شيوخ أردنيون يزورون كربلاء ويهتفون "لبيك يا حسين".. ما قصتهم؟
الشخصيات المدعوة مثيرة للجدل وتشجع على فسح السياحة للشيعية بالأردن
جدل واسع أثارته زيارة عدد من شيوخ الدين الأردنيين إلى مدينة كربلاء العراقية، للمشاركة في مؤتمر "نداء الأقصى"، وذلك بدعوة خاصة وجهت إليهم من "العتبة الحسينية" التابعة للمرجعية الشيعية في النجف، خصوصا بعد شعارات "لبيك يا حسين"، التي رددوها هناك.
المؤتمر بنسخته الثالثة، الذي استمر من 12 إلى 15 أغسطس/ آب 2024، عقد بعنوان: “من معركة الطف (كربلاء) إلى طوفان الأقصى.. انتصار الإرادة على الطغيان”.
وكان أغلب المشاركين فيه من غير العراقيين، هم من جنسيات عربية، وتحديدا سورية وفلسطينية ولبنانية.
تحذيرات أردنية
وتناول العديد من وسائل الإعلام المحلية الأردنية، زيارة هؤلاء المشايخ وسلط الضوء على أن الوفد الذي زار كربلاء لا يحمل صفة رسمية أردنية.
وجاء ذلك في وقت حذر فيه ناشطون أردنيون من التمدد الشيعي عبر هذه الشخصيات التي تخفي "تشيعها" وتدّعي أنها "صوفية".
وقالت وكالة "عمون" الأردنية في 17 أغسطس، إن مشاركة شيوخ من الأردن في مؤتمر "نداء الأقصى" المنعقد في كربلاء، كان بشكل غير رسمي، وضم كلا من: "الدكتور محمد هشام سلطان، والدكتور زياد أبو لبن، والشيخ مصطفى أبو رمان".
وأضافت أن "المؤتمر يشارك فيه جمع من رجال دين يمثلون مختلف الطوائف والأديان، حيث يتواجد ممثلون عن الدين المسيحي، والدروز وممثلون من السنة والجماعة بالإضافة إلى مضيفيهم من الشيعة".
ولفتت الوكالة إلى أن "الوفود الفلسطينية والسورية واللبنانية كانت الأكثر حضورا في المؤتمر"، مشيرة إلى أن "الوفد الأردني ظهر له مقطع فيديو وهم يهتفون لبيك يا حسين".
ردّ أبو رمان على خبر الوكالة عبر صفحته على "فيسبوك"، قائلا: "بدعوة كريمة من إدارة نداء الأقصى شاركت بالمؤتمر الثالث في العراق بمشاركة وفود من ستين دولة لا فرق ولا مذهبية ولا طائفية. كان يجمعنا نداء غزة وفلسطين".
وكتب أبو رمان ضمن التعليق على خبر "عمون" الذي نشره على حسابه في "فيسبوك"، قائلا: "إن الشعار كان لبيك يا أقصى"، مطالبا الوكالة الأردنية بأن تكون منصفة وألا تبحث عن "الإثارة".
وعلى وقع انتشار خبر الوكالة الأردنية، عبّر ناشطون أردنيون عن غضبهم من الشخصيات المشاركة في مؤتمر “نداء الأقصى”.
ودعوا في الوقت نفسه الجهات الرسمية إلى مساءلة الوفد عن أسباب حضورهم في مثل هذه المؤتمرات التي وصفوها بأنها "مشبوهة".
وقال الناشط عدي القدة، عبر تدوينة على منصة "إكس" في 17 أغسطس، إن "هذا الوفد غير رسمي، وبالتالي هو غير أردني لا يمثل الأردن"، مشيرا إلى أن "البعض منهم من الصوفيين الذين يعدون الشيعة أقرب من السنة".
وكتب عبد الرحمن العبيدات عبر "إكس" في 17 أغسطس، قائلا: "احذروا يا أردنيين وحذروا كل من تعرفونه، سبق وأخبرنا أن هؤلاء الصوفية هم الوجه الآخر للعملة التي يعد الشيعة وجهها الأول".
وأوضح الناشط الأردني "هؤلاء نفس العقيدة وما يختلفون به هو مسألة سب الصحابة فقط، أما باقي العقائد فهي واحدة فمعبودهم واحد وأصولهم واحدة، احذروا قبل أن نرى يا هوسين ببلدنا".
مروجون للتشيّع
وفي تتبع لأسباب توجيه الدعوة من "العتبة الحسينية" إلى هذه الشخصيات الأردنية دون غيرها، تبيّن أن اثنين منهم قريبان من التشيع وإيران، وداعمان لفتح "السياحة الدينية" بالأردن أمام الشيعة، وخصوصا مرقد جعفر بن أبي طالب أحد شهداء غزوة مؤتة سنة 8 للهجرة، الموافقة 629 ميلادية.
وتداول ناشطون أردنيون مقطعا مصورا للشيخ أبو رمان من مقابلة تلفزيونية يعود تاريخها إلى يونيو/ حزيران 2022، يرى فيها أن "الشيعة مسلمون ومن حقهم زيارة هذه المراقد، وأن مقامات الصحابة ما بنيت إلا لتكون للسياحة الدينية، وحتى تكون مرجعا لكل المسلمين لزيارتها".
وفي المقابلة ذاتها يرد على أبو رمان، أستاذ أصول الفقه في جامعة مؤتة الأردنية عبد الحميد المجالي، بالقول: "هل دين الشيعة في العراق واحد أم في سوريا واليمن ولبنان؟ فماذا فعلوا في أهل السنة في هذه البلدان؟".
وأضاف المجالي مخاطبا أبو رمان: "أنت ليس لديك شيء محظور، ولا تحمل هم الأمة، وإنما تحمل فكرا منحرفا؟ هل يطيب لك أن يحصل لنا في الأردن ما يحصل في العراق؟ هل لدينا شيعة؟ وفكرك على المستوى الوطني هو فكر تدميري".
أما الشخصية الأخرى التي وجهت إليها الدعوة لزيارة كربلاء، هو أستاذ الدراسات الإسلامية في الأردن، محمد هشام سلطان.
ويعد سلطان أحد أبرز الشخصيات التي تشيد بالمرشد الإيراني المؤسس للنظام الجمهوري الحالي في إيران، روح الله الخميني، حتى إنه يعده مجدد القرن العشرين.
ويحتفي الموقع الرسمي للمرشد السابق للثورة في إيران، بما طرحه سلطان عام 2013، بالقول: "إن الإمام الخميني هو مجدد القرن العشرين، له دور كبير في تجديد الناحية الفكرية".
وأضاف سلطان في حديث خاص للموقع: “أعد نفسي متأثرا بأفكار الإمام الخميني الذي تأثرت به كل الحركات الموجودة”.
""ولكن بعض الحركات يعمل مع التيار الإسرائيلي والتيار الأميركي، فهؤلاء لم يعرفوا من هو الإمام الخميني".
وتابع: "الله سيجازي العملاء الذين خانوا هذه الرسالة وهاجموا الإمام الخميني المجدد وفكره لهم عقاب عند الله عز وجل".
وزعم سلطان أن “هذا الإمام هو الذي ثبّت هذه الجمهورية الإسلامية (إيران) وجمع كل المسلمين الشيعة والسنة في لواء واحد”.
وبين أن "هذه الوحدة هي سيادة وعظمة الإسلام، وأنا أعتب على العرب، وعلى كل الذين لم يدركوا معنى الإسلام".
إغراءات إيرانية
وفي يونيو 2021، أثارت زيارة العاهل الأردني عبد الله الثاني للأضرحة في جنوب البلاد ضجةً وجدلا واسعا في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا بعد نشر عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، زيد عمر النابلسي، مقالةً تحت عنوان: "سياحة دينية.. أين المشكلة؟".
ودعا النابلسي في حينها سلطات بلاده إلى فتح الباب أمام "السياحة الدينية الإيرانية للمقامات والأضرحة" في الأردن، بذريعة "إنعاش الاقتصاد الأردني، وتحريك عجلة التنمية في المناطق الجنوبية التي تعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة".
واتفق مع دعوة النابلسي هذه، نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، ممدوح العبادي، الذي رأى أن “الأردن بحاجة إلى مخرج اقتصادي، والسياحة هي الحل”.
ووصف في مطلع يوليو/تموز 2021، من يرفض هذه السياحة بأنهم "أعداء الأردن".
ومما زاد من وتيرة الشائعات في الشارع الأردني، توقيت زيارة الملك عبد الله الثاني للأضرحة، إذ جاءت في 25 يونيو 2021، أي قبل يومين من انعقاد قمّة ثلاثيّة عراقيّة مصرية أردنيّة في بغداد، عدها بعض المراقبين مُقَدِّمةً لفتح أبواب السياحة الدينيّة أمام الشيعة.
التكهنات والشائعات هذه دفعت بوزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن، محمد الخلايلة، إلى نفي ما أُشيع حول وجود سياحة شيعية في الأردن، أو أي علاقة بين زيارة الملك لمقامات وأضرحة الصحابة والحديث عن نية الحكومة تشجيع السياحة الدينية.
وفي الوقت الذي أكد فيه الخلايلة، عدم وجود أي توجه رسميٍ حول ذلك، أوضح المسؤول الأردني أن زيارات الملك للمقامات والمساجد تحدث باستمرار، واستغرب مما تناقله الإعلام عن الزيارة وتحميلها ما لا تحتمل، وفق ما نقله موقع "حسنى" الأردني في 4 يوليو 2021.
كذلك كشف وزير الخارجية الأردني الأسبق، عبد الإله الخطيب، في 17 مايو/أيار 2015 عن مفاوضات جرت بينه وبين مسؤولين إيرانيين بشأن تفعيل "السياحة الدينية"، وطالب خلال المفاوضات بضمانات لعدم الزج بـ"خلايا مخابرات" ضمن السُياح الشيعة، لكن طهران رفضت.
وفي العام 2015 كانت هناك مساعٍ إيرانيةٌ للتوسع في العلاقات مع الأردن بذرائع مختلفة، إذ صرّح وزير الأوقاف الإسلامية الأردني، هايل داود، أن "بلاده رفضت ثلاثة طلبات من عدة جهات إيرانية قُدمت عبر مسؤولين بفتح باب السياحة الدينية للإيرانيين بشكل منظَم".
وأشار داود خلال حديثه لشبكة "سي إن إن" الأميركية في 4 يونيو 2015، أن "هذا الرفض مرحليّ بسبب الظروف السياسية بالمنطقة وبعض المواقف الإيرانية والشيعية التي أسهمت في انتشار الفكر المتطرف".
وشدد الوزير السابق في الوقت نفسه على أنّ "فتح المزارات والأماكن السياحية الدينية أمام الإيرانيين والشيعة، لن يصل بأي حال من الأحوال إلى السماح بممارسة طقوس وشعائرَ شيعية على غرار الحوزة".