رئيس موريتانيا يدفع بوزير دفاعه للرئاسة.. هل هي بوابة للعودة؟
على غير ما اعتاد المواطن العربي سماعه، أعلن الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، احترامه لدستور بلاده، ورفضه لأي مسعى للمساس به أو تعديله، من أجل تمكينه من الترشح لدورة رئاسية ثالثة.
ففي 15 يناير/ كانون الثاني 2019 دعا ولد عبد العزيز إلى وقف مبادرة برلمانية أطلقها نواب من الحزب الحاكم، لجمع توقيعات بهدف تقديم مبادرة تشريعية، تفضي إلى تعديل المواد الدستورية، التي تحدد مدد الرئاسة في موريتانيا، بدورة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط .
وأشار بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، أصدرته الإذاعة الرسمية الموريتانية، إلى تأكيد الرئيس أن "تحقيق هذا القصد يتطلب المحافظة على النهج المتبع حاليا في تسيير الشأن العام، والذي أثبت نجاعته، وتبنته الأغلبية العظمى من الشعب الموريتاني، وهو نهج يجب أن يستمر كمرجعية أولى للدولة، بغض النظر عن الأشخاص المكلفين من طرف الشعب بقيادة البلد" .
وجاء بيان الرئاسة بعد أسبوع ساخن في موريتانيا، تعددت فيه المواقف بين مؤيد للمبادرة ورافض لها، كما شهدت العاصمة نواكشوط وقفات احتجاجية رافضة لأي محاولة بالمس بالدستور، وداعية لإيفاء الرئيس بتعهداته بضمان تداول سلمي على السلطة، وحذرت المعارضة مما أسمته انقلابا دستوريا يهدد العملية السياسية.
حليف المستبدين
ما زاد استغراب المتابعين للشأن الموريتاني من تمسك الرئيس ولد عبد العزيز باحترام الدستور ورفض المساس به، أنّ تاريخ الرجل لم يكن ديمقراطيا أبدا، فالجنرال العسكري وصل إلى السلطة في 6 أغسطس/آب 2008 بعد انقلابه على الرئيس المنتخب ديمقراطيا، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وفق ما أقر به منافسوه ومراقبون محليون وأجانب بعد 16 شهرا فقط من انتخابه.
ليس ذلك فقط ففي رصيد الرجل دور محوري في انقلاب العام 2005 الذي أطاح بنظام الرئيس معاوية ولد الطايع، كما شاب الاستحقاقين الانتخابيين الذين خاضهما شبهات تزوير وتلاعبا بالنتائج وتسخيرا لأجهزة الدولة لخدمته.
ومنذ وصوله إلى السلطة شهد وضع الحريات والحراك السياسي انتكاسة كبيرة، عمقها تحالف متين مع حكام دولة الإمارات العربية المتحدة الذين لا يخفون عداءهم لكل حالة ديمقراطية في العالم العربي، وخاصة للحركات السياسية المحسوبة على التيار الإسلامي والمتمثلة في موريتانيا بحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية - تواصل- أكبر أحزاب المعارضة.
الانخراط ضمن المحور الإماراتي السعودي دفع بالرئيس الموريتاني إلى التورط في الصراعات الإقليمية من الحرب السعودية- الإماراتية على اليمن، الذي أدى إلى الزج بقرابة 700 جندي موريتاني في المعارك المستمرة منذ 25 مارس /آذار 2015 ضد ميليشا الحوثي والقوات الموالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح والمدعومين إيرانيا حسب ما أكده موقع إرم نيوز .
ومع بداية العام 2017، وقّع وزير الدفاع الموريتاني، ديالو ممادو باتيا، مع مساعد وزير الدفاع السعودي، محمد بن عبدالله العايش، بتفويض من وزير الدفاع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، اتفاقية للتعاون العسكري، تتعلق بالتدريب وتبادل الخبرات والمعلومات الأمنية والزيارات علاوة على المساندة والإمداد وقت الحرب.
وبعد يوم واحد من إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر فرض حصار شامل على دولة قطر، أعلنت موريتانيا المشاركة فيه وسحبت سفيرها من الدوحة في 06 يونيو/ حزيران 2017، مقابل دعم سخي من الإمارات، التي تشرف على مجموعة من المشاريع الضخمة في موريتانيا، منها تكفّل شركة "مجموعة الإمارات الاستثمارية"، بإعداد مخطط شامل لمدينة نواكشوط لعام 2020، وبناء شركة "مصدر" الإماراتية محطة للطاقة الشمسية برمال بلاد شنقيط، بطاقة استيعابية تبلغ 15 ميغاوات، فضلًا عن "مستشفى الشيخ زايد" المشهور في نواكشوط.
هذا الدعم السخي فرض على النظام في موريتانيا سياسة معادية للإسلاميين في بلده إذ أطلق رئيس الدولة عديد التصريحات التي تتهمهم بالعنف والتطرف ومارس جملة من التضييقات كان آخرها إغلاق مركز تكوين العلماء الذي يشرف عليه الشيخ حسن ولد الددو والذي يوصف بالمرشد الروحي للإخوان المسلمين في موريتانيا.
توازنات سياسية غير ملائمة
مبادرة تعديل مواد من الدستور الموريتاني أطلقها عدد من نواب حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم في موريتانيا الحاصل على 89 مقعدا من أصل 157 مقعدا في البرلمان بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة في سبتمبر أيلول من العام 2018 ، بينما لم تتحصل المعارضة سوى على 33 مقعدا ينتمي 14 منهم لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" ،بينما توزعت البقية على أحزاب وشخصيات مؤيدة للرئيس.
رفض الرئيس الموريتاني اجتياز الاختبار السياسي بتبني مبادرة تشريعية لتعديل مواد دستورية توصف بالمحصنة في المعجم القانوني الموريتاني لسببين رئيسيين، أولا من أجل عدم التراجع عن التزاماته المتكررة بعدم الترشح لولاية ثالثة واحترام الدستور في أكثر من مناسبة والذي لم يمر على تنقيحه سوى أشهر قليلة بعد استفتاء شعبي عام شهدته موريتانيا قوبل برفض كبير من المعارضة ونجح فيه معسكر الرئيس في نيل تأييد شعبي لتغيير شكليّ للنظام السياسي بإلغاء الغرفة الثانية للبرلمان وتركيز المجالس الجهوية من أجل دعم اللامركزية وتغيير علم البلاد لأول مرة منذ الاستقلال.
كما يشدد نص القسم الدستوري على موضوع تعديل الدستور وخاصة المواد المتعلقة بمدة ولاية الرئيس وعددها كما نص على ذلك في المادة 29 من الدستور ""وأقسم بالله العلي العظيم أن لا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور".
وثانيا في اختبار النواب المؤيدين له من أجل الحصول على ثلثي أصواتهم من أجل تعديل الدستور ،فبعد إجماع نواب المعارضة على رفض التعديل عبر 25 نائبا من نواب الأغلبية عن رفضهم مقترح التعديل، وهو ما يجعل عددهم يتجاوزعتبة الثلث المعطل لأي مشروع تعديل كما عبر النائب البرلماني محمد الأمين ولد سيدي مولود في تصريح لوكالة الأنباء الموريتانية المستقلة " الأخبار" .
البحث عن ميدفيدف موريتاني
إن كانت فصول الدستور الموريتاني متشددة في علاقة بمدة الرئاسة وعدد الولايات إلا أنها توفر طريقا جانبيا للالتفاف عليها، إذ يسمح الدستور للرئيس معاودة الترشح لدورتين جديدتين بعد أن يخلفه شخص آخر في منصب الرئاسة لدورة واحدة وهو ما بات يوصف في موريتانيا بسياسة " الاستخلاف الرئاسي".
يرى الإعلامي الموريتاني البارز أحمد محمد مصطفى، في حديث صحفي، أن الرئيس ولد عبد العزيز يتجه لاستخلاف الفريق محمد ولد الغزواني في سيناريو مشابه لتداول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورفيقه رئيس الوزراء الحالي دميتري ميدفيدف على منصب رئاسة الدولة في روسيا بين عامي 2008 و2018 .
ثقة الرئيس بالرجل وقدرته على مواصلة السيطرة على السلطة وإدارة البلد من خلاله من أهم العوامل المرجحة لهذا الاختيار. هذا الخيار يعني استمرار ولد عبد العزيز عمليا في الحكم، واستمرار "القوة الحاكمة" ذاتها بمشاريعها ونظرتها للشأن العام في موريتانيا وتحالفاتها الدولية طيلة الخمس سنوات التي سيتولى فيهم خليفة الرئيس الحالي إلى حين استعادته السلطة كاملة عام 2024.
ولكن هذا الخيار الذي لا مفر منه فتح صراعا بين أجنحة النظام في موريتانيا وكبار الشخصيات فيه خاصة من الذين يرون أن لهم الأحقية للعب هذا الدور وفي مقدمتهم رئيس البرلمان العقيد المتقاعد الشيخ ولد باي.
الكلمة الفصل بيد الجيش
رغم سيطرة الرئيس ولد عبد العزيز على السلطة منذ 8 سنوات واستعداد المعارضة لخوض الانتخابات الرئاسية موحدة خلف مرشح توافقي، إلا أن اللعبة السياسية في موريتانيا تبقى مرتهنة لقرار المؤسسة العسكرية التي أوصلت للسلطة 6 رؤساء عبر انقلابات عسكرية منذ استقلال البلاد في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 1960.
المصادر
- الدستور الموريتاني المواد 26 و28 و99
- الإذاعة الرسمية الموريتانية " بيان رئاسة الجمهورية"
- إرم نيوز موريتانيا ترسل مئات الجنود لمحاربة الحوثيين في اليمن
- وكالة الأنباء الموريتانية 04/01/ 2017/التوقيع على اتفاقية للتعاون العسكري الثنائي بين موريتانيا والسعودية
- اجتماع اللجنة المشتركة بين الإمارات وموريتانيا