قرار مفاجئ.. ما أسباب تعيين أحمد بن مبارك رئيسا للحكومة في اليمن؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

أثار قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، تعيين وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، رئيسا للحكومة، خلفا لمعين عبدالملك، العديد من التساؤلات بخصوص دلالة هذه الخطوة، وإلى أي مدى يمكن أن يحدث ذلك تغييرا حقيقيا في الواقع اليمني.

وفي أول حديث عقب تعيينه على حسابه في منصة "إكس" في 5 فبراير/شباط 2024، قال رئيس الوزراء الجديد أحمد عوض بن مبارك إن "حكومته ستعمل بروح الشراكة الإقليمية والدولية والحرص على أن يكون اليمن شريكا في إحلال السلام والأمن".

‏وتابع: "سنعمل على تحقيق نتائج ملموسة مدركين ما يمر به الشعب اليمني من معاناة وما قدمه ومازال يقدمه من تضحيات في معركته لإنهاء الانقلاب (الحوثي) واستعادة الدولة وانتصاره لقيم الجمهورية ومبادئها الوطنية الديمقراطية الأصيلة".

منذ عام 2014 شهد اليمن انقلابا على السلطة الشرعية في البلاد، قادته مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، والتي سيطرت على العاصمة صنعاء وغالبية مدن شمال البلاد، فيما اتخذت الحكومة المعترف بها دوليا (يرأسها ابن مبارك حاليا)، مدينة عدن عاصمة مؤقتة لها.

اتقدم بعظيم الشكر والتقدير للقيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس الدكتور رشاد العليمي وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي على منحي الثقة وإصدار قرار تعييني رئيسا لمجلس الوزراء في هذا المنعطف التاريخي الهام لبلادنا الحبيبة.
اتولى اليوم هذا المنصب بعزيمة وإصرار على تحقيق نتائج ملموسة في…

— Ahmed A. BinMubarak (@BinmubarakAhmed) February 5, 2024

"عملية تجميلية"

بخصوص تعيين ابن مبارك، قال المحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان، إن "هناك تحوّلا في موضوع إيجاد رئيس وزراء له علاقات دولية وباستطاعته أن يتحاور مع الأطراف الدولية الموجودة في الجغرافيا اليمنية وبالإقليم، كونه عمل سابقا بالأمم المتحدة ولديه تواصل مع الكثير من البلدان".

وأوضح شمسان لـ"الاستقلال" قائلا: "لكن هذا لا يعني أن تغيير رئيس الوزراء هو تغيّر في السياسات، لأن هناك خللا هيكليا كبيرا، بمعنى أن رئيس الحكومة أو مجلس السيادة اليمني لا يمارسون صناعة السياسات، لأنه تمت مصادرتها مع الحق الأصيل للسلطة الشرعية في ممارسة سيادتها".

وتابع: "لذلك، فإن القرار لا يصنع داخل مجلس السيادة ولا داخل كابينة الحكومة، وإنما في دول الإقليم، وأيضا يوجد خلل داخل بنية السلطة الشرعية، فالمجلس الانتقالي الجنوبي، نظريا هو جزء من الشرعية، لكن لديه سياسات تقوضها، وتتجاوزها بتحالفه مع الإمارات، وسعيه لتقسيم البلاد".

وبناء على ذلك، رأى الخبير اليمني أن "التغيير في مجلس الوزراء لن يحدث تغييرا في صناعة السياسات باليمن، لأن المشكلة هي أن الشأن العام للبلاد يدار من دول الإقليم كافة، بما فيها إيران وسلطة عُمان والسعودية والإمارات، إضافة إلى الدول المهينة دوليا".

وشدد شمسان على أن "التحوّل في اليمن سيحصل إذا كان هناك توجه في تعزيز السلطة الشرعية وتمركزها في الجغرافيا اليمنية وتقديم الدعم لها، وأيضا توحيد الجيش الوطني، والقوى التابعة للشرعية من أجل التحرك عسكريا لمواجهة الانقلاب الحوثي".

وأردف: "هذا كله لم يحدث، وبالتالي لن يكون هناك تحوّل اقتصادي، ولا تحولات سياسية كبرى في البلاد، إلا في حال حصل تحوّل إستراتيجي كبير على مستوى الولايات المتحدة ودول أوروبا المهيمنة على القرار الدولي بخصوص اليمن".

و"خاصة الأحداث في البحر الأحمر ربما تطول وهناك مشاريع بديلة لها، فهم (الغرب) يريدون تغيير مسار السفن نحو الطريق البري عبر الإمارات والسعودية ثم الأردن وإسرائيل ومنها لأوروبا، كذلك هناك طريق بن غوريون الإسرائيلي أيضا".

المشروع طرحه الاحتلال لإنشاء قناة مائية داخل الأراضي المحتلة يهدف إلى الربط بين خليج العقبة والبحر الأبيض المتوسط، ويسعى إلى أن يطلق عليها اسم دافيد بن غوريون الأب المؤسس للكيان المحتل، وأول رئيس وزراء له عام 1948.

ولفت شمسان إلى أن "هناك توجهات للغرب للبقاء في الإقليم والممرات البحرية الدولية في البحر الأحمر حتى يتدخل في لحظة ما داخل الجغرافيا اليمنية بحجة مواجهة التطرف أو الإرهاب، لذلك هناك إرادة أميركية أوروبية قائمة على أساس إضعاف السلطة الشرعية اليمنية والحفاظ على الحوثيين".

وتشن "الحوثي" هجمات على سفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إضافة إلى أنها استولت على سفينة "جالاكسي ليدر"، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في 20 نوفمبر، وذلك ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حسبما أعلنت رسميا.

وأكد الخبير اليمني أن "ابن مبارك، لن يُحدث فارقا كبيرا في الملف اليمني إذا لم تتحوّل الإستراتيجيات الدولية والإقليمية، ففي الإقليم هناك صراع خليجي داخل الجغرافيا اليمنية عل مصالحها الجيوإستراتيجية وكل هذا يؤثر ويقسّم النخب اليمنية".

ووصف شمسان ما حصل بأنه "مجرّد عمليات تجميلية للسلطة الشرعية، لكنها لن تحدث شيئا طالما يوجد خلل هيكلي في بنية السلطة، وإدارة الجغرافيا اليمنية ومؤسسات الدولة من الخارج، فضلا عن وجود صراع خليجي –إيراني باليمن، ورؤية أميركية لإعادة تشكيل جيوإستراتيجة المنطقة".

"كسر الجمود"

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي اليمني، نبيل البكيري، إن "القرار في توقيت لا يعلم بسره سوى الذي أصدره، ولا ندري ما تداعياته خاصة أن البيئة السياسية، التي يفترض أن تكون مهيأة لعمل حكومة، لن تتوفر لا في العهد السابق، ولا الحالي".

وأوضح البكري خلال تصريح لقناة "بلقيس" اليمنية في 6 فبراير، أنه "ربما في المستقبل القريب لن نرى ظرفا سياسيا يساعد على أي عمل، وتبقى الإشكالية في عملية تغيير المناصب بهذه الطريقة، لا تضيف جديدا للمشهد".

وأردف: "ربما من قبيل التفاؤل نقول إن إطالة أمد رئيس الوزراء الأسبق في مكانه، طوال مدة كانت مليئة بالاضطرابات والإشكاليات، وكان الفساد والفشل هو سيد الموقف".

وتساءل، قائلا: "لكن ما الذي سيضيفه رئيس الوزراء الجديد؟ هذا السؤال الذي لا نستطيع أن نجيب عليه، ولكن لدينا بعض الملامح فيما يتعلق بالبيئة السياسية بأنها لا تشجع أحدا على النجاح حتى في هذا الظرف، وفي هذه الوضعية السياسية، التي تعيشها اليمن منذ مدة".

وأكد البكيري أن "المشكلة في اليمن لا تكمن بشخص معيّن، بل في الظرفية والبيئة السياسية، التي لا تتوافر فيها أدنى مقومات أن يكون هناك قرار سياسي وطني صادر عن إرادة وطنية".

ولفت إلى أن "القرارات السياسية في هذه المرحلة تصدر من المتدخلين في الشأن اليمني، لأن إرادة البلد مسلوبة، وكل جديد سيظهر على السطح، لا يخضع لإرادة اليمنيين، ولا أعتقد أن المسألة اليمنية تمثل لهم هما مؤرقا وهدفا يسعون من أجله، لذلك ننتظر ونرى ما سيفعله (ابن مبارك) خلال الأيام والشهور القليلة القادمة".

وأشار البكيري إلى أن "التفاؤل شيء، لكن واقعنا السياسي في حضيض العمل، ولم تعد هناك عملية سياسية بالأساس اليوم، وهذا التغيير -باعتقادي- لكسر حالة الجمود فيما يتعلق باستمرار نفس الوجوه على المكان نفسه، ولا إرادة وطنية في هذا التغيير".

وتساءل الخبير اليمني، قائلا: "قرار تعيين ابن مبارك يحمل الرقم 56 للعام 2024، ونحن الآن في الشهر الثاني من هذا العام، وقبل هذا موجود 55 قرارا جمهوريا صادرا، فما هي هذه القرارات وأين ذهبت، وماذا فعلت؟، فهل المشكلة في إيجادها أم بإيجاد الحد الأدنى لوجود الدولة؟"

وبحسب البكيري، فإن "الحالة اليمنية اليوم بلا دولة، والموجود حاليا هو أشبه بسلطة تدير حالة مؤقتة، وهي نوع من شرعنة الواقع السيئ الموجود، في ظل حالة انقسام، وتدهور، وفشل في كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية".

وشدد الخبير اليمني على أن "الظرفية السياسية الحالية المعقدة في اليمن، لا يمكن أن تنتج عملا جيدا، بمعنى آخر أن المسألة لا تتوقف على شخص مثل أحمد عوض بن مبارك، أو أحد آخر سيأتي من خارج هذه التشكيلة؛ لأن الوضعية وصلت إلى درجة من السوء فيما يتعلق بكل أداء الدولة".

تفاؤل غربي

على صعيد ردود الأفعال الغربية على قرار التعيين، فقد رحّبت الولايات المتحدة الأميركية، بنصيب رئيس حكومة جديد باليمن في بيان مقتضب صادر عن سفير واشنطن لدى البلاد، ستيفن فاجن، نشره حساب السفارة عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 5 فبراير 2024.

وقال فاجن: "نهنئ معالي الوزير أحمد عوض بن مبارك بمناسبة توليه منصب رئيس الوزراء (في اليمن)، ونقدر الشراكة الوثيقة (لابن مبارك) مع الولايات المتحدة خلال فترة عمله سفيرا في واشنطن (2017- 2020) ووزيرا للخارجية".

وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، إنه يتطلع لمواصلة التعاون الوثيق بين البلدين دعما للسلام في اليمن واستقراره وازدهاره، فيما صرحت سفيرة لندن في اليمن، عبدَة شريف أوبي، بأنها "تتطلع بشدة لاستمرار التعاون الوثيق لدعم السلام والأمن".

من جهتها، هنأت السفيرة الفرنسية لدى اليمن، كاثرين قرم كمون، ابن مبارك على تعيينه رئيسا للوزراء، قائلة: "أتطلع إلى مواصلة علاقة الثقة بين البلدين لإعادة بناء الدولة خدمة للجميع".

وعلى الوتيرة ذاتها، هنأ السفير النرويجي لدى اليمن، توماس ليد بول، ابن مبارك بتوليه رئاسة الحكومة اليمنية، قائلا: "نتطلع إلى مواصلة حوارنا الجيد والبقاء ملتزمين بدعمنا لعملية السلام الشاملة الّتي تقودها الأمم المتحدة".

وأعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن أنها تتطلع إلى العمل مع ابن مبارك في دوره الجديد لتعزيز العلاقة طويلة الأمد والسلام في البلاد، حسب تدوينة  رسمية لهم عبر منصة "إكس" في 5 فبراير.

وشغل أحمد عوض ابن مبارك المولود في مدينة عدن الجنوبية عام 1968، منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس الوزراء المقابل معين عبدالملك منذ ديسمبر/كانون الأول 2020.

وفي 17 يناير/كانون الثاني 2015، اختطفه الحوثيون، أثناء توجهه لتسليم مسودة الدستور اليمني الجديد بصفته أمين عام لجنة صياغة الدستور، واستمر اختطافه لمدة 13يوما.

وبعد الإفراج عنه جرى تعيينه في يوليو/تموز 2015، سفيرا لليمن ومفوضا فوق العادة في الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك سفيرا غير مقيم في المكسيك والبرازيل والأرجنتين.

ويتمتع ابن مبارك بعلاقات دولية واسعة، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة العربية السعودية، التي تعدّ اللاعب الأساسي في الملف اليمني، لا سيما السلطة الشرعية المعترف بها دوليا.