائن الصيني مما اضطرها إلى تقديم تنازلات ضخمة، كما حصل مع دولة زيمبابوي، التي قدمت مطارات عدة أنشأتها بقروض صينية، لكنها –وبسبب العجز عن السداد- تنازلت عنها لصالح الصين.

الدين الخارجي

أعلن البنك المركزي في تقرير صادر عنه أن الدين الخارجي لمصر ارتفع بمقدار 12.3 مليار دولار، لتبلغ الحصيلة الرسمية للديون الخارجية 93.13 مليار دولار في نهاية الربع الأول من العام المالي الجاري، والذي ينتهي بنهاية شهر يونيو/حزيران القادم.

ويظهر التقرير أيضاً إجمالي الدين العام المحلي للبلاد وصل إلى 3.887 تريليون جنيه أي بزيادة تبلغ 5.2% عن حصيلة العام المالي الماضي المنتهي بنهاية شهر يونيو/حزيران 2018.

وكشف التقرير عن صعود إجمالي أعباء الدين الخارجي إلى نحو 2.25 مليار دولار مقابل 1.8 مليار دولار في الفترة المقابلة نفسها.

وتلك الأعباء المترتبة على الدين العام أصبحت تمثل الجانب الأكبر من مصروفات الموازنة العامة للدولة، كما أنها تلتهم نحو 80% من الإيرادات العامة، وهي النسبة الأعلى في تاريخ الموازنات المصرية.

وكل ذلك يعد جزءًا طفيفاً من الكارثة المستمرة خلال الخمس سنوات الأخيرة؛ إذ ارتفع الدين العام بنسبة 200%.

تصدير الفقر

استمرار النظام المصري في مسلسل الاقتراض الذي لا يعلم أحد نهاية حلقاته، يمثل نتيجة حتمية لا مناص عنها، هي: أن تنوء كواهل الأجيال القادمة بأعباء تلك الديون الكارثية، إذ كشفت وثيقة حكومية نشرتها "رويترز"، أن الحكومة المصرية تتوقع أن يبلغ إجمالي الدين العام الخارجي نحو 102.863 مليار دولار في السنة المالية المقبلة 2019/2020 مقابل 98.863 مليار دولار متوقعة في السنة الجارية 2018/2019.

في 7 مايو/أيار 2018 وفي برنامج "كل يوم" بقناة ON E، ذكر طارق عامر محافظ البنك المركزي أن غالبية القروض التي حصلت عليها مصر يتم سدادها على 15 إلى 20 سنة، بل إن هناك قروضاً تسدد على 60 سنة، مثل قرض كوريا الجنوبية لتطوير مترو الأنفاق، مؤكداً على أن وضع مصر في السداد والذي يمثل فائدة تبلغ 2% فقط يعد جيداً.

"إثقال كاهل المواطن، بل والأجيال القادمة" هو ما أكده الدكتور خالد الخاطر المتخصص في السياسة النقدية وعلم الاقتصاد السياسي بجامعة كابريدج، في حديثه لـ "الجزيرة نت"، مضيفاً أن تلك الديون الباهظة ومتأخرة السداد "تدفع الحكومة نحو تضييق العيش على المواطن، وفرض مزيد من الضرائب والرسوم ورفع الدعم لإيجاد مصادر لتمويل الدين".

وتابع "إن هذا الأمر قد يسهم في ارتفاع الأسعار وتقليص النمو، وهذه السيناريوهات تتكرر مع كثير من البلدان النامية –ومنها مصر- لتدخل بعد ذلك في دوامة لا تنتهي من الديون".