ما وسائل الحوثيين لتغيير هوية الطلاب اليمنيين؟
"اللهم إنا نتولاك.. ونتولى رسولك.. ونتولى الإمام علي.. ونتولى أعلام الهدى أولياءك.. ونتولى من أمرتنا بتوليه سيدي ومولاي عبد الملك بدر الدين الحوثي.. اللهم إنا نبرأ إليك من أعدائك"، هذه الكلمات التي يرددها تلاميذ مدرسة خاضعة لسيطرة الحوثيين، في طابور الصباح، بديلا عن النشيد الوطني، الذي اعتاد الطلبة ترديده منذ أكثر من خمسين عاما.
منذ انقلاب الحوثيين على الدولة، وسيطرتهم على المؤسسات الحكومية أحكموا قبضتهم على المنظومة التعليمية، وعينوا على الفور شقيق زعيم جماعة الحوثي، وزيرا للتربية والتعليم. فحسب مواقع محلية، فإن "يحيى الحوثي لا يحمل أي مؤهل علمي سوى إجازة في العلوم الدينية، منحها إياه والده بدر الدين الحوثي، لكنه أصبح وزيرا للتربية والتعليم".
مصادرة المناهج
في أول إجراء للوزير المعين، قام بمصادرة الكتب السنية في مكاتب المدارس، ابتداء من محافظة ذمار، الحاضنة الاجتماعية الأشهر لفكر الجماعة، وذلك بعد يومين من تعيينه.
وبالتأكيد لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد قام الحوثيون مباشرة بسحب المناهج الرسمية من المدارس، وتشكيل لجنة لإعادة وطباعة مناهج تعليمية تدرّس فكرهم، وتغرس ايديولوجيا طائفية غير متسامحة مع من يخالفهم.
ملازم الحوثي
خضعت مدينة صعدة لسيطرة الحوثيين قبل الانقلاب، وكانت "ملازم" حسين الحوثي، المنهج الموازي للمنهج الرسمي، تدرس في مدارس صعدة بديلا عن المنهج الرسمي، و"ملازم" الحوثي هي تفريغ نصي لمحاضرات مؤسس الحركة حسين الحوثي تتناول أدبيات الجماعة الفكرية ومواقفها، وتحمل عناوين طائفية مثل "حديث الولاية"، "مسؤولية أهل البيت"، "ذكرى استشهاد الإمام علي" و" الشعار سلاح وموقف".
في المناهج الدراسية الخاصة بطلاب المرحلة الابتدائية، تم إدراج دروس تمجد فكر الجماعة ورموزها، وتنال من معارضيها وتصفهم بالنفاق والارتزاق، على سبيل المثال تناول المنهج بالنص والصورة سيرة مؤسس الجماعة حسين الحوثي وتم تصديره كبطل شجاع ومتسامح، وفي المقابل تم إدراج دروس تنص، صراحة، على تصنيف حزب الإصلاح والحكومة الشرعية وكل الخصوم السياسيين والفكريين للحركة بالعمالة والارتزاق.
ركز الحوثيون على تغيير مواد التربية الإسلامية والتاريخ والوطنية، في المقام الأول، ففي مقرر التربية الإسلامية قام الحوثيون بطرح نظرياتهم وأفكارهم المتعلقة بالولاية وعصمة الأئمة ورموز فكرهم عبر المنهج الرسمي والمنهج الموازي "الملازم"، وتدريسها بشكل إجباري في المدارس وكذلك المراكز التثقيفية التابعة للجماعة. في مادة التاريخ أيضا، قامت الجماعة بإعادة صياغة تاريخ اليمن بطريقة تمجد الفكر الإمامي، وتنال من الرموز التاريخية اليمنية الذي مثلت مقابلا سياسيا لفكرة الإمامة وحصرها في البطنين، وفكرة الولاية وحصرها في الفقيه.
وصل الأمر لحد حذف الدروس التي تتضمن أسماء تحمل لها الجماعة عداء دينيا، أو تمثل لها حساسية تاريخية، وعلى سبيل المثال: "أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي حذفت دروسه، والقائد صلاح الدين الأيوبي، وحتى أحاديث أبي هريرة".
طال الأمر حتى مادة الرياضيات لطلاب المراحل الأولى الابتدائية، حيث تم ربط بعض العمليات الحسابية برمزيات الجماعة وشعاراتها، لترسيخ حضور تلك الرموز والشعارات في ذهنية الطفل، وضمان ائتلافه من حديثي السن.
استبدال المدرسين
لم تكن الجامعات أفضل حالا، فقد قامت الجماعة الحوثية بتعيين عناصر حوثية وعناصر موالية لها في رئاسة الجامعات الحكومية وفي المناصب الإدارية، وعينت عددا من مواليها في قريق التدريس، وقامت بعمل تعديلات على المناهج الجامعية في جميع الكليات.
احتوت المناهج الجامعية مفاهيم ومصطلحات عملت على تمجيد إيران وحزب الله، ويبدو ذلك واضحا في مقرر "الصراع العربي الإسرائيلي"، المادة المفروضة حديثا في الجامعات، وكتاب "الثقافة الإسلامية" المقرر الجامعي الذي قام الحوثيون بإعادة صياغته تماما بما يتوافق مع أفكارهم ومواقفهم.
وقال مصدر أكاديمي، في حديث لـ"الاستقلال"، إن "الحوثيين يحرصون على تحضير الطلاب في محاضرات "الثقافة الإسلامية" و"العداء العربي الإسرائيلي" بالذات، ويتم تصنيف من يتغيب عن حضور تلك المحاضرات أو يتغيب عن اختبارات تلك المواد كعدو يخدم أجندة العدوان، وبناء على ذلك التصنيف يتم التعامل معه، ليس في الجامعة، بل في المعتقلات والسجون".
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لاعتبارات أمنية، أنه "عادة ما تحتوي تلك الاختبارات أسئلة تتعلق بأفكار الجماعة الحوثية وموقفها السياسي، ونظرية الولاية، وأسئلة تتعلق بمؤسس الجماعة، وأخرى تتعلق بإيران وحزب الله، وأسئلة تتعلق بالسعودية وما تسميه العدوان".
واستكمالا لـ"ملشنة" التعليم و"تحويثه"، قام رئيس جامعة صنعاء المعين من جماعة الحوثي في وقت سابق، بإصدار قرار بفتح قسم في جامعة صنعاء لتدريس اللغة الفارسية، واستدعت الجماعة عناصر حوثية ممن تلقوا تعليمهم العالي في إيران لتدريس اللغة الفارسية في الجامعة، بحسب المصدر.
العزوف عن التعليم
كل ذلك جعل بعض الآباء يعزفون عن إلحاق أبنائهم بالجامعات والمدارس، خوفا من تلغيم أفكارهم بآيديولوجيا ومعتقدات تدفعهم للعنف، خصوصا أن الحوثيين يعتبرون المدارس مناجم لا تنضب من المقاتلين، يستدعون الطلاب على الدوام ويقومون بتجنيدهم بعدة وسائل، لتغطية العجز في المقاتلين.
الأمر الذي خلق مخاوف كبرى لدى الآباء وأولياء الأمور على أبنائهم ومستقبلهم من الشحن الطائفي والسلالي واستقطابهم إلى معارك عبثية، وقد كشف تقرير سابق لـ"الاستقلال" عن حقائق وأرقام تجنيد الحوثيين لطلاب المدارس والجامعات.
يحدث كل هذا في ظل صمت دولي وأممي مطبق، وفي الوقت الذي كان يفترض أن تقوم منظمات الأمم المتحدة، بدورها في الحد من خطاب الكراهية، قامت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، في وقت سابق، بدعم جماعة الحوثي وتمويلهم بألف طن من الورق ومستلزمات الكتب لاستئناف عمل مطابع الكتاب المدرسي، وهي الكمية التي تكفي لطباعة وتفخيخ نحو خمسة مليون كتاب مدرسي موزعة على 900 ألف طالب وطالبة، بحسب "اليونيسيف"، بينما رفضت تمويل مطابع الكتاب المدرسي الخاضع للسلطة الشرعية بعدن. لتقوم بعد ذلك بإعلان تعليقها الدعم، إثر ضغط من قبل الحكومة الشرعية وحملة من الاستنكار والتنديد، وتبرر تصرفها ذلك بتلقيها تصريحات من الحوثيين بعدم تغيير المنهج الرسمي.
تغيير الهوية
يعمل الحوثيون، عبر مناهجهم التعليمية، على تغيير البنية الذهنية للمجتمع اليمني، واستيراد ثقافة دخيلة على اليمنيين، في محاولة لتغيير وطمس هويتهم، وتجنيدهم لصالح ثقافات وقوى خارجية، مثلت على مدى مئات السنوات عداء تاريخيا وعقائديا وفكريا لها، ويعملون في المقابل على إحداث قطيعة بين اليمنيين ورموزهم التاريخية والدينية، إضافة إلى ذلك يعملون على تطييف المجتمعات من خلال زرع مفاهيم كفيلة بتفتيت النسيج المجتمعي، فضلا عن ترسيخ ثقافة العداء وعدم التسامح لكل من يخالف فكرهم، وفقا لمراقبين.