شراء ولاءات وتغيير ديموغرافي.. هذا ما تفعله الإمارات في سقطرى

آدم يحيى | 6 years ago

12

طباعة

مشاركة

"اتصلت بي السلطات الإماراتية فجأة وطلبت مني المغادرة خلال 3 أسابيع، سألتهم عن السبب، لم يزيدوا على القول إن هذه هي التعليمات، توسلت إليهم بتمديد الفترة لتحصيل مستحقاتي وديوني فأعطوني شهرا واحدا فقط.. لقد انقلبت حياتي رأسا على عقب".

كان هذا ما قاله مهندس الكمبيوتر اليمني مراد يحيى، في تصريح خاص لـ"الاستقلال"، الذي أضاف أنه يعرف عشرات الحالات بشكل شخصي، تم ترحيلهم بهذه الطريقة.

تضاعفت معاناة اليمنيين، منذ شن تحالف الرياض ـ أبو ظبي غاراته في اليمن، ففي حين كان الهدف المعلن هو القضاء على الانقلاب، تم القضاء على اليمنيين، بدلا عن ذلك، كما قال الناشط الحقوقي محمد الأحمدي لـ"الاستقلال".

وبحسب تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية أعدته في ديسمبر/كانون الأول 2018 بعنوان "اليمن على شفير الهاوية: كيف تستفيد الإمارات من فوضى الحرب الأهلية" قالت: أدى التدخل الخارجي خاصة الإمارات لتحويل النزاع إلى حروب ومناوشات محلية داخل حرب واحدة؛ الأمر الذي تسبب بأزمة بين الإمارات والرئيس هادي، الذي كان قد قال في اجتماع له مع مستشاريه بالرياض إن العلاقة مع أبو ظبي تزداد سوءا، واتهم الإمارات بأنها تعرقل كل شيء يمكن أن يقود إلى الاستقرار وسيطرة الحكومة الشرعية.

ترحيل واعتقال اليمنيين

لفحت نار الحرب اليمنيين، ليس في الداخل فقط، بل في الداخل والخارج، فالإمارات التي تشن حربها في اليمن، وتحكم سيطرتها على المحافظات الجنوبية هناك، تقوم بترحيل اليمنيين العاملين والدارسين من أرضها، بدون إبداء الأسباب، ومع أن إقامتهم شرعية ويتمتعون بحسن السيرة، إلا أنها تقوم بطردهم، الأمر الذي تسبب بخلق معاناة للكثيرين، وأربك حياتهم تماما.

وإلى جانب ترحيل البعض، تقوم الإمارات باعتقال البعض الآخر، يقول الكاتب  والصحفي منصور النقاش لـ"الاستقلال"، إن مصادر مقربة منه أكدت أن الإمارات تقوم بتغييب عشرات اليمنيين وإخفائهم قسريا منذ سنوات في سجونها، يضيف النقاش: إن "عددا منهم لا ينتمون لأي حراك سياسي وليس لهم أي انتماء ديني، لكن الإمارات رغم ذلك تقوم باعتقالهم، في ظل تكتم إعلامي".

بالإضافة إلى ذلك فإن الإمارات ترفض منح تأشيرات الزيارة للتجار اليمنيين، رغم أن لديهم أعمالا تجارية واسعة، وتربطهم بالإمارات عدة مشاريع تجارية، وكذلك ترفض منح تأشيرات الزيارة للأقارب، مهما كانت درجة القرابة، وتلك الامتيازات التي تمنحها خاصة فقط بأبناء سقطرى وحدهم.

شراء ولاءات أبناء الجزيرة

في حين تطرد الإمارات اليمنيين العاملين في أراضيها، وتتسبب بمعاناتهم، تقوم في المقابل بمنح مواطني سقطرى، بشكل حصري، فرصا للعمل على أراضيها، ففي فبراير/شباط الماضي أعلن ممثل مؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية خلفان المزروعي عن توفير فرص عمل في الإمارات للخريجين من أبناء الجزيرة.

في مسعى منها لشراء ولاءات أبناء الجزيرة، التي تسيطر عليها، وبحسب الصحفي أحمد محمد الذي زار الجزيرة في وقت سابق، وعقد لقاءات مع بعض الوجاهات الاجتماعية، يعمل الإماراتيون على شراء ولاء أبناء الجزيرة وبعض الشخصيات الاجتماعية والقادة العسكريين التابعين للحكومة الشرعية بالهبات السخية والأموال، ويقومون بتخصيص اعتمادات مالية شهرية للقادة العسكريين المقيمين هناك، وقد لاحظ انتشارا هائلا للسيارات الحديثة بين أبناء الجزيرة الموالين للإمارات.

وفي تصريح سابق لأحد أبناء الجزيرة، طلب عدم الكشف عن اسمه، لأسباب أمنية (لمن صرح)، عملت الإمارات على إنشاء قاعدة بيانات ضمت بيانات كل أبناء الجزيرة مع صورهم، وقامت بتصنيفهم وتصنيف انتماءاتهم.

ويضيف صحفي من أبناء الجزيرة، رفض الكشف عن اسمه لذات الأسباب، في تصريح خاص بـ"الاستقلال" إن الإمارات تقوم بتوزيع المساعدات الغذائية على المواطنين، وتمنحهم راتبا شهريا، وتطلب منهم رفع الأعلام الإماراتية في سطح كل منزل، في مسعى منها لاستغلال ضعف الدولة في اليمن، والحالة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطنون.

أضاف الصحفي أن الإمارات عملت على إنشاء شبكات اتصال وأبراج اتصال تابعة لشركة (اتصالات) الإماراتية، بحيث يغدو الاتصال بين الإمارات والجزيرة اتصالا محليا، وأن أبناء الجزيرة عادة ما يسافرون إلى الإمارات دون الاحتياج إلى الفيزا، في ظل وعود الإماراتيين بمنحهم الجنسية.

منح دراسية

لا تقتصر الامتيازات التي تمنحها الإمارات لأبناء سقطرى على فرص العمل فقط، بل امتدت لتشمل منحا دراسية قدمتها الإمارات حصرا لأبناء سقطرى، فقد أعلنت مؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية في مايو/آيار الماضي تقديم 200 منحة دراسية لأبناء الجزيرة، وهي المرة الثانية التي توفّر الإمارات منحا دراسية.

يأتي ذلك في ظل التضييق التي مارسته السلطات الإماراتية على الطلاب اليمنيين الدارسين في الإمارات، حيث طلبت منهم المغادرة وعدم إكمال الدراسة، حتى أن بعضهم لم يستطع إكمال الفصل الدراسي أو إجراء الاختبارات الشهرية التي كانت مقررة، فاضطروا للخروج تبعا لعائلاتهم التي أجبرت على الرحيل.

تغيير ديموغرافي

إلى جانب شراء ولاء أبناء الجزيرة، ومنح البعض الآخر فرص عمل وإقامة دائمة على أراضيها، ومنح الآخرين فرصا دراسية مدفوعة التكاليف، تقوم الإمارات بإجراءات لتجنيس بعض أبناء الجزيرة، ونقلهم للعيش في الإمارات ثم إعادتهم للجزيرة، في إجراء يوحي بتغيير ديموغرافي يستهدف أبناء الجزيرة، ويتسبب بتغيير الخارطة السكانية لها.

تركز الإمارات في منحها الدراسية على الجيل الناشئ، فيما يبدو أنه محاولة لتغيير الخريطة الوجدانية لأبناء الجزيرة، وخلق مفاهيم ومعتقدات تستوعب الوجود الإماراتي في الجزيرة.

مركز "أبعاد" للدراسات والبحوث حذّر من تغييرات ديموغرافية تقوم بها الإمارات؛ من خلال تجنيس أغلب سكان الجزيرة ونقل الكثير منهم للعيش في الإمارات، وإعادة أبناء الجزيرة المجنسين لإدارتها، ونقل بعض القيادات والجنود الموالين من محافظات جنوبية أخرى للقيام بمهام عسكرية وأمنية فيها.

تجنيد وتجييش

الكاتب والباحث في العلاقات الدولية أمين الجراش، صرح لـ"الاستقلال"، أن الإمارات تعمل على استقطاب أبناء الجزيرة من خلال تلك المنح التعليمية؛ وذلك لتجنيدهم للعمل لحسابها، في محاولة منهم لخلق قاعدة مجتمعية تتماهى معهم وتتقبل وجودهم على الجزيرة. يضيف الجراش "ليس ذلك فحسب بل إن الإمارات الطامحة مستعدة لفعل أي شيء من أجل ضمان ولاء أبناء الجزيرة التي تسعى الإمارات لضمها".

يقول الجراش: "لا أحد يعلم إلى أين سيصل طموح الإماراتيين، فمن المتوقع جدا، إذا استمر ضعف الحكومة الشرعية، وخذلان المجتمع الدولي أن يتم تجييش المجتمع وتحشيده من أجل ضمان الجزيرة للإمارات، فالمسألة مسألة وقت، وحكام الإمارات مستميتون في سبيل الحصول على الجزيرة، مهما كانت الفاتورة مكلفة".

كان تقرير لوكالة انتليجنيس الاستخباراتية الفرنسية قد قال: سقطرى تتمتع بدرجة عالية من الاستراتيجية؛ لأنها تسيطر على مدخل خليج عدن من جانب المحيط الهندي،  وولي العهد الإماراتي مصمم بشكل خاص على الاحتفاظ بالجزيرة. .

في تلك الأثناء، تتناول برامج حوارية مكثفة في قنوات تلفزيونية تابعة للإمارات التاريخ المشترك بين الإمارات وسقطرى، وهي العلاقة التي لم يعرفها أحد ولم يدونها أي كتاب من كتب التاريخ.

يحدث كل ذلك فيما يبدو أنه استلهام لنموذج شبه جزيرة القرم التي انفصلت عن أوكرانيا وانضمت لروسيا، بعد أن قامت روسيا بشراء ولاء أبناء الجزيرة الذين صوتوا لاحقا في الاستفتاء لصالح انضمام الجزيرة لروسيا.