من قلب الرياض.. تصريحات مناهضة للسياسة الإماراتية في اليمن
تصاعدت وبشكل لافت التصريحات المناهضة لسياسة الإمارات في اليمن، لكنها هذه المرة أشد حدة، وأكثر وضوحا من ذي قبل، فقد شن عدد من المسؤولين اليمنيين خلال الأيام القليلة الماضية، هجوما حادا على أبو ظبي، ووصفوا سياساتها بـ"الرعناء".
ففي مقابلة تلفزيونية، هاجم محافظ المحويت صالح سميع، الأجندة الإماراتية في اليمن، ووصفها بالممارسات "الرعناء والغبية"، متهما الإمارات بـ"إرباك" المشهد في اليمن، وتصرفها بـ"لؤم" مستغلةً حاجة اليمن للمساندة.
وكشفت سميع للمرة الأولى، أن "الشرعية لم تطلب الدعم من الإمارات، كما تدعي، وأنها طلبت المساندة من السعودية فقط"، داعيا إلى "ضرورة الاستغناء عن خدمات الإمارات، ما لم تغير أجندتها، وتقف مع الشرعية في دحر الانقلاب".
لم تكن تصريحات سميع هي الوحيدة التي أشار فيها لدور الإمارات، وإن كانت هي الأشد، فقد طالب قبله وزير النقل صالح الجبواني بضرورة "تصحيح العلاقة بين الحكومة الرياض ـ أبو ظبي، بعد ثلاث سنوات من تدخل هذا التحالف في اليمن". وأضاف أن التحالف واجه اتهامات بأن عملياته لم تؤد، في الواقع، إلا إلى مفاقمة الأوضاع، سواء من حيث التسبب بمقتل آلاف اليمنيين، أو تدهور الوضع الإنساني، وكذلك مزيد من إضعاف الحكومة الشرعية".
وفي مقابلة تلفزيونية سابقة، أبدى مستشار رئيس الجمهورية صالح جباري، "انزعاجه من العلاقة الغامضة بين التحالف والحكومة الشرعية، وإنشاء و دعم فصائل مسلحة على حساب وجود الحكومة"، في إشارة للأحزمة الأمنية والتشكيلات المسلحة التي أنشأتها الإمارات في المحافظة الجنوبية.
وتحدث جباري عن "الوضع المزري الذي وصلت إليه الحكومة الشرعية، وتآكل وجودها على الأرض، وصيرورتها إلى حكومة ديكورية"، بحسب وصفه، مؤكدا: "لا يستطيع أعضاؤها القيام بواجباتهم، ولا يقدرون على العودة إلى اليمن، وممارسة مهامهم"، وقدم جباري على إثر ذلك استقالته من منصبه كنائب رئيس للوزراء ، ووزير للخدمة المدنية.
هذا الانزعاج الكبير من الدور الإماراتي في اليمن، هو ذات الموقف الذي حمله الرئيس عبد ربه منصور هادي، فقد كشف تقرير لـ"الإندبندنت" أن "العلاقة السيئة بين الإمارات والرئيس هادي، لم تعد سرا، خاصة بعد الخلاف الكبير الذي منعت على إثره طائرته من الهبوط في مطار عدن في يناير/شباط 2018، حيث باتت القوات المدعومة من السعودية في حالة حرب واضحة تجاه القوات الإماراتية".
دور الإمارات بالتعثر
من وجهة نظر محافظ الحويت صالح سميع، فإن "تحركات التحالف لكي تكون فاعلة، فيلزمها أربعة أمور: الأول، هو إدراك كل دول التحالف لدور إيران المهدد للاستقرار في المنطقة. الثاني، تمكين الحكومة الشرعية من العودة لليمن، بجميع سلطاتها، وممارسة مهامها من هناك. ثالثا، دمج أي ميلشيا مسلحة خارج النظام والقانون بوحدات الجيش الوطني، والعمل بحسب توجيهاته، وتلقي المرتبات منه. رابعا، إنشاء غرفة عمليات مشتركة لتوحيد الجهود وفق رؤى موحدة، وأجندة متفق عليها".
وتعقيبا على هذا التصور، أفاد سميع بأن "الإمارات تحول دون حصول الأربع إجراءات هذه، أو الشرط الأساسية لنجاح التحالف ودحر الانقلاب، فهي لا تدرك مدى خطورة إيران على المنطقة، ولا تتخذ من أدوات إيران في اليمن أولوية يجب التعامل معها بحزم، كما أنها لم تسمح بعودة رئيس الجمهورية إلى عدن، الخاضعة لسيطرة الإماراتيين، وعودة الحكومة الشرعية و وزير الدفاع".
وبحسب قوله، فإن ذلك "يعود للوهم الذي تعيشه الإمارات بأن الشرعية من ثمار الربيع العربي، وبأن نجاحها نجاح لمشروع الثورات العربية. الأمر الذي تأباه الإمارات، وكذلك فإنها مستمرة بإنشاء ميلشيات مسلحة تعمل خارج سلطة الجيش الوطني، وتتلقى رواتبها منها، والأمر الرابع فإنه لا يوجد غرفة عمليات مشتركة تجمع أعضاء التحالف ممثلة بالرياض وأبو ظبي، والحكومة الشرعية، وذلك يعود لعدم وجود أجندة مشتركة داخل التحالف نفسه، وتضارب الأولويات، ففي الوقت الذي يعد الحوثي أولوية بالنسبة للسعودية، يعد حزب الإصلاح أولوية بالنسبة للإمارات".
وهذا ما نصّ عليه تقرير الخبراء المعني باليمن بأن عدم وجود مصالح مشتركة داخل التحالف ضاعف من الأزمة في اليمن. كان تقرير استخباراتي أعدته دورية "الأنتلجنس أونلانين"، قد أكد تلك المزاعم، حيث كشفت أن الرياض لا تشارك أبوظبي مخاوفها تجاه "هادي" و"الإصلاح".
دلالات التصريحات
تأتي تلك التصريحات من قلب العاصمة السعودية الرياض، عبر قناة تلفزيونية يمنية، تتخذ من الرياض مقرا لها، ما يدفعنا للتساؤل هل لتلك التصريحات دلالة على وجود خلافات بين الرياض وأبو ظبي؟
وبحسب دراسة لمعهد "كارينغي" لدراسات الشرق الأوسط، قال نيل بارتريك الخبير المتخصص بشؤون الشرق الأوسط في دراسة أعدها بعنوان "الإمارات وأهدافها من الحرب في اليمن"، إن "السعوديين يخشون من أن تنتزع الإمارات مواطئ قدم استراتيجية، وتقوض النفوذ السعودي في الفناء الخلفي التقليدي للمملكة".
وأضاف بارتريك، تشتد هذه المخاوف بسبب "الدور المتوسِّع تدريجيا الذي تؤديه الإمارات في البحر الأحمر"، في إشارة منه إلى القواعد العسكرية الإماراتية الموجودة في شرق إفريقيا و جزيرة ميون وجزيرة سقطرى اليمنية، مبينا: "ولّدت هذه الخلافات، أحيانا، تنافسا على النفوذ، وتسبّبت حتى باندلاع نزاعات، حيث خاض الإماراتيون وحلفاؤهم اليمنيون معارك ضد مقاتلين يمنيين مدعومين من السعودية وموالين للرئيس هادي للسيطرة على ميناء عدن، وقد حال هذا القتال دون تمكّن الإمارات من تنفيذ خطتها بالتقدّم شمالاً نحو تعز".
وكان تقرير استخباراتي فرنسي، لدورية "إنتليجنس أون لاين"، قد كشف عن تنامي التوترات والخلاف بين السعودية والإمارات بسبب اختلاف أجندة كلا البلدين في اليمن، ووفقا للدورية، فإن "آخر فصول هذه التوترات تسبب برفض الإمارات للرئيس اليمني هادي- برغم الدعم الذي يلقاه من التحالف العربي- في تجدد الخلافات القديمة في عدن بين الإمارات والسعودية".
"كسر العظم"
وكان صالح سميع، قد دعا في تصريحاته، الإمارات إلى "مراجعة دورها في اليمن، وعدم ملشنة المحافظات الجنوبية، والعمل الجاد على دحر الانقلاب، والخروج من الوهم بأن الشرعية تشكل تهديدا مستقبليا، وإذا لم تفعل فيجب على الرئيس هادي الاستغناء عن خدمات الإمارات، وإنهاء دورها في اليمن".
وهدد سميع بـ"اللجوء لقواعد القانون والدولي، والرفع إلى الأمم المتحدة بما تمارسه الإمارات في اليمن، إذا لم تع ِهذه المشكلة، وأن الأسابيع القادمة سيحصل فيها تغيير جوهري، حيث وصلت المسألة إلى حد كسر العظم".
ماذا عن السعودية؟
لم يشر جميع أعضاء الحكومة الشرعية الذين انتقدوا دور الإمارات في اليمن، وحمّلوها مسؤولية تفاقم الأوضاع، إلى مسؤولية السعودية عما يحدث، مع أن الرياض هي من تقود التحالف، الأمر الذي يحتم عليها تحمل كامل المسؤولية عن الممارسات التي تنتهجها الإمارات.
وتعليقا على الموضوع، أبدى الصحفي شاكر خالد، في حديث لـ"الاستقلال"، استغرابه من أن "سميع وسابقيه حاولوا تبرئة السعودية من كل ما يحصل، وكالوا لها الأوصاف بالحكمة والصبر، ولا أحد يدري إن كان لذلك علاقة بإقامتهم في الرياض".
وأضاف: "كل عبث يحصل في اليمن، سواء من طرف الإمارات بشكل مباشر، أو عبر أدواتها المليشياوية، فإن السعودية مسؤول عنه بشكل مباشر، فهي من استدعت الإمارات، وهو الثنائي الذي قاد معها التحالف العربي، ولا ينبغي للشرعية أن تستمر في خطئها بتبرئة السعودية، بل عليها أن تقنع التحالف أن أمامها خيارين لا ثالث لهما، إما دعم الشرعية بكل سلطاتها ومؤسساتها بما فيها مؤسسة الجيش والأمن، على جميع المناطق المحررة، أو الذهاب والبحث عن أجندة أخرى، على حساب انتصار المشروع الإيراني، في نهاية المطاف".