مسارات الإعدام في مصر.. قتل باسم القانون

"يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين" هذه عبارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، التي ذكرها في جنازة النائب العام المصري هشام بركات في 30 يونيو/ حزيران 2015. ومنذ ذلك الحين بدأ مسار جديد في ساحات المحاكم المصرية.
الإعدام في قضية سياسية بمصر معقد من حيث الإجراء والتنفيذ، بداية من الاعتقال إلى الإحالة على ذمة قضية، وصولا إلى حبل المشنقة. مسارات متشابكة يمر بها المحكوم في سياق يحمل بين طياته الكثير من الثغرات، وفي النهاية يقود إلى الموت إذا ما قررت الأجهزة المعنية التنفيذ.
أحال القضاء المصري بشقيه المدني والعسكري، منذ 3 يوليو/ تموز 2013، أوراق مئات المواطنين المصريين إلى المفتي، وهي خطوة إلزامية سابقة لحكم الإعدام بحسب نصوص القانون المصري.
جرى تنفيذ الإعدام بحق 42 مواطناً حتى فبراير/ شباط 2019، في 5 قضايا مختلفة، بينها 3 مرت من دوائر بمحاكم عسكرية، فيما ينتظر العشرات من المحالين إلى الموت تنفيذ الحكم في أي وقت، كما حدث مع من سبقوهم.
فبراير الأسود
عرف فبراير/ شباط 2019 إعدامات متتالية أقدم القضاء المصري على تنفيذها، بداية من إعدام 3 من رافضي الانقلاب العسكري في قضية نجل المستشار بمحكمة استئناف القاهرة، تلاه إعدام 3 آخرين في القضية المعروفة إعلامياً بـ"أحداث كرداسة" رغم تبرئة الطب الشرعي لهم.
وفي 20 فبراير/ شباط جرى إعدام 9 شباب في قضية اغتيال النائب العام، وهي القضية التي أحدثت جدلاً لحجم الثغرات التي تحدثت عنها المنظمات الحقوقية؛ ولإثبات اعتراف المتهمين تحت وطأة التعذيب الشديد.
ليست هذه السابقة الأولى لتنفيذ هذا الكم من الإعدامات، ففي 5 يناير/ كانون الثاني 2018 أعربت الأمم المتحدة على لسان الناطقة باسم مفوضية حقوق الإنسان التابعة للمنظمة الأممية، ليز ثروسيل، في مؤتمر صحفي عقدته بمكتب الأمم المتحدة في جنيف، عن صدمتها إزاء تنفيذ السلطات المصرية أحكام إعدام بحق 19 شخصاً أدانتهم محكمة عسكرية في مصر.
في 3 يوليو/ تموز 2013، أحال القضاء بشقيه المدني والعسكري أوراق نحو 2553 مواطناً إلى المفتي؛ ليتم تثبيت أحكام الإعدام على 956 منهم في 70 قضية مختلفة. 10 قضايا نُظرت أمام محكمة عسكرية، وتم الحكم فيها على 111 مدنياً بالإعدام، ومن بين تلك الأحكام استنفدت 57 منها درجات التقاضي لتصبح نهائية، وتم تنفيذ الحكم بشكل فعلي في حق 42 متهماً.
أبرز من حُكم عليهم بالإعدام
قضت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار شعبان الشامي، يوم 16 يوليو/ تموز 2015 حكمها بإعدام الرئيس محمد مرسي، والمرشد العام للجماعة محمد بديع، وعدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين منهم رئيس البرلمان السابق محمد سعد الكتاتني، ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة عصام العريان، وعضو مكتب الإرشاد رشاد البيومي، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، وذلك في القضية المعروفة إعلاميا بـ"اقتحام السجون".
وقضت نفس المحكمة في جلستها الأولى التي انعقدت في قضية "التخابر مع حماس"، بالإعدام على 3 من قيادات نفس الجماعة حضورياً، وهم نائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر، والبرلماني السابق عن الإخوان محمد البلتاجي، ومدير مكتب رئيس الجمهورية فترة حكم مرسي أحمد عبد العاطي.
وقضت المحكمة بإعدام عدد آخر من قيادات الجماعة ومعاوني الرئيس محمد مرسي، وشمل الحكم كل من: "محمود عزت، متولي عبدالمقصود، عمار البنا، أحمد رجب سليمان، الحسن الشاطر، سندس عاصم، أبو بكر حمدي، أحمد الحكيم، رضا فهمي، محمد أسامة العقيد، حسين القزاز، عماد الدين شاهين، وإبراهيم فاروق الزيات".
رقابهم على أعواد المشانق
نُفِّذ أول حكم إعدام، في 7 مارس/ آذار 2015، بحق محمود حسن عبد النبي رمضان في القضية رقم 2013 /15663/1442 جنايات قسم سيدي جابر بالإسكندرية، بتهمة القتل العمد.
تعرض عبدالنبي لحملة إعلامية شرسة قبل إعدامه، تضمنت تسجيلاً مصوراً له أثناء إدلائه باعترافه تحت التهديد، حسب محاميه الذي قال إن القضية خلت من أي دليل مادي يفيد ارتكابه جريمة القتل العمد.
وأصدرت المحكمة العسكرية حكمها في القضية رقم 43 جنايات عسكرية، في 21 أكتوبر/ تشرين الثاني 2014، بإعدام سبعة متهمين أحدهم غيابيا في القضية المعروفة إعلامياً بـ"عرب شركس". وبرفض الطعن المقدم من المتهمين تم تنفيذ الحكم بحق 6 بتاريخ 17 مايو/آيار 2015، وهم (محمد بكري هارون، هاني مصطفى أمين عامر، محمد علي عفيفي، عبد الرحمن سيد رزق، خالد فرج محمد، إسلام سيد أحمد).
وكانت النيابة العسكرية قد وجّهت للمتهمين تهمة قتل ضابطي أمن بمخازن عرب شركس بتاريخ 19 مارس/آذار 2014، وبيّنت وثائق قدمت للمحكمة والنيابة العسكرية قيام قوات الأمن باعتقال ثلاثة من المحكوم عليهم قبل ارتكاب الجرائم المشار إليها بأشهر، وتعريضهم للاختفاء القسري بسجن العازولي بالإسماعيلية.
وبتاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول 2016 تم تنفيذ حكم الإعدام بحق عادل محمد إبراهيم وشهرته عادل حبارة، بعد تأييد محكمة النقض، حيث اتهم مع آخرين بالقتل العمد لـ 25 من جنود الأمن المركزي في أغسطس/ آب 2013.
وفي 26 ديسمبر/كانون الأول 2017 كانت مصر على موعد مع تنفيذ أكبر عدد لأحكام الإعدام في يوم واحد، حيث أُعدم 16 متهماً في يوم واحد في القضية المعروفة إعلاميا بـ(كمين الصفا 3 العسكرية). ونُفِّذ الحكم في كل من (أحمد عزمي حسن، عبد الرحمن سلامة سالم، علاء كامل سليم، مسعد حمدان سالم، موسى محمد عمر، حليم عواد سليمان، إبراهيم سالم حماد، إسماعيل عبد الله حمدان، حسن سلامة جمعة، دهب عواد سليمان، يوسف عواد سليمان، محمد عايش غانم، سلامة صابر سليم، فؤاد سلامة جمعة، محمد سلامة طلال، أحمد سلامة طلال).
وقامت السلطات المصرية في 2 يناير/كانون الثاني 2018 بتنفيذ حكم الإعدام بحق 4 متهمين في القضية المعروفة إعلاميا بـ (استاد كفر الشيخ العسكرية)، والمواطنين المنفّذ بحقهم الإعدام هم (لطفي إبراهيم خليل، سامح عبد الله يوسف، أحمد عبد الهادي السحيمي، أحمد عبد المنعم سلامة).
وأفاد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، أن الأحكام في القضية بُنيت على اعترافات تم انتزاعها من أحد المتهمين تحت وطأة التعذيب.
وفي 7 فبراير/شباط 2019 تم إعدام 3 مواطنين في قضية نجل المستشار بالمنصورة، وهم (أحمد ماهر، المعتز بالله غانم، عبد الحميد عبد الفتاح).
أما في 13 فبراير/شباط 2019 تم إعدام 3 مواطنين في قضية مقتل اللواء نبيل فراج، وهم (صلاح فتحي حسن النحاس - محمد سعيد فرج - محمد عبد السميع حميدة).
وشهد يوم 20 فبراير/ شباط 2019، إعدام 9 مواطنين في قضية مقتل النائب العام وهم:
(أبو بكر السيد، أبو القاسم أحمد، أحمد حجازي، أحمد وهدان، أحمد الدجوي، أحمد محروس، إسلام مكاوي، عبد الرحمن سليمان، محمود الأحمدي).
قضاة الإعدام
- محمد ناجي شحاتة:
مشهور بلقب "قاضي الإعدامات"، كان رئيسا لمحكمة جنايات الجيزة، وبلغت أحكام الإعدام التي أصدرها 203 حكماً بالإعدام في عدد مختلف من القضايا منها (خلية الماريوت – أحداث مسجد الاستقامة – غرفة عمليات رابعة – مذبحة كرداسة).
ومن أبرز من طالتهم أحكام ناجي شحاتة، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، والقيادي بالجماعة، محمد البلتاجي.
- حسن فريد:
حكم على الشباب الـ9 الذين أعدموا في قضية اغتيال النائب العام، وهو رئيس الدائرة رقم 28 بمحكمة جنايات القاهرة. سبق وأصدر أحكاماً بالإعدام والسجن المؤبد والمشدد على المعتقلين في قضية مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة، الذين وصل عددهم إلى 739 متهماً.
- محمد شيرين فهمي:
ذو جذور عسكرية، فوالده شيرين فهمي لواء سابق بالجيش. هو القاضي الذي حكم على عادل حبارة و34 متهماً آخرين بالإعدام شنقاً في القضية المعروفة بـ"مذبحة رفح الثانية"، كما أحال 20 متهماً إلى المفتي في قضية أحداث كرداسة.
- شعبان الشامي:
أصدر رئيس الدائرة 15 لمحكمة جنايات شمال القاهرة عدداً من الأحكام ضد معارضي النظام؛ التي بلغت في مجملها 142 حكماً بالإعدام.
وكان للشامي صورة أخرى في محاكمة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، حين قرر إخلاء سبيله في قضية "الكسب غير المشروع" ورفض طعن النيابة.
- سعيد صبري:
أصدر رئيس محكمة جنايات شمال الصعيد (المنيا – بني سويف – الفيوم)، أحكاماً ضد معارضي النظام بلغت في مجملها 220 حكماً "نهائيا" بالإعدام، وفي أول قضية له في قضايا الإرهاب، أصدر صبري حكماً في مارس/آذار 2018 بإعدام 529 من معارضي النظام، بتهم القتل والشروع في قتل ضابط شرطة في المنيا.
- معتز خفاجي:
أصدر رئيس محكمة جنايات القاهرة، أحكاماً ضد معارضي النظام التي بلغت في مجملها، 24 حكماً بالإعدام، و27 حكماً بالمؤبد في عدد من القضايا المختلفة. وكان من أبرز تلك القضايا التي ترأسها خفاجي، القضية المعروفة إعلاميا بـ"أحداث مكتب الإرشاد"، وقضى فيها إعدام 4 متهمين والمؤبد لـ14 آخرين، وعلى رأسهم المرشد العام لجماعة الإخوان محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر.
- أسامة عبد الظاهر:
وصلت أحكام رئيس محكمة جنايات المنصورة، على معارضي النظام 26 حكماً بالإعدام، و19 حكماً بالمؤبد، في عدد من القضايا المختلفة.
اعترافات تحت سياط التعذيب
أصدرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا تقريراً بعنوان "سحق العدالة"، أفادت من خلاله أن "المعتقلين المعارضين الذين حوكموا أمام المحاكم المدنية والعسكرية، تعرضوا إلى عمليات تعذيب بشعة حدثت في مقار احتجاز سرية".
وفي المحادثة الشهيرة التي دارت بين محمود الأحمدي الشاب المحكوم بالإعدام في قضية اغتيال النائب العام، والذي نفّذ فيه الحكم وقضى على أثره، وبين القاضي حسن فريد، قال محمود: "أنا خصيمك أمام الله يوم القيامة، أنا واللي معايا مظلومين، وأنت عارف ده كويس! فباغته القاضي: لكن يا محمود أنت اعترفت! فقال محمود: هاتلي صاعق كهربائي، وأخليك تعترف إنك قتلت السادات".
وتبقى الإعدامات التي أُصدرت ونُفّذت في عهد رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي هي الأكثر في تاريخ مصر؛ الأمر الذي جعل المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تعرب عن قلقها، وطالب المتحدث باسم المفوضية، روبرت كولفيل، السلطات المصرية بوقف جميع الإعدامات.
المصادر
- الجزيرة: بالأرقام الإعدامات في تاريخ مصر هي الأكثر في عهد السيسي
- تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا بعنوان (سحق العدالة)
- تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش بعنوان (مصر.. قمع بلا رادع)
- تقرير الائتلاف المصري لوقف عقوبة الإعدام
- بيان الأمم المتحدة حول تنفيذ مصر أحكام إعدام على خلفية محاكمات عسكرية
- بيان مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لمطالبة مصر بوقف جميع أحكام الإعدام