براغماتية استعمارية.. ما دلالات تفاوض واشنطن مع حماس مباشرة لأول مرة؟

إسماعيل يوسف | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

في أول خطاب له بالكونغرس عن حالة الاتحاد، في 4 مارس/آذار 2025، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب: "إذا أردت إنهاء الحروب فعليك الحديث مع الطرفين، علينا وقف القتل وهذه الحرب الوحشية".

وهو ما بدا كأنه "ضوء أخضر"، كشف لاحقا عن مباحثات مباشرة تجريها واشنطن، لأول مرة، مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بهدف ضيق هو إطلاق 4 أسرى أميركيين-إسرائيليين، وهدف أوسع هو ترتيب اتفاق جديد لهدنة نهائية في غزة. 

ومع أن ترامب عاد بعد 24 ساعة ليهدد كل شعب قطاع غزة، وليس "حركة المقاومة الإسلامية" فقط بالموت والإبادة الجماعية، قائلا: إذا لم تفرج حماس عن الرهائن فأنت ميت".

فقد وصف محللون تهديدات ترامب بأنها "جزء من التفاوض"، حيث اعتاد إطلاق تهديدات كلامية لتحسين موقف بلاده التفاوضي في أي قضية.

دلالات المباشر

كما ظهر وزير خارجيته مارك روبيو وهو يهدد حماس، واضعا "صليبا" على جبهته، كأنه يعلن عن حرب صليبية ضدها.

إلا أن محللين عدوا تهديد ترامب "جزءا من التفاوض"، الذي أكدت إدارته أنها تجريه مباشرة مع حماس.

ووصف المحلل الإسرائيلي أمير تيبون عبر صحيفة "هآرتس" العبرية في 6 مارس 2025، التهديد الأخير الذي وجهه الرئيس الأميركي ضد حماس بأنه "جزء من تلك المفاوضات".

وتقدر دولة الاحتلال وجود 59 أسيرا بقطاع غزة، منهم 24 على قيد الحياة، بينما يقبع في سجونها أكثر من 9500 فلسطيني، يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.

وكانت هذه الخطوة غير المسبوقة، وهي إجراء إدارة ترامب محادثات مباشرة مع حماس عبر مبعوث خاص، سعيا لإطلاق سراح أسرى أميركيين، والتوصل إلى هدنة طويلة الأمد تنهي العدوان على غزة، حسبما قالت صحف أميركية، مؤشرا على أمرين.

الأول، قناعة واشنطن أن استئناف العدوان لن ينقذ الأسرى لا الإسرائيليين ولا من هم يحملون الجنسية الأميركية مع الإسرائيلية، والثاني، أن حماس لا تزال قوية ومسيطرة على قطاع غزة.

وفي الحالتين، تُعد هذه الخطوة الأميركية، اعترافا بفشل واشنطن وإسرائيل وأن "ما لم يأخذه العدو بالحرب لن يأخذه بالتهديدات والحيل"، كما قال الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة.

ويعد التفاوض المباشر انتصارا كبيرا للمقاومة الفلسطينية، بإجبار أقوى دولة في العالم، أن تجلس معها للتفاوض، بعدما شاركت في محاولة إبادتها ومسح غزة بأطنان القنابل القاتلة المقدمة للاحتلال الإسرائيلي.

مصدر مقرب من حماس أبلغ "الاستقلال" أن التفاوض المباشر يشير إلى أن “ترامب لا يرغب أن يقود بنيامين نتنياهو التفاوض وفق مصالح إسرائيل، وإنما وفق مصالح أميركا، لذا أمسك هو بلجامها، خاصة أنه سبق أن أظهر غضبه من مسلك نتنياهو في الحرب، رغم دعمه المطلق لإسرائيل”.

وسبق أن سب ترامب نتنياهو لتعطيله التفاوض وأجبره على قبول صفقة غزة.

وأضاف المصدر أن هناك أيضا مصلحة "بيزنس" لواشنطن بوقف إبادة غزة واستثمار الوضع الحالي في المنطقة لاستكمال التطبيع سياسيا واقتصاديا مع الدول العربية وهو ما لن يتم إلا في حالة هدوء المنطقة ووقف العدوان الإسرائيلي.

ويقول المحلل الفلسطيني سعيد زياد إن اللقاء المباشر بين الإدارة الأميركية وحماس يعني أن إدارة ترامب غير راضية عن السلوك الإسرائيلي فيما يخص مفاوضات المرحلة الثانية، وأنها ترى في التفاوض المباشر فرصة لتحقيق الاتفاق، وبناء رؤية سياسية لملف غزة.

ورأى زياد في تغريدة عبر "إكس" في 5 مارس، أن "اللقاء التاريخي الأول بين حماس والإدارة الأميركية، بمثابة اعتراف بحماس، وأنها الطرف الأكثر قدرة على الفعل والتأثير، ويشكل صفعة لإسرائيل، ولنتنياهو تحديدا".

ورجح أن يؤدي اللقاء المباشر "لتصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة التي غرستها دولة الاحتلال وكثير من الأطراف في عقلية الإدارة الأميركية، واستكشاف أن حماس ليست شيطانا بقرون من نار، وإنما بشر لهم حق يدافعون عنه".

وتوقع زياد أن “يدفع اللقاء بمفاوضات المرحلة الثانية قدما، وأن يرسل نتنياهو وفده للتفاوض خلال الأيام القادمة، لأن التفاوض المباشر هو البديل، حال تعثر المفاوضات غير المباشرة”.

وأشار إلى أن إدارة ترامب الحالية “تملك مقاربة مختلفة عن مقاربة إدارة جو بايدن السابقة، وهو الانتقال من مربع القضاء على حماس إلى التفاهم معها، وملف الأسرى هو ما كسر هذا التابو التاريخي وسمح بهذا اللقاء الأول”.

ثلاثة أسباب

ويفسر الصحفي المقيم في واشنطن، عبد الرحمن يوسف، في تدوينة عبر فيسبوك في 5 مارس، مناورة ترامب التفاوضية بتهديد حماس، على موقعه “تروث سوشيال”، بثلاثة أسباب.

أولها، أنه "يريد إرضاء نتنياهو وإسرائيل"، بعدما انزعجت من الكشف عن المفاوضات المباشرة التي يجريها مبعوثه مع الحركة في الدوحة، حيث لم يكن الجانب الإسرائيلي على إطلاع مبدئي بهذا اللقاء الذي سُرب عبر موقع “أكسيوس”.

والثاني، أن مبعوث ترامب ويتكوف سيذهب لتحريك المياه الراكدة لمفاوضات المرحلة الثانية، وهناك رغبة في مد المرحلة الأولى والإفراج عن مزيد من الأسرى.

وذلك دون الدخول في تعقيدات المرحلة الثانية، لا سيما الانسحاب من محور صلاح الدين أو مناقشة أمور إدارية داخل غزة، مع الإيعاز للوسطاء المصريين والقطريين بالضغط على حماس للموافقة على إدخال أسرى جدد في التفاوض القائم.

والسبب الثالث، أن ترامب يريد من مخاطبة أهالي غزة وتهديدهم بالموت، اختراق وكسر الحاضنة الشعبية لحركات المقاومة، وتبرير التهجير طوعا أو قسرا لو حدث.

ووصفت صحيفة "هآرتس" العبرية في 6 مارس، الحديث الأميركي المباشر مع حماس عبر مبعوثه الخاص "علامة إيجابية" و"خطوة غير مسبوقة" لإنقاذ حياة الأسرى" الذين لو تجددت الحرب سيتم قتلهم في القصف الإسرائيلي.

وأكد موقع "أكسيوس" الأميركي في 5 مارس، أن "التفاوض المباشر مع حماس، وبدون موافقة إسرائيل، يمثل خطوة لم يسبق أن أقدمت عليها الإدارات الأميركية السابقة.

ورأى محللون أن تهديدات ترامب لحماس دون الحديث عن نكوص إسرائيل عن اتفاق غزة بمثابة "تنصل من اتفاق غزة وتجاهل للاتفاق الذي رعته أميركا".

إذ لم يشر إلى اتفاق وقف إطلاق النار المكون من 3 مراحل، واكتفى بالتهديد والوعيد لحماس وكل شعب غزة، لو لم يطلقوا كل الأسرى، مجانا، كما وضح من منشوره على منصة "تروث سوشال".

فيما رجح آخرون أن يكون تصريحه له علاقة بمناسبة إطلاقه وهو استقباله 6 من الأسرى الإسرائيليين الذين أطلقتهم حماس في البيت الأبيض، كنوع من المجاملة لهم وإظهار أنه سبب في إطلاق سراحهم، ضمنا.

وقالت صحيفة “يسرائيل هيوم” نقلا عن مصدر إسرائيلي مطلع: إن "إسرائيل قلقة للغاية من اتصالات الإدارة الأميركية مع حماس".

فيما وصف مراسل القناة 12 العبرية أنباء التفاوض الأميركي المباشر مع حماس بأنه "هزة أرضية وصفعة كبيرة من ترامب لنتنياهو".

واعترفت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أن الولايات المتحدة تجري محادثات مباشرة مع حماس، قائلة إن الرئيس ترامب يعتقد أن "هذا هو الشيء الصحيح للشعب الأميركي".

وهو ما وصفه محللون أميركيون بأنه "براغماتية" من جانب إدارة ترامب لتلبية مصالحه، لكنها ارتبطت بتهديدات "استعمارية" بقتل وإبادة سكان غزة كلهم.

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن إسرائيل لم تُبلغ مسبقا بهذه الاجتماعات من قبل واشنطن، وتجنبت حكومة نتنياهو توجيه انتقادات علنية لإدارة ترامب.

في حين نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مصدر مطلع على المحادثات أن "هذا التفاوض المباشر مقلق للغاية بالنسبة إلى إسرائيل".

تهديد ترامب

تشير دراسة حالة ترامب إلى أنه اعتاد عبر نظريتي "الدخان والمرايا" على إطلاق تهديدات وتصريحات عنترية متعاقبة، تبدو في السياق كجزء من التفاوض في الغرف المغلقة، عبر تهديدات يطلقها، ولكن سرعان ما يتراجع عن كثير منها.

وأظهرت سوابق التهديد الترامبية وفتح أبواب الجحيم، أنه يلجأ إلى النزول عن الشجرة في نهاية المطاف.

لذا كانت تهديداته بقتل الغزيين وليس حماس فقط، جزءا من هذا التفاوض، حيث جاءت بعد ساعتين من اعتراف البيت الأبيض بإجراء محادثات غير مسبوقة وجها لوجه مع حماس لأول مرة.

كما أن مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أجل زيارته الى المنطقة للمرة الثانية، لإفساح المجال أمام هذا التفاوض المباشر مع حماس والوصول لنتائج، وأبلغ إسرائيل أنه ممنوع أن تستأنف إطلاق النار قبل جولته، حسبما فسرت صحف أميركية تصريحاته.

والأهم أن مشروع ترامب في المنطقة العربية هو "التطبيع"، لذا يرغب في “تبريد” جبهة غزة لضمان تمرير مشروعه الأكبر، رغم الاستعلاء الشيطاني في خطابته وتبنيه علنا "التطهير العرقي" و"الإبادة الجماعية" لسكان غزة.

وكتب ترامب على منصته "تروث"، يقول بلغة متغطرسة: "شالوم حماس" تعني مرحبا ووداعا، يمكنكم الاختيار، أطلقوا سراح جميع الرهائن الآن، وليس لاحقا، وأعيدوا فورا جميع جثث الأشخاص الذين قتلتموهم، وإلا فسينتهي أمركم".

وأضاف: "أنا أرسل إلى إسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة (القتل)، ولن يكون أي عضو في حماس آمنا (اغتيالات) إذا لم تفعلوا ما أقول، فهذا تحذيركم الأخير".

وهدد قادة حماس بالقول: "الآن هو الوقت لمغادرة غزة، بينما لا تزال لديكم فرصة"، ثم هدد كل سكان غزة قائلا: "إذا احتجزتم رهائن، فأنتم ميتون، أطلقوا سراح الرهائن الآن، وإلا فستدفعون الثمن غاليا لاحقا".

وهو ما وصف بأنه تهديد من أقوى إمبراطورية في العالم بارتكاب مذبحة بحق الأبرياء في غزة، وجريمة حرب.

كواليس المفاوضات

بحسب مصادر فلسطينية سعى المبعوث الأميركي الخاص بشؤون الرهائن، آدم بوهلر، خلال لقائه ببعض قيادات حماس في قطر، التي تدير التفاوض حول الأسرى، للحديث عن "صفقة محدودة" لإطلاق أسرى أميركيين فقط.

المصادر أكدت لـ"الاستقلال"، أن بوهلر طلب بشكل مباشر الإفراج عن 4 أسرى أميركيين، وجميعهم عسكريون بجيش الاحتلال، ولم يتحدث عن مقابل سوى تمديد وقف القتال حتى إطلاقهم، ووقف عملية عسكرية إسرائيلية وشيكة.

لكن حماس طرحت خلال المباحثات "صفقة أوسع"، تتضمن استكمال الجزءين الثاني والثالث من اتفاق وقف إطلاق النار الذي نُفذ منه مرحلة أولى فقط، وكانت المباحثات استكشافية ولم تتوصل لنتيجة في جلستها الأولى. 

وقد أكد المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحماس، طاهر النونو، لقناة "الجزيرة مباشر" في 5 مارس 2025، أن اللقاء مع الإدارة الأميركية مفيد لحالة الاستقرار في المنطقة، مرحبا بأي تغير في فكر الإدارة الأميركية.

وقال النونو: إن “هناك تغيرا في الخطاب السياسي الأميركي يختلف عن الإدارات السابقة وهناك توجه لإيجاد صفقة شاملة في المنطقة”.

وأرجع هذا إلى “الموقف العربي والضغط الشعبي الذي قد يحمل ترامب على تغيير مخططه الخاص بالتهجير”.

وقال مصدران لوكالة "رويترز" البريطانية في 5 مارس 2025، إن المحادثات ركزت على إطلاق سراح أسرى أميركيين في غزة، بينهم إيدان ألكسندر، آخر رهينة أميركي على قيد الحياة.

لكنها شملت أيضا مناقشات حول اتفاق أوسع نطاقا لإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين وكيفية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد.

ونقل موقع “أكسيوس” في 5 مارس، عن مصادر بإدارة ترامب، تأكيدها "إجراء محادثات مباشرة مع حماس للإفراج عن الأسرى الأميركيين وإمكانية التوصل إلى اتفاق أوسع لإنهاء الحرب".

فيما قالت صحيفة "وول ستريت جورنال": إن أول اتصال بين المفاوض الأميركي بوهلر وحماس كان خلال فبراير/ شباط 2025 في قطر، وشمل طلبا للإفراج عن الرهائن الأميركيين، وردت حماس بالإفراج عن الإسرائيلي-الأميركي ساغي ديكل تشين.

ويعد تحرك الإدارة الأميركية للتفاوض مباشرة مع حركة حماس تحولا في السياسة الأميركية منذ أن صنفت الولايات المتحدة "حماس" منظمة إرهابية أجنبية عام 1997.

وتهرب المبعوث الأميركي ويتكوف، في حوار مع شبكة "سي إن إن" في 6 مارس 2025، من الحديث عن نتائج المفاوضات.

لكنه قال: إن الإدارة الأميركية "لا تعتقد أن حماس كانت صريحة في المفاوضات"، ما يشير ضمنا إلى عدم رضى واشنطن عن المباحثات.

وقال ويتكوف: "لسوء الحظ، حماس أخبرتنا أنها ستفكر في الأمر بطريقة معينة، ولم تكن كذلك وأعتقد أن هذه معلومات مهمة بالنسبة لنا".

وهو ما يؤكد ضمنا ما أكدت المصادر لـ"الاستقلال" أن حماس طلبت توسيع الصفقة لتشمل تبادل جميع الأسرى مقابل وقف العدوان وإعادة الإعمار.

وغالبا ما تُعلن الولايات المتحدة أنها لا تتفاوض مع المنظمات الإرهابية، لكن كانت هناك استثناءات دائما، حيث تفاوضت كل من إدارتي أوباما وترامب مع حركة "طالبان"، رغم تصنيفها إرهابية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.