زيارة بلادهم الأصلية.. كيف تؤثر على وضع اللاجئين السوريين والأفغان بأوروبا؟
"هناك اتجاه من قبل الحكومات الأوروبية لسن قوانين هجرة جديدة صارمة"
في وقت تواصل فيه دول أوروبا التأكيد على أنها ستظل منفتحة على قبول اللاجئين الفارين من الحرب والاضطهاد في بلدانهم الأصلية، تشدد كذلك على أنها "ليست غبية" حيال استغلال الحماية الدولية لهم.
فقد أثارت ظاهرة بدأت تتنامى في صفوف اللاجئين في دول أوروبا، الجدل بعدما رصد سفر بعض هؤلاء اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية، وهو أمر مخالف لقوانين اللجوء ويصل لحد إلغاء صفة الحماية في حال ثبوت ذلك.
"إلغاء اللجوء"
وأصدر مفوض الهجرة بالحكومة الألمانية يواكيم ستامب تحذيرا للاجئين من السفر إلى بلدانهم الأصلية للترفيه أو قضاء العطلات.
وأكد في مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية، في 21 أغسطس 2024، أن مثل هذه الأفعال قد تؤدي إلى فقدان وضع الحماية الخاص بهم واحتمال ترحيلهم من ألمانيا.
وسلط ستامب الضوء على الحاجة إلى تنسيق الجهود بين الحكومة الفيدرالية والولايات والبلديات لمنع اللاجئين من القيام بزيارات غير مصرح بها إلى بلدانهم الأصلية.
وأضاف ستامب: "يتعين على ألمانيا أن تظل منفتحة ومرحبة، ولكن ليس ساذجة"، وأردف: "ويتعين على السلطات أن تضمن أن الأفراد الذين يسعون إلى الحماية في بلدنا، ولكنهم يختارون قضاء إجازاتهم في وطنهم، يفقدون على الفور وضع الحماية الخاص بهم ولا يُسمح لهم بالبقاء في ألمانيا".
بدورها، أعربت وزارة الداخلية في هامبورج عن مخاوف ستامب، مشيرة إلى أنه "من المفهوم أن السفر إلى بلد واجه فيه اللاجئ الاضطهاد في السابق يثير تساؤلات حول وضعهم فيما يتعلق بالحماية".
وأضافت الوزارة في بيان لها: "إذا كانت هناك طرق سفر تسمح بسهولة الوصول إلى بلد اللاجئ الأصلي، فهذا يشير أيضا إلى إمكانية إعادته إلى وطنه".
وفي الفترة الأخيرة، رصدت قناة "RTL Extra" الألمانية المحلية، رحلات إلى أفغانستان يقوم به بعض اللاجئين خلال العطلات من دون معرفة السلطات.
وفجرت هذه التقارير الجدل داخل ألمانيا، لا سيما أنه خلال فحص طلب اللاجئ للحصول على اللجوء يتم إجراء مقابلة شخصية متعمقة معه ومعرفة الوضع العام في بلده والمخاطر التي يعاني منها أبناء هذا البلد بشكل عام.
ووفقا للقانون الأساسي، يتمتع الأشخاص الذين يتعرضون للاضطهاد السياسي بحق اللجوء في ألمانيا.
وتُمنح الحماية الفرعية للأشخاص الذين يمكنهم تبرير تعرضهم لخطر الأذى الجسيم في بلدهم الأصلي، مثل عقوبة الإعدام أو التعذيب.
يمكن أيضا أن تكون المخاطر العالية بشكل عام، على سبيل المثال بسبب النزاعات المسلحة، كافية للحصول على الحماية الثانوية.
وهذه الظاهر، لا تقتصر على ألمانيا بل على كثير من دول أوروبا، إذ أيد مجلس الدولة الهولندي قرارا أصدرته دائرة الهجرة والتجنيس (IND) في أغسطس 2024 يقضي بعدم منح تصاريح إقامة لطالبي اللجوء السوريين الذين يعودون إلى وطنهم بعد تقديم طلبات اللجوء في هولندا.
ونشأ هذا الحكم بعد رصد سفر لاجئين سوريين إلى مناطق خاضعة لسيطرة نظام الأسد في سوريا بينهم لاجئ سوري حاصل على اللجوء بهولندا سافر ست مرات إلى مناطق الأسد التي تصفها الأمم المتحدة بأنها "غير آمنة".
وتؤكد السلطات الهولندية على ضرورة تشديد سياسات الهجرة واللجوء، بحجة أن طالبي اللجوء الذين يعودون إلى سوريا يثبتون عدم وجود تهديد حقيقي لحياتهم في بلدهم الأصلي، مما يضعف مبرر منحهم الحماية الدولية.
واللاجئون يتمتعون بوضع الحماية في ألمانيا يمنحون جوازات سفر زرقاء وهي لا تسمح لهم بزيارة وطنهم.
التفاف غير قانوني
إلا أنه على سبيل المثال رصد سفر بعض الأفغان بشكل غير قانوني إلى بلدهم الأصلي، ويستخدم هؤلاء حيلة تتمثل بتجنب إرفاق تأشيرة السفر في جواز السفر.
كما أن كثيرا من اللاجئين في دول أوروبا والحاصلين على حق اللجوء يقومون بتأمين تأشيرات إلى دول حدودية لبلدانهم ثم يدخلونها برا بجوازات سفر بلدانهم.
فعلى سبيل المثال يقوم لاجئون سوريون بالسفر إلى لبنان أو كردستان العراق والدخول برا إلى بلدهم وغالبية هؤلاء ليسوا من المطلوبين أمنيا.
ولهذا عندما يحصل الشخص على وضع محمي في بلد أوروبي ما؛ بسبب المخاطر في وطنه الأم، لا يسمح له عموما بالسفر إلى هناك.
وعودة هؤلاء اللاجئين إلى دول اللجوء الأوروبية، دون أي مشاكل أمنية أثناء إقامتها في بلدانهم الأصلية يشكل خرقا لقوانين اللجوء ويؤثر في نهاية المطاف على تصنيف الدول آمنة أو غير آمنة.
حتى إنه في بعض الدول مثل الدنمارك تقوم بوضع تصنيفات داخل مناطق الدولة الواحدة على أنها آمنة أو غير آمنة وبموجب ذلك تقرر منح اللجوء لمقدم الطلب من الدولة ذاتها.
وعلى سبيل المثال تصنف الدنمارك في سوريا دمشق والمنطقة المحيطة وطرطوس واللاذقية الخاضعة لسلطة الأسد على أنها "آمنة" لعودة اللاجئين إليها.
ففي عام 2022، سلبت الدنمارك 94 لاجئا سوريا تصاريح إقامتهم بعد إعلان أن دمشق والمنطقة المحيطة بها كمناطق آمنة. وقد كانت الدنمارك أول دولة في الاتحاد الأوروبي تقرر أنه يمكن إعادة اللاجئين إلى سوريا.
اللافت أن عودة هؤلاء ودخولهم إلى مناطق النظام السوري، تتزامن مع استمرار هجرة أقرانهم السوريين نحو دول أوروبا وتعريض أنفسهم للمخاطر في طريق اللجوء التي لا تخلو من حوادث وفاة عند حدود أوروبا.
فقد توفي خلال يوليو/ تموز 2024 عدد من المهاجرين السوريين غير النظاميين أثناء رحلة اللجوء قرب الحدود الأوروبية.
حيث جرى توثيق في منتصف أغسطس 2024 وفاة الشاب السوري "أحمد الصالح السلوم" من أبناء محافظة ديرالزور متوفيا في غابات بلغاريا أثناء رحلة لجوئه إلى أوروبا بعد أن أصابه الإرهاق والتعب الشديد.
كما توفي في الشهر المذكور كل من مجد الحسين من ريف حلب وإبراهيم المسالمة من درعا ومحمد قدور من حلب خلال رحلة اللجوء إلى أوروبا.
"مراجعة حالة الحماية"
وتعليقا على هذا المسار، أكد الصحفي المختص بشؤون اللاجئين بشر النوفل أن"المكتب الاتحادي في ألمانيا للهجرة يتحقق أولا من حالة الحماية الممنوحة للاجئ الذي ثبت قيامه بزيارته لبلده الأصلي للتأكد من كون الظروف التي تسببت بتقديم طلب اللجوء لا تزال سارية".
وأضاف لـ"الاستقلال": "وفي حال زيارة اللاجئ أو الحاصل على الحماية الفرعية لبلده أو تواصل مع سفارة بلده لاستصدار أوراق ثبوتية له أو تجديد جوازت سفر فهذا يستدعي إعادة التحقق من حالة الحماية التي يتمتع بها اللاجئ كون التواصل أو زيارة البلد تثبت عدم تعرض اللاجئ للخطر ببلده الأمم".
وأردف:"وخلال إجراءات الإلغاء سيتأكد المكتب الاتحادي في ألمانيا للهجرة من ظروف الزيارة لبلده وهل تمت بشكل قانوني أو غير قانوني أو لأسباب فردية مثل المرض أو وفاة أحد أفراد الأسرة، أو الزواج أو الطلاق، أو حل الميراث وغيره".
ومضى النوفل يقول: "طبقا لقوانين الهجرة في ألمانيا فإن قائمة الدوافع الفردية لا تؤدي تلقائيا إلى استنتاجات بشأن أسباب إلغاء وضع الحماية، إذ ستتم مراجعة كل حالة على حدة لتحديد ما إذا كانت الرحلة ستؤدي إلى إلغاء وضع الحماية أم لا".
وأمام تنامي هذه الظاهرة التي بدأت تثير الجدل داخل برلمانات دول أوروبا لا سيما مع اتجاه الحكومات هناك لسن قوانين هجرة صارمة، بدأت بعض الأحزاب بتقديم طروحات لمكافحة ذلك.
إذ يدرس سياسيون من أحزاب مختلفة في ألمانيا، بما في ذلك الحزب الديمقراطي الاجتماعي الحاكم، والحزب الديمقراطي الحر، وأحزاب الخضر، سن قوانين أكثر صرامة لمنع إساءة استخدام وضع اللاجئ من خلال السفر غير المصرح به إلى بلدانهم الأصلية.
وضمن هذه الجزئية، قال سيباستيان هارتمان، المتحدث باسم السياسة الداخلية في الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي: "إن ألمانيا تمنح الحماية للأشخاص لأسباب إنسانية، والذين اضطروا إلى الفرار من وطنهم بسبب الخطر الذي يهدد حياتهم وأطرافهم".
واستدرك: "ولكن إذا عادت مجموعات من الناس إلى بلدانهم الأصلية لقضاء إجازة، فمن الواضح أنه لا يوجد خطر مباشر يهدد سلامتهم".
وضمن هذا السياق كذلك، تقول لمياء قدور، المتحدثة باسم السياسة الداخلية للمجموعة البرلمانية لحزب الخضر: "من حيث المبدأ، لا يوجد ما يمنع السفر بجوازات سفر زرقاء.. الشيء المهم هو ضمان الشفافية بشأن وجهات السفر وضمان السيطرة عند العودة".
واقترحت قدور في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) في 19 أغسطس أن "شرط تدوين طوابع الدخول في جواز السفر، بدلا من الأوراق غير المكتملة، قد يساعد". وأكدت قدور أن "السفر إلى بلدان الوطن الخطرة يجب أن يتم فقط بموافقة المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين إذا كان ذلك لا مفر منه".
وقد أيد ستيفان توماي، المدير البرلماني للمجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر، أن "أي شخص يتقدم بطلب اللجوء أو حماية اللاجئين في ألمانيا ثم يعود طوعا إلى البلد الذي فر منه بسبب الحرب أو الحرب الأهلية أو الاضطهاد الشخصي، فمن الواضح أنه لم يعد بحاجة إلى حمايتنا".
وتقول توماي: "في مثل هذه الحالات، يجب إلغاء وضع الحماية على الفور، ثم الطرد وحظر الدخول والإقامة".