بعد مناظرة ترامب.. هل يبدأ الديمقراطيون رحلة البحث عن بديل لبايدن؟
“بايدن تحطم في أول مواجهة مباشرة مع ترامب وقدم أداء غير مستقر خلال المناظرة”
حين وافق على إجراء "مناظرة" مع خصمه، الرئيس السابق دونالد ترامب، كان الرئيس الأميركي جو بايدن يأمل في بناء زخم جديد لحملته لإعادة انتخابه، قبل شهرين تقريبا من الموعد المقرر لترشيحه رسميا في أغسطس/آب 2024.
لكن وبدلا من ذلك، أثار أداؤه المتعثر وغير المترابط في المناظرة التي عقدت في 27 يونيو/حزيران 2024 موجة من الذعر بين أعضاء حزبه الديمقراطيين، وأعاد فتح المناقشة حول ما إذا كان بايدن المرشح الأنسب أم يجب تغييره بشكل عاجل.
والهدف من هذه المناظرات، عادة، هو تحديد، أي المرشحين يستحق الفوز في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لكن بعد هذه المناظرة بين بايدن وترامب، لم يعد السؤال المطروح في أميركا هو “من المرجح فوزه؟”.
ولكن، من سيكون مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة بدلا من بايدن، خلال المؤتمر العام للحزب في أغسطس 2024، بعدما ظهر الرئيس، كأن صلاحيته منتهية، حيث ظهر ضعيفا وشارد الذهن خلال مناظرة ترامب.
كثير من الخبراء السياسيين المقربين من الحزب الديمقراطي، وحتى المتعاطفين مع بايدن على منصات التواصل الاجتماعي، كان موقفهم يدور حول ضرورة استبدال بايدن بمرشح ديمقراطي آخر، بسبب كبر سنه.
متعثر ومفكك
قبل المناظرة، كانت استطلاعات الرأي تشير إلى منافسة قوية ومتقاربة بين بايدن (81 عاما) وترامب (78 عاما)، مع وجود شريحة كبيرة من الناخبين لم تحسم رأيها بعد قبل خمسة أشهر فقط من الانتخابات التي ستجرى في 5 نوفمبر 2024.
وكانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يواجه فيها رئيس أميركي لا يزال في منصبه، رئيسا سابقا في مناظرة رئاسية، لكن بايدن وافق على أمل أن يحسم الأمر ضد ترامب، مستغلا محاكمة الأخير في سلسلة قضايا وإدانته في إحداها.
كان هدف بايدن من قبول المناظرة هو استغلال إدانة ترامب في قضية إباحية ليضع الناخبين مبكرا، بين خيار اختياره أو انتخاب "مجرم حاول إلغاء الانتخابات، وسيقضي على الديمقراطية الأميركية إذا مُنح سلطة الرئاسة مرة أخرى".
لكن حدث ما تخوف منه بعض أنصار الحزب، وتغلبت شيخوخة بايدن على قدرته في الرد على ترامب، رغم أن الأخير "كذب 26 مرة خلال المناظرة"، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" في 27 يونيو 2024.
الرئيس الأميركي الذي كان في حاجة ماسة إلى استخدام هذه المناظرة لطمأنة الناخبين المشككين في أنه يتمتع بالقدرة الجسدية والعقلية على التحمل لقيادة بلاده، قدم بدلا من ذلك “أداء هشا”.
ونسي الجميع أكاذيب ترامب والقضايا المتهم فيها، وركزوا على فشل بايدن، من زاوية أن فشله في المناظرة قد يكون مدخلا لخسارته في انتخابات الرئاسة وفوز ترامب.
فقد كانت حملة ترامب تركز على إقناع الأميركيين أن بايدن غير مؤهل للرئاسة لأنه منتهي الصلاحية الذهنية، وهو ما نجح ترامب في تثبيته خلال المناظرة، حين ظهر بايدن وهو غير قادر على إظهار حضوره الذهني.
بدلا من تبديد المخاوف بشأن تأثير عمره على قدراته الذهنية، جعل بايدن، هذه القضية "مركزية"، وأهم من قضايا الأميركيين الأخرى، مثل الاقتصاد، ما أثار الشكوك حول قدرته على خوض حملة قوية وتنافسية قبل قرابة شهرين من الانتخابات.
"أندرو يانغ"، المرشح الديمقراطي للرئاسة عام 2020 دعا الرئيس بايدن إلى التنحي سريعا.
وقال في تغريدة عبر منصة “إكس” في 28 يونيو: "يجب على الديمقراطيين ترشيح شخص آخر قبل فوات الأوان".
صحيفة "نيويورك تايمز" أكدت في 27 يونيو 2024 أن أداء بايدن "المتعثر والمفكك" أثناء مناظرته مع خصمه ترامب، "أثار موجة من الذعر" بين الديمقراطيين، وأعاد فتح النقاش حول ما إذا كان ينبغي أن يترشح من الأساس.
وقالت إن "بايدن لم يكن في أفضل حالاته"، حسبما قال الديمقراطيون، الذين دافعوا عن الرئيس لعدة أشهر ضد المشككين فيه بمن فيهم أعضاء من إدارته، خلال المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي تبادلوها بعد المناظرة.
وبعضهم لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن الصدمة، في حين ناقش آخرون فيما بينهم على انفراد "ما إذا كان الوقت فات لإقناع الرئيس بالتنحي لصالح مرشح أصغر سنا".
أداء كارثي
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن "خبير إستراتيجي ديمقراطي مخضرم" دعم بايدن بقوة علنا، إن "بايدن على وشك مواجهة دعوات للتنحي"، ويرى أنه "كانت لديه شعبية كبيرة من الديمقراطيين، لكنها تلاشت"، عقب المناظرة.
أيضا قالت مجموعة من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين، شاهدوا المناظرة، للصحيفة الأميركية، إنها "كانت كارثة لبايدن"، و"المناقشات حاليا تدور حول ضرورة ترشيح مرشح رئاسي جديد"، بدلا منه.
مارك بويل، وهو متبرع قوي لبايدن والحزب الديمقراطي، قال، بعد المناظرة إن "الرئيس يجب أن يفكر بجدية فيما إذا كان الشخص الأنسب ليكون المرشح، لأن الديمقراطية هنا على المحك"، أي لو خسر وفاز ترامب.
مع هذا، حين سئل بايدن عن احتمالات مغادرته الانتخابات وترشيح بديل عنه، أكد أنه مستمر ولن يترك السباق، وأرجع ظهوره الضعيف وصوته المبحوح إلى أنه كان يعاني من "نزلة برد والتهاب في الحلق".
وعندما سُئل عن مخاوف الديمقراطيين بشأن أدائه ودعواتهم له للتفكير في ترك السباق، قال: "لا، من الصعب المناظرة مع كاذب".
ورفض مساعدو ومستشارو بايدن فكرة خروجه من السباق، وعدوا هذا الحديث "مجرد فزع لا تبرير له"، حتى مع تراجع شعبيته أمام ترامب في الولايات التي ستكون ساحة التنافس ويحتاج إليها للفوز على منافسه.
صحيفة "وول ستريت جورنال" قالت إن بايدن "تحطم" في أول مواجهة مباشرة مع ترامب، و"قدم أداء غير مستقر خلال المناظرة".
وذكرت في 28 يونيو 2024 أن "بايدن افتقر إلى الحيوية والقدرة التي بدا عليها في خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه في مارس/ آذار 2024، وهو الظهور الذي أعطى الديمقراطيين بعض التفاؤل بشأن قوة حملته".
وأوضحت أن “ترامب سعى إلى تسليط الضوء على تلعثم بايدن وإظهاره ضعيفا غير قادر على تولي فترة رئاسة ثانية”، وهو ما زاد من إرباك بايدن.
وتحت عنوان "الديمقراطيون المذعورون يبدأون في البحث عن بدائل لبايدن"، ذكرت مجلة "بوليتيكو" في 27 يونيو أن "الديمقراطيين يعدون ما حدث في المناظرة أمرا غير قابل للتصديق، وأنه قد حان الوقت لرحيل بايدن".
ونقلت عن ثلاثة إستراتيجيين مقربين من ثلاثة مرشحين رئاسيين ديمقراطيين محتملين أنهم تعرضوا لوابل من الرسائل النصية تشير إلى الذعر الشديد إزاء أداء بايدن "المتعثر"، وبعضهم كان يناقش بجدية "استبداله في الانتخابات".
كما نقلت المجلة الأميركية عن مستشار آخر بالحزب أن "ما لا يقل عن 6 من المانحين الرئيسين قاموا بإرسال رسائل نصية تحتوي على كلمة (كارثة)، وحثوا الحزب أن (يفعل شيئا ما)"، لكنهم أقروا بأنه "ليس هناك ما يمكن فعله ما لم يتنح بايدن جانبا".
وذكرت صحيفة "ذا هيل" أن "المناظرة كانت إحدى أكثر المناظرات الرئاسية دراماتيكية منذ عقود، حيث تركت الديمقراطيين في حالة من القلق".
وأكد موقع "أكسيوس" في 28 يونيو أن أخطاء بايدن "الفادحة" التي هيمنت على المناظرة، وإجاباته "المتعثرة في بعض الأحيان"، جعلت حلفاءه يعبرون عن "مخاوف جدية بشأن تأثير ذلك على قدرته في منافسة ترامب".
كبوة مؤقتة
مع ذلك، أشارت صحيفة "واشنطن بوست" في 27 يونيو 2024، إلى نقاط قوة لصالح الرئيس الديمقراطي خلال المناظرة، عندما تحدث عن هجوم أنصار ترامب على مبنى الكونغرس الأميركي في 6 يناير 2021، والمشاكل القانونية التي يواجهها ترامب.
وذكرت الصحيفة، أن بايدن حرص على تسليط الضوء على إدانات ترامب بارتكاب جرائم، واستشهد بالمشاكل الأخرى للرئيس السابق، من بينها قضايا "ممارسة الجنس مع نجمة إباحية"، و"التحرش بامرأة في الأماكن العامة".
وحاولت أيضا إظهار أنها ربما كبوة مؤقتة للرئيس بايدن، خاصة أن هذه أول مناظرة وسيعقبها ثانية خلال شهر.
وقالت الصحيفة: "غالبا ما يتعثر الرؤساء في مناظراتهم الأولى في موسم الانتخابات العامة، إما لأنهم مترددون أو لأنهم مفرطون في الثقة، لكنهم في كثير من الحالات يعوضون ذلك بأداء أقوى لاحقا".
"واشنطن بوست" ركزت على أخطاء ترامب، قائلة: "لم يكن لديه ردود قوية، باستثناء استشهاده بادعاءاته بأن القضايا رفعت من قبل نظام قضائي مسيس".
وذكرت أن "أداء ترامب ركز على الادعاءات الكاذبة والمضللة" التي اعتاد قولها لأنصاره، مثل قوله أنه "وضع حدا أقصى لتكاليف الإنسولين قبل أن يقوم بذلك بايدن، وعدم وقوع هجمات إرهابية في عهده، ورغبة بايدن في مضاعفة الضرائب المفروضة على الناس أربع مرات".
وذكرت شبكة "سي إن إن" الأميركية في 27 يونيو 2024 أن "ترامب كرر الأكاذيب" التي يرددها، مثل إنكاره لنتائج انتخابات عام 2020، وقال إنه سيقبل نتائج انتخابات 2024 "إذا كانت عادلة وقانونية".
أيضا أشار موقع "أكسيوس" في 28 يونيو إلى "أكاذيب ترامب المتكررة، وعدم رغبته في القول ما إذا كان سيقبل نتائج انتخابات عام 2024".
وحذر الموقع من أن "تهرب ترامب مرارا وتكرارا من الأسئلة حول قبول نتائج الانتخابات، يثير مخاوف من وقوع أعمال عنف سياسي بعد انتخابات نوفمبر 2024 لو خسر مجددا".
وأشار تقرير لموقع "ناشيونال إنترست" في 28 يونيو إلى أنه رغم أن أداء بايدن في المناظرة "الأسوأ في التاريخ الأميركي"، وجعل الديمقراطيين يفكرون في بديل له، إلا أن “الأمل الوحيد الذي يملكه الديمقراطيون في هذه المرحلة هو أن ترامب بلغ ذروته مبكرا للغاية، وقد يتراجع أداؤه رغم أنه وجه ضربة قوية لبايدن في أول مناظرة، سيكون من الصعب عليه التعافي منها”.
وحول مسألة كبر سنه، رد بايدن "تم انتقادي كثيرا عندما كنت الأصغر في مجلس الشيوخ، والآن أصبحت الأكبر سنا، وترامب ليس أصغر مني سوى بثلاث سنوات، ولكنه لم يحقق ما حققته في إدارتي".
المرشح البديل
بعد الأداء “السيئ والمرعب” كما وصفه الديمقراطيون، لرئيسهم بايدن في المناظرة الرئاسية الأولى، أصبح الحديث يدور حول البحث عن مرشح بديل، رغم أنه لم يعد الوقت كافيا للحزب الديمقراطي ليستبدل ببايدن مرشحا آخر.
وتم ذكر حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، البالغ من العمر 56 عاما وميشال أوباما زوجة الرئيس الأميركي الأسبق كأبرز المرشحين.
وهناك أيضا غريتشن ويتمر، حاكمة ولاية ميشيغان، أو شيرود براون، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو.
وطالب نيكولاس كريستوف، وهو كاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز، بترشيح السيناتور شيرود براون أو وزير التجارة جينا ريموندو أو حاكمة ميشيغان غريتشين، مؤكدا قدرتهم على هزيمة ترامب.
من جانبه، استبعد حاكم ولاية كاليفورنيا نيوسوم، الذي غالبا ما يُطرح اسمه كمرشح بديل محتمل، للصحفيين ترشحه بدلا من بايدن، قائلا: "لا ينبغي لبايدن أن يتنحى".
وتمنع قواعد الحزب الديمقراطي استبدال المرشحين دون موافقتهم، ولو حدث ذلك سيكون معناه الانقلاب على نتائج الانتخابات التمهيدية التي رشح فيها جميع مندوبي الحزب بأغلبية ساحقة بايدن، بنسبة 99 بالمئة.
لذا فإن السيناريو الوحيد المعقول للديمقراطيين للحصول على مرشح جديد هو أن يقرر بايدن الانسحاب، وهو أمر استبعده مرارا من قبل.
ويمكنه أن ينسحب من سباق الرئاسة مع البقاء لبقية فترة ولايته الحالية في البيت الأبيض، كما فعل ليندون جونسون عام 1968.
وتقول صحف أميركية إن ميثاق اللجنة الوطنية الديمقراطية يتضمن بعض الأحكام في حالة عجز مرشح الحزب أو اختياره التنحي، ومن الممكن نظريا حدوث انقلاب ضد بايدن في مؤتمر الحزب، رغم أن ذلك مستبعد إلى حد كبير.
وإذا انسحب بايدن لن تكون نائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة بالضرورة، لأن قواعد الحزب لا تمنح نائب الرئيس أي ميزة تلقائية كبيرة على المرشحين الآخرين، وأداؤها في استطلاعات الرأي أسوأ من بايدن.