واشنطن ترفع حظر بيع الأسلحة الهجومية إلى السعودية.. ما دلالة التوقيت؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

أثار قرار الولايات المتحدة، رفع الحظر المفروض على بيع الأسلحة الهجومية السعودية العديد من التساؤلات بخصوص دلالات توقيت هذه الخطوة، في وقت تتصاعد فيه الهجمات الأميركية على الحوثيين، إضافة إلى التوتر القائم في المنطقة واحتمالية نشوب حرب بين إيران وإسرائيل.

ومنذ أوائل عام 2021، جمّدت الولايات المتحدة بيع فئات معينة من الأسلحة الهجومية في إشارة إلى عدم موافقة إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على الحرب السعودية مع مليشيا الحوثي المدعومين من إيران في اليمن، والضربات ضد أهداف مدنية هناك.

وتراجعت حدة القتال في الأراضي اليمنية بشكل ملحوظ بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، الذي توسّطت فيه الأمم المتحدة، ودخل حيّز التنفيذ في أبريل/ نيسان 2022، إذ لا تزال هذه الهدنة سارية إلى حد كبير حتى بعد انتهاء مفاعيلها في أكتوبر من العام نفسه.

إلغاء الحظر

في تراجع صريح عن سياساتها السابقة التي استمرت ثلاث سنوات للضغط على المملكة لإنهاء حرب اليمن، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في 10 أغسطس/آب 2024، أن إدارة الرئيس جو بايدن قررت رفع الحظر على بيع الولايات المتحدة أسلحة هجومية للسعودية. 

ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية (لم تكشف عن هويته) أن "الوزارة ألغت تعليق بعض عمليات نقل الذخائر جو-أرض إلى السعودية"، مؤكدا "سننظر في عمليات نقل جديدة وسنتناول كل حالة على نحو منفصل بما يتفق مع سياسة نقل الأسلحة التقليدية".

وقال المسؤول بوزارة الخارجية أيضا: "نلاحظ أيضا خطوات إيجابية اتخذتها وزارة الدفاع السعودية على مدى السنوات الثلاث الماضية لتخفيف الضرر على المدنيين، ويرجع ذلك جزئيا إلى عمل المُدربين والمستشارين الأميركيين".

ونقلت الوكالة أيضا عن مسؤول وصفته بـ"الكبير" في إدارة بايدن (لم تكشف عن هويته) أن "السعوديين وفّوا بجانبهم من الاتفاق، ونحن مستعدون للوفاء بجانبنا".

وقال المسؤول بالإدارة الأميركية إنه لم تقع أي غارة جوية سعودية على اليمن وتوقف إلى حد بعيد إطلاق النار عبر حدوده نحو المملكة منذ مارس/ آذار 2022، حينما نفذت السعودية وجماعة الحوثي اليمنية هدنة توسطت فيها الأمم المتحدة.

وينص القانون الأميركي على مراجعة أعضاء الكونغرس للصفقات الكبرى المتعلقة بتصدير الأسلحة قبل إتمامها. 

وأثار مشرعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري تساؤلات حول إرسال أسلحة هجومية للمملكة في السنوات القليلة الماضية، مشيرين إلى قضايا منها خسائر لحقت بالمدنيين في اليمن ومجموعة من المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

وفي أواخر عام 2014، انقلب الحوثيون على الحكومة الشرعية في اليمن، الأمر الذي فجّر حربا بين الأطراف اليمنية، ثم قادت السعودية تحالفا عسكريا منذ  2015 يقاتل إلى جانب الحكومة، وهو صراع أدى إلى مقتل مئات الآلاف وترك 80 بالمئة من سكان اليمن معتمدين على المساعدات الإنسانية.

دلالات التوقيت

وبخصوص دلالات توقيت القرار الأميركي، رأى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان، أن "أكثر من عامل يقف وراء إعادة تصدير الأسلحة الهجومية الأميركية إلى المملكة العربية السعودية"، مستبعدا في الوقت ذاته أن "تعاود الرياض  قصف الحوثيين".

وأوضح شمسان لـ"الاستقلال" أن "أول هذه العوامل، هو توجه المملكة نحو حلفاء آخرين في مرحلة سابقة وتقليص الاعتماد عل الولايات المتحدة بشكل كلي، وذهابها باتجاه الصين وروسيا، وبالتالي فإن هذا الانفتاح ربما يجعل من حليف آخر يخفض من تحالفه الكلي مع الولايات المتحدة".

الأمر الآخر، يضيف شمسان، فإن "السعودية لم تكن في الآونة الأخيرة تتعاون بشكل كبير مع الولايات المتحدة كما كانت في السابق، لأن هناك تخلي عنها من واشنطن في معركة مصيرية، لذلك اتجهت نحو إعادة العلاقة مع إيران وفتح الحوار مع الحوثيين، وعدم التقدم باتجاه إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل".

وأشار إلى أن "العامل الآخر، هو أن السعودية تتعرض إلى تهديدات من الحوثيين، والرياض حليف أساسي لواشنطن ووفقا للاتفاقيات هناك اتفاقيات دفاع مشترك بين واشنطن والرياض وحماية للمملكة، لكن واشنطن تعيق قدرات الأخيرة على الدفاع عن الهجمات".

وأردف، شمسان قائلا: "هناك عنصر آخر يتعلق بما يحدث في المنطقة وإمكانية أن تتسع المعركة وخاصة ما يحدث في فلسطين، والمخطط الإسرائيلي والاحتقان العربي، وأيضا الصراع الإيراني مع الغرب، كل هذه الأحداث لن تجعل من السعودية حليفا كاملا مع الولايات المتحدة".

وبيّن الكاتب أن "السعودية تقف موقفا يدافع عن مصالحها، ولم تذهب إلى التطبيع أو تنخرط في مواجهة إيران كما حددت الولايات المتحدة وإسرائيل بأن طهران وراء كل ما يحدث بالمنطقة، لكن الرياض وقفت موقفا حياديا إلى حد ما بحيث أنها لا تنضم إلى ما يسمى بالتحالفات المجانية".

ولفت إلى أنه "ثمة عامل آخر يتعلق بالانتخابات الأميركية، وبالتالي هناك تأثير خارجي على ما يحدث في الداخل، وإذا فاز دونالد ترامب فإنه سيرفع مستوى العلاقات مع السعودية، وسيحمّل إدارة بايدن مسؤولية صعود إيران وأحداث 7 أكتوبر، واستمرار الحرب في أوكرانيا". 

"من هذه العوامل أيضا، عودة تصدير السلاح الأميركي للسعودية له وظيفة رد الحوثيين، رغم أن الولايات المتحدة تريد بقاءهم في الحقل السياسي والعقائدي في اليمن، لأسباب تتعلق بإعادة ترتيب الشرق الأوسط على أسس انتماءات طائفية وصراعات"، حسب الخبير اليمني.

وخلص شمسان إلى أن "هذه العوامل أدت إلى رفع الحظر الأميركي عن تصدير السلاح الهجومي إلى السعودية"، مستبعدا أن "تعود المملكة إلى قصف الحوثيين، لأن تفاهمات واسعة بينهما، لكن قرار الحوثي مرتبط بإيران، وإذا اتخذت الأخيرة قرارا بذلك، فإن الرياض لديها خيار القصف".

العامل الزمني

وفي المقابل، قال الباحث في شؤون الشرق الأوسط، عماد الدين الجبوري، إن "القرار الأميركي برفع حظر الأسلحة الهجومية عن السعودية يرتبط بالمدة الزمنية، فمنذ وقف إطلاق النار في اليمن قبل نحو عامين تقريبا التزمت المملكة بعدم قصف الأراضي اليمنية  بغارة جوية".

وأضاف الجبوري لـ"الاستقلال": "لذلك على الطرف الآخر، وهو الأميركي أن يفي بالتزاماته ويرفع حظر الأسلحة الهجومية، وبالتالي المسألة لا شأن لها بما يتعلق بشؤون أخرى سواء تتعلق بجانب التطبيع مع إسرائيل، وكذلك ما يتعلق بالحرب في غزة".

وأشار الخبير إلى أن "المملكة العربية السعودية تبقى حليفا إستراتيجيا للولايات المتحدة، وحتى خلال هاتين السنتين بقيت الرياض تشتري الأسلحة الدفاعية الأميركية".

ورأى الجبوري أن "الانتقاد هنا يجب أن يوجه إلى واشنطن فهي تتذرع منذ وصول جو بايدن إلى رئاسة الولايات المتحدة، بالحقوق المدنية والإنسانية وأن الجانب السعودي يضر بالجانب المدني".

وتابع: “لكن وجدنا ومنذ 10 أشهر أن الاحتلال الإسرائيلي يقصف بلا رأفة ولا رحمة وأباد أحياء كاملة ومجازر يومية في غزة، فأين الموقف الأميركي تجاه حقوق الإنسان المدني في القطاع؟”

من جهته، قال المحلل السياسي السعودي، محمد الأنصاري، لموقع قناة "الحرة" الأميركية في 10 أغسطس، إن "الولايات المتحدة تعترف بالخطوات الإيجابية التي اتخذتها وزارة الدفاع السعودية لتحسين العمليات التي تقلل من الضرر الذي يلحق بالمدنيين في اليمن".

ورأى الأنصاري أن "ذلك يرجع إلى مساعي المملكة في تطوير التدريبات العسكرية والتكتيكية والاستخباراتية، وتعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي بين الملكة وواشنطن".

وتطرق الخبير السعودي إلى ما وصفه بـ"التحولات الجيوسياسية والاضطرابات في الشرق الأوسط" بصفتها أهم عوامل محاولات واشنطن التقرب من الرياض، قائلا "أدت الاضطرابات الأخيرة في الشرق الأوسط، خاصة بعد الحرب بين حماس وإسرائيل، إلى تغيير الأولويات".

وأشار إلى أنه "ومع تصاعد التوترات الإقليمية، تجد الولايات المتحدة أنه من المهم إستراتيجيا تعزيز العلاقات مع السعودية، التي يُنظر إليها على أنها شريك حاسم في الحفاظ على الاستقرار بالمنطقة، والتي تحتاج إليها واشنطن وإسرائيل".

وبشأن ارتباط القرار الأميركي بمساعي التطبيع بين المملكة وإسرائيل، قال الأنصاري إن "السعودية لن تقدم على مثل هذه الخطوة إلا بعد وقف إطلاق النار بشكل كامل ونهائي في غزة، وإيجاد حل يرضي الفلسطينيين بشأن مستقبل القطاع".

وشدد على أن "عمليات الاغتيال التي تنفذها إسرائيل وتحديدا بعد مقتل رئيس حركة حماس، إسماعيل هنية، تصعب من محاولات التقارب، وكذلك تعطيل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لأي اتفاق في غزة، واستمرار بعض أعضاء حكومته في التحريض على الفلسطينيين".

ووفقا لما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" في 10 أغسطس، عن مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية (لم تكشف هويتهم) فإن "الولايات المتحدة سمحت بشحنة أولية من الذخائر جو-أرض، وتقول إنها ستنظر في عمليات نقل جديدة إضافية "على أساس كل حالة على حدة".